ماذا يعني تطبيق حق العودة بالنسبة لإسرائيل؟

تسابقت القيادات الإسرائيلية، عشية انعقاد القمة العربية في الرياض في آذار الماضي، في التهليل والإشادة بالصيغة الأصلية لمبادرة السلام السعودية التي أُعْلِن عنها العام 2002، والتي لم تتضمن أية إشارة لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وهو البند الذي أضافته لاحقا القمة العربية في بيروت (في نفس العام)، فتحولت إثر ذلك، من مبادرة سعودية إلى مبادرة عربية. كما عرضت نفس المبادرة التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل. وقد بذلت إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وبعض الأطراف العربية،

جهودا مكثفة، كي تُسْقِط قمة الرياض حق العودة من المبادرة العربية، أي إعادتها إلى أصلها السعودي، علما بأن التعديل الذي تطالب به إسرائيل في نفس المبادرة، يتعلق ببند اللاجئين الذي يذكر القرار رقم 194 الذي يدعو إلى عودة اللاجئين إلى أراضيهم التي شردوا منها العام 1948. وفي سياق نفس الجهود، التقى نائب وزير الأمن الإسرائيلي إفرايم سنيه، في الشهر ذاته، بعادل جبير السفير السعودي في واشنطن، كما حاولت السعودية إقناع لبنان وسورية بقبول شطب مبدأ حق العودة من المبادرة العربية، وبالتالي تقديمها لمؤتمر الرياض كي يصادق عليها (يديعوت أحرونوت، 2007/3/12). ولتحقيق نفس الهدف تكثفت، في الأيام الأخيرة التي سبقت انعقاد قمة الرياض، المحادثات الإسرائيلية- السعودية "السرية" التي مثل الأمير بندر بن سلطان السعودية فيها (القناة الثانية الإسرائيلية، 2007/3/11).

وفي سياق تعليقها على المبادرة العربية للسلام، قالت تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية الإسرائيلية، بأن إسرائيل لا تريد إطلاقا الحديث عن حق العودة، وهي تصر على أن يمارس الفلسطينيون هذا الحق في الدولة الفلسطينية المنشودة في الضفة والقطاع، وليس في الدولة اليهودية التي يجب أن تقتصر على اليهود فقط حفاظا على هويتها العرقية والدينية (القناة الثانية، 2007/3/1). وذَكَّرَت ليفني الأنظمة العربية بأن عليها أن تأخذ في الاعتبار ما تريده إسرائيل وما ترفضه (هآرتس، 2007/3/2). ومن المثير أن إيهود أولمرت، رئيس الحكومة الإسرائيلية، أشاد ببنود المبادرة الإيجابية، وقال بأن على حكومته أن تنظر بإيجابية جدا إلى المبادرة السعودية الأصلية التي أسقطت حق العودة. وأكد بأن مبدأ حق العودة خط أحمر، ولا يمكن للحكومة الحالية أو أية حكومة مستقبلية أن توافق بأي شكل من الأشكال على حق العودة. وأشار إلى أن إسرائيل تراهن كثيرا على الدول العربية المعتدلة، وخاصة العربية السعودية، كي تتخذ القرار الحكيم والصحيح (أي إسقاط حق العودة)، وعندها، ستتحول المبادرة إلى أساس جيد للبدء في مفاوضات جدية، بهدف التوصل إلى السلام بين إسرائيل والدول العربية والفلسطينيين (يديعوت أحرونوت، مصدر سابق). وقد توصل أولمرت إلى قناعة بأن السعودية تمتلك الإمكانيات لإقناع الدول العربية المعتدلة بقبول المبادرة السعودية الأصلية التي تخلو من حق العودة، وفي هذه الحالة ستصبح السعودية أهم دولة عربية بالنسبة لإسرائيل، علما بأن مسألة حق العودة لا تزال تشكل إزعاجا كبيرا للإسرائيليين (هآرتس، 2007/3/12).

