أزمات حكومة نتنياهو الأولية في ثلاثة محاور: التقاسم الوظيفي وليبرمان وحزب العمل

نتنياهو وزع صلاحيات على وزراء من شأنها أن تصطدم بعضها ببعض أو بوزارات قائمة * تقديم لائحة اتهام ضد ليبرمان واضطراره للاستقالة سيلزم نتنياهو بإعادة ترتيب الأوراق في داخل حكومته * حزب العمل يواجه احتمال الانشقاق ولكنه يبقى حتى الآن احتمالا يواجه صعوبات في التنفيذ/ تحليل خاص

كتب برهوم جرايسـي:

تخبط بنيامين نتنياهو على مدار 39 يوما في تشكيل حكومته الجديدة، على الرغم مما ظهر وكأنه "الرابح الأكبر" في هذه الانتخابات، بعد أن استند على أغلبية من قوى الأحزاب اليمينية المتشددة والمتدينين، تضمن له تأييد 65 نائبا، من أصل 120 نائبا. لكن نتنياهو استدرك في غضون ساعات، وعلى الأكثر بعد أيام قليلة، أنه لا يمكنه العمل في ظل حكومة متشددة، على الأقل تجاه الخارج، عوضا عن أن أغلبية 65 نائبا تبقى أغلبية هشة، وفق مقاييس اللعبة البرلمانية في الكنيست الإسرائيلي.

وفي نهاية المطاف، "نجح" نتنياهو في تشكيل حكومة كانت تركيبتها مستبعدة إلى حد ما، ضمن سيناريوهات تشكيل حكومته، بضمه حزب "العمل" برئاسة إيهود باراك، واستبعاد كتلة اليمين المتطرف "هئيحود هليئومي". وباتت الأغلبية التي يستند عليها رقميا هي 74 نائبا، وفعليا 69 نائبا، بسبب تمرد خمسة أعضاء كنيست من حزب "العمل" على كتلتهم، ورفضهم الانضمام إلى حكومة نتنياهو، ولكن لم يقرروا بعد الانشقاق، الذي تواجهه عقبات جمّة سنأتي عليها هنا.

إلا أن نتنياهو يعرف في قرارة نفسه أن الحكومة التي شكلها ليست حكومة استقرار، فهي حبلى بالأزمات، على غرار الحكومات السابقة، وعلى الأقل في العقدين الأخيرين، وهذا لأن حكومته تحمل أساسا تناقضات متعددة بين مركباتها المختلفة، وأيضا لأن نتنياهو زرع فيها أزمات لا بد وأن تنفجر في فترة لاحقة، إذ أن تقسيم وزارات وتوزيع صلاحيات مختلفة من شأنهما أن يخلقا حالة صدام مباشر بين صلاحيات بعض الوزراء، والى جانب هذا كله، قضية وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان الجنائية، التي إن اقتنعنا بأنها جدية، فإن إزاحته عن منصبه حتى نهاية العام الجاري، قد تخلق أزمة جديدة، على الأقل على خلفية من سيشغل منصبه الرفيع.

ونستعرض هنا المحاور الثلاثة لأزمة حكومة نتنياهو الداخلية، بغض النظر عما قد تواجهه الحكومة ككل من ضغوط دولية، لحثها على التوجه إلى المسار التفاوضي مع الجانب الفلسطيني.

التقاسم الوظيفي

في حكومة بنيامين نتنياهو الأولى، في النصف الثاني من سنوات التسعين الماضية، شكل في ديوان رئاسة الحكومة أشبه بحكومة ظل لحكومته هو، بعد أن نثر في مكتبه عددا من المستشارين لكافة شؤون الوزارات، مما جعله يطرح في غالب الأحيان سياسات بديلة لسياسات الوزراء، وهذا ما خلق حالة اصطدام مستمر مع عدد من الوزراء، الذين كثرت استقالاتهم في حينه.

واليوم فإن نتنياهو الجديد، لم يبتعد كثيرا عن نتنياهو القديم، فنهجه اليوم يختلف بأمر واحد، هو أنه بدلا من أن يصطدم الوزراء معه، سيصطدمون في ما بينهم، ولعله فعل هذا ليكون هو المقرر والحكم في نهاية المطاف.

