معلومات بين السطور: المفتش العام الجديد للشرطة الاسرائيلية ينتمي إلى " الليكود"

مع اقتراب موعد تعيين المفتش العام الجديد للشرطة الاسرائيلية، في الاشهر القليلة الاخيرة الماضية، تطلع قائد الشرطة في لواء الجنوب، موشيه كرادي، الى ان يرتقي الى الاعلى من خلال تعيينه، مثلا، قائدا للشرطة في لواء تل ابيب، القدس او شمال اسرائيل. لكنه لم يتوقع ان يرتقي الى اعلى مرتبة في الشرطة وان يصبح المفتش العام للشرطة الاسرائيلية، او كما يحب ان يسمونه في اسرائيل: "الشرطي رقم واحد"، وان تحمل سيارته رقم الترخيص "1".

ووفق تقارير صحفية اسرائيلية، فان كرادي عندما استدعي الى لقاء وزيرالامن الداخلي (المسؤول عن الشرطة الاسرائيلية)، تساحي هنغبي، علم في قرارة نفسه ان الوزير سيطرح عليه بضع اسئلة حول قادة الالوية القدماء، ربما ليجمع اراء قيادة الشرطة ليقرر من يكون المفتش العام الجديد للشرطة وربما لكي يختبره، هكذا اعتقد كرادي، استعدادا لنقله من منصبه ليقود لواء اخر في الشرطة، أكثر اهمية. ولم يتوقع كرادي ابدا ان يسأله الوزير عن الجيل الشاب في قيادة الشرطة، أولئك الذين تتراوح اعمارهم بين 44 الى 49 عاما.

وعندما تم الاعلان عن ان كرادي هو المفتش العام الجديد للشرطة، يوم الاربعاء الماضي (5/5)، كان الامر مفاجئا لجميع من يعمل في الشرطة، باستثناء كرادي الذي سبق أن ابلغه هنغبي بامر تعيينه في الليلة التي سبقت النشر. عندها فوجيء وكتم السر حتى ظهيرة الغد. فهو لم يكن اصلا من بين ضباط الشرطة الاربعة المرشحين للمنصب، وهم: نائب المفتش العام الحالي للشرطة، يتسحاق اهرونوفيتش؛ قائد لواء القدس، ميخائيل (ميكي) ليفي؛ قائد لواء تل ابيب، يوسي سيدبون وقائد لواء الشمال، يعقوب بوروفسكي. كذلك اعلن الثلاثة الاوائل انه في حال لم يتم اختيارهم فسيستقيلون من عملهم في الشرطة، فيما اعلن الرابع، بوروفسكي، انه حتى لو لم يتم اختياره مفتشا عاما فانه سيبقى في منصبه. ويذكر ان الاربعة المذكورين تتراوح اعمارهم بين 51-54 عاما، مما جعلهم، ووسائل الاعلام الاسرائيلية ايضا، يلفتون الى ان هنغبي تجاوز جيلا كاملا في الشرطة مع تعيينه كرادي لهذا المنصب.

من هو كرادي؟

ولد موشيه كرادي في العام 1960 لعائلة من أصل ليبي في مدينة بات يام المجاورة لتل أبيب. ويسكن حاليًا في مدينة ريشون لتسيون وهو متزوج ولديه ثلاثة اولاد. ويحمل اللقب الجامعي الاول في موضوعي علم الاجتماع وعلم الاجرام من جامعة بار ايلان واللقب الثاني في الادارة العامة من جامعة حيفا. وبدأ عمله في الشرطة في العام 1984 ثم اصبح قائدا لوحدة "حرس الحدود" في منطقة المركز، بعدها في تل ابيب ثم في القدس. بعدها اصبح قائدا لغرفة العمليات في المقر العام للشرطة الاسرائيلية، وقائد معسكر ارشاد لـ"حرس الحدود". ثم اصبح رئيسا لقسم الموارد البشرية الى ان وصل الى قيادة لواء الجنوب.

وكتب المراسل للشؤون الجنائية في صحيفة "هآرتس"، باروخ قرا، انه بالرغم عن ان تعيين كرادي جاء مفاجئا، لكن تحليلا لتاريخ تعيينات المفتشين العامين السابقين للشرطة الاسرائيلية يشير الى ان هنغبي لو اختار احد المرشحين الاربعة لمنصب مفتش الشرطة الاسرائيلية القادم لكان يعني كسر ما أسماه "انماط تصرف وزراء الامن الداخلي في السنوات الاخيرة". واوضح هذا المعلق ان منصب وزير الامن الداخلي ليس بالمنصب الذي يتطلع اليه المرشحون لتولي حقائب وزارية. فعادة لا يجني وزير الامن الداخلي اية منفعة سياسية شخصية، فلا توجد في وزارة الامن الداخلي، على سبيل المثال، تعيينات سياسية. كذلك لا يوجد لهذه الوزارة اي تأثير على الاقتصاد، ولذلك لا يقيم الوزير علاقات مع أصحاب رؤوس الاموال. كذلك فان العلاقة ضئيلة بين التعيينات داخل الشرطة وبين مركز الليكود، "لكنها موجودة الى حد معين بالتأكيد"..

