المشهد الحزبي الإسرائيلي عشية تقرير لجنة فينوغراد

البيان المقتضب الذي صدر عن لجنة الفحص الرسمية في مجريات الحرب على لبنان، "لجنة فينوغراد"، الذي أعلن أن تقريرها المرحلي قريبًا سيتضمن استنتاجات شخصية بحق القادة السياسيين والعسكريين، كان بمثابة عود ثقاب وقع على بقعة وقود تتسرب من برميل الحلبة السياسية المشحون منذ فترة.

ففي الحال اختار الكثيرون اعتبار البيان بمثابة الشرارة الأولى لبداية نهاية ولاية رئيس الحكومة إيهود أولمرت، فيما نصح بعض آخر بالتريث وعدم استعجال الأمور، لأن الطريق لا تزال طويلة حتى معرفة المصير، أو ما إذا هناك ما يستدعي استقالة أولمرت من منصبه.

وفي الحال شهدنا تحركا واسع النطاق في الأحزاب الثلاثة الكبرى التي تتنافس على سدة الحكم في إسرائيل، "كديما" و"العمل" و"الليكود"، والرماح في كل واحد من هذه الأحزاب كانت الحراب فيها من طرفيها، طرف في اتجاه الخارج، والثاني للداخل.

ففي "كديما" رأينا من يصارع من أجل البقاء ويؤكد أن هذا الحزب لا يزال قائما، مقابل بدء التحرك لاستبدال أولمرت في قيادة الحزب، أو الاستعداد لاختيار بديل من داخل الحزب في حال قرر أولمرت بنفسه الاستقالة.

وفي حزب "العمل" لم يكن الوضع مختلفا، فلجنة فينوغراد، وإن كان لديها استنتاجات حادة ضد الشخصيات السياسية فمن المستبعد ان تتجاوز وزير الدفاع، عمير بيرتس، ولهذا هناك كانت المعركة الداخلية أخف وطأة، باعتبار أن بيرتس سيفقد رئاسة الحزب، على الأقل حسب الاستطلاعات، في نهاية شهر أيار القادم.

أما في الليكود، فقد عاد رئيسه بنيامين نتنياهو إلى نفس المعزوفة، وهو سعيه لشق حزب "كديما"، ولكن في هذه المرّة استيقظ فجأة المنافس المركزي لنتنياهو في الليكود، وزير الخارجية السابق سيلفان شالوم، ليعتبر محاولة نتنياهو "مناورة نتنة"، وأنه لن يكون شريكا فيها.

أعضاء الكنيست ليسوا معنيين

قبل الولوج في ما يجري داخل الأحزاب هناك ضرورة للإجابة على السؤال المركزي والأهم، هل البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) معني بحل نفسه في هذه المرحلة، وبعد عام واحد على الانتخابات البرلمانية؟. والجواب هو لا، وهذه قضية عالجناها هنا بالتفصيل قبل أسابيع، والتطورات السياسية اللاحقة دعمت هذه النظرة.

ويرى المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوفال كارني، أن الطريق للانتخابات البرلمانية لا يزال طويلا. وجاء في مقال له: "إن الحلبة السياسية تعيش في واقع الأوهام، وأولمرت يتحرك في ظل تناقضات: فالائتلاف الحكومي قوي وثابت، ولكن التأييد الشعبي له أقرب إلى الصفر".

ويتابع كارني "إن أعضاء الكنيست ليسوا معنيين بحل البرلمان، على الأقل بعد عام واحد من الانتخابات السابقة. وأكثر من ذلك فإن للكثير جدا من النواب ما يخسرونه، فنواب حزب كديما الحاكم الـ 29، ونواب كتلة المتقاعدين (7 نواب)، ونواب كتلتي العمل (19) ويسرائيل بيتينو (11 )، وحتى نواب حزب شاس (12) لا يسارعون للتوجه إلى انتخابات جديدة".

