لحظة حسم الموقف الإسرائيلي بشأن مهاجمة إيران باتت قريبة

إسرائيل: قرار مجلس الأمن الجديد فارغ من أي مضمون، والتقرير الأخير لوكالة الطاقة الذرية بشأن "نشاطات إيران النووية" أشد خطرًا من التقارير السابقة

أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية، اليوم الثلاثاء- 4/3/2008، أن قرار مجلس الأمن الذي اتخذ الليلة الماضية ونص على فرض المزيد من العقوبات على إيران، أثار خيبة أمل لدى المسؤولين الإسرائيليين.

ونقلت بعض وسائل الإعلام هذه عن رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، قوله تعقيبًا على هذا القرار "إن الأسرة الدولية مطالبة بأن تتخذ خطوات إضافية من أجل منع إيران من إنتاج سلاح نووي". فيما قالت صحيفة "هآرتس" إن مسؤولاً إسرائيليًا رفيع المستوى اعتبر القرار الدولي "فارغًا من أي مضمون".

وهذا هو القرار الثالث الذي يتخذه مجلس الأمن في هذا الصدد.

وقد سبق له أن اتخذ قرارين مماثلين في كانون الأول 2006 وفي آذار 2007.

واعتبر معلق الشؤون الإستراتيجية والاستخبارية في "هآرتس"، يوسي ميلمان، أن القرار الأخير هو نتيجة لتسوية تم التوصل إليها في مجلس الأمن بسبب موقف الصين وروسيا، وأنه استمرار للقرارين السابقين ولا "ينطوي على ما من شأنه أن يردع إيران من جهودها الرامية إلى امتلاك تكنولوجيا ومعلومات" تتعلق بإنتاج السلاح النووي.

وكانت إسرائيل قد انهمكت بالتقرير الأخير، الصادر في 22 شباط الماضي، عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن عمليات مراقبة "المشروع النووي الإيراني". وأجمعت ردات الفعل على التقرير على أن الجهود الدولية ضد إيران لا تشكل بديلاً عما يتعين على إسرائيل أن تفعله، وأن لحظة حسم الموقف الإسرائيلي بشأن "مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية" باتت أكثر قربًا من ذي قبل.

وفي هذا السياق أكد باحث إسرائيلي في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب أن التقرير المذكور للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي اعتبر الأكثر جدة وتحديثًا في هذا الصدد، أشدّ خطرًا من التقارير السابقة، وينطوي على معلومات جديدة كثيرة فيما يتعلق بتطوير إيران لمنشأة نووية جديدة، واستعدادها لإجراء تجارب على رؤوس حربية جديدة قامت بتركيبها على الصواريخ البالستية التي في حوزتها.

ورأى هذا الباحث، وهو إفرايم أسكولاي، المتخصص في الشؤون الإيرانية، أنّ ما يمكن استنتاجه من التقرير هو أن إيران تعمل، بصورة مثابرة، على تخصيب اليورانيوم، وإن كان ذلك يحدث بوتيرة بطيئة. كما أنها تعد العدّة لتركيب العديد من ماكينات التخصيب، علاوة على أنها تقوم بتجريب صنف جديد من هذه الماكينات، يتيح تسريع وتيرة هذا التخصيب.

وأضاف أنه بالاستناد إلى ما يقوله التقرير الدولي فإن هناك احتمالاً بأن تتمكن إيران من تشغيل منشأتها النووية العسكرية الأولى في نهاية العقد الحالي.

وأكد أنه ليس في وسع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمفردها أن تكون الحكم في هذا الشأن، ذلك أن تطوير نُظم السلاح النووي وتخطيط وتجريب الرؤوس الحربية للصواريخ، بما في ذلك ما يتم القيام به تحت الأرض، لا يدخل في نطاق خبرتها ولا صلاحياتها. وقال إنه يجب معالجة ذلك من قبل خبراء ذوي معرفة من دول تملك أسلحة نووية، ومن الأفضل أن يجري ذلك خارج رعاية الوكالة الدولية.

