"لجنة اور": إشكاليات العمل مقابل المجتمع العربي

إستمر عمل لجنة اور قرابة السنتين، وتوزّع على مرحلتين. المرحلة الاولى خُصصت لجمع البيّنات واستيضاح الحقائق، في حين تمحورت المرحلة الثانية من عمل اللجنة في الشخصيات التي حذرتها اللجنة، لمسؤوليتها المحتملة، بشكل أو بآخر، عمّا جرى خلال أكتوبر 2000. وحذرت لجنة التحقيق 14 شخصية، شملت رئيس الحكومة آنذاك أيهود براك؛ وزير الأمن الداخلي حينها شلومو بن عامي؛ تسعة افراد شرطة، من بينهم القائد العام للشرطة آنذاك، يهودا فيلك، وقائد المنطقة الشمالية في الشرطة خلال مظاهرات أكتوبر، أليك رون. وتطرقت هذه التحذيرات الى أداء هذه الشخصيات أثناء مظاهرات الاحتجاج في أكتوبر 2000. كما حذرت لجنة التحقيق ثلاثة شخصيات عربية من القيادة السياسية للمجتمع العربي وهم: النواب عبد المالك دهامشة وعزمي بشارة، إضافة للشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الاسلامية- الجناح الشمالي. وتطرقت رسائل التحذير الموجهة الى النواب دهامشة وبشاره والشيخ صلاح الى ما سُمّي "تحريض المجتمع العربي" قبل وخلال أكتوبر 2000. وفي حالة الشيخ رائد صلاح أضافت لجنة التحقيق أنه "أظهر الدولة كعدو"، ومسَّ "بشرعية وجودها".

أكتوبر 2000 و"لجنة أور"

أحداث مركزية أدت الى مظاهرات الاحتجاج في أكتوبر 2000

في الثامن والعشرين من أيلول للعام 2000 توجه أريئيل شارون، عضو الكنيست عن "الليكود" آنذاك، بصحبة نحو 2000 من رجال الشرطة، الى الحرم القدسي الشريف، وذلك على الرغم من التحذيرات من خطورة مثل هذه الزيارة وما قد تؤدي إليه. وبالفعل، خلّفت زيارة شارون الى الحرم الكثير من القتلى والمصابين الفلسطينيين في الاراضي المحتلة عام 1967، لا سيما الولد ابن الثانية عشرة، محمد الدرة، الذي قتل في أحضان ابيه يوم 1.10.2000. وكان لبثّ هذا المشهد من على شاشات الفضائيات العربية والعالمية الأثر الكبير في حملة تظاهرات عالمية ضد الممارسات الاسرائيلية القمعية. وكانت القوات الاسرائيلية قتلت سبع فلسطينيين بعد صلاة الجمعة في باحة الحرم الشريف يوم 29.9.2000، وأصابت عشرات آخرين. ووصل عدد القتلى الفلسطينيين في سائر الاراضي المحتلة عام 1967، بعد أسبوع واحد فقط من توجه شارون الى الحرم الشريف، 80 قتيلا والمئات من المصابين.