وأضاف كارني "إن الوحيد الذي لديه مصلحة في انتخابات مبكرة هو بنيامين نتنياهو (رئيس حزب الليكود)، الرابح الأكبر من حرب لبنان، وهو الشخص الذي دمر حزب الليكود وحقق له 12 مقعدا فقط في الانتخابات الأخيرة الذي أصبح الأكبر شعبية لمنصب رئيس الحكومة، ولكن نتنياهو رجل الاستطلاعات يعرف تماما انه من الصعب إجراء انتخابات مبكرة، ولهذا فإنه يسعى إلى شق كتلة "كديما"، ليكون بإمكانه تشكيل أغلبية 61 نائبا ويحظى برئاسة الحكومة"، وشق "كديما" هو إحدى الفرضيات التي لا يزال المحللون السياسيون في إسرائيل يستصعبونها.

ويختتم كارني مقاله "إن الحلبة السياسية تعيش في فترة جنونية... وعلى الرغم من ذلك فإن من يعتقد أنه بعد شهر ستكون إسرائيل على أبواب انتخابات جديدة"، من المفضل أن يتمهل ويعيد حساباته.

من الصعب التكهن منذ الآن كيف ستكون التطورات في الحلبة السياسية غداة يوم السابع والعشرين من شهر آذار الجاري، بعد صدور التقرير المرحلي للجنة الفحص، ولكن في نفس الوقت فإنه من الصعب رؤية انهيار الائتلاف الحاكم في إسرائيل، وخلق أزمة ائتلافية تقود إلى انتخابات برلمانية جديدة، فانهيار الحكومة يحتاج إلى أغلبية برلمانية ليست متوفرة في هذه المرحلة، بل من المفارقات أن الائتلاف الحاكم عزز أغلبيته في الأسبوعين الأخيرين بخطوات جديدة.

وحسابات الربح والخسارة على المستوى الشخصي للنواب أصبحت قضية مفصلية في مستقبل الحكومات والعمل السياسي في إسرائيل، وهذه ظاهرة تتعمق أكثر يوما بعد يوم، وهي إحدى أبرز معالم التغيرات في الخارطة السياسية في إسرائيل، فحتى مطلع سنوات التسعين كان هناك وزن أكبر للحزب وبرنامجه السياسي والأيديولوجيا.

وهذا الأمر بطبيعة الحال ليس فقط لدى "كديما"، بل لدى باقي الشركاء في الحكومة، وما كان واضحا قبل بضعة أسابيع، لا يزال اليوم، وهو أن الكتل الثلاث شريكة "كديما" في الحكومة: "العمل" و"المتقاعدون" و"شاس" ليست معنية بحل الحكومة، لأن أية انتخابات مبكرة لا تبشر لها "خيرا"، ولا تضمن لها الحفاظ على قوتها الحالية.

أما اللاعب الجديد الذي أصبح غير معني بأي اهتزاز في الحكومة فهو الشريك الخامس في الحكومة، حزب "يسرائيل بيتينو" اليميني المتطرف، بزعامة العنصري أفيغدور ليبرمان. ففي الأسابيع الأخيرة نلاحظ لعبة شد حبل بين ليبرمان ونتنياهو، الذي بات يدعم قيام حزب جديد بزعامة الثري المتهم بجنح تبييض الأموال في فرنسا وغيرها، أركادي غايداماك، الذي ينوي التنافس على أصوات المهاجرين الجدد، وهم العمود الفقري لجمهور مصوتي "يسرائيل بيتينو"، وليكون الحزب الجديد حليفا لليكود في الانتخابات القادمة.

وبذلك فإن الغالبية الساحقة من الائتلاف الحاكم المكون من 78 نائبا من أصل 120 نائبا، ليست معنية بحل الحكومة الحالية.

أولمرت و"كديما"

في الأسبوع الماضي، وبعد أيام قليلة جدا من عاصفة بيان فينوغراد، رأينا بعض "معالم الحياة" على حزب "كديما"، لا بل تراجعات "وندم" لدى بعض شخصيات الحزب، في موقفهم المعارض لرئيس الحزب إيهود أولمرت.

ففي أوج حديث نتنياهو عن احتمال نجاحه في شق حزب "كديما"، رأينا "فجأة" أنّ لدى "كديما" مجلسا قياديا يجتمع لبحث أوضاعه، وينجح في اجتذاب عدسات التلفزة لتنقل بالبث المباشر خطاب رئيس الحكومة أمام حزبه، وهو مشهد لم نشهده منذ قرابة العامين.

