هل من تغيير قريب في نظامي الحكم في إسرائيل وأميركا

يقول المثل الشعبي العربي "التم المتعوس على خايب الرجا". وهذا ملائم كثيرا لتضامن جورج بوش مع إيهود أولمرت بعد ساعتين من نشر تقرير فينوغراد.

ما أشد ارتباط الشؤون الإسرائيلية بمثيلتها الأميركية!

لم نكن محتاجين لتقرير القاضي الإسرائيلي فينوغراد ولا لكتاب رئيس المخابرات الأميركية السابق جورج تينيت، اللذين تزامنا في النشر، كي نعلم أن الحرب على لبنان (وعلى غزة) والعراق كانتا فاشلتين لا مبرر لهما؛ فليست الحربان غير أخلاقيتين بل إنهما فشلتا في تحقيق النتائج المرجوة والمخطط لها، ووضعتا هيبتي الجيشين في الأرض.

والذي نرجوه، نحن المقتولين والمجروحين والمسروقين في هذا العالم، ألا تذهب جهود معدي المعلومات والتقارير عن فشل رئيسين بل فشل نظامي إسرائيل وأميركا الحاكمين سدى وألا تمر بسهولة.

إننا نتمنى ألا يصبح مصير أوراق فينوغراد وتينيت مثل مصير المناشير التي انحرفت عن طريقها إلى البشر فراحت إلى كائنات البحر المتوسط في يوم صيفي من العام 2006 حيث لم يحسب قائد الطائرة الغازية لسماء الجنوب اللبناني حسابا للريح ظنا منه أنه أكبر منها وأقوى، وأن المعادن أثقل من الهواء، فانحرفت عشرات الآلاف من مناشير الترهيب والتهديد للمواطنين العزل إلى البحر الأبيض المتوسط، فكانت فرصة للسمك لمطالعة إبداعات الغزاة المعاصرين والعصريين جدا، الذين يقاتلون بالأزرار.

لكن حتى لو وصلت المناشير إلى اللبنانيين بدلا من السمك، لم يكن في نية اللبنانيين تلبية نداء الهروب؛ فهل إذا وصل تقرير فينوغراد وما ذكره تينيت صراحة في كتابه المنشور إلى الإسرائيليين والأميركيين، سيتخذ هؤلاء ردود فعل غاضبة يحاسبون من خلالها أشهر سياسيين فاشلين في البيت الأبيض ومبنى الحكومة الإسرائيلية في القدس المحتلة بما يضطرهما للهروب كل بأسلوبه!؟

يعلن رئيس حكومة إسرائيل أنه لا ينوي الاستقالة، وأن ما حدث مجرد أخطاء. يسمي الكوارث والمذابح وإلحاق الأذى والعار بجنوده ثم يقول إنها مجرّد أخطاء؛ فإذا كانت هذه أخطاء فما الخطيئة إذن؟ وما الذي ينتظره أولمرت حتى يستقيل؟ هل ينتظر مزيدا من الكوارث والمذابح والدماء والهروب واللجوء والنزوح الجماعي والخوف وانعدام ثقة الشعب الإسرائيلي بجيشه ودولته حتى يستقيل؟

لا أولمرت فارس ولا ينبغي له أن يكون، ولا سيده المريض في البيت الأبيض.

أولمرت كان بداية التدهور الفعلي لدولة إسرائيل في المجال الذي تتفوق وتفاخر به: لغة القوة والأمن.

بوش الابن لم يترك لبياض البيت الذي يقيم فيه متسعا إلا ملأه سوادا، فكان الرئيس الأشهر الذي يستحق لقب المخرب الأكبر للصورة الأميركية، وحامل لون السواد، ومن معه من قتلة مغامرين من تشيني إلى رامسفيلد إلى كوندوليزا رايس...

المواطن الأميركي يحسبها عمليا واقتصاديا من حيث قياس المدخولات والمخرجات ليحسب ماذا ربحت الولايات المتحدة، والمواطن الإسرائيلي يحسبها من ناحية أمنية، فإن تحقق الأمن سيصرف نظره عن ضريبة الحرب الاقتصادية.