فعلى ماذا يجري الحديث؟

بعد أن فرغت حكومته من المناصب الرفيعة ولم تبق أمام حزبه الليكود سوى حقائب هامشية باستثناء وزارة المالية، كان على نتنياهو أن يضمن حقائب على مستوى يليق بالشخصيات الرفيعة التي تحيط به، ومنها رئيس هيئة أركان سابق، موشيه يعلون، وجنرال احتياط شهير، يوسي بيلد، ووزير سابق عرف بنزاهته حسب المقاييس الإسرائيلية، دان مريدور، ووزير سابق عقائدي، بنيامين بيغن، عدا عن شخصيات مركزية في حزب "الليكود" كانت تحمل حقائب رفيعة جدا مثل سيلفان شالوم وليمور ليفنات وغيرهما.

ولهذا، ووسط سخرية وسائل الإعلام والحلبة الإسرائيلية، راح نتنياهو يوزع المهمات بأنصاف وزارات ومسؤوليات، ورأينا أن عدة وزراء سيعملون لاحقا في مجال واحد، والاصطدام في ما بينهم مسألة وقت لا محالة.

لنأخذ أولا الجانب الأمني، فهناك وزير للدفاع، إيهود باراك، وهذه الوزارة تعنى بكل "ما يهدد إسرائيل" من الخارج والداخل، ولكن الآن بات إلى جانبه وزير ما يسمى بـ "التهديدات الإستراتيجية"، اسمه موشيه يعلون، وهو جنرال "حائز على أوسمة" ليست قريبة بأهميتها وعددها من تلك التي لدى باراك، والى جانبهما وزير الشؤون الاستخباراتية دان مريدور.

وقد يقول قائل إن وزارة "التهديدات الإستراتيجية" كانت من قبل في يد أفيغدور ليبرمان، في ظل حكومة إيهود أولمرت، ولكن يجب أن نذكر انه في حينه كان وزير الدفاع يدعى عمير بيرتس، وليس لديه أي ماض وخبرة عسكرية كإيهود باراك، ولهذا فإن المعادلة في توزيع الصلاحيات ستختلف.

أما في مسألة مسؤولية الأجهزة الاستخباراتية، وهي مسؤولية أصلا في يد رئيس الحكومة نفسه، وسلمها لدان مريدور، فيجب ان نذكر أن أهم جهاز استخباراتي في آلية اتخاذ القرار هو جهاز الاستخبارات العسكرية، التابع للجيش، الذي يقع تحت مسؤولية إيهود باراك.

وقد يراهن البعض على "علاقات ودية" تجمع بين باراك ويعلون، ولكن تقاليد السياسة تختلف عن تقاليد الجيش، كما أن هناك حيزا للقرار السياسي في المسائل الأمنية العسكرية، وفيه كل شخصية عسكرية ستسعى للتميّز، ولا يستطيع رئيس جهاز الاستخبارات في أواسط سنوات التسعين، موشيه يعلون، أن يبقى "طيلة حياته" تحت أمرة رئيس أركانه إيهود باراك، حتى ولو كانت لدى الاثنين "مغامرات" دموية مشتركة، أبرزها عملية اغتيال القائد الفلسطيني خليل الوزير (أبو جهاد) في تونس.

كذلك سيطرح السؤال لاحقا، حول مدى اتصال الوزير دان مريدور بجهاز الاستخبارات العسكرية، وما إذا كان اتصال كهذا سيتم بمصادقة الوزير المباشر إيهود باراك أم لا.

وفي فترات ساخنة مقبلة، وبناء على تجربة العمل السياسي في إسرائيل، فإن الصدام قائم لا محالة، وحينها سيقفز رئيس الحكومة سعيا لحل أي أشكال، وليكون عمليا هو صاحب القول الفصل.

وثانيا ملف السياسة الخارجية: فلا أحد يعرف حقيقة نتنياهو مثل أفيغدور ليبرمان، فوحدهما شكلا مطبخ القرار والصفقات والتصفيات في حزب الليكود بدءا من العام 1993 لدى تسلم نتنياهو رئاسة الحزب، وأفيغدور ليبرمان المدير العام للحزب.

ولهذا فإنه ليس صدفة أن اشترط ليبرمان أن يكون وزير خارجية مع كامل الصلاحيات، دون توزيع مهمات وصلاحيات، وقد وافق نتنياهو على هذا.

ولكن ما شهدناه لاحقا، أن من كان يسعى للحصول على وزارة الخارجية، سيلفان شالوم، تسلم وزارة التعاون الإقليمي، هذه الوزارة التي فصلها شمعون بيريس لنفسه في زمن حكومة إيهود باراك، ليكون وزير خارجية غير معلن، يتجول في العالم تحت غطاء المشاريع الاقتصادية الإقليمية، ولكنه في نفس الوقت كان ينطق ويتكلم بالسياسة الخارجية.