ولكن المفاجأة الأكثر إثارة كانت خطاب أولمرت نفسه، الذي اختار أن "يرثي" أو "يبكي" شعبيته بين الجمهور في إسرائيل، وألقى خطابا أجمع المحللون على أنه لا بد وأن يتم تدريسه في مجال العلوم السياسية في الجامعة.

وفي مشهد لم يسبقه مثيل في الساحة الإسرائيلية، أعلن أولمرت "معترفا": "نعم أنا من دون شعبية"، وهي عبارة كررها أولمرت مراراً في خطابه، وفرضها عنوانا رئيسيا على الصحف الإسرائيلية الكبرى الثلاث، الصادرة صباح اليوم التالي. فقد شكر أولمرت بداية زملاءه في الحزب الذين تجنبوا الحديث عن انهيار شعبيته في خطاباتهم، في اجتماع قيادة الحزب، "ولكن ما لم تذكروه فأنا أقوله لكم: نعم أنا رئيس حكومة من دون شعبية".

إلا أن أولمرت لم يترك الأمر هكذا من دون محاسبة، وقال "إن الصحافة والأصدقاء في المعارضة وصديقي بنيامين نتنياهو يهتمون بتذكيري يوميا بأنني رئيس حكومة من دون شعبية، وأعتقد أنهم صادقون". وأضاف قائلا "ولكني اعرف ما هي الطريقة التي تزيد من شعبيتي. ولكنني تجنبتها لأنني أهتم فقط بقضايا الدولة".

ويعدد أولمرت قائلا إنه لو فتح خزينة الدولة ووزع المليارات على القطاعات المختلفة، لكان زاد من شعبيته، ولو أنه عمل "بمشورة" المحللين السياسيين والعسكريين في وسائل الإعلام لكان زاد من شعبيته.

إلا أن سهام أولمرت الكبرى وجهها لرئيس الحكومة الأسبق، بنيامين نتنياهو، ملمحا بقوله "لو تركت الاهتمامات الضرورية في قضايا الدولة، واستأجرت خدمات واحدة من كبرى شركات العلاقات العامة، وبادرت إلى استطلاعات رأي من طرفي، لكنت بالتأكيد سأحظى بشعبية أكبر"، ويقصد بذلك نتنياهو، الذي يستأجر خدمات شركات وخبراء أميركيين لتسويق نفسه في الحلبة الإسرائيلية.

أما السهم الثاني الذي وجهه لنتنياهو فكان يتعلق بالملف الإيراني. وقال: إن معالجتي للملف الإيراني تتم من خلال "قنوات تعرفونها وقنوات لا تعرفونها، وليس من خلال دب الهلع والفزع في نفوس المواطنين"، وهي تهمة موجهة لنتنياهو.

كذلك كرر أولمرت الحديث عن أنه لا ينوي الاستقالة من منصبه، "بل سأحترم قرار الناخب لولاية من أربع سنوات"، كما قال.

حتى الآن ليس واضحا إلى أي مدى نجح أولمرت في اجتذاب عطف الجمهور معه، ولكن ما نجح بفعله هو لجم وسائل الإعلام، ولو لأيام قليلة أو لساعات، في انتقاداتها له، والحديث عن "مفاجأة الخطاب".

ولكن أولمرت لا يعتمد الخطاب وحده، وهو يسعى بكل قوته للبقاء على الساحة السياسية، وأيضا كرئيس حكومة. وقد كتب المراسل السياسي في صحيفة "هآرتس"، ألوف بن "إن رئيس الحكومة يبذل في الأيام الأخيرة الكثير من الجهد.. وهو يعمل الكثير، فيما مكتبه يُكثر من البيانات الصحافية، ولكن كل هذا الجهد هو أشبه بمكانك عد".