ولذلك لم تكن هذه هي المرة الاولى التي يفاجيء فيها وزير امن داخلي اسرائيلي في تعيين لمنصب المفتش العام للشرطة. ويعتبر هذا التعيين ذروة ما يترتب على تولي منصب وزير الامن الداخلي، من ناحية اتخاذ القرارات والتأثير على المستقبل وهو مصدر قوته الوحيد، علما ان الوزير يقوم بهذا التعيين مرة واحدة خلال فترة توليه منصب وزير الامن الداخلي. ويأتي ذلك، خصوصا، على ضوء حقيقة ان ليس بين المرشحين الاربعة، هذه المرة، من يعتبر "نجما لامعًا" في عمله في سلك الشرطة. وهذا السبب الاخير هو الذي دفع هنغبي، بحسب المصادر، الى اطالة فترة وظيفة المفتش العام الحالي للشرطة، شلومو أهرونيشكي، بثمانية شهور لتردده في اختيار واحد من بين الاربعة، وليكون لديه الوقت الكافي للبحث عن مرشح جديد.

عندما بدأ هنغبي، بحسب تقارير صحفية اسرائيلية، بالبحث عن مرشح آخر لمنصب المفتش العام بمنأى عن الأسماء الأربعة المتداولة، اتخذ قراره بـ"تجاوز الجيل القديم" والبحث عن المفتش العام القادم للشرطة الاسرائيلية بين قادة الشرطة من "الجيل الشاب". وتقول التقارير ذاتها ان الخاسر الاكبر من اختيار كرادي لمنصب "الشرطي رقم واحد" كان قائد وحدة "حرس الحدود"، دافيد تسور. فالاسرائيليون يعتبرونه قائد شرطة موهوب، وعبر الكثيرون عن اسفهم لانه لا يمكن ترشيحه للمنصب بسبب صغر سنه، كونه ينتمي الى "الجيل الشاب". كذلك يعتقد المراقبون في شؤون الشرطة الاسرائيلية ان وزير الامن الداخلي السابق، عوزي لانداو، عندما عينه قائدا لـ"حرس الحدود" انما رشحه بذلك لمنصب المفتش العام للشرطة بحلول العام 2007.

لماذا كرادي؟

بعد الاعلان عن تعيين كرادي في منصب المفتش العام للشرطة اخذ الجميع، في الشرطة والصحافة والعالم السفلي، يطرحون السؤال ذاته: لماذا اختار هنغبي كرادي لهذا المنصب؟ في المؤتمر الصحفي الذي تم فيه الاعلان عن تعيين كرادي، قال هنغبي: "يحظر علي الامتناع عن اغتنام الفرصة التي لن تتكرر بان ادفع الجيل الشاب الى المقدمة"، خصوصا ان ايا من المرشحين الاربعة من "الجيل القديم" لم يتألق في عمله بالشرطة. ولكن هناك اسبابًا اخرى جعلت هنغبي يختار كرادي.

فالمفتش العام الجديد اصغر سنا من هنغبي. ويكتب قرا، في هذا الشأن، انه "فقط بتعيين كرادي ضمن هنغبي لنفسه مكانة المفتش العام الاعلى". واضاف: "ولعل هنغبي بذلك نجح في منع المشادات في وسائل الاعلام بين وزراء الامن الداخلي السابقين والمفتشين العامين".

سبب آخر ساعد على قرار هنغبي بتعيين كرادي كان "قضاء هنغبي ثلاث ليال برفقة كرادي". فقبل بضعة شهور قرر هنغبي التوجه الى جنوب اسرائيل والوقوف عن كثب على حملة "لمكافحة الجريمة بين البدو في النقب". وخلال هذه الحملة توطدت علاقات الاثنين. توطدت الى درجة ان كرادي اصبح الوسيط بين هنغبي والمفتش العام أهرونيشكي بعد اندلاع خلاف بينهما توقفا على اثره عن التحدث مباشرة.

ويشار الى ان كرادي نفذ عددا كبيرا من حملات الشرطة في النقب ضد عمليات تهريب ونشاط العالم السفلي خصوصا فيما يتعلق بالاتاوة. ولكن نشاط الشرطة الاسرائيلية تحت قيادة كرادي لم يخل من التعرض للعرب البدو في النقب، خصوصا في القرى غير المعترف فيها التي لا يوجد فيها خرائط هيكلية. وفي ظل هذا الوضع قاد كرادي عددا كبيرا من حملات الشرطة و"حرس الحدود" في النقب لهدم بيوت البدو هناك بحجة "عدم وجود رخص بناء".

وباستثناء علاقة كرادي مع البدو من الصعب معرفة توجهه نحو العرب ونظرته اليهم. فبعد مباشرة عمله في المنصب الجديد سيتعامل مع المواطنين الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة وايضا مع المتظاهرين ضد جدار الفصل العنصري، حيث سيرسل الى هذه المواقع افراد الشرطة وخصوصا وحدات "حرس الحدود" المعروفة بتعاملها الوحشي مع المتظاهرين عامة والفلسطينيين خاصة.

