سيناريوهات تركيبة الحكومة الاسرائيلية القادمة

يطمح المكلف بتشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة، ايهود اولمرت، الى انهاء تشكيل الحكومة قبل الثامن من شهر أيار/ مايو القادم، اليوم الأول لبدء أعمال الكنيست الـ 17 والدورة الصيفية له، بعد ان حدد الشركاء المحتملين لحكومته، وبعد ان استثنى حزب الليكود، وكتلة اليمين المتطرف "هئيحود هليئومي"، في حين أبقى الباب مفتوحا أمام كتلة اليمين المتطرف الثانية، "يسرائيل بيتينو"، كما استثنى كتلة ميرتس، وبطبيعة الحال فإن استثناء الكتل الثلاث الناشطة بين الفلسطينيين في اسرائيل كان استثناء متبادلا.

لقد سمحت نتائج الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية، التي جرت في نهاية الشهر الماضي آذار/ مارس، لاولمرت ان يشكل ائتلافا سهلا، من دون أية عوائق بالنسبة له. وهو ائتلاف متجانس بمعظمه، ولن يعارضه في برنامجه السياسي، الذي في صلبه فرض حدود مع الضفة الغربية من جانب واحد، ليضم الى جانب "كديما"، 29 نائبا، كلاً من "العمل"- 19 نائبا، والمتقاعدين- 7 نواب، وكتلتي المتدينين الأصوليين (الحريديم) "شاس"- 12 نائبا، و"يهدوت هتوراة"- 6 نواب، وهذا لوحده يشكل ائتلافا من 73 نائبا، وكان بالإمكان استقبال كتلة ميرتس التي عرضت نفسها للشراكة أكثر من عرض "كديما" عليها.

إلا ان اولمرت، وحزبه "كديما"، أقدما على "مفاجأة" بإصرارهما على ضم "يسرائيل بيتينو"، وحين نقول مفاجأة فإن هذا ليس مرّده العامل السياسي بالأساس، وإنما العامل الشخصي، فاولمرت زامل ليبرمان في حكومة اريئيل شارون، ويعرف اولمرت كيف أن ليبرمان كان رأس حربة في القلاقل داخل تلك الحكومة، وخاصة حول خطة ما يسمى بـ "فك الارتباط"، كما ان اولمرت نفسه يعلم ان ليبرمان، وحتى لو قبل بالخطوط العريضة التي سيفرضها، فإن التجربة معه تؤكد انه لن يكون وزيرا "مطيعا" في حكومته، على العكس، وانما اولمرت وفي حال ضم ليبرمان، فإنه يزرع بنفسه الألغام في طريق عمل حكومته القادمة.

نستعرض في ما يلي سيناريوهات تركيبة وشكل عمل الحكومة القادمة، التي قد تظهر للملأ حتى النصف الأول من الشهر القادم.

التركيبة الأسهل من ناحية اولمرت

كما ذكر بداية فإن التركيبة الأسهل والأسرع لاولمرت، هي ان يرضى بأغلبية 73 نائبا ثابتة، مؤلفة من: كديما"- 29 نائبا، -"العمل"- 19 نائبا، المتقاعدين- 7 نواب، وكتلتي المتدينين الاصوليين (الحريديم) "شاس"- 12 نائبا، و"يهدوت هتوراة"- 6 نواب، مع احتياط من كتلة "ميرتس" بنوابها الخمسة، التي في حال عدم ضم "يسرائيل بيتينو" فإنها ترغب بالانضمام للحكومة، إلا أن هذه "الرغبة" ليست متبادلة، لأن اولمرت يعتقد أنه بضم ميرتس، فإنها ستنضم من حيث المواقف الى حزب "العمل"، وستكون "كديما" أمام كتلة شبه موازية لها من حيث العدد في القضايا السياسية.

وقد تكون هذه تركيبة (من دون ميرتس) سهلة أمام اولمرت في القضايا السياسية، لكنها ليست مريحة له من الناحية الاقتصادية. فجميع الكتل البرلمانية توافق على الخطوط العريضة السياسية التي في مركزها فرض حدود مع الضفة الغربية من جانب واحد، وقد يتلكأ حزب "العمل" في الانخراط كليا في هذا المخطط، ولكنه أعد لنفسه مسبقا "مخرج الهرب"، حين أعلن ضمن برنامجه السياسي ان الخطط الأحادية الجانب ستكون المفر الأخير في حال ثبت عدم وجود شريك فلسطيني، وفي حال استمرار قيادة حركة حماس للحكومة الفلسطينية، من وجهة نظر اسرائيلية، فإن صيغة "عدم وجود شريك فلسطيني" أصبحت "حقيقة" إسرائيلية، بتجاهل تام للرئاسة الفلسطينية ولدور منظمة التحرير الفلسطينية.