ويتابع بن "أن الفرصة الوحيدة أمام أولمرت لتغيير الاتجاه، وإحداث انقلاب في استطلاعات الرأي وإبعاد حرب لبنان عن وعي الجمهور، هي الشروع في عملية سياسية كبيرة وجريئة، وهو قد تكلم قبل أيام عن ايجابيات في المبادرة السعودية، ولكن هناك مشكلتين أمام أولمرت، الأولى أنه من الصعب رؤية مصلحة للسعودية في إنقاذ أولمرت، والثانية أنه سيكون من الصعب على أولمرت أن يسوق للشارع الإسرائيلي عملية سياسية وهو تحت تهديد لجنة الفحص، ولهذا فعلى الأغلب فإن أولمرت سيبتعد عن مغامرات سياسية في الأسابيع القادمة إلى حين صدور التقرير الأولي للجنة".

كذلك فإن الوضع الداخلي في حزب "كديما" بدا وكأنه أكثر تماسكا من ذي قبل، وكما ذكرت وسائل الإعلام، فإن جميع وزراء الحزب، باستثناء وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، أقوى المرشحين لاستبدال أولمرت، أثنوا على رئيس حكومتهم ومنحوه الدعم.

وقد برز من بينهم وزير البناء والإسكان، مئير شطريت، الذي لم يترك مناسبة واحدة حتى قبل فترة قصيرة جدا، إلا وهاجم فيها أولمرت. والآن يجري الحديث عن تراجع كامل، وعن دعم من شطريت لأولمرت. وهناك من يقول إن الاثنين قررا إقامة جبهة واحدة لصد ليفني، بينما هناك من يرجح فكرة أن شطريت اقتنع بأن هزة عنيفة في "كديما" من شأنها أن "تحرق الأخضر واليابس"، أو أنهم "كلهم على سجادة واحدة، وأي اهتزاز فيها سيسقط الجميع"، ولهذا فقد قرّر شطريت تأجيل منافسته، عديمة الاحتمالات، لتولي رئاسة "كديما".

وفي اليوم التالي لخطاب أولمرت صدرت الصحف الإسرائيلية المركزية تحمل "أنباء"، منقولة عن "مصادر قيادية" في حزب "كديما"، تهاجم ليفني، التي لم تبد أي تعاطف أو تضامن مع رئيس الحكومة أولمرت، واكتفت فقط بالدعوة للحفاظ على وحدة "كديما".

ومقابل هذا فإن أولمرت حصل على دعم كبير من عجوز السياسة الإسرائيلية، الوزير شمعون بيريس، الذي قال في مقابلة إذاعية إن "أولمرت هو من أفضل رؤساء الحكومات في إسرائيل".

بالمجمل نقول إن مصير حزب "كديما" بعيد عن الحسم في هذه المرحلة، وهو مرتبط بالأساس بمدى عمق استنتاجات لجنة فينوغراد الموجهة ضد أولمرت، أو بمدى قدرة أولمرت على الاحتفاظ بمنصبه في حال ظهور استنتاجات سلبية ضده، ورد فعل الشخصيات البارزة في "كديما" على ضوء استنتاجات كهذه.

نتنياهو والليكود

كما ذكر بداية فإن نتنياهو عاد إلى نفس المعزوفة التي "يدندن" بها في الأشهر الأخيرة، وهي أن "أعضاء من كتلة كديما البرلمانية يفحصون إمكانية العودة إلى الليكود"، وهذا ما طرح السؤال من جديد، ما إذا هناك 10 نواب من "كديما"، الحد الأدنى المطلوب قانونيا للانشقاق، على استعداد للخروج ككتلة واحدة من "كديما" والانتقال إلى الليكود.

والمشهد الحالي في حزب "كديما"، لم يتغير منذ 10 أشهر تقريبا، فإنه من أصل 29 نائبا، هناك 11 وزيرا ورئيسة الكنيست ونائبها، وأربعة رؤساء لجان برلمانية هامة، وما بين خمسة إلى سبعة نواب من المقربين لأولمرت أو لديهم وظائف برلمانية، بمعنى أن ما بين 22 نائبا إلى 24 نائبا، لن يكونوا معنيين بالتخلي عن مناصبهم والالتجاء إلى الليكود، لأن مناصبهم هناك ليست مضمونة، وحتى إن تم ضمانها فإنه لدى أية انتخابات مبكرة لن يكون بإمكانهم جميعا الاحتفاظ بمقاعدهم البرلمانية، وهذا ما يقلل من شأن تصريحات نتنياهو في هذه المرحلة.

