عرب 48 بين المطرقة والسندان

ثلاث توصيات ـ قرارات أكدت للعرب في اسرائيل بأنهم قد دفعوا الي الهامش فعلا، هذا الهامش الذي لا يترك أمامهم خيارات كثيرة: قرار مجلس الرقابة علي الأفلام بمنع بث فيلم محمد بكري "جنين جنين"، وتوصية الياكيم روبنشتاين للجنة الانتخابات المركزية بشطب قائمة "التجمع"، وقرار وزير الداخلية الاسرائيلي باغلاق صحيفة "صوت الحق والحرية" التابعة للحركة الاسلامية..

كتب يهودا ليطاني في "يديعوت احرونوت" مقالا تناول فيه الحملة الرسمية على القيادات السياسية العربية في اسرائيل، قائلا ان الاجراءات القمعية بحقهم لا يستبعد ان توصلهم الى .. احضان حزب الله!

فيما يلي ترجمة حرفية للمقال:

مع قيام الدولة وفي ذروة حرب 1948 قرر رئيس الحكومة ديفيد بن غوريون منح المواطنة الكاملة لكل الأقليات، وفي المقابل فرضت عليهم قيود شديدة حيث كان أهمها فرض الحكم العسكري الذي ألغي كليا في الاول من كانون الاول (ديسمبر) عام 1966 في عهد خليفته ليفي اشكول.

الأقليات البالغة في حينه 200 ألف نسمة أصبحت اليوم 1.2 مليون، أي خُمس عدد سكان الدولة. وهم لا يحسدون علي وضعهم اذ يوجدون منذ العام 1948 بين المطرقة والسندان. فهم حتي اليوم ممزقون بين ولائهم لاخوانهم في الدول العربية وخصوصا اخوانهم الفلسطينيين في المناطق، وبين ولائهم لدولتهم ـ اسرائيل. وعلي كاهلهم ألقيت مهمة شبه مستحيلة تقريبا: التضامن مع اخوانهم الفلسطينيين في المناطق حتي لا يعتبروا خونة للقضية العربية والفلسطينية والحفاظ في ذات الوقت علي ولائهم لاسرائيل ولقوانينها حتي لا يعتبروا خونة لدولتهم. الفلسطينيين في المناطق يسمونهم عرب 48 ، واليهود يسمونهم عرب اسرائيل ، وكلا الاسمين يعتبران أسماء مهينة في نظر الاغلبية منهم، اذ يفضلون تسميتهم الفلسطينيين مواطني اسرائيل .

اغلبية مواطني اسرائيل العرب نجحوا حتي الآن في الحفاظ علي هذا التوازن الدقيق. ولكن في الآونة الأخيرة ظهر انطباع وكأن حكومة اسرائيل قد قررت زعزعة هذا الوضع والقاء السائرين علي هذا الحبل الرفيع الي الهاوية. ثلاث توصيات ـ قرارات أكدت لعرب اسرائيل بأنهم قد دفعوا الي الهامش فعلا، هذا الهامش الذي لا يترك أمامهم خيارات كثيرة: قرار مجلس الرقابة علي الأفلام بمنع بث فيلم محمد بكري جنين جنين ، وتوصية الياكيم روبنشتاين للجنة الانتخابات المركزية بشطب قائمة التجمع الوطني الديمقراطي، وقرار وزير الداخلية في هذا الاسبوع باغلاق صحيفة صوت الحق والحرية التابعة للحركة الاسلامية الجناح الشمالي.

هذه القرارات هي في نظر اغلبية عرب اسرائيل قرارات 2002 الهادفة الي منعهم من حرية التعبير والانتخاب. وهذه الخطوات (التي جرت من دون تنسيق مسبق، وان كان من الممكن تلمس أصابع الشاباك الرقيقة في اثنتين منها) في موعد حساس عشية الانتخابات وعشية الحرب ضد العراق ستدفع المزيد من عرب اسرائيل الي الجانب الآخر من المتراس والتضامن الكامل والتام مع اخوانهم الفلسطينيين في المناطق. والتوازن الدقيق بين العرب واليهود في اسرائيل والذي تزعزع كليا في أحداث تشرين الاول (اكتوبر) 2000، الا انه عاد لتوازنه خلال العامين الاخيرين، قد ينهار الآن.

أمامنا استمرارية وتصعيد لسياسة التفرقة المتبعة هنا منذ سنوات. فمتي اتخذت اجراءات ضد يهود يصرحون علانية وبلا توقف - باستثناء اخراج حركة كاخ عن القانون ـ ومن خلال صحف اليمين بأنهم يؤيدون عنصرية الترحيل الجماعي؟ ومع ان المستشار القضائي للحكومة قد أوصي بشطب ترشيح باروخ مارزيل، عضو كاخ، لكنه لم يتطرق للمرشح الاول في قائمة حيروت ميخائيل كلاينر الذي يختلف عن مارزيل فقط في انه يختار كلماته بحرص أكبر؟.

توصيات الشاباك للمستوي السياسي ليست قدرا منزلا، وذلك لانها تركز علي الجانب الأمني، الا ان علي المستوي السياسي المقرر ان يأخذ بالحسبان اعتبارات اخري وان يسأل نفسه في هذه الحالة: اذا كانت قراراته ستدفع بالأقلية العربية لخطوات يائسة. علينا ان لا نفاجأ اذا تعزز تيار الملتحقين من شبان عرب اسرائيل بالمنظمات الفلسطينية وحزب الله والقاعدة بعدة أضعاف خلال الأعوام القادمة لأننا ساعدناهم في ذلك بأيدينا نحن.

يهودا ليطاني

(يديعوت احرونوت 26 ديسمبر)