وكانت لجنة المتابعة العليا لقضايا الجماهير العربية أعلنت في إجتماعها يوم 30.9.2000 عن اليوم التالي، 1.10.2000، يوم إضراب عام، ودعت لإقامة مسيرات إحتجاجية في البلدات العربية. وواجهت الشرطة مظاهرات الاحتجاج في المجتمع العربي بوسائل فتاكة، وبالضرورة غير قانونية، شملت إطلاق الرصاص الحي والرصاص المعدني المغلف بالمطاط، كما أستعين بالقناصة ضد المتظاهرين العرب. وجراء استعمال الشرطة للقوة المفرطة والفتاكة، قتل 13 مواطنا عربيًا، وهم: الشهيد محمد أحمد جبارين (23 سنة، من أم الفحم، قتل يوم 1.10.2000)؛ الشهيد أحمد صيام جبارين (18 سنة، من معاوية، أصيب يوم 1.10.00 وتوفي اليوم التالي)؛ رامي غره (21 سنة، من جت، اصيب يوم 1.10.00 وتوفي اليوم التالي)؛ الشهيد علاء نصار (18 سنة، من عرابة، قتل يوم 2.10.00)؛ الشهيد أسيل عاصلة (17 سنة، من عرابة، قتل يوم 2.10.00)؛ الشهيد وليد أبو صالح (21 سنة، من سخنين، قتل يوم 2.10.00)؛ الشهيد عماد غنايم (25 سنة، من سخنين، قتل يوم 2.10.00)؛ الشهيد إياد لوابنة (26 سنة، من الناصرة، قتل يوم 2.10.00)؛ الشهيد مصلح أبو جراد (19 سنة، من غزة، قتل في منطقة ام الفحم يوم 2.10.00)؛ الشهيد رامز بشناق (24 سنة، من كفر مندا، قتل يوم 3.10.00)؛ الشهيد عادل خمايسي (19 سنة، من كفر كنا، اصيب يوم 3.10.00 وتوفي في اليوم التالي)؛ الشهيد عمر عكاوي (42 سنة، من الناصرة، قتل يوم 8.10.00)؛ الشهيد وسام يزبك (25 سنة، من الناصرة، اصيب يوم 8.10.00 وقتل في اليوم التالي).

أطلقت الشرطة الرصاص الحي والرصاص المعدني المغلف بالمطاط باتجاه المتظاهرين العُزّل، مستعينة بالقناصة أيضا، من دون أن يتعرض أفرادها أو غيرهم لأي خطر. وكانت الإستعانة بالقناصة، خاصة في منطقة ام الفحم، تتم عن طريق تصويب ثلاثة قناصة الرصاص الحي باتجاه نفس الهدف: متظاهر واحد. وتثبت الشهادات والإفادات العديدة التي قدمت الى لجنة التحقيق، لا سيما تلك التي قدمها مركز "عدالة"، تثبت بوضوح أن الشرطة أطلقت النار لكي تلحق أكبر ما يمكن من الأذى، وليس بهدف حماية نفسها او غيرها. ولعل أبرز شاهد على ذلك هو تلك الاصابات التي ادت الى مقتل الشهداء، وهي إصابات في النصف العلوي للجسم: في الرأس (الشهداء رامز بشناق ووسام يزبك (من الخلف)) او في الوجه (الشهداء رامي غرة وأحمد جبارين وعماد غنايم) او في العنق (الشهيد أسيل عاصلة (من الخلف))، او في الصدر (الشهداء إياد لوابنة وعمر عكاوي (من الخلف) ومصلح أبو جراد)، أو في الخاصرة (الشهيد وليد أبو صالح). كما أدى إطلاق الرصاص نحو المتظاهرين الى إصابة المئات منهم، حيث كانت غالبية هذه الإصابات في الجزء العلوي من الجسد أيضًا.

ولم يكن صدفةً إستعمال الشرطة للوسائل الفتاكة، في تعاملها مع مظاهرات الاحتجاج للمواطنين العرب في اكتوبر 2000، ولا سيما اطلاق رصاص القناصة. وقد تبين لطاقم ”عدالة" من خلال إطّلاعه على الوثائق الموجودة أمام لجنة التحقيق، أن الخطط التي تدربت عليها الشرطة للتعامل مع مظاهرات واسعة في المجتمع العربي شملت بشكل واضح استعمال وسائل قمع شديدة، بما فيها الاستعانة بالقناصة. وكانت أبرز هذه الخطط تلك المدعوة بـ "كيسم هامنغيناه" (קסם המנגינה)، والتي تدربت قوات الشرطة على أوامرها أكثر من مرة، وصولا الى "لعبة الحرب" التي أجريت في مركز تدريب الشرطة في شفاعمرو، قبل شهر واحد فقط من مظاهرات أكتوبر 2000. وقد إفتتحت الشرطة هذا الاجتماع، الذي شمل قيادات الشرطة والجيش و"الشاباك"، بالكلمات التالية:

"أهلا وسهلا بكم إلى لعبة الحرب، "رياح العاصفة". نحن نُستضاف اليوم ونستضيف الجميع، في مركز دراسات الشرطة، وقبل حوالي 52 سنة أحتُلّتْ هذه المنطقة، التي نتواجد فيها الآن، على يد الكتيبة السابعة وكتيبة "جولاني". التاريخ الدقيق: 14.7.1948. وها نحن الآن، بعد مرور 52 سنة على ذلك، نجد أنفسنا منشغلين في نفس المسائل تقريبًا، ليس إحتلال البلاد، ولكن الحفاظ عليها."

