ما الذي يريده شارون

كل شيء جاهز للمعركة الفاصلة بين أريئيل شارون وبنيامين نتنياهو في مركز الليكود في السادس والعشرين من الشهر الجاري. شارون يريد منع مركز الليكود من إقرار أمر تقديم موعد الانتخابات التمهيدية، وبالتالي منع طرده من قيادة الليكود، ونتنياهو يريد العكس. والحملة بين الرجلين تزداد سخونة لدرجة ضاع فيها بين الأرجل متنافسون آخرون على الزعامة مثل عوزي لانداو وموشيه فايغلين.

وقد دخلت الأمم المتحدة وخطاب شارون أمام القمة الدولية في صلب حملة الليكود. وهناك، وخصوصاً من قادة حزب العمل، من رأى في خطاب شارون أرضية لاستمرار التعاون داخل الحكومة في إشارة لمعارضة تقديم موعد الانتخابات. وهناك، خاصة بنيامين نتنياهو، من رأى في الخطاب تأكيداً لابتعاد شارون عن روحية الليكود. وبين هؤلاء وأولئك اختلف المعلقون الإسرائيليون حول ما إذا كان هذا الخطاب إشهار طلاق شارون عن الليكود أم ترسيخاً لمكانته فيه.

والواقع أن شارون لم يقدم في خطابه أمام القمة الدولية أي جديد. فقد غلف مواقفه السابقة بغلاف من لونين: الأول ديني بإغراق خطابه بتعابير توراتية عن أرض الميعاد والإرث السماوي، والثاني سياسي حول عدم رغبة إسرائيل في السيطرة على شعب آخر. وبالتالي فإن مؤيديه ازدادوا قناعة بأنه يسير في الطريق الصحيح ومعارضيه شعروا برسوخ موقفهم من أنه "خان" القضية أو يواصل "ممارسة الخداع".

وبقيت في كل الأحوال أسئلة كثيرة في الهواء معلقة تنتظر الإجابة عنها ويمكن أن تفتح الباب لحسم وجهة شارون. فلا أحد يعرف حتى الآن ما الذي يريده شارون. هل يريد البقاء في الليكود أم أنه يعمل على افتتاح حزب جديد؟ هل سيقدم شارون على ذلك قبل حسم الموقف في مركز الليكود أم أنه يريد تعطيل هذا الاجتماع؟ وهل سينجح في ذلك؟

هناك بين المعلقين الإسرائيليين من يعتقدون أن شارون حسم خياره وقرر تشكيل حزب جديد. ويرى هؤلاء أن شارون يعرف أنه حتى لو أفلح في حسم الموقف من الانتخابات التمهيدية في الليكود فإن هذا لن ينهي مشكلته هناك. ففي أي وقت تجري فيه الانتخابات سوف يبقى في كتلة الليكود إلى الكنيست خصوم جديون لشارون. ولهذا السبب يعتقد هؤلاء أن شارون، وبخلاف موقفه السابق، بات معنياً بالانشقاق عن الليكود. وأنه لهذه الغاية معني بتفكيك علاقاته مع ذلك الجزء من قيادة الليكود مثل سيلفان شالوم وليمور ليفنات وتساحي هنغبي الذين وإن كانوا ضد نتنياهو فإنهم ليسوا من أنصار شارون.

وبالمقابل هناك من يرى أن شارون يخشى من أن يكون تشكيل حزب جديد ليس أكثر من مغامرة عديمة الفرص. ولذلك فإنه يحاول الاقتراب من أعضاء الليكود وتطويع خياراتهم بسياسة العصا والجزرة حيث يلوح بالانشقاق عن الليكود وبالتالي إفقاده الحكم ويشدد على الاستيطان في الضفة وعدم تقسيم القدس.

ويرى أصحاب النظرة الأولى أن خطاب شارون في القمة الدولية هو إشهار انفصاله عن الليكود وصياغته لبرنامج حزبه الوسطي الجدي. ويؤمن الأخيرون بأن الخطاب أعاد تأكيد الأولويات الواقعية لليكود في ظل تحالف مصيري مع إدارة بوش.

غير أن هناك من يؤمنون بخلاف الرأيين السابقين أن شارون لا يعرف ما يريد. فهو لا يعرف إن كان من مصلحة إسرائيل التقدم نحو تنفيذ خريطة الطريق أم لا. كما أنه لا يعرف إن كان لإسرائيل مصلحة في نجاح السلطة الفلسطينية في السيطرة على الوضع في قطاع غزة أم لا. ومن الجائز أن تصريحاته بخصوص عرقلة أو عدم مساعدة السلطة على إنجاز الانتخابات التشريعية مطلع العام المقبل إذا شاركت فيها حركة حماس تعبير عن هذه البلبلة في تفكيره. وأياً يكن الحال فإن اليمين الإسرائيلي في الليكود يوحد القوى ضد شارون بقوة أشد من أي وقت مضى. وقد وزع نتنياهو وعوزي لانداو رسالة على أعضاء مركز الليكود تفيد بأنه إذا كان شارون يهدد بالانسحاب من الليكود إن فشل في مركز الليكود فمن الأفضل أن يترك الليكود الآن.

ويعتقد خصما شارون الأساسيان في الليكود أن رئيس الحكومة الإسرائيلية اتخذ قراره وأنه ينتظر اللحظة المناسبة. لذلك فإنهما يحاولان دفعه لاتخاذ هذه الخطوة في غير الوقت الأنسب له.

والواضح أكثر من أي شيء قبل أسبوع تقريباً من موعد الحسم أن شارون ما زال يستخدم سياسة الغموض البناء. فقد شدد من حملته على نتنياهو وعلى اليمين المتشدد في الليكود. كما أنه في الوقت نفسه يحاول أن يؤكد للإسرائيليين أنه صاحب الحق في "العلامة التجارية" لليكود الحقيقي. ولكن شارون نفسه هو الذي يستخف بأعضاء مركز الليكود ويصف اجتماعهم بأنه تافه ومعرقل لعمل الليكود والدولة.

عموماً أيام قليلة باقية تسخن فيها الأجواء من دون أن يعرف أحد إن كانت العاصفة المقبلة ستتأخر أم أنها ستتحول إلى إعصار هو الأشد تدميراً في الحلبة الداخلية الإسرائيلية.