إضافة إلى هذا، فإن نتنياهو ليس بإمكانه تقديم وعد جارف لمجموعة كهذه من كتلة "كديما" لأن أيا منهم ليس لديه جرف جماهيري قادر على نقله دفعة واحدة إلى الليكود، ليبرر ضمان مقاعد متقدمة في قائمة الليكود في أي انتخابات برلمانية قادمة.

وما يعزز هذا، هو تصريح أحد أصحاب مراكز القوى في المجلس المركزي لحزب الليكود، النائب يسرائيل كاتس، الذي أعلن أن مجلس الحزب سيعارض ضمان مقاعد مستقبلية لمنشقين عن "كديما".

وهذا لأن السؤال الذي سيكون مطروحا في الليكود، هو أن استطلاعات الرأي تمنح الليكود قرابة 30 مقعدا في هذه الأيام، بمعنى من دون أي دعم من شخصيات "كديما"، فأي قوة ستضيفها هذه الشخصيات لليكود، ولذا فإن أي "ثمن" يقدم لشخصيات كديما من خلال المقاعد لن يكون ثمة ما يبرره.

ولكن ما لم يحسب نتنياهو له حسابا هذه المرّة، هو أن الحراك الزائد في الحلبة السياسية، "أيقظ" المنافس الأبرز لنتنياهو في الليكود، سيلفان شالوم، الذي أعلن انه لن يكون شريكاُ في "المناورة النتنة" التي يسعى لها نتنياهو، بمعنى شق كتلة "كديما".

و"المناورة النتنة" هو مصطلح شائع في الحلبة السياسية في إسرائيل منذ العام 1990، حين أطلق أول مرة على محاولات رئيس حزب "العمل" في حينه، شمعون بيريس، إحداث انقلاب على حكومة الليكودي إسحق شامير، التي كان يشارك فيها "العمل"، من خلال إقناع كتل ائتلاف بالانسحاب منه، وتأييد حكومة جديدة يشكلها بيريس، وقد فشلت المحاولة فشلا ذريعا، ومنها تم اشتقاق هذا المصطلح.

وتصريح شالوم يشير إلى أنه قرر استنهاض معسكره في الليكود من جديد، وهو يدعو للتوجه إلى انتخابات برلمانية جديدة، بالضرورة ستسبقها انتخابات داخلية لرئاسة حزب الليكود، وهذا أيضا سيقود إلى نهوض كافة المعسكرات في الليكود، التي تمتع نتنياهو لعدة أشهر بسباتها، وهو كباقي رؤساء الأحزاب الكبيرة لديه تعقيدات داخلية سيضطر لمواجهتها قريبا.

بيرتس و"العمل"

إن ما يخفف حدة الجدل في حزب "العمل" في أعقاب لجنة فينوغراد، هو أن "العمل" تسوده حالة من التسليم بواقع أن عمير بيرتس يمضي أسابيعه الأخيرة في رئاسة الحزب، اعتمادا على استطلاعات الرأي الأخيرة، التي أكدت أن حملة الانتسابات للحزب لم تغير الوضع القائم، وهو أن لا أمل في بقاء عمير بيرتس في رئاسة الحزب.

وكانت استطلاعات الرأي التي ظهرت قبل أسبوعين، وبعد يومين من ظهور معطيات سجل أعضاء حزب "العمل" الذي يضم 105 آلاف عضو، دلت على أن عمير بيرتس في أحسن الأحوال سيحتل المركز الثالث، بفارق كبير عن منافسيه الأكبرين، إيهود باراك وعامي أيالون.

وحسب تلك الاستطلاعات فإنه في الجولة الأولى سيلامس باراك نسبة 30%، فيما سيحظى أيالون بأقل باثنين بالمائة منه، مقابل حوالي 18% لعمير بيرتس في أحسن الأحوال. ورجحت جميع الاستطلاعات أنه في الجولة الثانية لانتخابات رئاسة الحزب، التي من المقرر ان تجري في منتصف شهر حزيران القادم، في حال الحاجة إليها، فإن الفائز سيكون أيالون.