كما شملت أوامر الشرطة، من خلال تعليمات قائد الشرطة آنذاك، يهودا فيلك، التعامل مع مظاهرات المجتمع اليهودي بصورة مَرِنة، أي بشكل عكسي تمامًا لأوامر الشرطة فيما يتعلق بمواجهة مظاهرات المجتمع العربي. وكانت قيادة الشرطة قد قيّمت أداءها خلال مظاهرات الاحتجاج للمجتمع العربي بشكل أيجابي، من خلال وثيقة رسمية للشرطة عرضت في مؤتمر لها يوم 11.8.2000، أي بعد نحو شهر فقط من المظاهرات. وورد في هذه الوثيقة ان الإستعانة بالقناصة ضد المتظاهرين كانت مفيدة، اذ شكل ذلك عاملا رادعا لهم. أي، وبإعتراف الشرطة، لم تكن الاستعانة بالقناصة للدفاع عن الذات أو عن آخرين، بل لإلحاق الاذى بالمتظاهرين كعامل رادع لهم.

يجدر التنويه الى أن الاستعانة بالوسائل الفتاكة ضد المتظاهرين العرب جاءت كنتيجة مباشرة لأوامر رئيس الحكومة آنذاك، أيهود براك، والتي أصدرها لقيادة الشرطة خلال إجتماع خاص عقده في بيته مع هذه القيادة، بإشتراك شلومو بن عامي، وزير الأمن الداخلي آنذاك، في الليلة بين 1.10.2000 و 2.10.2000. وسمح براك خلال هذه الجلسة للشرطة "باستعمال كل الوسائل" (كما ورد على لسانه في مقابلة أجراها في الراديو صباح 2.10.00) في التعامل مع المتظاهرين العرب، على الرغم من علمه وعلم كل من تواجد في هذا الاجتماع الحاسم، باستشهاد شاب في منطقة أم الفحم وإصابة العديد من الشبان هناك، جراء إطلاق قوات الشرطة للنار. ولم ينجح براك حتى اليوم في إظهار أي توثيق لما جرى في هذا الاجتماع، الا أن هناك روايات متناقضة رواها مساعدوه حول سبب عدم وجود مثل هذا التوثيق.

وعلى الرغم من نفي براك وبن عامي لعلمهما باستعانة قوات الشرطة بالرصاص الحي وبالقناصة، الا بعد بدء لجنة التحقيق عملها، فإن هناك أدلة عديدة تشير الى عكس ذلك. فقد نشرت الصحافة العبرية الرئيسية، لا سيما "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس"، حول هذا الموضوع إبتداءً من يوم 2.10.2000، كما أن نشرة الأخبار المركزية في القناة الاولى ذكرت يوم 2.10.00 مساءً، وبشكل واضح، الإستعانة بالقناصة في أم الفحم في ذلك اليوم. ولكن، وحتى لو افترضنا أن براك وبن عامي لم ينجحا في متابعة الأخبار المنشورة في وسائل الاعلام العبرية المركزية، تبقى هناك الأدلة المباشرة المشيرة الى علمهما باطلاق الرصاص الحي وحتى الاستعانة بالقناصة قبل بدء لجنة التحقيق عملها. وبالنسبة لبراك، فقد طلب من أحد مساعديه الاستفسار بصدد ما يجري مع أليك رون من إطلاق نار، كما أن موضوع استعمال الشرطة للرصاص الحي طرح خلال جلسة الحكومة مساء 9.10.2000. وبالنسبة لبن عامي، فقد كان شارك في مؤتمر قيادة الشرطة يوم 11.8.2000 الذي تم فيه تقييم عمل الشرطة، والاستعانة بالقناصة تحديدا، بشكل ايجابي. وأثنى بن عامي على الجهود التي بذلتها الشرطة خلال مظاهرات أكتوبر 2000، وأعلن أمام قيادة الشرطة دعمه ودعم الحكومة غير المشروط للشرطة خلال مظاهرات الاحتجاج وبعدها.