ومن يراهن على أن سيلفان شالوم لن يدس أنفه في السياسة الخارجية من خلال وزارته، سيكون كمن يراهن على عدم ذوبان ملعقة ملح في وعاء ماء كبير. وقد بدأ شالوم هذا في أول جلسة لحكومته، حين طلب من الحكومة اتخاذ موقف ضد كوريا الشمالية بسبب محاولتها إطلاق صاروخ، من أجل ردع إيران، وهذا أول الغيث، وأيضا هنا الصدام مع ليبرمان قادم.

أما ثالثا، فهو الملف الاقتصادي (طالع مادة أوسع في صفحة المشهد الاقتصادي من هذا العدد): فبعد "عناء" اضطر نتنياهو لتعيين يوفال شتاينيتس وزيرا للمالية، رغم أن نتنياهو كان يطمح شخصيا لهذا المنصب إلى جانب منصب رئيس الحكومة، ولكن قلة المناصب جعلته يتخلى شكلا عن هذا المنصب.

لكن نتنياهو يعلن جهارا أنه سيضع بنفسه استراتيجية السياسة الاقتصادية، ولن يقبل بغير ذلك، وقد رضي شتاينيتس بهذا، بسبب التقارب الكبير بينهما، ولكن يسأل السؤال هنا، إلى أي حد يمكن لدكتور الفلسفة، شتاينيتس، أن يبقى لا أكثر من مجرد رجل ظل لبنيامين نتنياهو؟.

ليبرمان

كان من الواضح منذ الحملة الانتخابية البرلمانية أن زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان يخضع لتحقيق بوليسي حول شبهات خطرة تتعلق بجرائم مالية كبيرة، من بينها تبييض أموال وتلقي أموال غير مشروعة، وحجبها عن سلطات الضريبة، وإقامة شركات وهمية لتكون قنوات لتحويل الأموال.

كذلك كان معروفا أن التحقيق مع ليبرمان سيستمر بعد الانتخابات، وأيضا بعد أن يتسلم منصبه الوزاري، ولكن كان من المفاجئ السرعة التي تم فيها استئناف التحقيقات. ففي اليوم التالي لتسلمه منصبه في وزارة الخارجية خضع ليبرمان لتحقيق دام سبع ساعات ونصف الساعة، وتلت ذلك في اليوم التالي جلسة تحقيق لمدة خمس ساعات، ليتبع كل هذا "تسريبات" من جهاز الشرطة حول أن وحدة التحقيق تنوي الانتهاء من التحقيق حتى نهاية الشهر الجاري أو مطلع أيار المقبل، وأنه على الأغلب ستوصي الشرطة بتقديم لائحة اتهام، لتقرر النيابة نهائيا في هذا الأمر في الخريف القادم.

وهناك تفسيران لهذه السرعة في عملية التحقيق، فإما أن أذرع ليبرمان والحكومة باتت متغلغلة أكثر في الجهاز القضائي، وأن الشرطة تبحث عن مخرج لإغلاق الملف كليا، وهذا احتمال ضعيف جدا، وعلى ضوء ما ينشر في وسائل الإعلام من إثباتات تدين ليبرمان، أو أن الشرطة تريد استدراك الأمر، قبل أن يتم تغلغل كهذا، لتنجز مهمتها، وتقدم توصياتها، وهذا الاحتمال الأكبر، خاصة إذا انتبهنا إلى بعض التصريحات الصادرة عن ليبرمان ومقربيه.

ففي اليوم الذي عرض فيه نتنياهو حكومته على الكنيست، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية "تسريبات" مفادها أنه في حال استقالة ليبرمان على خلفية تقديم لائحة اتهام ضده، فإن سيلفان شالوم سيحل محله، مما أثار غضب ليبرمان، الذي نشر بيانا يقول فيه إن حقيبة الخارجية ستبقى بيد حزبه، بمعنى أنه لم يعترض مبدئيا على احتمال تقديم لائحة اتهام ضده.

ونشرت صحف إسرائيلية في مطلع الأسبوع تقارير تقول إن الأجواء السائدة في حزب "إسرائيل بيتنا" تقول إن على الحزب أن يبقى في الحكومة حتى بعد استقالة ليبرمان الاضطرارية.

ولكن ما من شك أن تقديم لائحة اتهام ضد ليبرمان، صاحب القرار الوحيد في حزبه، حزب الرجل الواحد، سيشكل هزّة للحكومة، وسيكون على نتنياهو إعادة ترتيب الأوراق من جديد، خاصة وأن الحقيبة التي يتسلمها ليبرمان، الخارجية، تعتبر أساسية في جهاز اتخاذ القرار، وتسليمها لعضو الكنيست الجديد، والسفير السابق في واشنطن داني أيالون (نائب ليبرمان في الوزارة)، الذي هو في حالة خصام شديدة مع سيلفان شالوم، ستثير عاصفة سياسية في داخل الليكود.