الفشل الذي يرتقي إلى درجة الفضيحة في إسرائيل مرتبط جدا بمثيله في الولايات المتحدة الأميركية؛ داء واحدة وعدوى واحدة، وعدم التعلم من عظات التاريخ..

الدولتان المتحالفتان لدرجة ذوبان الواحدة في الأخرى، لم تستحيا من خوض حروب ضد المدنيين العزل في لبنان وغزة والعراق، ولم تتركا هامشا للمناورة مرة أخرى، فلم يبق أمامهما إلا استخدام أسلحة الدمار الشامل لإفناء اللبنانيين والغزيين والعراقيين: دمار شامل ينهي البشر والحجر والشجر!!!

فأية خيبة يعيشها الإسرائيليون والأميركيون.

لقد كان معروفا لدى الأميركيين أنه لا يوجد سلاح تدمير شامل في العراق، كما كان معروفا لدى الإسرائيليين ماذا يمتلك حزب الله من صواريخ.

لا بد من وقفة إسرائيلية مع النفس، لا بد أن تدرك إسرائيل أن أميركا ورطتها في هذه الحرب، كما ورطت إسرائيل أميركا في الحرب على العراق.

إن ظلت إسرائيل تركب رأس أميركا فأي مستقبل ينتظرها في هذه المنطقة، حيث أصبح على أميركا أن تقاتل حتى آخر جندي إسرائيلي. كما أصبح على إسرائيل أيضًا أن تقاتل حتى آخر جندي أميركي.

لا بد من انقلاب أميركي يقول للسياسيين الذين يقودهم بوش كفى سخرية وتخريبا لأميركا وحضارتها، لأن شعوب العالم أبقى من دولة محتلة، وأن النظام العنصري الحاكم في إسرائيل لن يظل إلى أجل غير مسمى، ولا بد من التصالح هناك مع العراقيين والإيرانيين والأفغان...

ولا بد أيضا من انقلاب عسكري في إسرائيل يقول للسياسيين الذين يقودهم أولمرت كفى، لأن أميركا لن تظل خالدة إلى أجل غير مسمى فلا بد من التصالح مع الناس هنا: في فلسطين ولبنان وسورية.

رئيس العالم بوش منشغل برسم الخرائط، ومنها خارطة الشرق الأوسط، قدم خبزه للناجين من الموت في لبنان، في حين أهداهم قنابله الذكية كي يموتوا بها في الغارات القادمة، خبز للبنان وأسلحة لإسرائيل: توازن عادل، هذا ما يراه المستر بوش الذي بإعلانه الحرب على لبنان يكون قد دق المسمار الناقص لاكتمال نعش الصورة الأميركية لدى العرب والعجم والبربر والإفرنج وأمم أخرى.

أما تابعه فقد نسي أن إسرائيل مجرد دولة صغيرة، فدخل مع سيده في تحالفات أكبر من دولة إسرائيل، حيث سيضطر الإسرائيليون إن ظلوا عبيدا لمصالح الولايات المتحدة أن يقاتلوا في العراق وفي إيران وفي أفغانستان ومنطقة بحر قزوين وكوريا وكوبا وفي كل بلد تناصب أميركا العداء، وبدل أن تقلل إسرائيل من أعدائها فإنها ستزيد عددهم، حيث سيصبح أعداء أميركا أعداءها، ولم لا وقد أعلن بوش أن من ليس مع أميركا فهو ضدها. ستدفع إسرائيل ثمن قبولها المنطق الأميركي المعوج في الثنائية التي حولت كل من ليس له علاقة إلى عدو ما دام لم يدخل الصراع إلى جانب الولايات المتحدة.

لو عدنا إلى الوراء ثلاثة فصول، لتذكّر ما تحدث به الكتاب والمختصون بمن فيهم إستراتيجيون في العالم وفي أميركا وإسرائيل، لتعمق لدينا أن حكام إسرائيل وأميركا ليسوا فقط ديكتاتوريين بل وأشرار.