إقامة لجنة التحقيق الرسمية

في أعقاب مظاهرات الاحتجاج وقتل وإصابة العديد من المتظاهرين، عيّنت الحكومة الاسرائيلية في البداية لجنة فحص جماهيرية. لم يتعاون المجتمع العربي بهيئاته مع هذه اللجنة، التي لم تحظَ بصلاحيات جدية مقابل الحكومة، مما أدى الى حلها بعد فترة وجيزة من الاعلان عن تعيينها. وأعلنت الحكومة يوم 8.11.2000، مع اقتراب موعد الانتخابات لرئاسة الحكومة، أنها قررت إقامة لجنة تحقيق رسمية للتحقيق فيما جرى خلال أكتوبر 2000، والعوامل التي أدت الى ذلك، شاملة مسألة التحريض أو المحرّضين "من كل الاطراف". عُيّن قاضي المحكمة العليا، تيودور أور، رئيسًا للجنة التحقيق، وبروفسور شمعون شامير (سفير اسرائيل السابق في مصر والاردن) والقاضي سهل جراح عضوين في اللجنة. وبعد فترة قصيرة من بدء عمل اللجنة، طلب القاضي جراح، لأسباب صحية، التنحي من منصبه. ثم عُين القاضي هاشم خطيب من المحكمة المركزية في الناصرة، بدلا منه.

إستمر عمل لجنة التحقيق قرابة السنتين، وتوزّع على مرحلتين. المرحلة الاولى خُصصت لجمع البيّنات واستيضاح الحقائق، في حين تمحورت المرحلة الثانية من عمل اللجنة في الشخصيات التي حذرتها اللجنة، لمسؤوليتها المحتملة، بشكل أو بآخر، عمّا جرى خلال أكتوبر 2000. وحذرت لجنة التحقيق 14 شخصية، شملت رئيس الحكومة آنذاك أيهود براك؛ وزير الأمن الداخلي حينها شلومو بن عامي؛ تسعة افراد شرطة، من بينهم القائد العام للشرطة آنذاك، يهودا فيلك، وقائد المنطقة الشمالية في الشرطة خلال مظاهرات أكتوبر، أليك رون. وتطرقت هذه التحذيرات الى أداء هذه الشخصيات أثناء مظاهرات الاحتجاج في أكتوبر 2000. كما حذرت لجنة التحقيق ثلاثة شخصيات عربية من القيادة السياسية للمجتمع العربي وهم: النواب عبد المالك دهامشة وعزمي بشارة، إضافة للشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الاسلامية- الجناح الشمالي. وتطرقت رسائل التحذير الموجهة الى النواب دهامشة وبشاره والشيخ صلاح الى ما سُمّي "تحريض المجتمع العربي" قبل وخلال أكتوبر 2000. وفي حالة الشيخ رائد صلاح أضافت لجنة التحقيق أنه "أظهر الدولة كعدو"، ومسَّ "بشرعية وجودها".

وقد تنعكس إسقاطات تبني لجنة التحقيق لرسائل التحذير ضد أي من الشخصيات التي حُذرت، على المستوى السياسي الجماهيري، أي إصدار أحكام ضد هذه الشخصيات. كما ان هذه الاسقاطات قد تطال توصية بإجراء تحقيق جنائي وحتى توصية بتقديم لائحة إتهام ضد المُحذّر. وقام مركز "عدالة" بتمثيل القيادات السياسية العربية المُحذّرة أمام لجنة التحقيق. وشمل هذا التمثيل تقديم إلتماس الى المحكمة العليا ضد لجنة التحقيق، والمطالبة بإبطال تحذيراتها الموجّهَه الى النواب دهامشة وبشارة والشيخ صلاح. ورفضت المحكمة العليا الإلتماس، بقرار لم يتجاوز طوله الصفحة ونصف الصفحة، من دون التطرق للعديد من الادعاءات القانونية الواردة في الالتماس.

