غابي أشكنازي ومهمة "محو آثار" فشل سابقيه

عمره أقل من عمر دولته بخمس سنوات، جندي طموح من مواليد العام 1954، أمه سورية وأبوه يهودي بلغاري ممن تعرضوا لملاحقات النازية، بدأ حياته العسكرية صغيرا بعد أن تخرّج من المدرسة العسكرية في تل أبيب، حينما قامت حرب رمضان العام 1973 لم يكن قد مضى عليه في الجندية غير عام واحد، لكن ذلك لم يمنع من اشتراكه كجندي مدرب وشجاع في عملية عنتيبي في أوغندا ضمن أفراد الكوماندو بعد خطف طائرة إسرائيلية، وحين بلغ الخامسة والعشرين أصبح قائد كتيبة، بعد ذلك بأربع سنوات أصبح نائبا لقائد لواء أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان العام 1982، اشترك في قمع الانتفاضة الأولى وكان عمره 34 عاما، وقد أصبح جنرالا في عمر الـ45 عاما، أي يمكن وصفه أنه من جيل السبعينيات والثمانينيات...

هذه المعلومات عن قائد هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي الجديد مستقاة من تقرير خاص لـ"المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار"، أعد بناء على معلومات الإعلام الإسرائيلي والكتاب المتخصصين في الجوانب الإستراتيجية والعسكرية وغيرهم من كتاب الصحف الإسرائيلية.

وسنكون مع معلومات أخرى من "تقرير مدار"، الذي يؤصل لحالة من المعرفة بالقيادات الإسرائيلية، حيث لم يعد كافيا الركون لانطباعات نمطية تضع القيادات في سلة واحدة، فكل قائد أركان له ميزات خاصة ينتخب أو يعين بناء عليها في الزمان والمكان الملائمين.

ويبدو أن قائد الجند الجديد يعوّل عليه بميزة التخصص في الشأنين اللبناني والسوري، أي الجبهة الشمالية على وجه الخصوص، حيث بدأت إسرائيل بالإعداد للحرب السابعة أثناء حربها الصيفية الخاسرة في صيف العام 2006، وبذا فهو أمل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لمحو آثار الفشل.

غابي أشكنازي الذي تم استدعاؤه من الاحتياط هو قائد هيئة الأركان رقم 19 في إسرائيل، ومن خلال حساب قسمة عمر الدولة على عدد القادة الـ19 يكون لكل واحد منهم 3 سنوات يمكن في أفضل الأحوال تمديدها سنة إضافية.

وقدوم أشكنازي لقيادة الأركان له خصوصية معينة، فهو يأتي بعد قائد مستقيل على أثر الفشل المدوي في الجولة السادسة على أرض لبنان. ومعنى ذلك أن وجوده يشكل- افتراضا- نية إسرائيلية لتجاوز الماضي القريب جدا، وهذا يفترض تغييرا معينا في العسكرية الإسرائيلية.

ثمة افتراض إسرائيلي معين وهو حقيقي هنا أن قائد الأركان السابق دان حالوتس كان فاشلا، لكن في الحقيقة أن حالوتس لم يكن أول فاشل، ربما هو يحمل رقما متقدما عن بقية الفاشلين، والذين هم القادة السابقون ووزراء الدفاع ورؤساء الحكومة من الأجيال الصهيونية المختلفة التي كذبت على المستوطنين اليهود بأن هذه البلاد فارغة، وأنها بلا شعب، وهي هدية ووعد إلهي لشعب بلا وطن!!

ودليل فشل القادة السياسيين أنّ الشعب الفلسطيني ما زال موجودا على أرضه بعد 6 عقود من الطرد والنفي والقتل والأسر والاستيطان والجدران والى آخره.

فليس مقياس نجاح المؤسسة العسكرية هو النصر في معركة هنا أو هناك، إنما المعيار الحقيقي للنجاح هو تحقيق الأمن، فهل تحقق الأمن أم ما زالت الدولة تعيش الخوف؟ أليست كل الإجراءات على الأرض وسيطرة النفقات العسكرية على الميزانية العامة أدلة على عدم تحقق الأمن؟

وحتى يحمي قائد الجيش الجديد نفسه من أن يكون الفاشل رقم 19 عليه أن يعيد قراءته للصراع في هذه الأرض على ضوء المتغيرات هنا في فلسطين والمحيط الإقليمي والدولي.