بمعنى انه حتى حزب "العمل" لن يتمرد على هذا المخطط ولن يرفضه، خاصة وان استطلاعات الرأي في اسرائيل، المتأثرة مباشرة من الإعلام وحدة الخطاب السياسي، تشير الى وجود أغلبية في الشارع الإسرائيلي لمخططات أحادية الجانب.

أما في القضايا الاقتصادية فإن اولمرت سيواجه مشكلة جدية في الإبقاء على السياسة الاقتصادية التي ثبتها وزير المالية السابق في حكومة الليكود، بنيامين نتنياهو، التي تعتمد بالأساس على القضاء تدريجيا على مخصصات الضمان الاجتماعي المختلفة، خاصة تلك المتعلقة بالبطالة المزمنة، ومخصصات الأولاد (تدفع عن كل ولد دون سن الـ 18 لكل عائلة)، الى جانب خصخصة القطاع العام برمته، وتقديم محفزات ضريبية وغيرها للمستثمرين، تحت غطاء فتح المزيد من أماكن العمل في اسرائيل.

غير ان هذه السياسة المنتهجة عمليا منذ خمس سنوات لم تحل مشكلة الفقر الذي استفحل بنسبة حوالي 33% خلال السنوات الخمس الأخيرة، والبطالة انخفضت رقميا، ولكن بسبب الأعمال الجزئية التي اضطر العاطلون عن العمل القبول بها، رغم أنها لا تؤمن لهم الحد الأدنى من الأجر.

لكن هنا تجدر الإشارة الى أن اولمرت لا يقف اليوم أمام كتل برلمانية في التركيبة المفترضة هنا، تدعو الى ثورة اجتماعية في القضايا الاقتصادية، فكل طرف من هذه الأطراف جاء ليمثل قطاعا معينا، وستكفيه اتفاقيات جانبية معه لكسر الإجماع المفترض بين الكتل الشريكة لكديما في هذه الحكومة.

فمثلا كتلتا "شاس" و"يهدوت هتوراة"، اللتان تمثلان جمهور المتدينين الأصوليين (الحريديم)، ستهتمان بالأساس في دعم المعاهد الدينية والمدرسية الواقعة تحت سيطرتهما، فتدفق الميزانيات على هذه المؤسسات سينعكس بالتالي على أوضاع الحريديم. وحتى في قضية مخصصات الأولاد، التي يستفيد منها الحريديم، لكونهم اكبر قطاع للعائلات كثيرة الأولاد، فسيقبلون في مرحلة ما تعويضا التفافيا عن خصم هذه المخصصات، باعتبار ان رفع المخصصات ستستفيد منه العائلات العربية، وهذا لن يُعلن جهارًا، ولكنه تحصيل حاصل للسياسة الاقتصادية، ومحاولة كهذه لمسناها بقوة في الكنيست السابق.

أما كتلة المتقاعدين، التي تضم سبعة نواب، فإن أجندتها واضحة، وهي تحسين وضعية المتقاعدين وكبار السن في اسرائيل، من خلال رفع مخصصات الشيخوخة، لمن ليس لديهم راتب تقاعدي، وتقديم تسهيلات أكثر في الخدمات الصحية، وشراء الأدوية المدعومة أصلا، وهذه الكتلة على استعداد للقبول بكل سياسة اقتصادية، تضمن على الأقل تنفيذ مطالبها.

ولربما ان حزب "العمل" يظهر للوهلة الأولى وكأنه ليس حزبا قطاعيا، ولكنه حزب شارك في السياسة الاقتصادية الحالية من خلال مشاركته في حكومة اريئيل شارون، ولن يختلف الأمر كثيرا بعد تغيير رئيس "العمل"، فرئيس اتحاد النقابات السابق عمير بيرتس، سيكون "مطالبا" بالأخذ بعين الاعتبار المصالح "الوطنية العليا لإسرائيل"، وان لا يتسبب بمطالبه الاقتصادية في هروب كبار المستثمرين من البلاد.