ولكننا حتى الآن نتحدث عن استطلاعات وتكهنات، ولا يزال للجولة الأولى من الانتخابات حوالي 70 يوما، قد تحدث خلالها الكثير من التقلبات، إضافة إلى مفاجآت يوم الانتخابات نفسه، واعتماد بيرتس عادة على قوة التنظيم في معسكره، الذي كان يدعمه جهاز اتحاد النقابات العامة "الهستدروت".

وإذا قلنا إن جهاز الموظفين الكبير لاتحاد النقابات بات يبتعد عن رئيسه السابق بيرتس، فإن بيرتس يعتمد الآن على قطاعات أخرى في الحزب، وخاصة قطاع العرب، الذي يتزعمه الوزير غالب مجادلة، ولديه قرابة 10% من الأعضاء المنتسبين. وجرت العادة على أن نسبة التصويت في "قطاع العرب" هي أعلى بكثير من باقي قطاعات الحزب، بمعنى أن وزن العشرة بالمائة قد يصبح يوم الانتخابات 15% وأكثر، وهذا في حال لم ترتفع نسبة التصويت في باقي القطاعات.

والقصد من هذا أنه لا يجوز إغلاق كافة أبواب الاحتمالات أمام بيرتس، وقد يفاجئ بأن يحتل المركز الثاني في منافسة الجولة الأولى ليحمله ذلك إلى الجولة الثانية.

ونعود إلى فينوغراد، فإن بيرتس لم يفلت هو أيضا من ملاحظات منافسيه في داخل الحزب، إذ دعت أوساط في الحزب بيرتس إلى عدم انتظار نتائج الانتخابات لرئاسة الحزب في شهر أيار القادم، وللاستقالة من منصبيه في وزارة الدفاع ورئاسة الحزب، على ضوء بيان لجنة الفحص الرسمية.

بطبيعة الحال فإن نتائج تقرير فينوغراد واستنتاجاته في ما يتعلق بعمير بيرتس ستنعكس مباشرة على المنافسة الشديدة على رئاسة الحزب.

وفي هذا الإطار يبقى المجال مفتوحا أمام قرار "مفاجئ" لعمير بيرتس بأن يقرر التخلي عن منصبه ورئاسة الحزب، مثلا من أجل دعم عامي أيالون ضد إيهود باراك.

إن نقطة الضوء شبه الوحيدة لحزب "العمل" في هذه المرحلة هو أن المنافسة الشديدة على رئاسة الحزب أعادت الحزب إلى صدارة جدول الأعمال الإعلامي الإسرائيلي، بعد غياب سنوات. كما أن هذه الانتخابات، وخلافا لسابقاتها، تحظى باهتمام واسع جدا في الحلبتين السياسية والإعلامية في إسرائيل، وهذا لأن نتائج الانتخابات، وفي حال هزيمة بيرتس، ستنعكس مباشرة على التركيبة الوزارية لحكومة إيهود أولمرت، كون أن الفائز سيتولى حقيبة الدفاع بدلا من بيرتس.

خلاصة

ما من شك في أن الحلبة السياسية مقبلة على أسابيع من عدم وضوح الرؤية، فقد وضعت نفسها رهينة استنتاجات لجنة فينوغراد، وبات كل تطور حزبي، مهما يبلغ حجمه، مرهونا بما ستقوله هذه اللجنة في تقريرها.

لكن على الأقل هناك أمر واضح حتى الآن، وهو أن انتخابات برلمانية مبكرة لا تزال بعيدة، وقد لا تكون وفق الظروف القائمة، وهو استنتاج بات يدركه سياسيون، وحتى نتنياهو نفسه، الذي قال للصحافيين قبل أيام إنه من الصعب التحدث عن انتخابات مبكرة.

أما الأمر الواضح الثاني فهو أن التعقيدات التي تعمّ الحلبة السياسية والتركيبة البرلمانية تجعل التوجّه إلى عملية سياسية حقيقية أمرا مستبعدًا. وهذه نتيجة لا تزعج ساسة إسرائيل البتة.