وهو كمتخرج من قسم العلوم السياسية بدرجة بكالوريوس ومتخرج من قسم الإدارة العامة الدولية بدرجة ماجستير، يمكنه أن يكون علميا وعمليا ومديرا جيدا لجيش لم يقدم نفسه طوال عمر دولته غير جيش معتد رغم أنهم يسمونه كذبا بجيش الدفاع!

فكر غابي أشكنازي السياسي والعسكري، كما يمكن استخلاصه من تقرير "مركز مدار" المعتمد على المصادر الإسرائيلية، غير واضح تماما، لكن يمكن قراءة بعض الإشارات من بعض المواقف.

- بالنسبة للجبهة الشمالية كان أشكنازي مختلفا مع رئيس الحكومة إيهود باراك حين قرّر الأخير الانسحاب من جنوب لبنان، وحذر من أن الانسحاب الأحادي دون اتفاق (مع اللبنانيين) لن يأتي بالأمن لإسرائيل، ورغم ذلك فقد نجح كقائد للجبهة الشمالية في تأمين الانسحاب دون خسائر.

- بالنسبة للموضوع الرئيس وهو الموضوع الفلسطيني فرغم اهتمام غابي طوال خدمته في تركيع الفلسطينيين، وهو الذي دافع عن جنوده الذين نكلوا بالشبان الفلسطينيين في الانتفاضة الأولى، إلا أنه من العسكريين الذين باتوا مقتنعين بالانسحاب من غالبية الضفة الغربية وغزة، أي أن موقفه هنا موقف حمائمي، حسب وصف البعض الذين يقتبس عنهم تقرير "مدار". ودلالة ذلك "أن أشكنازي يؤمن أنه في حالة عودة المفاوضات مع الفلسطينيين ستنسحب إسرائيل عاجلاً أم آجلاً من غالبية مناطق الضفة الغربية". وأنه "كان شريكًا في إعادة كتابة مفهوم الأمن الإسرائيلي سوية مع الوزير السابق دان مريدور، وفي خضم ذلك كان موافقًا على مقولة أن التمسك بمناطق مثل الضفة الغربية وهضبة الجولان لا ينطوي على أهمية أمنية كما كانت الحال في الماضي". أي أنه مع حلّ إسرائيلي يجب أن يقبله الفلسطينيون وإلا فليس لهم إلا العصا؛ فمن خلال تقرير "مدار" إشارة إلى اعتقاد أشكنازي "أنه في ضوء أن الفلسطينيين يواصلون محاربة إسرائيل من قطاع غزة حتى بعد الانفصال، فإنه يتعيّن على الجيش الإسرائيلي أن يخوض عملية واسعة في القطاع على شاكلة عملية "السور الواقي". وهذا التقدير تكرّر في أكثر من تعليق. بل إنّ المراسل العسكري لموقع "إنرجي" الإلكتروني التابع لصحيفة "معاريف"، أمير بوحبوط، رأى أن غزة ستكون "الاختبار الأول" لرئيس هيئة الأركان العامة الجديد، أشكنازي. وفي رأيه فإن غزة من الممكن "أن تكون هدف الحملة القادمة التي ستعيد هيبة الردع للجيش الإسرائيلي، وتكون إشارة إلى حزب الله، وفي الوقت نفسه إشارة للضفة الغربية، بأنه في حال استمر الوضع على ما هو عليه في نابلس وشمال الضفة الغربية، فإن الجيش يدرس إمكانية القيام بحملة مشابهة هناك". والاستخلاص من هذا الاقتباس ليس صعبا ولا يخرج من نطاق سياسة القمع والإجبار على القبول بالحلول من منظور السياسة الإسرائيلية، كما لا يبتعد عن سياسة الإرهاب والتخويف حتى يأخذ حزب الله مثلا والمقاومون في الضفة العبرة من الحملة المفترضة على غزة.

- أمّا على الصعيد الخارجي، كما يذكر "تقرير مدار"، فإنّ "هناك أربعة سيناريوهات محتملة لما يسمى بـ"الخطر العسكري القادم"، تقف أمام المستوى العسكري الإسرائيلي الذي سيتولى أشكنازي قيادته. وهذه السيناريوهات هي:

1. تجدّد الحرب مع حزب الله.

2. اندلاع حرب بأسلوب كلاسيكي مع جيش سورية النظامي.

3. عملية برية واسعة النطاق ضد حركة "حماس" في قطاع غزة على شاكلة حملة "السور الواقي".