ونذكر في هذا السياق أن اتحاد النقابات، "الهستدروت"، تركز في السنوات الأخيرة بقيادة بيرتس، في الدفاع عن النقابات الكبرى، ولم يخض الهستدروت أي معركة نضالية جدية لصالح الشرائح الفقيرة والمتوسطة، فقد تبنى بيرتس نهجا اعتمد على ان "رضا النقابات الكبيرة" يعتبر انجازا له، وهو لم يبحث عن أكثر من ذلك.

إن المطلب الأكبر الذي يطرحه حزب "العمل" هو رفع الحد الأدنى من الأجر من 740 دولارا اليوم، الى 1000 دولار، بشكل تدريجي وخلال ثلاث سنوات، وهذا ما يعارضه المشغلون وقادة الاقتصاد في اسرائيل في القطاعين العام والخاص، بزعم ان هذه الخطوة ستؤدي الى فصل جماعي من أماكن العمل و"انهيار" قطاعات خدماتية واسعة تعتمد على الحد الأدنى من الأجر، وهروب مستثمرين سيبحثون عن أيدي عمل رخيصة. وقد يقبل بيرتس بهذه المسوغات، ليقبل بالتالي بتعويض أقل بقليل، يسجل له كانجاز، ويضمن لنفسه البقاء بهدوء في حكومة "كديما".

وحتى الآن فإن كل التوقعات تشير الى أن بيرتس سيتولى حقيبة الأمن (الدفاع)، في أعقاب رفض اولمرت إسناد حقيبة المالية له، بادعاء ان تولي بيرتس لحقيبة المالية سيؤدي الى هجرة المستثمرين الذين "سيتخوفون من سياسته". وقد يقبل في نهاية الأمر بيرتس هذه الحقيبة، لأنه في حساباته الشخصية يريد أن يصل في المستقبل الى رئاسة الحكومة، التي تتطلب حسب المفاهيم الاسرائيلية المعسكرة "خبرة أمنية" لقيادة البلاد.

بمعنى آخر فإن الأجندة الاقتصادية الاجتماعية، وعلى الرغم من التركيز عليها في هذه الأيام، لا تشير الى أي انقلاب في السياسة الاقتصادية الاسرائيلية، على الرغم من المعطيات الاقتصادية "الخطيرة"، بالنسبة للشارع الإسرائيلي، الذي لم يستفد حتى الآن من النمو الاقتصادي الحاصل في السنوات الثلاث الأخيرة، من 3% الى 5ر4%، وحسب تقارير بنك اسرائيل فإن هذا النمو يقتصر على أصحاب العمل ورؤوس المال، بينما معطيات الفقر تواصل الارتفاع، رغم الانخفاض الرقمي لأعداد العاطلين عن العمل.

الربح والخسارة في ضم ليبرمان

المقصود هنا الربح والخسارة بالنسبة لاولمرت، وسير أعمال الحكومة في الفترة القادمة، في أعقاب ضم حزب "يسرائيل بيتينو"، فاولمرت، وحسب ما يصدر عن المقربين منه، ينظر الى هذا الحزب على انه حزب المهاجرين الجدد، وقد حصل على حصة الأسد من أصواتهم، رغم ان هذا الحزب هو الحزب الثاني بين قوى اليمين المتطرف، وخاصة في مستوطنات الضفة الغربية، كذلك فإن ليبرمان نفسه يتبع سياسة يمينية متطرفة، في غاية العنصرية في كل ما يتعلق بالعرب في اسرائيل.

ورغم المتاعب المؤكدة التي ستواجه اولمرت في ضمه لليبرمان الى الحكومة، إلا انه يرى في هذا الضم، أيضا، سندا له في الاستمرار في السياسة الاقتصادية في داخل الحكومة، أمام وزن حزب "العمل" و"شاس" والمتقاعدين، وعلى ما يبدو فإن اولمرت الذي أعلن ان البدء بتنفيذ الخطط الأحادية الجانب لن يكون قبل العام 2008، يبني على اعتقاد بأن بإمكانه في فترة لاحقة بناء ائتلاف آخر.

ولكن التجربة علّمت ان وجود ليبرمان في الحكومة سيعزز المعارضة اليمينية في داخل الائتلاف الحكومي، وقد يواجه اولمرت في نهاية المطاف ما واجهه اريئيل شارون عند البدء بتنفيذ ما يسمى بـ "خطة فك الارتباط".