إشكاليات عمل لجنة التحقيق مقابل المجتمع العربي

عانى عمل لجنة التحقيق مقابل المجتمع العربي من إشكاليات عديدة. ولم تشمل هذه الاشكاليات عائلات الشهداء والقيادات السياسية العربية التي حُذرت فحسب، وإنما شملت سائر المجتمع العربي. وكانت أبرز هذه الاشكاليات كالتالي:

- عدم تشخيص معظم المسؤولين عن القتل

المهمة المركزية التي كان على لجنة التحقيق التمركز بها هي كشف الحقيقة حول قتل 13 مواطنا عربيا واصابة المئات منهم، خلال مظاهرات الاحتجاج في أكتوبر 2000. لم تنجح لجنة التحقيق في هذه المهمة، اذ من بين 13 حالة قتل استطاعت اللجنة، كما يبدو، معرفة مرتكب القتل في حالتين فقط، حالتي الاستشهاد في جت (الشرطي راشد مرشد) وفي سخنين (الشرطي جاي رايف). ويشير فشل لجنة التحقيق في التوصل الى مرتكبي القتل في معظم الحالات التي حققت فيها، الى عدم بذلها الجهد الكافي والمطلوب، كما أنه يكشف حقيقة تستر أفراد الشرطة على ما ارتكبوه وتنسيق الافادات فيما بينهم، مُتّبعين بذلك "عقيدة" أخوة أفراد الوحدة الواحدة.

- عدم منح عائلات الشهداء حق الاستجواب

طلبت عائلات الشهداء من لجنة التحقيق، بواسطة مركز "عدالة"، حقَّ إستجواب أفراد الشرطة والمستوى السياسي الاسرائيلي، خلال المرحلة الثانية من عمل اللجنة. واستند هذا الطلب الى أن عائلات الشهداء تشكل طرفًا مباشرًا للاجراءات أمام لجنة التحقيق، ولهم الحق في معرفة الحقيقة حول المسؤولين عن قتل أبنائهم. كان بإمكان منح حق الاستجواب لعائلات الشهداء المساهمة في الكشف عن الحقيقة، لا سيما بواسطة عرض التناقضات الموجودة والتي كان من الممكن أن تُبرز، خلال الاستجواب، التناقضات في روايات أفراد الشرطة والمستوى السياسي الاسرائيلي. وقد مُنح مثل هذا الحق لعائلات ضحايا خلال عمل لجان تحقيق مشابهة في بريطانيا، خاصة اللجنة التي حققت في أحداث "يوم الاحد الدامي" في شمال أيرلندا. إلا أن لجنة التحقيق الاسرائيلية رفضت طلب عائلات الشهداء، مدعية أن منح مثل هذا الحق قد يمس بنجاعة الإجراءات أمامها.

- مجال عمل لجنة التحقيق وتطبيقه

شمل مجال عمل لجنة التحقيق (نطاق التخويل القانوني) مسألة ما سُمي بـ "التحريض". هناك إشكاليتان أساسيتان لشمل مسألة التحريض في مجال عمل لجنة التحقيق، وهما مترابطتان: الأولى قانونية والثانية سياسية. قانونيًا، يجب أن يكون عمل لجنة تحقيق رسمية موجها نحو السلطة التنفيذية وأذرعتها المختلفة. وتشكل اللجنة جسمًا فاحصًا للسلطة التنفيذية، نابعًا منها، يخاطبها، وموجهًا لها. لا يجوز للجنة تحقيق رسمية ان تتجاوز نطاق إخفاقات السلطة التنفيذية، نحو المواطنين والاحزاب السياسية، اذ أن هؤلاء يواجهون مؤسسات أخرى تحقق معهم في حال خرقهم لأي من القوانين. الإشكالية السياسيّة الكامنة في إدراج مسألة "التحريض" في مجال عمل اللجنة هي إستغلال هذا المصطلح للوم المجتمع العربي. ففي الخطاب السياسي الاسرائيلي المهيمن، "المحرض" هو دائمًا وأبدًا السياسي العربي المُنتخب، والذي يُعبّر عن آلام وطموحات ومصالح شعبه. فهذا المصطلح هو، بالعبرية، كناية عن النواب العرب في الكنيست.

