أفول جنرال ونهاية مرحلة

موت سريري وأفول جنرال، اقتراب من حافة الموت ونهاية مرحلة، صراع مع الغيبوبة لاستعادة الذاكرة لجنرال ترك جنوده في متاهة الطريق دون إنذار مسبق، يتصرف في موته كمغامر عسكري لا يراهن على أحد يحمل إرثه ومشروعه السياسي، هكذا كان شارون، لا اصدقاء في السياسة كما قال مؤخرا، لا يثق إلا في حلقة صغيرة من مخلصيه، متابع وصاحب عقلية متآمرة على خصومه، وقائد عسكري يتميز بميزات الجنرالات العسكرية في جمهوريات الموز، يتصرف على أنه من بناة «الدولة اليهودية» وصاحب البلد «سابرس»، ويتعامل معها وكأنها ملكه الشخصي، هكذا استولى على أراضي «مزرعة الجميز»


كان عقله مشغولا بإحداث «الانقلاب الهام» في الانتخابات الاسرائيلية المقبلة، وباله مشدوها من ملفات الفساد الغارق بها حتى أذنيه، كان هذا «الداهية» المرهق والمريض مثقلا بالهموم يبحث عن طرق للتخلص من أزماته مثلما فعل في الماضي وفي كل مرّه ينجح في ذلك، أدخل اسرائيل في «الوحل» اللبناني وأصبحت شعبيته وسمعته السياسية في الحضيض وظل يعتقد انه كان على حق بحربه، واستطاع بأعجوبة أمريكية وعربية الانتقال من مكانة المنبوذ ومجرم الحرب الى «رجل السلام»، كان يريد ان يفرض رؤيته «الجهنمية» بفرض سياسة الأمر الواقع ويعتقد ان «السلام مع العرب» يكمن في القوة والتفوق عليهم وفرض رؤيته السياسية لضمان مستقبل «أفضل» لإسرائيل .

وبات من المؤكد في أجواء الحديث عن حالة «غير مؤكدة» من الاضطراب السياسي المؤقت
والعودة الى الاستقرار عشية الانتخابات أن شارون لن يعود الى سدة الحكم، وبهذا تدخل اسرائيل مرحلة جديدة، مرحلة الغيبوبة السياسية، مرحلة ما بعد شارون أو ما بعد الانفصال عن قطاع غزة، مرحلة متاهة رجال شارون بين اليمين المتطرف بزعامة بنيامين نتنياهو وبين «اليسار» الاسرائيلي بزعامة عمير بيرتس .

يبقى السؤال الاساس حول قدرة حزب «كديما» حمل إرث ومشروع شارون وتسويقه في الشارع الاسرائيلي أو على الاصح حول قدرة أقطاب حزب «كديما» الاتفاق فيما بينهم الذهاب الى الانتخابات لوحدهم دون زعيمهم المجتمعين حوله الذين لحقوا به وبركبه لاسباب انتهازية وأيديولوجية، وغالبيتهم فعلوا ذلك لضمان مقعد في الكنيست المقبلة .

هل سيستفيد بنيامين نتنياهو زعيم الليكود «الانتهازي المحظوظ» من غيبوبة الجنرال شارون مثلما قطف ثمار اغتيال الجنرال رابين في العام 1996، أم أن شعبية الليكود ستبقى على ما هي أو تزيد قليلا فقط تعاطفا مع شارون «الاستقرار السياسي وصاحب القرارات المصيرية الصعبة» بمفاهيم الاسرائيليين .

من الصعب التكهن بسلوك قيادة حزب «كديما» برغم ما يلوح في الافق حول خلافات مؤكدة
فيما بينهم، لكنهم وبدون شك ولاثبات «صدقيتهم» أمام خصومهم «رفاق الامس» سيضطر هؤلاء إلى الاتفاق على أن حزب «الرجل الواحد» سيصبح حزب «رجال الرجل الواحد»، ولن يغيب بغيابه، بل سيتمسكون بمشروع دفع شارون ثمنه «صحيا» تمخض عن جلطات دماغية بين خفيفة وحادة خلال اسبوعين أودت بحياته السياسية.