الكنيست لعطلة صيفية والأحزاب الإسرائيلية تستعد للانتخابات

خرج الكنيست الإسرائيلي، بدءًا من يوم الأربعاء 27/7/2005، إلى عطلة صيفية تستمر حوالي ثلاثة شهور، في ختام دورة برلمانية صيفية قصيرة دامت شهرين ونصف الشهر تميزت، كما كان متوقعا، بالركود السياسي، وأطلقت فيها أحزاب اليمين "نفثات صراعها البرلماني الأخير ضد خطة فك الارتباط"، ولم تنجح في تحقيق أي شيء سوى جذب انتباه موقت لوسائل الاعلام.

في ظروف طبيعية فإنه من المفروض أن يعود الكنيست من هذه العطلة الى عام برلماني آخر، لكن الأجواء التي تعيشها اسرائيل منذ عشرة أشهر، الى جانب التوقعات بأن تنفيذ خطة فك الارتباط وانجاز الانسحاب من قطاع غزة سيخلق ظروفا سياسية داخلية جديدة لإسرائيل، تدعم الاتجاه بأن الانتخابات المبكرة ستكون واقعة لا محالة، خاصة وأنها ستكون أيضا مصلحة لرئيس الوزراء أريئيل شارون، في حال ضمن الاستمرار في موقعه على رأس حزب الليكود الحاكم بناء على التوقعات والاستطلاعات التي تقول ان الليكود سيحافظ على البقاء في السلطة، ولكن من خلال انتخابات برلمانية سيكون بإمكان شارون اعادة ترتيب أوراقه السياسية والحزبية داخل البرلمان.

الدورة البرلمانية المنتهية

على الصعيد السياسي فإن الدورة المنتهية كما ذكر تميزت بكونها دورة ركود سياسي، ولكن هذا لا يعني انه لم يجر فيها أي تطور، على العكس فإن التطور الأهم حصل على الصعيد الاقتصادي في عدة اتجاهات.

فعلى الصعيد السياسي كان واضحا منذ بداية الدورة المنتهية ان الحكومة لن تشهد أية قلاقل داخلية وانها ستبقى على ثباتها، إذ لم تكن مبادرات برلمانية بامكانها احداث شرخ في الحكومة والتحالف الحاصل بين الحزبين الاكبرين "الليكود" و"العمل". لكن في الأسبوع الأخير، أطلقت أحزاب اليمين "نفثات صراعها البرلماني الأخير"، من خلال ثلاثة اقتراحات قوانين تدعو الى تأجيل خطة فك الارتباط، على الرغم من أن النتيجة كانت معروفة مسبقا بسقوطها بفارق كبير، ولكن هذه المشاريع كانت مناسبة اخرى لوزير المالية بنيامين نتنياهو ليقول لرئيس الحكومة اريئيل شارون أنه موجود على الساحة السياسية.

فقد حاول نتنياهو في هذه الدورة الانضمام كليا لمعسكر المتمردين في حزب الليكود على شارون، سعيا منه لكسب هذا المعسكر، ومن الخطوات التي قام بها أنه أعلن تأييده للمشاريع الثلاثة في التصويت عليها في جلسة الحكومة، وأعلن أنه سيتغيب عن جلسة الكنيست لكي لا يصوت الى جانب الحكومة ضد هذه القوانين، وهي خطوة تسمح لشارون بفصله من منصبه، بموجب انظمة الحكومات الإسرائيلية. وأقصى ما نجح نتنياهو في فعله هو جذب الانتباه الاعلامي له ليوم أو يومين، وأعاد الكرة في التصويت على هذه القوانين في الهيئة العامة في الكنيست في الأسبوع الماضي حين بقي في موقف سيارات الكنيست، ودخل الى المبنى مع انتهاء التصويت على القوانين الثلاثة بشكل تظاهري، لكن شارون، وأمام الغالبية الساحقة التي سقطت فيها هذه القوانين، لم يلتفت لنتنياهو وبما قام به، باعتبار انه كسب المعركة امام نتنياهو.