وقد أثبت تطبيق اللجنة لمجال عملها في سياق مسألة "التحريض" هذه المقولة مرة اخرى. إذ أن اللجنة حققت مع القيادات السياسية العربية فقط، في مسألة "التحريض"، دون غيرهم. أي بشكل مُميّز. كما لم تحقق لجنة التحقيق مع أي من القيادات السياسية الاسرائيلية غير الحكومية في مسألة التحريض، ولم تُحقق مع أي من المجتمع اليهودي حول هذا الموضوع، ولم تلقَ الهجمة على الناصرة يوم 8.10.2000، التي نفذها سكان "نتسيرت عيليت" اليهود، أي صدى لدى اللجنة، فيما يتعلق بمسألة التحريض. وظلَّ أريئيل شارون غائبًا كلية عن مجريات لجنة التحقيق، على الرغم من أن زيارته للحرم الشريف يوم 28.9.2000 كانت أحد الأسباب المركزية لما جرى فيما بعد. وتزيد غرابة الغياب الشاروني عن لجنة التحقيق من أثر التحقيق مع القيادات السياسية العربية بصدد تصريحات سياسية لهم منذ سنة 1998، أي قبل سنتين من مظاهرات الاحتجاج في أكتوبر 2000.

وكان مركز "عدالة" توجّه الى لجنة التحقيق والى الحكومة، فور الإعلان عن مجال عمل اللجنة (التخويل القانوني) في تشرين الثاني 2000 وإدراج مسألة التحريض فيه. وفصّل هذا التوجه الإشكاليات القانونية لتعريف مجال عمل اللجنة وطلب من الحكومة تغييره. كما طلب مركز "عدالة" من لجنة التحقيق العمل بموجب صلاحيتها المنصوص عليها في قانون لجان التحقيق، عن طريق التوجه الى الحكومة وطلب تغيير تعريف مجال عمل اللجنة بحيث لا يشمل مسألة "التحريض". لم تتلقَ هذه التوجهات أي رد. ولم يستلم مركز "عدالة" أي رد أيضا على توجهه المجدد في نفس القضية، والذي ارسله الى لجنة التحقيق مباشرة بعد البدء بالتحقيق مع القيادات السياسية العربية.

- إلقاء اللوم على المجتمع العربي

لم ترُقْ مظاهرات الاحتجاج لدى المجتمع العربي في بداية اكتوبر 2000 للجنة التحقيق. وقد عبر أحد أعضاء اللجنة في إحدى جلساتها عن توجهها العام، بأن هذه المظاهرات لم تكن شرعية ولاقت ردًا غير شرعي من الشرطة. وبرز لوم المجتمع العربي، أي لوم الضحية، من خلال الاسئلة السياسية التي وُجهت الى قيادات هذا المجتمع، في حين لا تملك لجنة التحقيق الصلاحية بتوجيه هذه الاسئلة في سياق تحقيقها. وبلغ لوم الضحية ذروته عند إصدار رسائل التحذير لثلاثة من القياديين السياسيين العرب. ومما لا شك فيه أن هذه التحذيرات غير قانونية، وما هي الا محاولة لخلق توازن مصطنع بين الضحية وجلادها.

