سيناريوهات تقديم موعد الانتخابات البرلمانية في إسرائيل

ظهرت في الأيام الأخيرة، في اسرائيل، توقعات بأن تجري انتخابات برلمانية مبكرة، في غضون أشهر قليلة جدا، مع أن موعدها الرسمي هو في خريف العام القادم 2006، وهذا على خلفية اخلاء المستوطنين من غزة، واستقالة بنيامين نتنياهو من الحكومة، واحتمال محدود بأن يحذو حذوه وزراء آخرون، وغير ذلك من الاسباب.

إلا ان الظروف الحزبية والبرلمانية والتعقيدات الجمّة في الخارطة الحزبية في اسرائيل، بالاضافة الى الانظمة والقوانين الإسرائيلية، تؤكد أن مثل هذه الانتخابات لا يمكنها ان تكون قبل ربيع العام 2006، كأقرب حد.

وهذا التقدير مبني على أن الحزبين الأكبرين في الحلبة السياسية الاسرائيلية، "الليكود" الحاكم، وشريكه في الائتلاف، "العمل"، يواجهان أزمة قيادة حادة، فحزب "العمل" لا يزال عاجزا عن تعيين موعد جديد لانتخاب رئيس جديد للحزب، بعد ان تم الكشف عن فضيحة تزوير الانتسابات للحزب، وكان من المفروض أن تجري هذه الانتخابات في شهر حزيران/ يونيو الماضي.

أما حزب الليكود، فقد احتدت الأزمة فيه بعد استقالة وزير المالية بنيامين نتنياهو، الذي سينافس رئيس الحكومة اريئيل شارون على زعامة الليكود.

وأمام هذه الحالة فإن الأحزاب الكبيرة لا تستطيع التوجه الى انتخابات مبكرة وسريعة طالما انها عاجزة عن ترتيب بيتها الداخلي لتستطيع خوض المعركة الانتخابية. يضاف الى هذا ان أيا من الاحزاب الكبيرة لن يغامر في الموافقة على اجراء انتخابات قبل ان يهدأ غبار الانسحاب لتتضح الصورة اكثر.

وفي ما يلي نستعرض التعقيدات الحزبية في الحزبين الأكبرين في إسرائيل.

الأزمة في "الليكود"

في الايام المقبلة، وتحديدا، خلال شهر أيلول/ سبتمبر القادم، سنشهد تحركات درامية في هذا الحزب، على ضوء طلب 600 عضو من لجنته المركزية (مركز الحزب) عقد اجتماع للمركز لبحث طلب اقصاء زعيم الحزب، ورئيس الحكومة، أريئيل شارون عن رئاسة الحزب. وحاول رئيس مركز الحزب، تساحي هنغبي، على الرغم من انه معارض لخطة الانسحاب من قطاع غزة، تجاهل هذا الطلب والمماطلة في اعطاء جواب واضح، إلا ان المحكمة الداخلية في الليكود ألزمت هنغبي بتعيين موعد لاجتماع مركز الحزب خلال الشهر القادم.

وفي حالة عقد مركز الحزب مثل هذا الاجتماع ونجح في اقصاء شارون، فسيكون على الحزب اجراء انتخابات داخلية لانتخاب رئيس للحزب في غضون 60 يوما، والاحتمال وارد جدا ان يتم اقصاء شارون عن زعامة الحزب وهو في سدة الحكم، ولكن من المحتمل جدا ان يقرر الحزب التوصل الى صيغة مشتركة حول موعد الانتخابات الداخلية، بشكل لا تضعضع مكانته في الحكم.

ويعاني شارون من فقدان الأغلبية في حزبه، إذ يحظى منافسه بنيامين نتنياهو بتأييد واسع جدا بين صفوف المنتسبين في الليكود، ولكن الحزب بقيادته سيخسر الكثير من قوته البرلمانية، في حين ان شارون، الذي تشير الاستطلاعات في داخل الليكود الى انه سيخسر المنافسة، سيحافظ الليكود بقيادته على قوته البرلمانية تقريبا.

كذلك ففي حزب الليكود "لاعب" ثالث هو زعيم جناح اليمين المتشدد عوزي لنداو، الذي تهدد منافسته الأغلبية التي يطمح لها نتنياهو، والعلاقة بين الاثنين ليست في المستوى التي تجعل التنسيق بينهما هينا، إلا إذا تدخل طرف ثالث، وهو طرف المستوطنين واليمين المتشدد.

وواقع الحال ان نتنياهو وعوزي لنداو يتنافسان في نفس الملعب، وعلى ما يبدو، كما تشير الاستطلاعات، فإن هذه المنافسة ستؤدي إلى إجراء جولة ثانية من الانتخابات داخل الليكود، وإذا استمرت الحال كما هي اليوم فإن فرص شارون ليست مضمونة.