كذلك فإن نتنياهو أعلن في الأسبوع الأخير، وأيضا من باب لفت الانتباه، أنه بادر إلى إجراء استطلاع لمعرفة تأييد الجمهور لمبدأ اجراء استفتاء عام لخطة فك الارتباط، وهذا في الوقت الذي اصبحت فيه مستوطنتان في شمال الضفة الغربية شبه خالية، وأن حوالي 500 عائلة من مستوطني قطاع غزة تقدمت بطلب تعويضات والانتقال الى مساكنها الجديدة داخل اسرائيل.

لكن من جهة أخرى برزت في هذه الدورة البرلمانية تحركات رئيس الكنيست رؤوفين ريفلين، الذي بدأ يصعّد تصريحاته اليمينية المتطرفة ضد رئيس الحكومة اريئيل شارون. ووفق الأنظمة والعرف في البرلماني الاسرائيلي فإن رئيس البرلمان هو عادة أقرب لأن يكون شخصًا حياديا، ولا ينشط بصورة بارزة في العمل الحزبي الصرف.

لكن ريفلين قرر فتح معركة علنية ضد خطة فك الارتباط، لا بل وفي الايام الاخيرة أعلن انه سيقيم اشبه بلوبي برلماني للضغط على رئيس الحكومة شارون، كي يبدأ في تنفيذ مخطط توسيع الاحياء الاستيطانية في القدس المحتلة وربطها بمستوطنة معاليه ادوميم، شرقي القدس المحتلة، ليتم قطع الضفة الغربية الى قسمين شمالي وجنوبي.

ويزعم ريفلين أن شارون التزم للإدارة الأميركية بعدم الشروع في بناء الحزام السكني، الذي سيربط مستوطنة معاليه أدوميم باحياء القدس المحتلة، وهو الأمر الذي ينفيه بشدة المقربون من شارون، متهمين ريفلين بأنه يستغل منصبه لتنفيذ مآرب حزبية.

وهذه المعركة الثالثة التي يشنها ريفلين على شارون في الشهر الأخير. فإلى جانب معارضته العلنية لخطة فك الارتباط، فقد ضغط على شارون لجلب الاتفاق مع مصر لنشر 750 جنديا على الحدود بين مصر والقطاع لاقراره في الكنيست، كما بدأ الآن في الضغط على شارون لتوسيع الاستيطان في القدس المحتلة.

أما على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي فقد أقر الكنيست في هذه الدورة البرلمانية المنتهية ثلاثة قوانين اقتصادية تؤكد وتعمق التوجه الاقتصادي الصقري المتشدد، الذي تتوغل فيه اسرائيل بقيادة وزير المالية بنيامين نتنياهو وبدعم من الحكومة بأكملها، ويعتمد على مبدأ تقليص تدخل الحكومة والسلطة المركزية في الحياة العامة وخصخصة القطاع العام بأكمله، وهذا ايضا من خلال تقليص مداخيل الحكومة، ليتم تقليص مصروف الحكومة على القضايا الخدماتية والاجتماعية.

فقد أقر الكنيست مشروع قانون لتخفيض الضرائب، هو حلقة إضافية في سلسلة قوانين من هذا النوع، الى جانب بنود كبيرة في ميزانية اسرائيل للعام الحالي، تعفي كبار المشغلين واصحاب رؤوس الاموال من نسب كبيرة من رسوم الضمان الاجتماعي وضريبة الدخل. ولهذا فعند التصويت على قانون تخفيض الضرائب فإن غالبية الاحزاب التي لها علاقة بشكل أو بآخر بالقضايا الاقتصادية الاجتماعية وتتعاطف مع الشرائح الفقيرة والمسحوقة صوتت ضد هذه القوانين.

