جديد "أوراق إسرائيلية": الكنيست ال16، ملامح وإتجاهات

صدر حديثاً عن المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية "مدار" الورقة الإسرائيلية "20" من سلسلة "اوراق اسرائيلية" تحت عنوان "الكنيست الـ 16 - ملامح واتجاهات "، وهي عبارة عن مجموعة من المقالات لعدد من الكتّاب، تقع في 82 صفحة.

والورقة عبارة عن مجموعة تقارير صحافية ظهرت في ملحق خاص لصحيفة "هآرتس" تتناول الكنيست الحالية من جوانب مختلفة تحيل إلى أدائها العام باعتبارها السلطة التشريعية، وكذلك القاعدة النيابية للسلطة التنفيذية في إسرائيل.

وتضع الورقة القارىء في صورة التركيبة الحزبية التمثيلية في الكنيست التي تضمن سيطرة شبه مطلقة لإئتلاف حكومي من أحزاب اليمين المتطرف ويمين الوسط على مقاليد الحكم.

كما تلقي الورقة أضواء على نظرة الجمهور الإسرائيلي لمنتخبيه ومدى "احترامه" لهم، هذا إلى جانب القضايا الجنائية التي تفوح رائحتها من تحت قبة البرلمان الإسرائيلي من حين إلى آخر، إلى جانب ما يميز تعامل "الزملاء" فيما بينهم من حدة تصل أحياناً حدّ البذاءة.

بالإجمال تحاول الورقة الإجابة حول أسئلة تتعلق بتركيبة الكنيست، وتأثير ذلك على التطورات الداخلية والخارجية السياسية وغيرها.

وكتب محرر السلسلة، أنطوان شلحت، مقدمة لهذه الورقة جاء فيها:

يضم هذا العدد من "أوراق اسرائيلية" تقارير صحفية حول الكنيست الإسرائيلية الحالية، السادسة عشرة (بدأت ولايتها في أواخر كانون الثاني/ يناير 2003)، من جوانب متعددة ومختلفة تحيل إلى أدائها العام باعتبارها السلطة التشريعية، في جهة، وفي أخرى باعتبارها القاعدة النيابية للسلطة التنفيذية (الحكومة) التي تقف على رأس هرم السلطة السياسية في اسرائيل.

وقد ظهرت هذه التقارير في ملحق خاص حول الكنيست أصدرته صحيفة "هآرتس" في 26 نيسان/أبريل 2004، عشية يوم الاستقلال الأخير، ال 56، لدولة اسرائيل.

من منطوق هذه التقارير، إجمالا وتفصيلا، تنبسط أمام القارىء صورة عامة وشاملة كفاية عن الكنيست الاسرائيلية الحالية، لناحية جوانب عديدة، لعلّ أهمها جانب تركيبتها الحزبية التمثيلية التي زكّت ولا تنفك تزكّي سيطرة شبه مطلقة لإئتلاف حكومي، من أحزاب اليمين المتطرف ويمين الوسط، على مقاليد الحكم. ومع أهمية التجوهر في هذا الجانب البالغ الأثر، يبقى من الجدير ملاحظة ما يلي أيضاً:

1. تصاعد نفوذ وتأثير قوى اليمين المتطرف، وبالذات الإستيطاني، في الكنيست الراهنة، وهذا ما يعبّر عنه، ضمن أشياء محددة أخرى، إزدياد عدد أعضاء الكنيست من سكان المستوطنات الكولونيالية في المناطق الفلسطينية المحتلة وتفوّق نسبتهم أضعافًا مضاعفة على نسبة المستوطنين من مجموع السكان اليهود. هؤلاء يجدون، بطبيعة الحال، "لغة مشتركة" مع وزراء وأعضاء كنيست من حزب "الليكود" الحاكم. ويفضي هذا الأمر، ربما ببوادر أولية ، الى تحولات أخذت تطرأ في الفترة الأخيرة على هذا الحزب، الى جهة تعزيز الطابع القومي – الديني على حساب خدش طابعه التقليدي: القومي - العلماني. ولئن كان مثل هذا التحول قد أضحى قارًّا أو يكاد في الساحة الخلفية للسياسة الاسرائيلية، فان في النتائج التي أسفر عنها الاستفتاء بين منتسبي "الليكود" على خطة أريئيل شارون، رئيس الوزراء الاسرائيلي، بشأن "فك الارتباط"، وقد جرى بعد ظهور ملحق "هآرتس" بحوالي أسبوع، إشارة بليغة الى مداليل هذه التحولات والى مترتباتها المتوقعة في الساحة الأمامية لتلك السياسة، في غضون الفترة القليلة المقبلة.

