الثلاثاء القادم: امتحان "الديموقراطية الإسرائيلية"..

التهديد بمقاطة الانتخابات في حال التصديق على قرارات الشطب
بحق نواب وقوائم عربية

اعتبرت القيادات السياسية العربية في اسرائيل قرارات لجنة الانتخابات المركزية منع نواب وقوائم عربية من خوض الانتخابات البرلمانية برهانا اضافيا على ان القرار سياسي وأن اليمين الاسرائيلي يواصل محاولاته تطبيق الفصل العنصري السياسي للعرب. وتناقلت اوساط صحفية عن مصادر في "التجمع الوطني الديموقراطي" الذي تقرر في اللجنة شطبه ومنع رئيسه من ترشيح نفسه انها قد تدعو الى مقاطعة الانتخابات في حال تصديق اعلى هيئة قضائية اسرائيلية على قرارات الشطب. ونقلت "هارتس" عن الدكتور جمال زحالقة المرشح الثاني في قائمة التجمع قوله ان الموقف السائد في حزبه يرى ان التجمع لن يخوض الانتخابات ايضا في حال منع بشاره لوحده من خوضها.

ومن المقرر ان تنظر يوم الثلاثاء القادم هيئة قضائية من ثلاثة قضاة في المحكمة الاسرائيلية العليا في قرارات الشطب الصادرة عن "لجنة الانتخابات المركزية" بحق قوائم ومرشحين في قوائم عربية، وكذلك في التصديق على ترشيح باروخ مارزل ضمن قائمة "التحالف القومي" بعد ان شطبه رئيس اللجنة القاضي ميشيل حيشين.

وكانت اللجنة المركزية، وخلافا لتوصيات رئيسها القاضي ميشيل حيشين، صوّتت الى جانب التوصية التي قدمها المستشار القضائي للحكومة، الياكيم روبنشطاين، وطعونات الاحزاب اليمينة المتطرفة ضد التجمع الوطني الدمقراطي ورئيسه عضو الكنيست عزمي بشارة، وقرروا شطب ترشيحه وترشيح قائمته في الانتخابات البرلمانية القادمة اواخر الشهر الجاري.

وقد جاءت نتيجة التصويت متوقعة، سبق ان حذر منها قادة الجمهور العربي في إسرائيل. وقد قوبل قرار الشطب بالسخط الشديد على مختلف الاصعدة، وقال عضو الكنيست محمد بركة رئيس قائمة "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" إن "فرقة الرماة اليمينية نفذت عملية أخرى". وقال رئيس "لجنة المتابعة العليا"، شوقي خطيب، إن قرار الإلغاء ضربة موجهة لما تبقى من الديموقراطية الاسرائيلية.

وتزامن التصويت على منع ترشيح بشارة و "التجمع" مع دخول العام الجديد، وبعد مداولات استمرت 13 ساعة، صوت في ختامها 22 عضواً من اعضاء اللجنة ضد السماح لعزمي بشارة بخوض الانتخابات البرلمانية، بينما أيد 19 عضوا الترشيح، فيما صوت ا2 ضد خوض التجمع للانتخابات البرلمانية، مقابل 20 عضوا ايدوا حقه في ذك.

وقدم التجمع الوطني الدمقراطي استئنافا الى المحكمة العليا ضد قرار الغائه ككتلة، فيما ستناقش المحكمة العليا، من جانب آخر القرار المتعلق بالنائب بشارة شخصيا، والذي يتطلب مصادقة المحكمة العليا لكي يصبح ساري المفعول.

وكانت لجنة الانتخابات المركزية قد قررت قبل ذلك بيوم واحد منع النائب احمد طيبي من خوض الانتخابات بصفة شخصية، بينما رفضت اللجنة طلبات منع قائمة الجبهة، والقائمة العربية الموحدة، وكذلك طلب منع النائب عبد المالك دهامشة من خوض الانتخابات.

وصدرت عن جهات سياسية وقانونية تصريحات تطالب بالغاء لجنة الانتخابات المركزية وتحويل هذه المداولات الى المحكمة العليا بصفتها الهيئة العليا المخولة باتخاذ قرارات بهذا الشأن، كما وجههت انتقادات شديدة ولاذعة حول الدوافع السياسية من وراء اتخاذ القرارات داخل اللجنة والتي من المفروض ان تتخذ قراراتها بناء على روح القانون.