الأمر الواضح الآن ان حزب الليكود لا يزال رهينة بيد قوى يمينية متطرفة لم تصوت له في الانتخابات البرلمانية الماضية، وعلى ما يبدو فإنها عززت تغلغلها في الحزب في الأشهر الأخيرة، وهذا ما يجعل عوزي لنداو واثقا من امكانية الإطاحة بشارون.

على هذه الخلفية تتزايد التوقعات بحدوث انشقاق في داخل الليكود على خلفية سياسية والموقف من خطة الانسحاب من قطاع غزة، ولكن بموجب الصورة الماثلة امامنا فليس من المستبعد ان يكون المنشق هو شارون نفسه على رأس مجموعة قيادية تاريخية تلتف حوله في الحكومة، وعلى رأسها وزير الدفاع شاؤول موفاز والقائم باعمال رئيس الحكومة ايهود اولمرت، الذي لا يمكن ان يبقى في حزب يقوده نتنياهو على ضوء الخلافات الحادة بينهما.

في ساعة الامتحان الحقيقي فإن قادة الحزب سيقررون مصير الانتخابات بعيدا عن المغامرة، ففي حال اقصاء شارون عن زعامة الحزب، سيكون الليكود قد وضع نفسه كليا في خانة اليمين المتطرف حيث سيجد هناك احزابا اكثر اخلاصا لهذا التيار، وفي نفس الوقت فإنه سيبتعد عن التيار الصهيوني الوسطي، الذي لن يقتنع ان نتنياهو سيواصل ما بدأه أريئيل شارون، على الأقل من وجهة نظر الشارع الاسرائيلي.

ولهذا ففي هذه الحالة فإن نتنياهو ايضا سيطلب مهلة زمنية الى حين التوجه الى انتخابات عامة. يضاف الى هذا انه في مسألة تقديم موعد الانتخابات تحديدا قد نجد تقلبا في موازين القوى داخل كتلة الليكود البرلمانية وتراجع بعض المعارضين لشارون عن تأييد حل الكنيست، وهذا لأن النظام الجديد في حزب الليكود لانتخاب قائمة الحزب البرلمانية يؤدي الى تغيير 40% من نواب الكتلة كحد أدنى، من خلال منع كل عضو كنيست من المنافسة على مقاعد في مناطق الحزب، وانما فقط على المستوى القطري للحزب، وهذا يعني ان 16 نائبا من الليكود، على الاقل، لن يعودوا الى مقاعدهم المخملية في الانتخابات القادمة.

التعقيدات في حزب "العمل"

لم ينجح حزب العمل خلال الشهرين الماضيين في أن يخرج من ازمته ويعين موعدا لانتخاب رئيس جديد له، والفرصة التي امامه هي أن يجري هذه الانتخابات إما في نهاية الشهر القادم ايلول/ سبتمبر، او في نهاية الشهر الذي يليه، بسبب فترة الاعياد اليهودية.

وبذلك يكون رئيس الحزب الحالي، شمعون بيريس، قد نفذ مخططه الاصلي وهو المماطلة في اجراء انتخابات حتى الخريف القادم.

وكما ذكر فإن الانتخابات التي كان من المفروض أن تجري في شهر حزيران/ يونيو الماضي تم تأجيلها بسبب فضيحة التزويرات، وأشيع عن أن الحزب وجد 35 الف انتساب مزور، غالبيتها الساحقة بين العرب.

ولا يزال الحزب يظهر في الشارع الاسرائيلي كمن لا يوجد له زعيم، ففي نظر الشارع الاسرائيلي فإن رئاسة بيريس للحزب هي رئاسة مؤقتة، وأجواء المنافسة خاصة امام رئيس الحكومة السابق ايهود باراك تجعل الحزب "متعدد الرؤوس".

أضف الى هذا أن استطلاعات الرأي لا تعطي للحزب أي تقدم في الانتخابات البرلمانية القادمة، على الرغم من اعتراف الشارع الإسرائيلي، وفق الاستطلاعات، انه تصرف "بمسؤولية" من وجهة نظرهم، فقد بقي هذا الحزب في الظل، وعمليا ينفذ مخطط شارون لا أكثر.

وعلى الرغم من ان قادة "العمل" يلمحون الى انهم لن يبقوا في الحكومة طويلا بعد الانتهاء من خطة الفصل، إلا انهم لن يغامروا في التوجه سريعا الى انتخابات مبكرة جدا، قبل ان يهدأ غبار الانسحاب من قطاع غزة، وتتضح الصورة، ويهدأ الشارع الإسرائيلي.