كذلك فإن ضم ليبرمان الى الحكومة سيؤزم العلاقة بين الحكومة وبين العرب الفلسطينيين في اسرائيل، خاصة وان نوايا ليبرمان كان أعلنها سابقا، فهو يريد حقيبة الأمن الداخلي (الشرطة) "لمعالجة العرب"، وتسريع عمليات هدم البيوت بحجة البناء غير المرخص، وغيرها من النوايا العنصرية، ويعلن اولمرت ان ليس لديه مشكلة في إسناد حقيبة الشرطة لليبرمان، رغم انه كان متورطا في السابق في تحقيق جنائي بوليسي، بعد ان ضرب طفلا يهوديا في مستوطنته.

من جهة أخرى هناك من يراهن على ان اولمرت في نهاية المطاف لن يضم ليبرمان الى حكومته، وان كل هذه المفاوضات ستصطدم في نهاية المطاف بعقبة ما، وضعها اولمرت مسبقا، ليسجل أمام الشارع الإسرائيلي ان اولمرت لم يُصد اليمين المتطرف في الطريق الى حكومته، وإنما اليمين نفسه هو الذي رفض الانضمام.

تبعات إبقاء الليكود خارج الحكومة

منذ اللقاء التفاوضي الأول كان واضحا ان حزب "الليكود" المتهاوي لن يدخل الى الحكومة، وهذا ما أعلن رسميا بعد الجولة الأولى من المفاوضات. وللوهلة الأولى يظهر وكأن الليكود يريد ان يكون كتلة المعارضة الأولى في الكنيست وان يكون رئيسة بنيامين نتنياهو "زعيم المعارضة" الذي يمنحه القانون امتيازات وزير، ويفرض على رئيس الحكومة تقديم تقارير شهرية سرية له.

لكن الحقيقة تنبع من أمرين، الأول ان الليكود على قناعة بأن دخوله الى الحكومة لن يضمن له أيا من الحقائب الهامة جدا، فهو الكتلة الرابعة في الكنيست بعد "كديما" و"العمل" و"شاس"، وحتى انه يبعد عن الكتلة الخامسة (يسرائيل بيتينو) بـ 116 صوتا فقط، ضمنت له مقعدا إضافيا.

أما الأمر الثاني فهو أن الموقف في الليكود يشهد إجماعا، ولكن ليس من منطلق الوحدة، وإنما من منطلق التفرغ لتصفية حسابات قاسية مع رئيس الحزب بنيامين نتنياهو. فإن رئاسته للحزب وجهت ضربة قاصمة للمرّة الثانية للحزب خلال سبع سنوات، كانت الأولى في العام 1999، حينما انهار الليكود الى 19 مقعدا، بينما قيادة اريئيل شارون منحت الليكود في العام 2003 ثمانية وثلاثين مقعدا، والآن يعود نتنياهو لرئاسة الحزب ليعيد قوة الحزب الى ما كانت عليه في مطلع سنوات الخمسين من القرن الماضي مع 12 مقعدا.

والأشهر القليلة القادمة ستكون مصيرية لهذا الحزب، أحد الحزبين التقليدين الأكبرين السابقين في السياسة الاسرائيلية، وقد بدأ عدد من قادة الحزب يعدون العدة لإقصاء نتنياهو عن رئاسة الحزب، ونتيجة هذه المحاولة ستكون ظاهرة حتى الخريف القادم.

المرحلة المقبلة

رغم ان الكنيست بدأ في السابع عشر من نيسان/ ابريل دورته الجديدة رسميا، إلا انه سيبدأ مزاولة أعماله في النصف الأول من الشهر القادم، أيار/ مايو، لفترة قصيرة تدوم شهرين ونصف الشهر ليخرج الى عطلة صيفية لنفس الفترة ثم يعود الى الدورة الشتوية.

وما من شك في أن التشكيلة النهائية للحكومة ستحدد أجندتها ومعرفة مصيرها، بناء على ما ستحتويه من تناقضات حزبية وسياسية، لكن في المجمل العام فإننا مقبلون على فترة جمود سياسي تنشغل فيها الحكومة في ترتيب أوراقها والتأقلم مع الواقع الجديد، وكذا الأمر بالنسبة للأحزاب، رغم ان الحكومة الجديدة ستكون مطالبة منذ يومها الأول بإقرار ميزانية إسرائيل للعام الحالي التي كان من المفروض ان تكون مقررة منذ مطلع العام. وما إن تقر هذه الميزانية، حتى يتوجب عليها أن تبدأ فورا في إعداد ميزانية العام 2007، أي ان الشغل الشاغل للحكومة حتى نهاية العام الجاري سيتركز في إقرار ميزانيتين، وهي حالة غير مسبوقة في السياسة الاسرائيلية، وستنعكس بشكل مباشر على تحركات الحكومة على الصعيد السياسي.