لم يستمع بوش إلى ما ذكره مثلا باتريك سيل الصحافي البريطاني في 4/8/2006 حين قال "والرئيس بوش يواجه اليوم خيارين، فإما أن يستمر في دعم إسرائيل في حربيها الكارثيتين في لبنان وفلسطين وربما امتدادهما إلى سورية وإيران أو أن يوقف هذا الجنون ويثبت زعامته في السلام. إنها فرصته الوحيدة لإنقاذ رئاسته من الفشل الذريع. عليه أن يلقي بثقل أميركا الكبير وهيبته الشخصية في البحث عن حل إقليمي شامل. إنه أمر قابل للتحقيق وما زال لديه الوقت ليفعل. ولكن لا بد له كي ينجح من أن يتخلص من المستشارين الذين عرضوا أميركا للخطر. فمشاكل المنطقة لا بد من معالجتها جميعها لأنها متشابهة: 1- لا بد من حل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة على أساس حدود1967. 2- حل النزاع بين سورية وإسرائيل على أساس إعادة الجولان لسوريا. 3- لا بد من إعادة بناء لبنان بضخ الكثير من المساعدات وبضمانات دولية للمستقبل. 4- على أميركا أن تبدأ حوارا مع إيران يهدف إلى عودة العلاقات الدبلوماسية والاعتراف بمصالح إيران الإقليمية ومخاوفها الأمنية. 5- على إسرائيل أن تتخلى عن طموحها العبثي للهيمنة على المنطقة عسكريا وأن تعمد عوضا عن ذلك إلى عقد معاهدات سلام مع العالم العربي بأسره على أساس حدودها العام 1967 وعلى أساس الاحترام المتبادل وحسن الجوار".

لكن للأسف لا يحب بوش قراءة ما لا يهوى، حتى لو كان الكاتب غير عربي!

كما لم يحب المستر بوش قراءة ما كتبه صوت غربي آخر هو الكاتب برنت سكوكروفت في مقاله المطوّل الذي تزامن مع مقال سيل وجاء منسجمًا مع ما قاله. وكان الحل لديه:

* "دولة فلسطينية تقام على حدود 1967 مع بعض التعديلات الطفيفة التي يتفق عليها بين فلسطين وإسرائيل.

* تخلي الفلسطينيين عن حق العودة، إزالة المستوطنات...

* علاقات عربية طبيعية مع إسرائيل مقابل الانسحاب على أساس مبادرة الأمير عبد الله (السعودية) العام 2002..

* تشكيل حكومة فلسطينية على أساس وثيقة الأسرى تتفاوض باسم الشعب الفلسطيني...

* نشر قوة دولية في جنوب لبنان كجزء من وقف إطلاق النار...

* نشر قوة دولية أخرى لتسهيل التنقل من الضفة الغربية وغزة والإشراف عليه.....

* اختيار القدس عاصمة مشتركة لإسرائيل وفلسطين..."

لم يستغل بوش فرصته الأخيرة لا في صيف 2006 ولا في خريفها ولا شتائها ولا فصول العام 2007 التي نعيش، ولم يثبت زعامته في السلام، ولم يستغلها لإنقاذ رئاسته من الفشل الذريع، لأنه ببساطة لم يلق بثقل أميركا الكبير وهيبته الشخصية في البحث عن حل إقليمي شامل..

حتى تقرير بيكر- هاملتون الذي كان بإمكان بوش أن يجعله طوق نجاة له ضيعه، وأفرغه من الهواء فما عاد ينفع لينجد أحدا، أو ينزل رجلا أحمق صعد على شجرة العناد السلبي وأبى أن ينزل!

وضاعت الفرصة على أولمرت الذي لن يدخل التاريخ إلا كتابع فاشل! وكيف له أن يحسم أمرا أو يثبت زعامته لشعبه بعد كل هذه الهزائم: من أجل أسيرين زعم أنه يخوض الحرب لإطلاق سراحهما كذبا، كما خاض حربا على البشر والشجر في غزة من قبل لإطلاق سراح الجندي شليت. ألم يقرر أنه لن يتفاوض على الأسرى في لبنان وفلسطين فعاد وفاوض لتبادل أسرى!؟

لم يستمع أولمرت لكاتب إسرائيلي هو جدعون ليفي حين قال في "هآرتس" في 6/8/2006 "بالانسحاب من الأرض المحتلة لن تصبح إسرائيل جارا عزيزا (يقصد للعرب)، لكن ستخف حدة النيران التي تطلق عليها. الجولان مقابل السلام أفضل من ألف عملية حربية فارغة".