2. في العام 2000 بادرت الكنيست، في ظل رئاسة العمالي أبراهام بورغ لها، الى استحداث "آلية اعتكاس" جديدة لعملها تمثلت في ما أسمته "مؤشر الكنيست". وقصدت منه أن تتفحص كيفية إنعكاس مكانتها في نظر الجمهور الاسرائيلي الواسع. وأظهر هذا المؤشر أن حوالي نصف الجمهور يعتقدون بأن الكنيست تثير في نفوسهم "مشاعر الخجل". وربما على ضوء ذلك، وفقما يشير "شاحر إيلان" في أحد المقالات، لم تكرر الكنيست تجربة إجراء هذا المؤشر. وربما يكون السبب تبدل الرئيس كذلك. على أية حال فقد قررت جريدة "هآرتس"، بالتعاون مع معهد "ديالوغ"، أن تخوض التجربة ذاتها من خلال إستطلاع للرأي خاص بالملحق المذكور. وأظهر الاستطلاع أيضًا نتائج مذهلة من وقائع تقدير الجمهور لمكانة سلطتهم التشريعية. "يتصدر" هذه الوقائع أن أكثر من الثلثين يعتقدون بأن الإجرام المنظّم تغلغل الى الكنيست بهذا القدر أو ذاك (43 بالمئة يعتقدون بأن هذه الظاهرة لا تزال في نطاق ضيّق و24 بالمئة يعتقدون بأن نطاقها واسع). الأمر المثير هنا، والذي تستنكف التقارير عن التطرق إليه، أن المشبوهين بعلاقة ما مع الإجرام المنظم من أعضاء الكنيست المنتخبين معدودون كافتهم على يمين الخارطة الحزبية، بل وعلى أشدّ أنواع هذا اليمين تطرفاً حيال الفلسطينيين. هنا يسأل السؤال حول ما إذا كان هذا التطرف السياسي الجامح ناجماً عن دوافع عقائدية صرفة أم عن تساوق محسوب مع "روح العصر" السائدة في مناخ السياسة الإسرائيلية، بما يسعف هؤلاء، بسهولة ويسر، في كسب ودّ القاعدة العريضة لجمهور الناخبين الاسرائيليين؟. عند هذا الحدّ، ودون أن يعني الأمر إستخفافًا أو تبسيطًا لشوفينية العقيدة الاسرائيلية المؤدلجة بالصهيونية، ينبغي تذكّر أن مثل هذه المسلكية الرعناء ذات أسس ودعامات في الواقع الاسرائيلي نفسه، وآية ذلك ما نشهده خلال الفترة القليلة الفائتة في هذا الخصوص حتى بإيحاء مباشر من شارون، الذي بات السؤال حول "الثمن" الذي سيدفعه الفلسطينيون كلما ضاق أكثر فأكثر حول عنقه خناق تحقيقات البوليس معه ومع أفراد أسرته بشأن قضايا الارتشاء والفساد، بمثابة سؤال شبه حتمي ملازم لكل حركة أو نأمة من تحركاته الأخيرة.

3. إزدادت في الكنيست ال16 المؤشرات إلى تآكل سلطة القانون وإلى إنكفاء الإهتمام بالقضايا الاجتماعية، سواء تلك المرتبطة بوضعيات المواطنين أنفسهم في ظل ما كان يعتبر حتى وقت قريب "دولة رفاه" أو تلك المرتبطة بأوضاع العمال الأجانب، فضلاً عن تآكل الجهود المنصرفة الى سنّ دستور وعن تعمّق علاقات التوتر والتنافر مع السلطة القضائية، والتي عادة تندّ عنها مواقف مفرطة في عدائها حيال المحكمة الاسرائيلية العليا وحيال مكانتها وأحكامها.

4. يشتمل أحد التقارير على "ثبت" بأعضاء الكنيست الذين خضعوا أو ما زالوا يخضعون لتحقيقات بوليسية بشتى التهم. ومن مفارقات التمثيل أن هذا "الثبت" بمعطياته يكاد يكون عابرًا لجميع الأحزاب الاسرائيلية، في الائتلاف والمعارضة، في اليمين و"اليسار"، الأحزاب العلمانية والدينية، كما يضم عضو الكنيست العربي عزمي بشارة، الذي يحاكم بتهمة ذات طبيعة سياسية بحتة، فيما يحاكم الآخرون كافة بتهم ذات طبيعة جنائية، بدءًا من شارون نفسه. وإنها مفارقة مؤسية لكونها، في الآن ذاته، تعبّر عن مبلغ تعزّز النزعة العدائية الاسرائيلية الرسمية إزاء المواطنين العرب وممثليهم المنتخبين على خلفية كفاحهم النوعي من أجل السلام العادل ومن أجل حقوقهم كمواطنين متساوين، خارج إطار الأحزاب الصهيونية و"إجماعها القومي" .

*****

ثمة الكثير من التفاصيل الأخرى، المثيرة هي أيضاً، في هذه التقارير. وجميعها تؤشر الى ملامح الكنيست ال16 وإتجاهاتها التي تشكّل، بكيفية ما، إتجاهات الجمهور الاسرائيلي العريض.

ما الذي يمكن تعويله على كنيست بتركيبة كهذه؟ ما هي الخيارات المتاحة والرهانات المؤجلة؟ كيف ستتأثر التطورات الداخلية والخارجية، السياسية وغيرها، بتلك الملامح والإتجاهات السائدة في الكنيست؟ هل سيؤثر وعي الجمهور، حسبما استقطره الإستطلاع المتعلق بالنظرة العامة إلى الكنيست، والذي تشفّ عنه قراءة ذلك الجمهور لمكانة الكنيست وطبيعة ملامحها، على
أنماط التصويت المقبلة؟. كل هذه الأسئلة، وغيرها كثير، قد لا نعثر على أجوبة شافية عنها في هذه التقارير، لكن في الإمكان التقدير أن من شأنها التأدية إلى طرحها على الأجندة.

الأمر الوحيد شبه الأكيد الآن هو أن الأيام المقبلة كفيلة بأن تبدي فيما إذا كانت تلك الأسئلة والهواجس واستحقاقاتها المرغوبة ستطرح على الأجندة الاسرائيلية بقوة تبررها الوضعية المزرية للكنيست أو ستطرح على إستحياء فحسب، أو تبقى في إطار المسكوت عنه كما هي الحال حتى الآن، بدعوى عدم إهدار طاقات تنأى بأصحابها عن "ضرورة الإنشغال" في "حروب أخرى" تستدعي "إجماعًا قوميًا" تحت السقف الواحد للبرلمان: من الإجرام المنظّم إلى أقصى اليمين المتطرف، الذي ينبىء الواقع بديمومة سيطرته على زمام الأمور السياسية في إسرائيل.. حتى إشعار آخر.