الا ان معلومات افادت بها صحيفة "معاريف" منفردة تشير الى ان كرادي ينتمي الى اليمين الاسرائيلي. فقد نسبت الصحيفة الى احد نشطاء الليكود في بئر السبع، ويدعى جاكو بوهرون، قوله ان تعيين كرادي في المنصب الجديد لم يكن مفاجئا. واضاف ان "تساحي يحب الاشخاص الذين يكدون في العمل الميداني ولهذا السبب اختاره". واردفت الصحيفة ان "تساحي" هو وزير الامن الداخلي تساحي هنغبي وصديق بوهرون. واضاف بوهرون انه "بفضل كرادي بدأنا نشعر اخيرا بالعمل في موضوع البدو. هذا بفضل عدد من العمليات السرية التي قادها كرادي ولا مجال هنا للحديث عنها". وعندما اعرب الصحفي عن دهشته لمعرفة ناشط في الليكود بعمليات سرية نفذتها الشرطة قال بوهرون: "صدقني انني اعرف كل شيء"..

ويؤكد معارضو تعيين كرادي مفتشا عاما، من ناحيتهم، انه ينتمي لحزب الليكود. ليس هذا وحسب بل انه الوحيد بين المرشحين الاخرين الذي ينتمي الى الليكود. واشارت "معاريف" ايضا الى ان صحيفة "يديعوت احرونوت" ذكرت في عددها الذي سبق يوم الاعلان عن المفتش العام، ان هنغبي قرر تعيين قائد لواء الشمال يعقوب بوروفسكي. وفي اعقاب هذا النشر اتصلت رئيسة فرع الليكود في بئر السبع، سيما نافون، غاضبة بالوزير هنغبي. وبحسب الصحيفة قال لها هنغبي ان "هذا ما كتب اليوم، لكن في الغد ستكتب ("يديعوت أحرونوت") شيئا اخر". واشارت الصحيفة بخصوص تسرب معلومات حول تقدم بوروفسكي على المرشحين الاخرين الى ان نائب وزير الامن الداخلي، عضو الكنيست يعقوب ادري، كان يدعم ترشيح بوروفسكي. "لكن اعضاء الليكود في بئر السبع اكدوا ان ادري وعضو الكنيست موشيه كحلون (من الليكود ايضا) كانا من المجموعة الضاغطة التي اقامها كرادي".

الى ذلك نسبت "معاريف" في تحقيقها الى احد اصدقاء كرادي، ويدعى اليعزر فيليتشينسكي، القول ان كرادي لن يتوقف عند منصب المفتش العام للشرطة. وقال هذا الصديق ان "كرادي قد يرى في المستقبل انه يرغب بقيادة الدولة ويصبح رئيسا للحكومة".

رغم كل ما تقدم حول "بطولات" كرادي فيما يتعلق بوضع حد للاتاوة في الجنوب وأنه قضى على هذه الاعمال، قال مواطنان من بئر السبع للصحفيين من "معاريف" ان "هذا الوضع لا يمكن ان يستمر". واشار تحقيق "معاريف" الى انهما يتحدثان "عن ظاهرة الاتاوة التي يتفاخر كرادي بانه قضى عليها"..

مهام كرادي في قيادة الشرطة

تكمن احدى مهمات كرادي في تقليص مصاريف الشرطة الاسرائيلية، وخصوصا فصل افراد في الشرطة من العمل بسبب وجود عجز في ميزانية الشرطة بقيمة نصف مليار شيكل. ويرى المفتش العام الجديد، بحسب التقارير الصحفية، ان هذا التقليص في ميزانية الشرطة يمكن ان يتم من خلال توطيد علاقات الشرطة مع الجمهور، لكي يرى فيها "مقدمة خدمات". كما عليه ان يواجه تقليص عدد افراد الشرطة الذين يشغلون الرتب الرفيعة. واشارت تقارير الى انه من الناحية الادارية يعتبر كرادي "احد الادمغة اللامعة من الناحية الاقتصادية في الشرطة".

لكن هذه ليست المهمة الرئيسية التي يتوجب معالجتها. المهمة الرئيسية هي مكافحة تنظيمات العالم السفلي وخصوصا تلك التي تحاول التغلغل في اروقة الحكم في اسرائيل على اختلاف انواعها واولها الكنيست الاسرائيلي. ومهمات اخرى على كرادي مواجهتها تكمن في دمج شعبتي التحقيقات والمباحث في الشرطة وتوحيد عدد من الالوية.

ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مسؤولين في الشرطة قولهم انه على الرغم من ان "تعيين كرادي سيؤدي الى زيادة النجاعة في اداء الشرطة" الا انهم اعربوا عن تشككهم من ان هذا التعيين سيسهم بشكل ملموس في محاربة الاجرام المنظم. وقال مسؤول رفيع في وزارة الامن الداخلي للصحيفة بخصوص التعيين، ان "الجميع نسى ان الحديث عن وزير (هنغبي) بارد المزاج، لا يخشى احدا، ويمضي وفق رغباته حتى النهاية".