إزاء هذه الحماسة الإسرائيلية القديمة الجديدة لشطب حق العودة، السؤال المطروح هو: لماذا يشكل حق العودة كابوسا مزعجا لإسرائيل؟ وماذا يعني التطبيق الفعلي لهذا المبدأ بالنسبة لإسرائيل؟

حق العودة و"الهجرة اليهودية"

في الواقع، لا يمكن للدولة اليهودية أن تكون يهودية، أو أن تحافظ على هويتها العرقية والدينية، حسب تعبير تسيبي لفني، إلا بتهويد الأرض، أي بالسيطرة الصهيونية عليها وطرد واقتلاع أهلها أو غالبيتهم، الأمر الذي تم تنفيذه، إلى حد كبير، في حرب العام 1948. وما مصادرة إسرائيل ونهبها الواسع، في الخمسينيات والستينيات، لغالبية أراضي من تبقى من الشعب الفلسطيني في الوطن إلا بهدف تثبيت "يهودية" الدولة اليهودية ويهودية الأرض التي أقيمت عليها، عبر توطين "المهاجرين اليهود" عليها. أي أن يهودية كل من الأرض والدولة التي أقيمت عليها تعني أن لا مكان فيهما لشعب آخر غير "الشعب اليهودي"، وإلا بطلت يهودية الدولة التي تجسد "حق تقرير المصير للشعب اليهودي"، حسب مقولة الحركة الصهيونية، وبالتالي فعلى الشعب العربي الفلسطيني الذي يعيش حاليا في نفس الوطن الذي "يمارس فيه الشعب اليهودي حقه في تقرير المصير"، أو ذلك الجزء من الشعب الفلسطيني في الشتات، أن يتخلى عن حقه في تقرير المصير في نفس بقعة الأرض التي هي أيضا وطنه، حتى لو كان الشعب الفلسطيني هو الشعب الأصلي في هذا الوطن، لأن الصهيونية قررت منذ أن وطئت قدمها أرض فلسطين أن "للشعب اليهودي" وحده الحق في تقرير المصير في "أرض إسرائيل".

إذن، عَوْدَة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، في الوقت الذي يعد نفس هذا الوطن أيضا "وطن الشعب اليهودي"، هي غير منطقية وغير قابلة للتطبيق في ظل وجود الدولة اليهودية الكولونيالية التي أُنْشِئَت أصلا لتنفي وجود الشعب الأصلي الذي عَوْدَتُه إلى وطنه تتناقض تناحريا مع هذا الوجود الكولونيالي، إضافة إلى أنها تتناقض مع أحد أهم أهداف الصهيونية التي قامت الدولة اليهودية على أساسه، وهو توطين أكبر عدد ممكن من "المهاجرين اليهود" في فلسطين، واقتلاع أكبر عدد ممكن من العرب، للمحافظة على يهودية الدولة اليهودية. وموافقة الدولة اليهودية على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، تعني بأنها تعمل من أجل تعميق الخلل في التوازن الديمغرافي لصالح العرب، وبالتالي تعمل ضد مبرر وجودها كدولة يهودية.

والمسألة الجوهرية هنا، من منظور كل التيارات والحركات والأحزاب الصهيونية، يمينا ويسارا، أن "الهجرة" و"استيعابها" عبر الاستيطان، لم ولن يكونا ممكنين إلا بالسيطرة على الأرض ونهبها من أصحابها العرب، الأمر الذي ينسجم تماما مع أهم أسس الحركة الصهيونية الثلاثة ومبرر وجودها: الهجرة والأرض والدولة اليهودية، تلك الأسس المتجسدة قانونيا فيما يسمى "قانون العودة" الذي سنه الكنيست العام 1950.

وبالنسبة للصهيونية، ليس مهما أن تأييد مرتكزاتها (الهجرة والأرض والدولة اليهودية) يتم على أسس صهيونية معلنة أو اشتراكية أو مسيحية أو غيرها. المهم دعم وتأييد هذه المرتكزات من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية للصهيونية. وهذا ما أوضحه بن غوريون بقوله: "الصهيونية هي الشوق لصهيون، أي لأرض إسرائيل ولإقامة شعب مثالي فيها. وبالتالي فإن بناة أرض إسرائيل الحقيقيين هم الذين أحسوا بالشوق إليها وقَدِموا إليها، أي المهاجرين القدامى والجدد، حتى أن المهاجر اليهودي غير الصهيوني الذي يأتي إلى إسرائيل يخدم إسرائيل أكثر من ذلك الذي يعتبر نفسه صهيونيا ويقيم خارجها. إن مستقبل إسرائيل وأمنها ورفاهيتها وقدرتها على إيفاء رسالتها التاريخية يعتمد على اليهود في العالم. ومستقبل اليهود في العالم يعتمد أيضا على بقاء إسرائيل" (“Ben Gurion looks back”. New York, 1956, pp.235-256).