وفي هذا السياق عبر رئيس لجنة الانتخابات المركزية، القاضي ميخائيل حيشين، عن امتعاضه لتصرفات لجنة الانتخابات وخاصة قرار المصادقة على ترشيح باروخ مارزل وكذلك قرارها بمنع النائب احمد طيبي خلافا لموقف القاضي حيشين نفسه. وكان رئيس لجنة الانتخابات المركزية، القاضي ميشيل حيشين، قد اعلن رفضه لتوصية المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية، الياكيم روبنشطاين، وطعونات احزاب اليمين المتطرف التي طالبت بالغاء قائمة التجمع ومنع بشارة من خوض الانتخابات. وقال حيشين: "كدت اقتنع بادعاءات المستشار القضائي ضد التجمع وعضو الكنيست بشارة، ولكنني بعد ان استمعت الى دفاع بشارة ومحاميه اختلت امور عديدة لدي، ولم اجد اي مبرر لإلغاء قائمة التجمع ومنع بشارة من خوض الانتخابات". وأضاف: "ميزة عزمي بشارة انه يجمع بين المثقف والسياسي وهذا إمر نادر. لديه استقامة فكرية لا استطيع القول أنني وجدتها عند غيره ممن ظهروا امام اللجنة خلال الأيام الماضية. لقد شعرت بالاهانة الشديدة عندما استمعت الى خطابه في دمشق، لكن الدمقراطية الاسرائيلية قوية ويمكنها تحمل أي استثناء. كذلك لم يثبت لي ان بشارة يرفض قيام دولة اسرائيل".

وفي مرافعته أمام اللجنة قال عزمي بشارة انه يعرف بوجود تحالف يميني متطرف، صاغ قراره مسبقا ضده ولكنه جاء لكي يلإسمع كل الذين ادعوا ضد التجمع ما لا يعرفونه حقا عن التجمع وبرنامجه وفكره، وتفنيد الافتراءات التي وجهها اليه المستشار القضائي ونواب اليمين المتطرف".

ورفض بشارة الاتهامات والافتراءات التي تضمنها ملف المستشار القضائي للحكومة الذي طلب من اللجنة الغاء قائمة التجمع وشطب ترشيحه شخصيا بادعاء ان "التجمع يدعم الكفاح المسلح ضد اسرائيل ويدعم حزب الله ويسعى الى اقامة دولة فلسطينية على انقاض دولة اسرائيل" وغير ذلك من تهم تضمنها ملف روبنشطاين الذي يعتمد على جهاز "الشاباك" الاسرائيلي لنزع شرعية التجمع الوطني الدمقراطي، في اطار السعي العام الى نزع شرعية المواطنين العرب وقيادتهم في البرلمان.

وقال بشارة ردا على ادعاءات المستشار: "يدعي المستشار انني اضع قناعا لاخفاء اهدافي، ولكن الوحيد الذي يضع قناعاً هو المستشار القضائي الذي يتحرك بدوافع ايديولوجية وسياسية، وليست قضائية، هادفا بشكل خاص الى الغاء فكرة دولة جميع مواطنيها، وهي الفكرة التي هاجمها في مناسبات عديدة". واضاف: "المستشار القضائي للحكومة تعمد تجاهل غالبية مقالاتي وكتاباتي، واعتمد على التقارير الكاذبة للشاباك".

ورفض بشارة الادعاء بأن "التجمع" لا يعترف بوجود اسرائيل وبحق اليهود باقامة دولة، وقال انه يعترف بحق اليهود بالاستقلال الذاتي لكنه لا يمكنه منحها الشرعية التاريخية، مضيفا ان حل دولة جميع مواطنيها هو الخيار الصحيح للشعبين.

وركز بشارة على التناقض بين الدمقراطية وبين يهودية الدولة والصهيونية وقال: لسنا امام دمقراطية تدافع عن نفسها، (كما يدعي المستشار وغيره ممن يطالبون بمنع التجمع من خوض الانتخابات)، انما نحن امام قومجية تحتمي من الدمقراطية ووجهات النظر الدمقراطية. لست مستعدا للولاء الى وجهة النظر الصهيونية، ولم اعرف ان الصهيونية تعتبر شرطا لدخول الكنيست".

وتطرق بشارة الى مقاومة الاحتلال، وقال: "ان كل العالم المتنور يدعم رأيي القائل بأن من حق الناس الخاضعين للاحتلال مقاومته، لكنني لم ادعم ابدا الكفاح المسلح، او هذه العملية او تلك. ومن يتواجد في برلمان الدولة المحتلة لا يمكنه ان يقول للشعب الخاضع للاحتلال كيف يقاوم الاحتلال. لقد ادعوا ضدي بأنني لم اشجب هذه العملية او تلك، لكنه لا وجود لقانون يحتم علي شجب العمليات".

واتضح بان طلبات الالغاء لا تعتمد على اي جديد فيما عدا المقالات والخطابات المنشورة المعروفة للنائب عزمي بشارة وعلى مواقف التجمع المعروفة بالمجمل، وعلى "البينات" التي جاء بها جهاز المخابرات "الشاباك" الى مكتب المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية طالباً استخدامها ضد النائب عزمي بشارة كما قالت المدعية "طاليا ساسون"، وهي عبارة عن قائمة من الاقتباسات المزورة والاكاذيب والافتراءات المشوهة التي نقلها عملاء الى جهاز الشاباك. ويحاول المستشار القضائي ان يثبت عبر هذه الافتراءات ان التجمع الوطني الديموقراطي لا يعترف بالدولة اليهودية وان التجمع الوطني والنائب بشارة يتضامنان مع الكفاح المسلح ضد دولة اسرائيل.