في نظرة سريعة فإن حزب "العمل" سيكون المستفيد الأول من الاطاحة بشارون عن زعامة الليكود، وتولي نتنياهو هذا المنصب، ولكن من جهة أخرى فإذا ما قرر شارون عدم الاعتزال، والتوجه الى الانتخابات على رأس تكتل انتخابي جديد، فإن هذا سيحرم "العمل" من الثمار التي كان يتوقعها.

الأحزاب الصهيونية والدينية

مطلب إجراء انتخابات برلمانية مبكرة ليس بالأمر السهل على المستوى الفردي للنواب، ففي الانتخابات الخمسة الأخيرة كان معدل تغير النواب يصل الى ثلث النواب وحتى أكثر، أي اكثر من اربعين نائبا من اصل 120 نائبا، والصورة الماثلة امامنا ومتوسط الاجيال في البرلمان الاسرائيلي لا يشير الى ان ايا من النواب سيقرر الاعتزال السياسي، حتى الآن، ولهذا فإن الكثير من النواب سيفكرون مرتين في مسألة رفع اياديهم تأييدا لاجراء انتخابات مبكرة، إذا عرفوا ان اماكنهم ليست مضمونة في الأحزاب التي يمثلونها.

وهذا الأمر يسري على غالبية الكتل البرلمانية الناشطة الآن، والأحزاب الصغيرة، حتى أن أكبر كتلة في المعارضة، كتلة "شينوي"، التي تضم 14 نائبا، ليست على عجل من أمرها في ظل عدم وضوح الصورة السياسية في الشارع الاسرائيلي، وخوض انتخابات مبكرة في ظل تقلبات سياسية قد تنعكس عليها سلبا، ولهذا فهي ايضا لن تستعجل في حسم هذا الأمر.

ولإثبات هذا نذكر مثلا ان كتلة زعيم كتلة "شينوي"، الوزير السابق يوسيف لبيد، كان قد اعلن في الشهر الماضي انه على استعداد للانضمام الى حكومة اريئيل شارون، إذا ما قرر حزب "العمل" الانسحاب منها، على خلفية ميزانية الدولة للعام القادم، واشترط ان تكون الميزانية بنفس سياسة الميزانية الحالية.

أنظمة وقوانين

من جهة برلمانية، فإن البرلمان الاسرائيلي (الكنيست) سيعود من عطلته الصيفية في نهاية شهر تشرين الأول/ اكتوبر القادم، ليبدأ فورا في معالجة القراءة الاولى لميزانية اسرائيل للعام القادم، وهي القضية التي يبني عليها حزب "العمل" انسحابه من الحكومة، وخلق أزمة ائتلافية تجعل شارون يقرر التوجه الى انتخابات. ولهذا فإن أية أزمة ائتلافية قد تنشأ في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، لكن من الممكن ان تكون بعد هذا التاريخ، وحينها إذا قررت الحكومة حل نفسها وقرر البرلمان التوجه إلى انتخابات، فإن الانتخابات ستكون بعد 90 يوما من يوم اقرار القانون نهائيا في الكنيست، ولكن جرت العادة في الحلبة السياسية الاسرائيلية على التوصل الى اتفاق بين جميع الاحزاب الكبيرة حول موعد مريح للجميع، وبناء على ما تقدم فإن موعدا كهذا قد يكون في الربيع القادم كأقرب حد.

السيناريو الوحيد الذي يجعل شارون يرفع يده ويقرر دعوة البرلمان لجلسة استثنائية لحل نفسه، هو ان يعلن الوزراء الاربعة من حزب الليكود، المعارضون للخطة، عن استقالة جماعية أسوة بخطوة نتنياهو، وليتبعها انشقاق فعلي في كتلة الليكود البرلمانية تفقد الحكومة الاغلبية البرلمانية، ولكن خطوة كهذه لا يظهر لها أي مؤشر حتى تاريخ كتابة هذا المقال (22/8/2005)، وأيضا في هذه الحالة فإن "استسلام" شارون ليس مضمونا.

إن الخارطة الحزبية في اسرائيل تشهد حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، زادتها مشاهد اخلاء المستوطنين المتوقعة، فهذه الأحداث وما رافقها من جوقة سياسية اسرائيلية واحدة تتحدث فقط عن "ألم الانسحاب" فرضت الكثير من الاسئلة حول جدوى هذه الخطوة، وتحمل الشارع الاسرائيلي لها.

وأي استطلاعات قد تظهر في هذه الايام لا يمكنها ان تعبر عن الواقع الذي سيكون بعد شهرين واكثر في الساحة السياسية، فهذه نتائج ستحكمها المشاعر والتأثر بالصخب الاعلامي الذي رافق "مهرجان" الانسحاب، ودموع الغزاة.