وهكذا، في أوائل التسعينيات، شكلت "الهجرة اليهودية" السوفييتية الكبيرة إلى فلسطين (نحو مليون مستوطن)، تطعيما للبنية البشرية العسكريتارية في "الدولة اليهودية" بمزيد من الطاقة البشرية والعلمية والتكنولوجية التي تشكل زخما كميا ونوعيا جديدا للآلة العسكرية الصهيونية، بمختلف أجنحتها من جيش وأجهزة أمنية ومخابراتية وشرطية. وذلك بالرغم عن ثبوت "مسيحية" عشرات آلاف "المهاجرين" الروس الذين استوطنوا فلسطين آنذاك. وقد اعتبر إسحق شامير، رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه، بأن "الهجرة المكثفة تتطلب إسرائيل كبرى"، وبأن "العرب المحيطين بنا يائسين ومذعورين...ينتابهم شعور بالفشل لأن الانتفاضة لم تسعفهم. إنهم عاجزون عن وقف التدفق الطبيعي للشعب اليهودي نحو أرضه...على أي حال هذا هو جوهر النزاع" (يديعوت أحرونوت، 1990/1/5). أي أن شامير يعي تماما الأمر الجوهري الذي يتجاهله بعض العرب، وهو أن جوهر الصراع العربي- الصهيوني هو صراع حول الأرض.