4. السيناريو المتعلق بـ"الخطر الأعظم من كل ما تقدّم" في قراءة المعلقين كافتهم، والمقصود "التهديد النووي الإيراني". وفي صلبه شنّ "هجوم وقائيّ" من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة غايته محاولة منع إيران من امتلاك القنبلة النووية. "وفي ظل وضع كهذا من المتوقع إطلاق صواريخ "شهاب" صوب إسرائيل وتحوّل الجبهة الداخلية الإسرائيلية، مرّة أخرى، إلى ساحة حرب".

لذلك فإن زئيف شيف، المعلق العسكري لصحيفة "هآرتس"، يرى في سياق الحديث عن دور قائد الأركان الجديد، كما اقتبسه "تقرير مدار"، أنّ التهديد الكبير الذي قد تتعرّض له إسرائيل في المستقبل "غير متمحور في لبنان وسورية أو في صواريخ القسّام من قطاع غزة. وإسرائيل على وشك أن تواجه مهمة إستراتيجية تتجاوز حدود لبنان وسورية. وهي بالتالي بحاجة إلى رئيس هيئة أركان عامة لديه فهم إستراتيجي في تفعيل طائرات وصواريخ وسلاح إستراتيجي ذي مدى بعيد. هذه هي المهمة الرئيسة لرئيس هيئة الأركان العامة الـ19...."

لذلك يؤكد روي بن يشاي، المعلق العسكري لموقع "واينت" الإلكتروني التابع لصحيفة "يديعوت أحرنوت"، الذي اقتبسه "تقرير مدار"، على عدد من المهام المنوطة بأشكنازي ومنها "مهمة إعداد الجيش الإسرائيلي للتصدي للتهديد النووي الإيراني ولإستراتيجية حرب العصابات التي تستخدم القذائف الصاروخية والصواريخ المتطورة المضادة للدروع والمضادة للطائرات".

ومن بين التحديات العشرة التي رآها عمير ربابورت، المعلق العسكري لصحيفة "معاريف"، سيتشكل برنامج العمل الذي سيعتمده أشكنازي، والذي بافتراض هذا المعلق العسكري ينبغي أن يوفر أجوبة شافية عليها وسنتوقف عند 3 منها نرى أنها إستراتيجية:

1- تجهيز الجيش لحرب مفاجئة.

2- استعادة ثقة الجمهور العريض، وهو أمر منوط بأداء الجيش وليس بأحابيل إعلامية. ويتضمن ذلك إعادة شعور الاعتزاز والفخر بالخدمة العسكرية إلى أفراد الجيش النظامي والاحتياط (هنا دمجنا ثلاث نقاط كونها تتحدث عن إعادة بناء الثقة لدى العسكر والشعب بالجيش).

3- سلاح البرّ هو أكثر سلاح بحاجة إلى علاج أساس في أعقاب الحرب. فهذا السلاح تمّ إهماله مؤخرًا على أثر المفهوم الذي منح الأفضلية لسلاح الجوّ. ومن المتوقع أن يزداد الاستثمار في سلاح البرّ بمقدار 30- 40 بالمائة خلال السنوات القريبة القادمة.

ما يعنينا هنا، وما نراه مهما هو استعادة الثقة بالجيش الذي لا يقهر من منظور الإسرائيليين، فتحوّل الجبهة الداخلية الإسرائيلية، مرّة أخرى، إلى ساحة حرب يضعف الثقة بالجيش، حيث أن الجيش الإسرائيلي والشعب كذلك غير معتادين أن تصبح إسرائيل ساحة حرب، لأن ذلك من شأنه أن يصيب السياسة السكانية الإسرائيلية في مقتل حين تزداد الهجرة إلى الخارج وتقل إن لم تنعدم الهجرة إلى الداخل، ويمكن في هذا الصدد تذكر كتابات طلبة المدارس الإسرائيلية التي تفيض بالخوف بعد الحرب الفاشلة على لبنان والتي أوصلت الصواريخ اللبنانية إلى عمق إسرائيل، وقد نشر ملحق "المشهد الإسرائيلي" قبل أسبوعين نماذج منها!!

