هل يقرّر "العمل" مجريات الحلبة السياسية الإسرائيلية

ليس ثمة ما يشغل بال الإسرائيليين اليوم أكثر من التساؤل عن موعد انصراف إيهود أولمرت عن سدة الحكم. فرئيس الحكومة الإسرائيلية، في نظر الجمهور والساسة على حد سواء، هو رجل فاشل جمع بين التهور والغطرسة والفساد فكسب صفة الأشد فساداً وفشلاً بين رؤساء حكومات إسرائيل. وثمة من يقول إن أولمرت، نفسه، الذي يدعي النصر وطهارة اليد والتواضع، لم يعد ينافس الآخرين على البقاء وإنما صار يفاوضهم على شروط الرحيل.

وشروط أولمرت، وفق ما يراه البعض، لم تعد كبيرة أو معقدة. إنه يريد أن يتظاهر بأنه رحل من تلقاء نفسه وليس وفق تعليمات لجنة فينوغراد أو توصياتها. كما أنه يريد أن يظهر وكأنه قام بإصلاح ولو جزئي لبعض العيوب التي شدّد مراراً على أنه ورثها عن أسلافه. وليس من المستبعد أنه وهو يكسب الوقت يريد الإيحاء بأنه ينتظر ظروفاً ربما تسمح للجمهور الإسرائيلي باكتشاف أن حرب لبنان حققت إنجازات لم تظهر نتائجها بعد.

وتشير المعطيات الداخلية الإسرائيلية كافة إلى أن ما أبقى أولمرت واقفاً على رجليه حتى اليوم هو إما انعدام البديل أو الخشية من البديل الآخر. ويتركز انعدام البديل على الوضع داخل كديما حيث يصعب بقاء الائتلاف الراهن في حال إبعاد أولمرت عن سدة الحكم. إذ أن الصراع داخل كديما سينفجر سريعاً بين عدد من الشخصيات غير المتوافقة على الزعامة كما أن موقف باقي شركاء الائتلاف من كل منهم غير متجانس.

والواقع أن الخشية من البديل، هي خشية من الليكود عموماً ومن عودة بنيامين نتنياهو إلى الواجهة على وجه الخصوص. فاستطلاعات الرأي تظهر رغبة الجمهور الحالية في الانتقام من كديما بالعودة إلى الليكود. وهذا لا يعني أن الانتخابات قد تكون مفيدة لأي من الأحزاب المشاركة في الائتلاف حالياً. ومن المعروف أن الحزب الوحيد الذي يرى له مصلحة في الانتخابات المبكرة هو حزب الليكود.

ومن الجائز أن تطورات الوضع الشعبي وتعاظم القلق من استمرار أولمرت في سدة الحكم أثرت على حزب العمل أكثر من سواه. ولعب في ذلك واقع أن هذا الحزب هو الوحيد الذي يوشك على خوض عملية انتخابية من أجل تحديد زعامته. ولهذا بدا أنه في الحل الذي يمكن أن يفرض على أولمرت ثمة مكان مميز لموقف حزب العمل.

وقد لوحظ في الأسابيع الأخيرة أن الحراك الدائر في هذا الحزب أكثر من أي حراك في أي حزب إسرائيلي آخر. فعندما انضم أفيغدور ليبرمان للحكومة كان الوزير أوفير بينيس هو من خرج من الحكومة احتجاجاً على إدخال عنصري إلى حكومة يشارك حزب العمل فيها. كما أنه حال صدور تقرير لجنة فينوغراد كان الوزير إيتان كابل أول من دعا أولمرت للاستقالة وسارع هو بنفسه لتقديم استقالته من حكومته.

ولهذا السبب ينظر المراقبون باهتمام إلى الحراك الدائر في حزب العمل، خصوصاً الموقف من إيهود أولمرت ورئاسته للحكومة. ومن الجلي حتى الآن أن هناك أغلبية في قواعد هذا الحزب تطالب بعدم البقاء في حكومة يرأسها أولمرت بعد ظهور فشله الذريع في حرب لبنان الثانية. ولا يقل أهمية عن ذلك أن هناك أغلبية داخل كتلة الحزب في الكنيست تؤيد هذا الموقف. وقد أحدثت هذه الأغلبية أول تصدع في الائتلاف حين أيدت حرية التغيب عن التصويت على حجب الثقة عن الحكومة.

وجاء انقلاب مواقف أغلبية المرشحين لزعامة حزب العمل من رئاسة أولمرت للحكومة ليتجاوب، بأشكال مختلفة، مع مزاج الشارع. وفي الوقت الذي لم يكن فيه أحد من هؤلاء يطالب باستقالة أولمرت قبل أيام باتت استقالته مطلب أربعة من هؤلاء المرشحين. وكان وزير الدفاع عمير بيرتس هو الوحيد الذي تحدث عن تردده إزاء هذا الموقف لكنه أعلن مؤخراً أنه سيبقى في حكومة أولمرت وأنه ليس بين من يدعون لتحديد هوية زعيم حزب آخر.

غير أن بيرتس، في موقفه هذا، بقي في إطار الأقلية. ويبدو أنه ليس صاحب الحظ الأوفر للفوز في الانتخابات. وليس صدفة أن إيهود باراك، الذي كان حتى وقت قريب، يعتبر الشخص الأقرب في حزب العمل إلى إيهود أولمرت اضطر لتغيير موقفه. وفي نظره ينبغي لأولمرت أن يستقيل، ولكنه على استعداد للعمل تحت إمرة أولمرت في حكومة انتقالية.

ومن الواضح أن الصراع في داخل حزب العمل حول البقاء أو الخروج من حكومة أولمرت يتأثر جداً بالمصالح الشخصية. وقد بدا ذلك جلياً في التمايز بين موقف الوزراء وأعضاء الكنيست حيث يبدو أن أغلبية الوزراء لا يريدون التخلي عن كراسيهم. وقد خلق هذا التمايز نوعاً من التوتر في معسكر أنصار باراك الذين بينهم أبرز الوزراء مثل بنيامين بن إليعازر وشالوم سمحون واسحق هرتسوغ.

وهكذا فإن حزب العمل، الذي ظل في السنوات الأخيرة مجرد تابع لحكومات اليمين يجد اليوم فرصة لأن يقرر هو بنفسه مجريات الحلبة السياسية الإسرائيلية. ورغم الكلام الكثير فإن أحداً لا يتوقع من حزب العمل أن يلعب الدور المصيري. وفي الغالب لن يتمكن من إقرار خطوة تقرر مصير الحكومة قبل أن تظهر نتائج الانتخابات التمهيدية في نهاية هذا الشهر. وحتى ذلك الحين أولمرت يكسب الوقت.