تقدير موقف صادر عن معهد سياسي إسرائيلي: تحديات الأمن القومي الإسرائيلي تستوجب ردودًا سياسية- دبلوماسية بالأساس

كتب محرر "المشهد الإسرائيلي":

قالت ورقة "تقدير موقف" صادرة، في نهاية شهر آب الماضي عن "معهد ريئوت للفكر السياسي" الإسرائيلي إنّ مفهوم الأمن الإسرائيلي يتمحور الآن في "إيجاد حلول عسكرية- تكنولوجية لمواجهة التحديات الماثلة أمام الأمن القومي"، وذلك على الرغم من كون معظم التحديات الكبرى التي يواجهها الأمن القومي الإسرائيلي تستوجب ردودًا سياسية- دبلوماسية بالأساس.

وقد فصّلت هذه الورقة تلك التحديات الكبيرة على الوجه التالي:

التهديد النووي الإيرانيّ- في الوقت الذي تبذل فيه الأسرة الدولية محاولات جمّة لاحتواء إيران من خلال الوسائل الدبلوماسية والسياسية، فإنّ إسرائيل تجد نفسها مفتقرة إلى رافعات قوية في هذا المسار.
تداعيات أحداث الساحة العراقية- إنّ مواجهة الظواهر التي تتطوّر في العراق، مثل المساعي الرامية إلى ضعضعة السلطة المركزية وتفشي الهيمنة الإيرانية، قد تتطلب في نهاية الأمر عملية سياسية إقليمية تؤالف ما بين "القوى المعتدلة".
الحفاظ على العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة- إنّ المسّ بمكانة الولايات المتحدة في العراق وكذلك إعادة التقويم الجارية للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط والهجوم على اللوبي المؤيد لإسرائيل في واشنطن- كل ذلك يستدعي استثمار موارد جديدة في الشراكة الإسرائيلية- الأميركية.
المفاوضات مع الفلسطينيين- من شأن الاتصالات الحالية بين إسرائيل والفلسطينيين و"اللقاء الدوليّ" المرتقب في الخريف أن يعيدا بعث العملية السياسية.

علاوة على ذلك كله فإن "تصاعد الأفكار التي تستأنف على شرعية الحقّ اليهوديّ في إقامة دولة مستقلة في قلب الساحة الدولية"، على حدّ تعبير كاتبي الورقة، تعدّ نموذجًا ساطعًا لتحد سياسي من الدرجة الأولى.

وفي ترجيحها للحكم الذاهب إلى أن مفهوم الأمن الإسرائيلي يتمحور الآن في "إيجاد حلول عسكرية- تكنولوجية لمواجهة التحديات الماثلة أمام الأمن القومي"، تعتمد ورقة "تقدير الموقف" على تقارير صحافية تناولت، بالعرض والتحليل، ورشة قيادة هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي التي عقدت خلال الأسبوع الثالث من شهر آب الفائت، في قاعدة سلاح الجوّ في "تسريفين" والتي جرى التداول خلالها في المسار الذي ينبغي توجيه الجيش الإسرائيلي فيه خلال الأعوام المقبلة.

وقد جاءت الخطة الاقتصادية- العسكرية المتعددة السنوات المعروفة باسم "تيفن"، التي صادق عليها رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، أمس الاثنين 3/9/2007 (اقرأ خبرًا بشأنها في مكان آخر)، لتثبت ذلك مجددًا.

ولا ينحصر الاستغلاق على "الحلول العسكرية" في تفكير المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، بل يتعداه إلى المؤسسة السياسية أيضًا.

والدليل على ذلك، مثلاً، هو استمرار التشكيك الإسرائيليّ بقدرة الخطوات السياسية- الدبلوماسية الدولية على كبح جماح البرنامج النووي الإيرانيّ. فوسائل الإعلام الإسرائيلية لا تخلو يومًا بعد يوم من المقالات والتحليلات التي تكاد تجمع على عدم جدوى هذه الخطوات. بل إنّ أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين السابقين ألمح ("معاريف، 3/9/2007) إلى أنه ما من بديل أمام الولايات المتحدة وحليفاتها سوى البديل العسكريّ، وذلك حين سخّف نيات الدول المذكورة العمل في غضون الأسابيع القريبة المقبلة على فرض عقوبات إضافية على إيران في مجلس الأمن، مؤكدًا أنه "بحسب تجربة الماضي وإذا ما أخذنا في الاعتبار الخط السياسي الجديد الذي تنتهجه روسيا فليست هناك فرصة للنجاح في تطبيق هذه العقوبات".

كما يأتي دليل مستجد آخر من البحث الجاري، هذه الأيام، بشأن احتمال انسحاب الجيش الأميركي من العراق. وقد أشارت مصادر إعلامية إسرائيلية مطلعة ومتطابقة إلى أنه يمكن تحديد موقفين تتم بلورتهما من النقاشات في إسرائيل بشأن اليوم التالي لانسحاب الجيش الأميركي من العراق: الأول- وهو الموقف الأبرز إلى الآن- يقول إن خروج الجيش الأميركي من العراق في الظروف الحالية سيء جدًا لإسرائيل. أما الموقف الثاني فإنه يرى "نقطة ضوء" في الانسحاب الأميركي من العراق ويتركز في القنبلة النووية الإيرانية. غير أنّ أصحاب هذا الموقف الأخير يقولون إن الانسحاب الأميركي "سيحرّر الإدارة الأميركية من الضغط الذي يمارسه عليها الجيش والذي يعارض أية عملية عسكرية ضد إيران ما دام الجيش الأميركي موجودًا في العراق"، لناحية اللجوء إلى الخيار العسكريّ.

مهما يكن فلا شكّ أن العام 2008 سيكون عامًا حاسمًا في الشرق الأوسط، وفق ما تنبئ به هذه التطورات المرشحة للتفاعل على أكثر من صعيد.