انتخابات الليكود تقرّر طبيعة الانتخابات العامة

رغم التراجع الكبير في مكانة الليكود في الشارع الإسرائيلي، وفق ما تشير استطلاعات الرأي، فإن الانتخابات التمهيدية فيه، والتي تجري اليوم 19/12/2005، تثير اهتماماً واسعاً. فهذه الانتخابات لن تقرر فقط من الذي يقود الليكود وإنما كذلك طبيعة ونبرة الانتخابات المقبلة وربما أيضا مستقبل اليمين الإسرائيلي.

فالصراع، وإن دار بين أربعة أشخاص فقط، هم بنيامين نتنياهو، سيلفان شالوم، موشيه فايغلين وإسرائيل كاتس، فإنه في الحقيقة يدور بين اتجاهين رئيسيين حاسمين. الأول يريد إما المحافظة على المكانة اليمينية لليكود أو دفعها نحو التشدد وهذا هو موقف كل من نتنياهو وكاتس وفايغلين والثاني يريد أن يبقى الليكود رديفا لشارون وحزبه "كديما" ويقوده شالوم. وليس صدفة أن الاتجاه الأول كان عاملا معرقلا لشارون في الحكومة وعلى صدام دائم معه والثاني كان يبرر لشارون كل خطواته.

وهناك من يعتقد أن هذه الحقيقة تلعب دورها الحاسم في بقاء الكثير من منتسبي الليكود في مواقعهم الحزبية أو خروجهم منها إلى كديما. ورغم أن البارزين بين مؤيدي شارون في كتلة الليكود في الكنيست أو الطامحين لمكاسب من كديما في الانتخابات المقبلة خرجوا، فإن كثيرين أرادوا البقاء للحصول على المغانم. وليس صدفة أن شارون حاول جاهداً كسب سيلفان شالوم إلى جانبه في كديما بعد أن وقف مطولا إلى جانبه في الليكود. وقد أشار كثيرون إلى أن العديد من منتسبي الليكود المؤيدين لشارون بقوا في الليكود فقط من أجل حسم الانتخابات ضد نتنياهو واليمين الأقصى لمصلحة شالوم. ومن الواضح أن التوتر الذي ساد في الأيام الأخيرة معسكر نتنياهو ينبع أصلا من هذه الحقيقة أو حتى من القناعة بوجودها.

ولذلك تكاثرت في الأيام الأخيرة التهديدات من جانب مقربي نتنياهو بأنه قد ينشق عن الليكود "المزيف" الذي قد ينجم عن الانتخابات التمهيدية الوشيكة لمصلحة ليكود "حقيقي" يميني فعلا.

ومن الجائز أن التوتر الذي تفصح عنه هذه التهديدات هو ما دعا العديدين ، وفي مقدمتهم شالوم، إلى الإعلان عن أن نتنياهو يفهم أنه سوف يخسر الانتخابات لزعامة الليكود. ومع ذلك فإن استطلاعات الرأي الداخلية ما زالت ترجح احتمال فوز نتنياهو الذي يبدو منزعجاً من استمرار حليفيه الطبيعيين كاتس وفايغلين في المنافسة. وهو يرى أن مثل هذا الاستمرار يحول دونه وحسم المعركة ضد شالوم من الدورة الأولى. وأياً يكن الحال، من الجلي أن انتخاب أي من نتنياهو وشالوم سوف يفسح المجال لتحديد صورة الخريطة السياسية المقبلة. فإذا نجح شالوم، الذي يعتبر في نظر كثيرين في اليمين مقرباً من شارون، فإن ذلك قد يعني انهيار ما يسمى حتى الآن معسكر اليمين. أما إذا فاز نتنياهو فإن الوضع قد يقود إلى بلورة بنية يمينية متصلبة تجعل من الصعب على شارون في المستقبل التحالف مع اليمين. وعكس ذلك هو المتوقع في حال فوز شالوم حيث يمكن تخيل تحالف الليكود مع "كديما" وتوجيه ضربة لكل من يتوقعون اعتدال شارون بعد الانتخابات العامة المقبلة.

ومع ذلك فإن المعركة الانتخابية تشتد على أكثر من صعيد وجبهة. فالليكود الذي يتأهب لأن يكون رئيسه نتنياهو غير الليكود الذي سيكون رئيسه شالوم. وهذا ما يتبدى من الآن. فنتنياهو يجعل من شارون خصمه الأول ولذلك يحمل عليه منذ الآن في كل ما يتعلق بفكرة تقسيم القدس التي عرضها مستشار شارون لشؤون استطلاعات الرأي. وهذا ليس منطق حملة شالوم الذي يركز على أنه في حال فوزه سوف يعيد ثقة الشعب بالليكود.

وقد شدد نتنياهو على أن شارون ينوي "تقسيم عاصمة إسرائيل وأنه يبقي الخطة السياسية غامضة كي يؤدي إلى تقسيم القدس عمليا". ويرى نتنياهو أن شارون ينفذ خطة حزب العمل واليسار الإسرائيلي بشأن تقسيم القدس، وأن خطة شارون لتقسيم القدس كانت معروفة منذ زمن في أوساط السياسيين والصحافيين. ويخلص إلى أن شارون يضلل الجمهور في إسرائيل.

وتثير انتخابات الليكود اهتمام حزب العمل الذي يريد أن يعرف من يقف في قمة المعسكر اليميني. وأشار مقربون من زعيم الحزب عمير بيرتس إلى أنه يفضل انتصار وزير الخارجية سيلفان شالوم على بنيامين نتنياهو في المعركة على زعامة الليكود. وفي نظر هؤلاء فإنه "إذا انتصر بيبي في الليكود فإن الانتخابات ستصبح ثلاثية الرؤوس بين العمل، كديما والليكود. أما إذا انتصر سيلفان فإن الانتخابات ستكون برأسين بين بيرتس وشارون. سيلفان بشخصيته أقل سيطرة وأقل تطوراً من بيبي، ولهذا فإن الصراع ضده سيكون أسهل". ومع ذلك هناك من يعتقد أن الأمر يتعلق بمصلحة لحزب العمل في مساعدة نتنياهو بالذات.

وفي حزب العمل، كما في الأحزاب الأخرى، شرعوا بحملة سلبية ضد حزب "كديما". وفي نظر هذه الأحزاب فإن كديما تدمر القيم العامة في إسرائيل بتشجيعها الانتهازية وخيانة المبادئ. وقد بدأ حزب العمل حملته الجديدة بملصق تحت عنوان: "كديما تثير الاشمئزاز في أوساط الجمهور".
ويعرض الملصق صور جزء من الملتحقين الجدد بكديما، بما في ذلك صور رجال العمل سابقا حاييم رامون وداليا ايتسيك. كما أن الليكود ينوي شن حملة موازية ضد من تركوه والتحقوا بشارون مثل وزير الدفاع شاؤول موفاز وتساحي هنغبي اللذين كانا في المواقع المتقدمة في قيادة الليكود. وقد شرح مسؤول كبير في قيادة الطاقم الانتخابي لحزب العمل نظرية الحملة بقوله إن انضمام موفاز الى كديما أثار اشمئزازاً لدى الجمهور. وقال إن "الجمهور اشمأز من سلوك شارون ورجاله ومن الأحابيل السياسية التي يستخدمونها".