وبما أن الهجرة اليهودية تعد من أهم عناصر الصهيونية الثلاثة، فإنها تشكل بالتالي قاسما مشتركا لكافة الأحزاب الإسرائيلية، وكلهم متفقون على أن "الهجرة اليهودية" ضرورية "لأمن إسرائيل"، نظرا لتزويدها "الدولة اليهودية" بطاقة بشرية وعسكرية إضافية. لذا، ففي أوائل التسعينيات، وانطلاقا من هذه البديهية الصهيونية، أعلن عوزي برعام، زعيم "الحمائم" في حزب العمل الصهيوني، بأن "على الدول العربية أن تعرف جيدا أن الحمائم في إسرائيل يتحولون إلى صقور في موضوع الهجرة" (هآرتس، 1990/3/2). أما حزب "راتس" (تحول إلى "ميرتس" لاحقا) الذي يقع في أقصى "اليسار" الصهيوني، فاعتبر بأن "أساس كيان دولة إسرائيل، كبيت مركزي للشعب اليهودي، هو الهجرة. فبدون تشجيع هجرة اليهود إلى إسرائيل وبدون المساهمة في استيعابهم لا يبقى طعم أو مبرر لوجودها" (يديعوت أحرونوت، 1990/4/11). إذن، تتفق أحزاب "اليسار" مع أحزاب "اليمين" على أن "الهجرة اليهودية" إلى إسرائيل هي أساس كيان "الدولة اليهودية"، باعتبار أن الأخيرة قامت بالهجرة والاستيطان الكولونيالي، وبالتالي فإن استيعاب أكبر عدد ممكن من المهاجرين اليهود ضروري للحفاظ على دولة الاستيطان اليهودي واستمرارية وجودها. وفي هذه المسألة لا مجال للمساومات بالنسبة لكل الأحزاب الصهيونية، بما فيها "الحمائمية" التي سرعان ما تنقلب إلى "صقرية" فيما يتعلق "بالهجرة اليهودية" وتهويد الأرض العربية. ولا يغير من هذه الحقيقة معارضة أوساط معينة في حزب العمل وسائر الأحزاب الصهيونية التي على "يساره" توطين "المهاجرين" اليهود في الضفة والقطاع. فهذه المعارضة نابعة أساسا من اعتبارات تتعلق بالتوازن الديمغرافي بين العرب واليهود. وتهدف هذه الاعتبارات، في نهاية المطاف، إلى خدمة الهدف الإستراتيجي الصهيوني المشترك لكل من "اليمين" و"اليسار". وتتلخص اعتبارات "اليسار" التكتيكية بضرورة التمسك بمبدأ "أحدوت هعام" (أي: وحدانية الشعب) لمنع تحول "الدولة اليهودية" إلى دولة "ثنائية القومية" ("مدينا دو ليئوميت") يشكل فيها العرب نسبة كبيرة من مجمل السكان (العرب واليهود)، ما يهدد بزيادة الخلل في التوازن الديمغرافي. لذا، وللحفاظ على الطابع اليهودي لإسرائيل، أي للحفاظ على نقائها العنصري، فلا بد من التنازل تكتيكيا عن مبدأ "شليموت هآرتس" ("تكامل الأرض")، أي عدم ضم الضفة والقطاع إلى إسرائيل، أو على الأقل عدم ضم المناطق ذات الكثافة السكانية العربية الكبيرة. من هنا، فإن "اليسار" الصهيوني يعي بأن تكثيف الاستيطان في الجليل والنقب سَيُمَكِّن إسرائيل من التحكم أكثر بالتوازن الديمغرافي القائم حاليا (1:5)، ويُسَرِّع في إحداث أكبر تعديل ممكن في هذا التوازن لصالح اليهود، مع ما يرافق هذا التعديل من تطوير علمي وتكنولوجي وصناعي وعسكري، الأمر الذي سَيُسَهِّل عملية طرد العرب (في إسرائيل) إذا اقتضت الضرورة صهيونيا، علما بأن الظروف السياسية الراهنة غير مناسبة لذلك. وهذا ما يفسر حماس شمعون بيريس لما يسمى "خطة النقب 2015"، أو ما يسمى أيضا "الخطة القومية الإستراتيجية لتطوير النقب"، والتي تهدف إلى جذب عدد كبير من المستوطنين الصهاينة إلى صحراء النقب التي تشكل نصف مساحة فلسطين، وزيادة عددهم إلى نحو مليون نسمة، أي ما يقارب نحو ضعفي الوضع الذي كان سائدا العام 2006. والمعنى الفعلي لهذه الخطة، نهب ما تبقى من أراضي العرب في تلك المنطقة، واقتلاعهم من هناك، وهدم بلداتهم غير المعترف بها إسرائيليا.

خلاصة واستنتاجات

الهجرة والاستيطان اقتلاعيان (إجلائيان) بطبيعتهما، وينطلقان من قاعدة أن السكان الأصليين هم عامل متغير في حسابات إسرائيل. وفي المحصلة، الهدف الإستراتيجي الديمغرافي والأمني المشترك، الضمني أو المعلن، لكافة الأحزاب الإسرائيلية، هو ضمان نقاء العنصر اليهودي في "الدولة اليهودية" وتوفير الضمانة الإستراتيجية لبقاء إسرائيل دولة يهودية حقا، متحررة من الكتلة العربية المعادية داخلها، وما قد تشكله هذه الكتلة بالتالي من عامل تفتيت وانحلال داخلي "للدولة اليهودية"، الأمر الذي يتطلب، في كل الحالات، بالنسبة "لليسار" و"اليمين"، هجرة يهودية واسعة، وتكثيف الاستيطان في الجليل والنقب، كما يرى "اليسار" الصهيوني مرحليا، وفي كل "أرض إسرائيل" كما يرى "اليمين" الصهيوني.