كذلك أقرّ الكنيست قانونًا جديدًا يفسح المجال امام البنوك لتركز أكثر الاقتصاد بيدها، واعطائها فرصة العمل في بوليصات التأمين على انواعها، وهو القانون الذي سيضرب أجزاء واسعة من قطاع التأمينات في اسرائيل.

أما القانون الثالث فهو يمزج ما بين الاقتصاد والسياسة، وهو القانون الذي يمنع رئيس اتحاد النقابات العامة، الهستدروت، من عضوية الكنيست، وسيدخل هذا القانون حيز التنفيذ بعد الانتخابات البرلمانية القادمة. وكان "المشهد الاسرائيلي" قد عالج هذا الأمر في عدده السابق، خاصة وان الرئيس الحالي للهستدروت هو عضو الكنيست عمير بيرتس، الذي ينافس على رئاسة حزب "العمل"، واعتبر القانون موجها ضده.

فقد ادعى المبادرون ان القانون بالاساس هو لمنع ازدواجية المناصب، أسوة برؤساء المجالس البلدية والقروية الذين يحظر عليهم عضوية الكنيست ورئاسة مجالسهم في آن واحد، ولكن القانون ايضا موجه ضد تقليص وجود الشخصيات ذات التوجهات الاقتصادية الاجتماعية في البرلمان الاسرائيلي.

ليس عطلة بالضبط

ستكون العطلة الصيفية للكنيست الاسرائيلي أغرب عطلة في تاريخ العمل البرلماني الاسرائيلي، إذ ستكثر فيها الجلسات الاستثنائية، وهناك من يهدد بجعلها اسبوعية على ضوء تنفيذ خطة فك الارتباط.

بموجب القانون على رئاسة الكنيست عقد جلسة استثنائية للبرلمان في حال طلب أربعون نائبا ذلك، او بطلب من الحكومة ذاتها، وحسب التقليد فإن احزاب المعارضة تتبادل في ما بينها تواقيع نواب الكتل على طلب مسبق لعقد هذه الجلسات، التي تستخدم عند الحاجة.

وحاول نواب اليمين فرض نظام جديد يفرض على الكنيست عقد جلسة اسبوعية بشكل دائم خلال فترة تنفيذ الانسحاب من قطاع غزة، كما حاول البعض تقليص العطلة الصيفية، ولكنهم فشلوا.

ولكن بموجب الأنظمة فإن الكنيست لا يستطيع عقد جلسة لحجب الثقة عن الحكومة خلال العطلة، وفقط إذا قررت الحكومة الاستقالة والدعوة الى انتخابات بالإمكان أن يحصل مثل هذا، ولهذا فإن هذه الجلسات ستكون مجرد جلسات القاء كلمات امام قاعة شبه خالية، من دون اتخاذ قرارات مصيرية او ذات وزن، إلا إذا بادرت الحكومة لذلك.

الحركة الحزبية السياسية خلال العطلة

كما ذكر فإن العطلة الصيفية ستكون مناسبة لتحركات حزبية داخلية تمهيدية لانتخابات قد تجري في الربيع القادم كأبعد حد، بدلا من الخريف العام 2006، وهذا بحد ذاته يعدّ انجازا لرئيس الحكومة شارون، الذي كان هناك رهان قويّ على سقوط حكومته قبل عدة أشهر. وإن بقاءه حتى الآن يعتبر انجازا له.