صوت ليفي بالطبع لم يشنف أذني أولمرت، ولم تطرب له الولايات المتحدة لا هو ولا كل العقلانيين المتحدثين عن الحلول الدائمة التي تراعي العمق والتاريخ لا مجرد السطح الخارجي الآني، والسبب أن الولايات المتحدة ببساطة ترى في الحرب على لبنان وفلسطين بشكل فعلي، وسورية وإيران وغيرهما وصولا إلى كوريا الشمالية والصين، حربها الإستراتيجية لضمان الهيمنة على العالم والتحكم به وبموارده وخيراته ونظمه الثقافية.

ليفي نفسه انتقد بعد ثلاثة فصول في "هآرتس" في الأول من أيار2007 نظام الحكم في إسرائيل والأغلبية المؤيدة لرئيس الحكومة الفاشل الذي أقدم على "حرب عديمة الأمل والمبرر والتي حظيت هنا فورا بدعم تلقائي..".

وقد ابتدأ مقاله الربيعي بأنه على المحتجين على أولمرت وصحبه ألا ينسوا الباقين، لأن "دم الحرب الخاسرة هذه على أيدي الأغلبية الساحقة في أوساطنا.. المشجعين.. الجنرالات والمحللين، قادة المعارضة والصحافيين...". أما زميله في الصحيفة، المحلل والخبير الأمني والإستراتيجي زئيف شيف، فقد ذهب في مقدمة مقاله في اليوم نفسه إلى بيت القصيد بالنسبة له كمتخصص وخبير وبالنسبة لتقييم الحرب فكتب يقول "ليست القضية الأساس للتقرير المرحلي هي مدى المسؤولية الشخصية عن الإدارة الفاشلة للحرب؛ فهذه مسألة تتعلق بالماضي، والسؤال الأهم هو المتعلق بالمستقبل: هل الحكومة الحالية قادرة على قيادة إسرائيل في الحرب القادمة..." حيث خلص إلى أنها غير مؤهلة لذلك.

الخلاصة أن كل ما يمت إلى العقل والمنطق يقول: يجب تغيير قواعد اللعبة، فمن الصعب على هذين البلدين المتحالفين في الشر لا في الخير (لنتذكر ثنائية بوش بعد 11 سبتمبر) أن يظل كل بلد منهما يورط الآخر بشكل مجاني، بل بالأحرى بما هو خسارة لا ربح.

اللحظة مناسبة لتعديل علاقة الدولتين، حيث يصعب أن تظل الولايات المتحدة تدعم دولة تحتل شعبا آخر؛ لأن عدم توازن العلاقات الدولية في العالم سيقود العالم نحو الهاوية وليس فقط المنطقة.

ما دام الفشل ينتظر الحرب السابعة فلماذا لا تقرر أميركا، مورطة إسرائيل بالسادسة، ولماذا لا تقرر إسرائيل الجنوح لصوت السلام؟! أعتقد أن ما ذكره باتريك سيل وبرنت سكوكروفت ما زال هناك وقت إن صدقت النوايا لتجريبه!

يجب فتح صفحة جديدة. آن للعقلاء في أميركا وإسرائيل أن يغيرا في نظام الحكم في البلدين بما يتفق وروح السلام والاستقرار في العالم.

إنها فرصة للشعبين الأميركي والإسرائيلي أن يلفظا حكامهما الحمقى القتلة في أول انتخابات قادمة، وكل ما يتطلبه التغيير هو أن تتفعل القوى العقلانية هنا وهناك.

ما أسوأ أن تكون رجل حرب وفاشلا في آن واحد!

ينطبق ذلك على بوش وأولمرت كما لم ينطبق على متحالفين آخرين، ولأولمرت أن يهاتف بوش مخففا مما ذكره تينيت عن كذب مبررات الحرب على العراق!

(رام الله)