- الاعتماد على معلومات سرية ومعادية من "الشاباك"

اعتمدت لجنة التحقيق على كميات كبيرة من المعلومات التي زودتها أجهزة المخابرات المختلفة، خاصة جهاز "الشاباك". وتطرقت هذه المعلومات، بالأساس، إلى تحليل التيارات السياسية في المجتمع العربي. وبقيت أهم هذه المعلومات وأكثرها حساسية سرية وغير مكشوفة. كما مثل رئيس "الشاباك"، آفي ديختر، والمسؤول عن المنطقة الشمالية في نفس الجهاز، أمام لجنة التحقيق بصورة سرية، أي في جلسة مغلقة. وناقضت لجنة التحقيق ذاتها فيما يخص اعتمادها على هذه المعلومات عند اصدار رسائل التحذير للقياديين السياسيين العرب الثلاثة (النواب دهامشة وبشارة والشيخ صلاح). ففي رد على رسالة مركز "عدالة" في هذا الصدد، أعلنت لجنة التحقيق أن مصدر رسائل التحذير هو مادة اللجنة المكشوفة فقط وليس السرية. إلا انه في رسالة لاحقة للجنة التحقيق، صرحت بأن هناك مادة سرية لـ "الشاباك" أمام اللجنة، تشكل أحد المصادر لإصدار رسائل التحذير.

وليس هناك أدنى شك في أن المعلومات التي أمدّ بها "الشاباك" لجنة التحقيق، لا سيما تلك المتعلقة بالتيارات السياسية في المجتمع العربي، لا تشكل "تحليلا موضوعيا" لتطور هذه التيارات. ومعلومات "الشاباك" بصدد التيارات السياسية في المجتمع العربي معادية بوضوح لهذه التيارات، وتشكل بحد ذاتها موقفًا سياسيًا حكوميًا يجب تهميشه في المجتمع العربي والاسرائيلي ومناهضته علنيًا ومن دون وجل. وادعى مركز "عدالة" في مرافعته أمام "لجنة أور" أن "الشاباك" هو جهاز مخابراتي يعمل ضمن صلاحيات مكتب رئيس الحكومة الموسعة، ومواقفه التحليلية المعادية للتيارات السياسية العربية كانت بمثابة مدخلاً لتدخل عملي وغير قانوني في حق المجتمع العربي في أن ينظم ذاته سياسيًا. وكان على "لجنة أور"، من ناحية قانونية، عدم اعتماد معلومات "الشاباك" لسببين مركزيين: الاول، موقع "الشاباك" كجهاز في مكتب رئيس الحكومة وكون مواقفه مرتبطة بهذا المكتب، وتعتبر تدخلاً غير شرعي في حق التنظم السياسي؛ والثاني، يتعلق بالتمييز المحيط بمعلومات "الشاباك"، إذ لم يقدم مثلها او لم يطلب منه مثل هذه المعلومات فيما يخص التنظم السياسي لغير العرب.

- ماذا على تقرير لجنة التحقيق أن يشمل؟

لكي يكون بالامكان اعتبار تقرير لجنة التحقيق تقريرًا جادًا، أوفى مسألة قتل 13 مواطنا عربيا وإصابة المئات الآخرين حقَّها، ومنح الوزن اللائق للمعلومات التي قدمت للجنة التحقيق، من مركز "عدالة"، والمتوفرة لديها بوسائل أخرى، على هذا التقرير شمل العناصر التالية:

  • تحديد هوية مرتكبي القتل في كل حالة من حالات الاستشهاد في بداية اكتوبر 2000؛
  • مسؤوليه المستوى السياسي الاسرائيلي: مسؤولية براك وبن عامي المباشرة لمقتل 13 مواطنا عربيا واصابة المئات الاخرين؛
  • مسؤولية قيادة الشرطة: مسؤولية مباشرة لمقتل 13 مواطنا عربيا وإصابة المئات الاخرين؛
  • توصية بمنع الشرطة من الإستعانة بالقوة الفتاكة ضد المواطنين، لا سيما المواطنين العرب (على سبيل المثال لا الحصر: منع استعمال الرصاص الحي، والرصاص المغلف بالمطاط، والقناصة)؛
  • تحليل وشجب التعامل العنصري في الشرطة ضد المواطنين العرب؛
  • تحليل وشجب العنصرية الممأسسة في اسرائيل ضد المواطنين العرب، خاصة في مجالات الارض والمسكن والاقتصاد والتعليم؛
  • تحليل وشجب العنصرية الشعبية في المجتمع اليهودي ضد المواطنين العرب.

* مستند تلخيصي وإستعراضي من إعداد مركز "عدالة"