صوّت لشارون واحصل على نتنياهو

أتعاطف مع نشيطي الدعاية لدى شارون، إذ ليس بمقدورهم العودة الى الشعار الناجح “شارون سيجلب السلام والأمن”، لأنه لم يجلب لا سلاما ولا أمنا. بالذات حين كان في ذروة قوته وحين كان بالفعل قادرا، مع حكومة الوحدة والوزراء الخنوعين، حين كان نتنياهو في المنفى يلقي المحاضرات في اميركا، لم يقدم اية مبادرة خلاقة لاخراجنا من دائرة الدماء. وحسب قول مشهور بالامكان وصفه، كمن تبجح بانه هو فقط يستطيع تحقيق السلام والأمن، وهو لم يضيع اية فرصة لتضيع كل فرص السياسية للقضاء على الارهاب.وها هو الآن حين هزم بنيامين نتنياهو في الانتخابات الداخلية، وهو يقود الليكود نحو انتصار ساحق في الانتخابات، حدث له أمر مؤسف: قيادة حزبه انتقلت الى اليمين الى جانب نتنياهو. واللاعب الكبير غدا موضوعا يلعب فيه نتنياهو.

من كان يصدق انه على المنصة في ليلة الانتصار اطلق تساحي هنغبي ملاحظة تحذيرية، وهي ان “كلمات مثل دولة فلسطينية لن تُسمع بعد في هذا المكان”. فاذا اراد المستشارون الاعلاميون ان يكونوا صادقين مع انفسهم، فالشعار الصحيح يجب ان يكون: صوّت لشارون واحصل على نتنياهو. اثنان بسعر واحد. اليمين في كتلة الليكود الجديدة للكنيست سيحشر شارون ومؤيديه في الزاوية. والاختبار الاول سيكون في زيارة شارون القادمة الى الرئيس الاميركي. وشارون يعتبر ان بوش هو كنزه الدولي الوحيد، ولا يوجد مثيل له مطيع لرغبة الرئيس. وهو ايضا يوقف اطلاق النار ويتراجع حين تصله اشارة من واشنطن، ويتبنى خريطة الطرق التي تشمل هيكلية لدولة فلسطينية، من اجل ان يساعد بوش في الحرب ضد العراق. والسؤال هو: هل سينضبط نتنياهو خمس سنوات الى حين انتهاء ولاية شارون، ام انه سيقفز على كل فرصة من اجل مضايقته. على الأغلب انه في الليكود ذاته لن يكون هناك لا أمن ولا سلام.

وثملا بشعبيته برغم فشله في ادارة شؤون الدولة، خطط شارون لوضع الليكود كحزب وسطي كبير ومهيمن في الكنيست، وذلك من خلال خليط من الليونة والحزم تجاه الفلسطينيين. وفي جهة الليونة لم يعط ضوءا كبيرا في نهاية النفق سوى اضواء الجرافات التي تهدم البيوت. وفي جهة الحزم وصلنا الى نقطة يتحدث فيها موفاز ويعلون عن “عام حسم” في المناطق الفلسطينية. فإذا كانت النية هي الانتقال من “النصر بالنقاط” الى احتلال المناطق الفلسطينية وانهيار كامل للسلطة الفلسطينية ونفي قادتها، فان نتنياهو سيكون القوة الدافعة والمحركة في حكومة شارون.

لقد وعد نتنياهو بانه لن يهرب هذه المرة كما فعل لدى خسارته امام باراك، ولكنه لن يكون اليفا. مؤيدو نتنياهو “خلية ليبرمان” في الكتلة وباقي اليمينيين المستقلين، لن يوفروا لشارون مجال المناورة الذي كان يأمل به، حتى وإن خرج الليكود من الانتخابات بانتصار ساحق.

ويقول الناطق باسم رئيس الحكومة “لقد مل شعب اسرائيل من الألاعيب، وهو يريد قائدا يقول له الحقيقة”. وشارون نفسه يعلن انه لن يستسلم للحماسة التي تسبق الانتخابات وسيواصل العمل من منطلق مسؤولية وطنية عليا لمصلحة اسرائيل. غير أن الحقيقة هي ان شارون مضلل جدا. فهو يذكر حقا دولة فلسطينية، ولكن التحفظات والشروط التي يضعها من اجل اقامتها كثيرة، الى درجة انها لا تصبح عملية. وهو يتحدث عن تنازلات مؤلمة هو مستعد لها. من جهة اخرى هو يقول، “هل سنمكث للأبد في جنين ونابلس ورام الله وبيت لحم والخليل وفي قلب غزة”؟ ومن جهة ثانية أبقى طي الكتمان كل ما يتعلق بالتزامه تقديم تنازلات مؤلمة. فهو يتلاعب مع الزمن، ومع ادارة بوش، ولدى الكثير رأي بأنه لن يفكك اية مستوطنة كان شريكا في اقامتها، وعددها كنجوم السماء. فمن هو أكثر يمينية منه.

تبدأ معركة الانتخابات للكنيست ال 16 في حين ان الدولة في خطر كياني. والانتفاضة والعمليات التفجيرية فعلت فعلها في المجتمع الاسرائيلي وتنتظرنا حرب في العراق، وفشل اميركا فيها قد يشعل نار الانتقام من قبل الاسلام الاصولي الذي سيضربنا، نحن “الشيطان الاصغر”. وكل ما نطلبه امام هذه التهديدات هو ان يتحدثوا الى الشعب بصدق: الى اين يريد الليكود برئاسة شارون ومساعده النقيض نتنياهو قيادتنا؟

هآرتس” 13/12/2002