بورصة الزعامة الإسرائيلية متحركة بمقدار تقلب السياسة

ما أن انتهت الانتخابات التمهيدية في الليكود منتصف الأسبوع الفائت حتى أعلن الزعيم الجديد ـ القديم بنيامين نتنياهو أنه سيبذل كل الجهد من أجل خلق قيادة جديدة لإسرائيل. ورغم أن هذا شعار يتكرر على ألسنة القادة الإسرائيليين عند فوزهم في الانتخابات إلا أن الملاحظ هو أن القيادة ومنطقها يبقيان في الغالب على حالهما. والحلبة الإسرائيلية التي كثيرا ما شهدت منح فرصة أخرى لقادة الأحزاب فيها، لا تملك عمليا أي دليل على حدوث تغييرات جوهرية في أداء القيادة.

فاسحق رابين، الذي خسر الانتخابات في أواخر السبعينيات لليكود، لم يتغير كثيرا وبقي كما كان حتى عندما عاد إلى الحكم في مطلع التسعينيات. فقبل شهور قليلة من تولي رئاسة الحكومة كان يدعو إلى تحطيم أيادي وعظام الفلسطينيين المنتفضين ولم يتغير كثيرا حتى عندما وقع على اتفاقيات أوسلو. وكان أريئيل شارون الشخص نفسه، البلدوزر، حتى عندما هدم مستوطنات قام هو بإنشائها وهو ما كان قد فعله قبل ذلك بعقدين ونصف في "ياميت" عند إخلاء سيناء.

وليس بين الإسرائيليين كثيرون يتوقعون أن يكون كلا من بنيامين نتنياهو وإيهود باراك الاستثناء الذي يؤكد القاعدة. فإيهود باراك، الذي صمت طويلا، كان هو نفسه باراك الذي عرفه قادة حزب العمل في جولة قيادته السابقة. وكان بوسع أسابيع قليلة من وجوده في الزعامة وفي وزارة الدفاع كافية لإظهار أن شيئا لم يتغير لا في سلوك الرجل ولا في طريقة فهمه للحياة. ومع ذلك فإن الحديث في إسرائيل يدور في الأساس حاليا عن بنيامين نتنياهو، على الأقل بوصفه الشخص المرشح أكثر من غيره حتى الآن للفوز في أية انتخابات محتملة.

وقد شاءت الظروف أن يخوض نتنياهو الانتخابات لزعامة الليكود قبالة زعيم ما يسمى بـ"جناح القيادة اليهودية" موشيه فايغلين. ويعتبر فايغلين من أشد المتطرفين بين المستوطنين وهو لا يزال يحمل فكرة إسرائيل الكبرى ويطالب بطرد العرب. وبمعنى من المعاني فإن فايغلين يمثل في الليكود الجناح الأشد تطرفا في صفوف اليمين الإسرائيلي. ورغم أن المتطرفين اليمينيين المتشددين اندفعوا للسيطرة على أحزاب كانت قائمة، كحزب المتدينين الوطنيين، أو أقاموا أحزابهم الجديدة كالاتحاد القومي حاليا، فإن بعضهم، وخاصة فايغلين، آمن بقدرته على احتلال مركز القيادة عبر السيطرة التنظيمية على الليكود.

ويبدو أن تاريخ الانزياح اليميني في المجتمع الإسرائيلي حفز هذا التيار على الإيمان بأنه سرعان ما سيكون في قلب الإجماع الشعبي. ويكفي للدلالة على ذلك واقع أن هذا التيار انتقل في الانتخابات الداخلية وخلال عقد من الزمان من موقع من يحظى بثلاثة في المائة من أصوات الليكوديين إلى من يقترب الآن من حوالي ربع الأصوات.

ورغم أن السياسات التي انتهجها نتنياهو، وقبله اسحق شامير، ألهمت وشجعت اليمين المتشدد إلا أن زعيم الليكود الجديد بات يجد من المناسب التنصل من هذا اليمين. وقد خاض نتنياهو معركته الانتخابية هذه المرة وهو خائف فعلا من أن فوز فايغلين بنسبة عالية من الأصوات سوف يسم الليكود بأسره بطابع التطرف والعنصرية. ومما زاد الطين بلة أن أحدا سوى فايغلين ورئيس جماعة لا تقل تطرفا يدعى داني دانور لم يترشح لمواجهة نتنياهو. إذ أن الخصم الأبرز لنتنياهو في قيادة الليكود سيلفان شالوم سارع لسحب ترشيحه بهدف تجنب الخسارة والأهم بهدف إحراج نتنياهو.

وهكذا فإن الشارع الإسرائيلي الذي أعطى نتنياهو في استطلاعات الرأي أفضلية كبيرة على خصومه، باراك وأولمرت، شرع في قراءة الخريطة بشكل مغاير لما يريد زعيم الليكود. وربما أن فهم نتنياهو لهذا الخطر هو ما دفعه للإعلان أن جماعة فايغلين في الليكود هم أقلية غير مؤثرة. ولكن الحقيقة بادية للعيان: فايغلين أفلح في تنسيب ما لا يقل عن عشرة آلاف عضو لليكود. وقد نال في الانتخابات الأخيرة أصوات أكثر من 12 ألفا. وهذا يؤكد أن هذه ليست جماعة هامشية.

وقال نتنياهو لصحافيين إن الكثيرين، بعد الانتخابات الأخيرة التي خسر فيها الليكود جزءا كبيرا من قوته جراء إنشاء كديما، أعلنوا وفاة هذه الحركة وانتهاء الحياة السياسية له. غير أن الحركة عادت واستعادت قوتها لدى الرأي العام بعد انتهاء "التحريض".

والواقع أن الليكود استعاد قوته في الرأي العام الإسرائيلي بسبب فشل كديما وإيهود أولمرت في خطة الفصل وفي حرب لبنان. ورغم أن الحلبة السياسية، لاعتبارات شتى، عجزت عن تغيير أولمرت وإسقاطه فإن الجمهور اتخذ قراره ونقل تأييده لنتنياهو والليكود. ولكن ليس هناك من يضمن أن يبقى الجمهور الإسرائيلي على رأيه هذا زمنا طويلا.

فمن الواضح أن هذا الجمهور غير مستعد حتى الآن للصفح عن أولمرت وأخطائه ولكنه غير ملزم بالبقاء وفيا لنتنياهو. وتشهد آخر استطلاعات الرأي على تراجع في التأييد الشعبي لنتنياهو ونجاح إيهود باراك في تحقيق تقدم. ومع ذلك ولأن الانتخابات لم تعد زعامية وعادت لتكون حزبية فإن التأييد الذي يبديه شخص لزعيم لا يعني بالضرورة أنه سيمنحه للحزب الذي يقوده.

ونظرا لتداخل اعتبارات داخلية وخارجية عديدة في تحديد وجهة الناخب فإن الأمور في إسرائيل تبدو اليوم مفتوحة أكثر من أي وقت مضى. والحال أن بورصة الزعامة في إسرائيل متحركة بمقدار تقلب السياسة، وهي كانت هكذا ولم تتغير كثيرا منذ عقود طويلة.