التحرك الأبرز المقبل على الصعيد الحزبي سيكون في حزب "العمل" الذي عليه في الايام المقبلة ان يحسم مصير الانتخابات لرئاسته، هذه الانتخابات التي كان من المفروض ان تجري في نهاية شهر حزيران الماضي، إلا أنها تأجلت بفعل التزويرات التي حدثت في حملة الانتسابات الأخيرة. هذه الانتخابات ونتائجها ستؤثر ايضا على ثبات او عدم ثبات حكومة شارون، على الرغم من انه في كل الأحوال وأيا كانت النتيجة فإن حزب "العمل" لن يستطيع مواصلة بقائه في الحكومة حتى الانتخابات، لأن هذا لا يسمح له باظهار تميزه عن حزب الليكود بصفته منافسه الأول. ويتوقع المراقبون انه مع انتهاء تنفيذ الانسحاب من قطاع غزة، فإن حزب "العمل" سيستغل النقاش الحاد الذي سيندلع بشكل تقليدي مع بدء كل دورة شتوية حول ميزانية الدولة للعام القادم، وسيطالب بجعل الميزانية أكثر رأفة بالشرائح الفقيرة والمتوسطة، وعلى الأغلب سيفجر شراكته في الحكومة على هذه القضية.

أما على صعيد الليكود فإن الانتهاء من خطة الانسحاب من قطاع غزة سيزيد الشرخ في الليكود، والانشقاق سيكون حتميا في واحد من اتجاهين، فإذا فشل المتمردون في اسقاط شارون عن رئاسة الحزب، فمما لا شك فيه أن غالبيتهم ستخرج من الليكود لتبحث لها عن إطار يميني جديد، في إطار قائمة تحالف يمين واسع.

ولكن إذا فشل شارون في البقاء في رئاسة الحزب وفاز نتنياهو فإن هذا سيعني انسلاخ قطاعات كبيرة من الجمهور، خاصة من التيار الصهيوني الوسطي او اليميني المعتدل، عن الليكود، وهذا وفق جميع استطلاعات الرأي التي ظهرت في الاشهر الأخيرة وأكدت أن كتلة الليكود البرلمانية برئاسة شارون ستكون اقوى من كتلة كهذه برئاسة نتنياهو.

أما على صعيد أحزاب اليمين المتطرف والمتدينة اليمينية غير الاصولية فإن الصورة اصبحت واضحة، وفيها اربع قوائم، وسيبقى السؤال إذا ما ستقرر من جديد توحيد صفوفها، كما فعلت في انتخابات 1999.

أما في ما يخص أحزاب اليسار الصهيوني، فهي لا تزال تبحث عن مخرج لأزمتها.

ولكن التحليل الأصح للخارطة الحزبية لاسرائيل سيكون مع اشراف خطة فك الارتباط على الانتهاء، والشكل الذي ستنتهي به.

...وعودة إلى دورة صاخبة

كما جرت العادة فإن الدورة الساخنة في الكنيست هي عادة الدورة الشتوية التي تستمر ستة اشهر وفيها تتخذ أكثر القرارات المصيرية، وعلى رأسها ميزانية الدولة التي تكون مناسبة لاثارة كافة الصراعات والضغوط الخزبية والسياسية، خلال محاولة الحكومة اقرار الميزانية.

لكن الصخب لن يكون مركزه فقط ميزانية الدولة، بل أجواء الانتخابات التي ستعم العمل السياسي، واحتمال حدوث تغيير في تشكيلة الحكومة، وأزمة حكومية ساخنة حتى بين وزراء الليكود على خلفية فك الارتباط.

ومن غير المستبعد أن يقرر شارون في تلك الظروف ان يستخدم حبل الخلاص الذي مدّه له، منذ الآن، رئيس كتلة "شينوي" تومي لبيد، الذي أعلن انه في حال انسحب حزب "العمل" من الحكومة بعد تنفيذ خطة فك الارتباط، بحجة ميزانية الدولة، فإن كتلته التي تضم 14 نائبا على استعداد للعودة الى الحكومة شرط أن يواصل وزير المالية نتنياهو سياسته الاقتصادية السابق ذكرها.

بكلمات أخرى فإن الكنيست سيعود إلى الدورة الشتوية بعد ثلاثة شهور ليس بنفس الوضعية التي خرج فيها إلى العطلة الصيفية الطويلة.