وفي عرضه لطلب الشطب قال تسفي هندل ممثل الاتحاد القومي انه يدعو الى اقامة جبهة عريضة لكل الاحزاب الصهيونية من اجل منع التجمع والنائب بشارة من خوض الانتخابات ووضع حد واضح لما هو مسموح به في اسرائيل، لان بشارة يتحدى الصهيونية التي هي جوهر هذه الدولة. واكد هندل ان حالة التجمع والنائب بشارة هي حالة خاصة ومختلفة عن بقية طلبات الشطب التي قدمت الى لجنة الانتخابات.

وقام بشارة بالرد على هذه الطعونات، ثم تبعه المحامي حسن جبارين المدير العام لمركز عدالة. وبعدها بدأ النقاش من قبل اعضاء لجنة الانتخابات المركزية.

وفي بداية الجلسة صرح النائب عزمي بشارة أمام الصحفيين قائلا: ان طلبات المنع تقوم على أساس أيديولوجي سياسي يعتبر التجمع المسؤول عن تأسيس ثقافة سياسية عربية عملية في مسألة المواطنة وفي موضوع الهوية القومية. ويتمحور النقاش حول الغاء فكرة دولة جميع مواطنيها، وما عدا ذلك فهو مجرد وسائل لتحقيق هذا الهدف. ويعرض أمام لجنة الانتخابات تلفيقات لا تستحق تسميتها بالأدلة ولا حتى بالاقتباسات. وجميع هذه الادعاءات باطلة ومنافية لرؤية التجمع". وتعتمد هذه الاعتراضات على بند 7أ(أ)(1) و –(3) من قانون أساس: الكنيست وحسب هذه البنود يمنع الأحزاب والمرشحون من خوض الانتخابات في حالة عدم اعترافهم بإسرائيل كدولة "يهودية ديموقراطية" أو تأييدهم للكفاح المسلح لمنظمات إرهاب ضد دولة إسرائيل. ويذكر، أن البند 7أ(أ) (3) الذي يتعلق بتأييد الكفاح المسلح قد عدل في شهر أيار هذه السنة (2002).

وقد مثل التجمع والنائب عزمي بشارة أمام لجنة الانتخابات مركز عدالة برئاسة المحامي حسن جبارين والمحامي رياض أنيس عضو المكتب السياسي للتجمع الوطني.

وقد جاء في اقوال "عدالة" أن شطب القوائم العربية والنواب العرب ومنعهم من خوض الانتخابات يمس بشكل خطير بالحقوق الأساسية وبالمبادئ الأساسية للنظام الديموقراطي. فهو يمس بمبدأ المساواة، مبدأ حرية التعبير عن الرأي بشكل عام وحق الأقليات في التعبير عن رأيها، إضافةَ إلى حقهم في الاعتراض على المواقف السياسية السائدة عند الأكثرية وفي حقهم الأساسي في المطالبة بتغيير هذه المواقف بإستعمال الطرق الشرعية.

أما بالنسبة للأدلة، التي أتى بها مقدمو الطلبات لمنع النائب عزمي بشارة وقائمة التجمع من خوض الانتخابات، فقد قالت "عدالة" أن الأدلة لم تتطرق بتاتاً لطروحات بشارة والتجمع، وإنما اعتمدت فقط على اقتباسات غير كاملة لأخبار إعلامية من الصحف المكتوبة والصحف الإلكترونية. بالإضافة إلى أنه لا يوجد أي دليل يتعلق بالفترة ما بعد تعديل القانون في أيار 2002. وبهذا فإن مقدمي الطلبات يطلبون إحالة القانون المعدل على الفترة ما قبل تعديله، علماً بأن هذا التعديل يقيد حقاً أساسياً، الأمر الذي يتناقض مع قرارات المحكمة العليا.

وجاء في الاعتراض الذي قدم باسم حزب التجمع والنائب عزمي بشارة أن قسماً من الأدلة التي كانت في طلبات الشطب تعتمد على لوائح الاتهام التي قدمت ضده بالنسبة لخطاباته في أم الفحم وسورية، القضية التي ما زالت معلقة في المحكمة. وبالرغم من الاحتمالات القائمة بإلغاء لوائح الاتهام، فإنه بتقديم طلبات الشطب المعتمدة على لوائح الاتهام، يطلب من الجهاز السياسي التأثير على إجراء جنائي ما زال معلقاً في الجهاز القضائي. هذا الطلب يأتي أيضاً من المستشار القضائي للحكومة الذي كان بنفسه طرفاً بإزالة حصانة النائب بشارة. "هذا الأمر يمس بشكل خطير بمبدأ فصل السلطات، وفي السلطة القضائية، كون النائب بشارة بريئاً حتى تثبت إدانته، وفي حقه بالدفاع عن نفسه أمام المحكمة بدون أية ضغوطات خارجية.

وقد قام بتحضير الاعتراضات على طلبات الشطب طاقم محامي عدالة: حسن جبارين، أورنا كوهين، مروان دلال، سهاد بشارة، غدير نقولا و عبير بكر. كما وشارك طاقم عدالة في تحضير الاعتراضات المحامي رياض أنيس من حزب التجمع.