وخلص الباحث الإسرائيلي إلى القول إنه على الرغم من أن هذا التقرير لا يدين إيران بوضوح، إلا أنه يحذر من تطلعها إلى امتلاك سلاح نووي.

وكان معلق الشؤون الاستخبارية والإستراتيجية في صحيفة "هآرتس"، يوسي ميلمان، قد أشار بعد صدور التقرير المذكور بيومين، إلى أن إيران تواصل منذ خمسة أعوام مناوراتها، فتعلن في الظاهر أنها تتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكنها لا تقوم بذلك في الواقع، والهدف هو كسب الوقت.

وأضاف: يبدو أن إيران قد نجحت في هذا الأمر، فقد أصدرت الوكالة الدولية نحو 15 تقريرًا حتى الآن، وما زالت تجد صعوبة في توفير جواب قاطع يتعلق بمسار المشروع النووي الإيراني: هل هو في اتجاه السلام، بحسب ما تدعي إيران، أو في اتجاه تطوير سلاح نووي، بحسب ما تدعي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل؟. وهذا ينطبق أيضًا على التقرير الأخير، الذي صدر في 22/2/2008، على الرغم من أن جزءًا من استنتاجاته يؤيد موقف الغرب.

وتابع: يسود في إسرائيل والولايات المتحدة غضب عارم على مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، د. محمد البرادعي، جرّاء استمرار وقوعه في الفخ الإيراني. إن البرادعي لا يملك الكثير من الخيارات، فالوكالة الدولية تعكس مواقف الأسرة الدولية كافة، ولذا فإن تقاريره تدمج بين القاموسين الدبلوماسي والتقني، لكونه ملزمًا بإرضاء مصالح روسيا والصين ودول عدم الانحياز، المناقضة لمصالح الغرب.

علاوة على ذلك لا تملك الوكالة الدولية قدرات استخبارية خاصة بها، ولذا ليس في إمكانها أن تفرض رغبتها على التقارير. وعمليًا يجب أن ينصب الغضب على الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، التي تجد صعوبة في الوصول إلى إجماع في هذا الشأن. وأصلاً كيف يمكن الاحتجاج على موقف موسكو وبكين إذا كانت الاستخبارات الأميركية نفسها منحت، قبل نحو شهرين، "صك براءة" لإيران عندما قررت أنها جمدت مشروعها النووي العسكري منذ سنة 2003؟.

وفي رأي ميلمان فإن إيران تكسب الوقت في هذه الأثناء. وتقدير الاستخبارات الإسرائيلية، الذي يؤكد أن إيران سوف تملك سلاحًا نوويًا في غضون عامين، لم يتغير.

وختم قائلاً "إن تقرير الوكالة الدولية لا يجدّد لإسرائيل شيئًا، غير أنه يقرّب اللحظة التي يتعين على القيادة الإسرائيلية أن تحسم فيها قرارها بشأن مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية".

وفي يوم 26 شباط أنشأت صحيفة "هآرتس" مقالا افتتاحيا حول إيران جاء فيه:

بحث مجلس الأمن، هذا الأسبوع، مسودة قرار ينطوي على تصعيد طفيف للعقوبات الاقتصادية ضد إيران. ومن الواضح، بداية، أن تأييد الدول الخمس الدائمة العضوية في هذا المجلس، ومعها ألمانيا، لهذه المسودة يعكس استعدادًا دوليًا للتعاون إزاء المشروع النووي الإيراني، غير أنه استعداد ناجم عن كون العقوبات خفيفة.

إن التحركات الأخيرة في الأمم المتحدة، التي تستند إلى تقرير نقدي سابق صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تشير إلى أن الأسرة الدولية لا تزال متمسكة بنيتها المعلنة في شأن عدم التسليم مع سعي إيران لامتلاك سلاح نووي. لكن بما أن الجدول الزمني لامتلاك سلاح كهذا، الذي وضعته الاستخبارات الأميركية، يتحدث عن النصف الأول من العقد المقبل، أي ليس قبل سنة 2012، فإن هذه التحركات لا تتميز بالسرعة ولا بالحزم. أما تقدير الاستخبارات الإسرائيلية فهو أكثر تشككًا، وينطوي على الخشية من أن تملك إيران سلاحًا نوويًا في نهاية العام المقبل.