ومن المنظور الصهيوني المتجسد في دولة إسرائيل، كدولة يهودية قائمة على الهجرة والاستيطان الكولونيالي، تشكل مسألة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم نفيا "للدولة اليهودية" ذاتها وإلغاء لمبرر وجودها أصلا. هذا الوجود الذي استمد ويستمد وسيستمد "شرعية" وجوده، تاريخيا وإستراتيجيا، من "تحريره" من الكتلة العربية المعادية داخله، وليس العكس. لذا، فإن سعي إسرائيل إلى شطب حق العودة فعليا ونهائيا، يعد تحصيل حاصل، ومسألة حتمية ووجودية، لا مجال للمساومة عليها. بل، إن بعض اليهود الإسرائيليين القلائل، والذين يعترفون بأن مسألة اللاجئين تشكل لب القضية الفلسطينية، يلمحون بأنه يحق لإسرائيل ممارسة حق النقض في موضوع اللاجئين الفلسطينيين، مستندين في ذلك إلى المبادرة العربية ذاتها (للعام 2002) والتي نصت على أن حل قضية اللاجئين يكون بالاتفاق بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، أي أن المبادرة منحت إسرائيل حق النقض على طبيعة الحل المنشود لهذه القضية ("رامي لِفْني"، معاريف، 2007/3/25). ويعد "رامي لِفْني" من أبرز أولئك الإسرائيليين، علما بأنه كان سجينا سياسيا في أوائل السبعينيات، بتهمة العضوية في تنظيم مناهض للنظام الصهيوني (التنظيم الذي أسمته السلطة الإسرائيلية آنذاك "شبكة التجسس" العربية - اليهودية). يقول لِفْني بهذا الخصوص: "اللاجئون هم قلب الصراع ونواة الأخلاق الوطنية الفلسطينية... ويتمنى العديد من الإسرائيليين بأن يكتفي الفلسطينيون بدولتين لشعبين، ومع الوقت ستتبخر مشكلة اللاجئين...إلا أنه، لا يوجد في الواقع، تكوين وطني فلسطيني لا يشكل اللجوء جزءا عضويا منه، علما بأن اللجوء يعد أساسا بنيويا للرواية الوطنية وتجربة شخصية وجماعية، وواقعا سياسيا حقيقيا. إن نشوء ظاهرة اللجوء، إثر "نكبة" العام 1948، يعد الحدث المكون للتاريخ الفلسطيني الجديد الذي ولدت فيه الهوية الفلسطينية المعاصرة" (رامي لفني، المصدر السابق). وبالرغم عن خروج لفني عن المألوف الصهيوني في مسألة الاعتراف بقضية اللاجئين، وإقراره بأنها تشكل لب القضية الفلسطينية ولا مجال لأن تتبخر من ذاتها، فإنه يُبْقي مسألة حلها ضبابية وفي الإطار الصهيوني لدولة إسرائيل. فهو ينطلق في دعوته لحل هذه "المشكلة" من كون إسرائيل "قوية وواثقة من هويتها"، "ما يسمح لها الاعتراف بقصة اللجوء الفلسطيني". أما الفلسطينيون، "فعليهم القبول والإقرار بأنه لا يمكن إعادة نتائج الأحداث التاريخية إلى الوراء. ويجب بلورة الحل على أساس هذا الفهم المشترك" (لفني، المصدر السابق). أي أن دعوة لفني لحل قضية اللاجئين حلا مبهما، تعني فعليا على الأرض، بأن يرتكز هذا الحل على قبول الفلسطينيين لواقع احتلال وطنهم واقتلاعهم منه بالقوة الدموية الإرهابية والمذابح البشرية الشاملة. وآنذاك، عليهم انتظار حسن نية وكرم الدولة اليهودية "القوية والواثقة من هويتها". بل إن لفني حريص على صهيونية إسرائيل، إذ أنه يُطَمْئِن الأخيرة بأن عليها ألا تخاف من أن "اعترافها بمشكلة اللاجئين يعني إقرارها بفقدان الصهيونية لشرعيتها" (المصدر السابق). وبالتالي، وحفاظا على صهيونية الدولة التي ينتمي إليها، يعتبر لفني بأن الاعتراف الإسرائيلي "بمشكلة" اللاجئين سيبطل مفعول جزء كبير من شحنة اللاجئين الناسفة (نفس المصدر). وبذلك، لا يختلف لفني في جوهر طرحه الذي يمثل موقف أقصى اليسار الإسرائيلي، عن سائر تيارات "اليسار" و"اليمين" في إسرائيل من مسألة حق العودة.

(حيفا)