حزب "العمل"

نجح إيهود باراك في جر حزبه إلى حكومة نتنياهو اغتصابا، ولكن بحسب ما هو قائم فإنه من الصعب عليه أن يضمن وحدة الحزب خلال الدورة البرلمانية. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيقتصر الانشقاق على الكتلة البرلمانية لتعمل المجموعة المعارضة كمجموعة متمردة، أم أنها ستنشق كليا؟ وهل سيقود الانشقاق في حال حصوله إلى انشقاق تام في الحزب؟ من الصعب الإجابة منذ الآن، لأن عدة عوامل تتحكم في النتيجة النهائية، منها الشخصية والسياسية، وحتى الاعتبارات المالية وديون الحزب.

ففي البداية كانت غالبية أعضاء الكتلة البرلمانية، 7 نواب من أصل 13 نائبا، ضد قرار أغلبية مؤتمر الحزب الانضمام إلى حكومة نتنياهو، وبعد هذا فقد أعلن البروفسور أفيشاي برافرمان التزامه قرار الحزب، "لتكافئه" هذه الطاعة بتسلم حقيبة وزارية لشؤون الأقليات.

وتبعه في هذه الطاعة، العضو الجديد في الحزب، الصحافي من جريدة هآرتس دانيئيل بن سيمون، الذي أيضا كافأته "الطاعة الحزبية" بمنصب رئيس الكتلة.

ولأن عدد المناصب الوزارية والبرلمانية التي حظي بها حزب "العمل" أكبر من أعضاء الكنيست "المطيعين"، فقد تم إسناد رئاسة أرفع لجنة برلمانية، لجنة الشؤون الخارجية والأمن، لعضو الكنيست المتمرد أوفير بينيس، ولكن في هذه اللجنة لم يكن في أي يوم خلاف على أساس معارض وائتلاف في القضايا الأمنية الحساسة.

ولكن هذا لا يعني هدوء المتمردين الخمسة، الذين بإمكانهم وفق قوانين الكنيست الانشقاق عن كتلة حزب "العمل" وتشكيل كتلة برلمانية مستقلة، وقد يحدث هذا، لأن الأعضاء الخمسة رفضوا المشاركة في التصويت على منح الثقة لحكومة نتنياهو، ومن بينهم من يتعامل كمعارض، ويجري اتصالا مع كتل المعارضة، وخاصة حزب "كديما"، من أجل تنسيق العمل.

ولربما ان هذه المجموعة تريد التريث إلى حين رؤية إلى أين تتجه الريح، واحتمال أن يستخلص "المطيعون" العبر والانسحاب من حكومة اليمين، أو أنهم يتخوفون من أن انشقاقا كهذا قد يحملهم قسطا من عبء ديون الحزب، الذي وصل إلى حد الإفلاس المالي، بديون إجمالية تصل إلى 120 مليون شيكل (قرابة 38 مليون دولار).

وقد يبدأ الضغط على "العمل" مع بدء العمل الشامل لحكومة نتنياهو، ومع بدء اصطدامها في القضايا المحلية والخارجية، اصطدام الأحزاب بعضها ببعض في داخل الائتلاف، وهذا بحد ذاته جدير بالمراقبة.

أيام صاخبة على الطريق

كثيرة هي الصراعات الداخلية لحكومة نتنياهو، وإذا كان المشهد الأولي هو لأزمات على هذا النحو، فإن ما سيأتي سيكون أكبر، وستكون هذه حكومة صخب لا يهدأ.

في حفل تسليم وزارة الخارجية همست تسيبي ليفني قائلة بعد أن سمعت تصريحات ليبرمان الحربية: "لقد اتضحت الآن حكمة قراري عدم الانضمام لهذه الحكومة". ولم يكن ما صرح به ليبرمان بعيدا عما نفذته ليفني على أرض الواقع في ظل حكومة إيهود أولمرت، لكن على المستوى الحزبي فإن ليفني هي الرابح الأكبر على المستوى الأبعد من هذه الانتخابات. وحتى إن نجحت حكومة نتنياهو في تمرير عامها الأول "بسلام"، هناك شك كبير في إمكانية انتهاء عامها الثاني من دون تغيير جذري فيها، إن لم يكن سقوطها.