في ظل هذه الظروف يبقى التطور المهم في مواجهة السلاح النووي الإيراني متعلقًا بالتطورات الداخلية في الولايات المتحدة، إذ أنه لا يوجد احتمال لكبح جماح إيران، من دون تولي البيت الأبيض، بتأييد من الكونغرس، القيادة الصارمة لهذه المعركة البيت الأبيض. غير أن هذه القيادة تعرضت للمسّ الشديد في نهاية سنة 2007 بالتزامن مع نشر تقرير الاستخبارات الأميركية، الذي أشار إلى أن المشروع النووي الإيراني قد جُمد منذ سنة 2003.

ومضت الصحيفة تقول: إن ما حدث في مجلس الأمن، هذا الأسبوع، هو عمليًا إشارة إلى ما سوف يحدث في سنة 2008، باعتبارها آخر سنة لولاية الرئيس جورج بوش، الذي يواجه صعوبات في قيادة عملية عسكرية ضد إيران، من دون تأييد الحزب الديمقراطي، في الوقت الذي يستنزف التدخل الأميركي في العراق وأفغانستان جميع موارد وزارة الدفاع الأميركية.

من غير الواقعي أن نتوقع من العالم أن يخوض حربًا لم يحن أوانها بعد في نظره. إن هذا الأمر لا يحمل بشائر سارة لإسرائيل، ومن شأن توقعاتها بأن تتصدى جهات دولية لمواجهة الملف النووي الإيراني، وبذا توفر عليها عناء اتخاذ قرارات مصيرية حاسمة، أن تظهر بأنها توقعات وهمية.

أما كبير المعلقين السياسيين في الصحيفة، يوئيل ماركوس، فكتب يقول: نجح الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، في أن يضلل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن مشروعه النووي هو لأهداف سلمية فقط، لا لتطوير قنبلة نووية. ولعل الأسوأ من ذلك هو أن إيران تستعين بدول أعضاء في الأمم المتحدة من أجل الحصول على مواد مطلوبة لإنتاج القنبلة والصواريخ.

إن واقع أن المفاعلات وأجهزة الطرد المركزية ومنشآت تخصيب اليورانيوم وسائر معاهد تطوير القنبلة النووية موزعة على بضعة مواقع تحت الأرض يؤكد أنهم استخلصوا العبرة في إيران من قصف إسرائيل للمفاعل النووي العراقي في سنة 1981، فنحن نشغل تفكيرهم باعتبارنا تهديدًا وعقبة، لا هدفًا فقط.

وأضاف ماركوس: إن ما يمكن أن تفعله إسرائيل في هذا الشأن هو أن تحرّك برلمانيين في دول الاتحاد الأوروبي من أجل ممارسة التأثير على حكوماتهم كي تكف عن بيع المواد إلى إيران. ومن المهم، أولا وقبل أي شيء، أن نستنفر الكونغرس الأميركي، وذلك في ضوء الرأي السائد الذي يقول إن الرئيس الأميركي القادم لن يكون ضالعًا في الحرب على الإسلام المتطرف، مثل الرئيس بوش.

حتى لو لم يستعمل أحمدي نجاد القنبلة النووية، في حالة امتلاكه لها، فلا شك في أن مجرد تهديد من هذا القبيل بإمكانه أن يقوّض مفهوم كون إسرائيل الملاذ المضمون الوحيد للشعب اليهودي.

في ظل هذه الظروف من المهم أن تمتنع إسرائيل من الانجرار إلى فرض عقوبات جماعية على سكان غزة، إذ يمكن أن تخسر بسبب ذلك تأييد العالم لجهودها الرامية إلى إحباط المشروع النووي الإيراني. كما أنه، ومن دون الاستهانة بقوة سلاح الجو وطياريه المتميزين، لا يجوز أن تعمل إسرائيل بمفردها، إذ أنها بحاجة إلى تعاون وموافقة وتأييد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للدفاع عن نفسها.