فلسطينيا يجب التركيز على أن التناقض الشديد والإستراتيجي مع الاحتلال هو ما يجب أن يشغلنا عن تناقضاتنا الصغيرة، مهما يكن رئيس الأركان، حيث أن المؤسسة العسكرية الحاكمة في إسرائيل بدأت بتنفيذ الفصل الأحادي الجانب كحل مفترض وحل جبري في آن واحد قبل وصول حركة حماس إلى السلطة الوطنية، حيث أقنعت إسرائيل العالم أنه لا يوجد شريك فلسطيني، فلم تتعاط حكومات إسرائيل مع الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي قضى محاصرا لأنه لم يوافق على الرؤيا الإسرائيلية للتسوية، ولا هي أيضا تتعاطى مع الرئيس أبو مازن فعليا لسبب بسيط أنه لا يوجد فلسطيني يقبل بالتصور الإسرائيلي للتسوية وهو الذي غالبا ما تبنيه المؤسسة العسكرية والتي يقف على رأسها في العادة رؤساء الأركان..

وبالرغم عن عدم وجود الفلسطيني الذي يقبل بالمقترحات الإسرائيلية للتسوية، والتي تخرج من عباءة الأركان الإسرائيلية أكثر مما تخرج من الساسة، إلا أن تحول الاقتتال الفلسطيني الذي ما زال حتى الآن محدودا إلى حرب أهلية فلسطينية يمكن أن يفرز من يقبل بمقترحات العسكريين الإسرائيليين. فالانجرار لهكذا وضع ربما ينسف كل الصمود الفلسطيني ضد الاحتلال وإجراءاته على الأرض. فلا أركان لدينا، وعنصر قوة الشعب الفلسطيني وسلاحه الإستراتيجي هما الوحدة الوطنية والتي هي ليست ضربا من الشعار السياسي المستهلك.

ينبغي أن يؤثر الفلسطينيون على تخطيط هيئة الأركان في إسرائيل حتى يقتنعوا بأن أية تسوية لا تتم بدون توقيع الطرفين المتنازعين، وهذا لا يتم بدون الانسحاب من الأرض المحتلة العام 1967.

من المهم أن يدرك غابي أشكنازي كقائد عسكري لجيش كبير أن التفوق الأميركي في المنطقة العربية ليس إلى ما لا نهاية، وأنه في ظل الانسحاب الأميركي المفترض من العراق آجلا أم عاجلا سيفتح الباب لدول أخرى مثل روسيا والصين كي تعبئ الفراغ بالتعاون مع إيران، وليته يدرك أن السلام العادل مع الشعب الفلسطيني سيقي إسرائيل أية تقلبات وسيحجم من لعب إيران بالورقة الفلسطينية واللبنانية، إلا إذا كانت هناك نية لأشكنازي بالتحالف مع إيران وتنسيق ذلك مع روسيا والصين وتطليق الحليف الأميركي طلاقا بائنا بينونة صغرى جزاء هزيمتها في العراق رغم أن جزءا مما فعلته الولايات المتحدة في العراق كان من أجل سود عيون دولة إسرائيل، وليس فقط لحماية المصالح الأميركية.

لقد قيل إن إسرائيل بحاجة إلى رئيس هيئة أركان عامة لديه فهم إستراتيجي في تفعيل طائرات وصواريخ وسلاح إستراتيجي ذي مدى بعيد، وربما أن هذا غير متوفر في غابي أشكنازي القادم من خلفية عسكرية أخرى، حيث تتوفر تلك الخصائص في حالوتس القادم من خلفية سلاح الجو. وعلى ذلك فإن حاجة إسرائيل هي في توفر الحكمة لدى الجيش وتوفر النوايا الحقيقية للسلام أكثر من توفر نوايا الغزو والتحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة لاقتسام العالم!

أهمس كفلسطيني في أذن غابي أو في أذنيه معا: تعال إلى بناء حل يرضينا، ودعنا من الصراعات والتحالفات الإقليمية والدولية، والتي إن كانت في صالح إسرائيل مرة، فلن تكون دوما وفي كل المرات.

ليتك يا غابي أشكنازي تستفيد مما درسته من تاريخ وعلوم سياسية لتدير جيشا باتجاه تصالحي، فليس لإسرائيل إلا أن تصالح.

ببساطة وبدون تعقيد قم يا جنرال غابي بتأمين الانسحاب الآمن من الضفة الغربية وغزة مختارا كما فعلت ذلك مجبرا أثناء تأمين انسحاب جيشكم من لبنان!!

بهذا تكون قد نجحت يا غابي فيما فشل فيه زملاؤك السابقون، خصوصا أولئك الذين تقلدوا مناصبهم بعد 1967.