الكنيست: دورة هدوء ما قبل العاصفة

دخل البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) بدءًا من يوم الاثنين 16/5/2005 دورته الصيفية، التي تستمر حتى نهاية شهر تموز/ يوليو القادم. وهذه الدورة عدا عن أنها قصيرة، لا يوجد على جدول أعمالها ما يثير القلاقل على مستوى الحكومة، إلا إذا حدثت مفاجآت غير متوقعة، أو لا إرادية. ولكن من تحت هذا الهدوء ستكون استعدادات مكثفة للعاصفة القادمة، عاصفة بدء تطبيق خطة اخلاء المستوطنات، التي تأجلت الى منتصف شهر آب/ اغسطس القادم، بدلا من منتصف شهر تموز/ يوليو. وبالإمكان هنا تسجيل نقطة استفادة أخرى لأريئيل شارون من هذا التأجيل، وهي أنه سيبدأ بتنفيذ الخطة خلال فترة العطلة الصيفية للبرلمان الاسرائيلي، وهو ما سيخفف عنه، نوعا ما، الضغوط الحزبية والبرلمانية.

وكان البرلمان الإسرائيلي قد أمضى عطلة شهر ونصف الشهر، بعد دورة برلمانية عاصفة أنهكت قوة الحلبة السياسية، من كثرة الانشقاقات والنزاعات الحزبية. وعلى ما يبدو هناك إدراك في جميع الأحزاب لحقيقة أن الفترة المقبلة هي فترة ترتيب الاوراق في كافة الأحزاب، اعتمادا على الاعتقاد السائد، وهو أنه فور الانتهاء من تطبيق خطة الفصل، فإن الأجواء السياسية والحلبة السياسية بأكملها ستكون في أجواء تحضير لانتخابات برلمانية ستجري قبل موعدها في خريف العام 2006.

ويتوقع عدد من النواب في الكنيست أن تكون الدورة البرلمانية الجديدة "دورة حامية"، ولكن هذه سخونة أصبحت عادية، فالغضب والصراخ والمماحكات هي نهج دائم في الكنيست، إن كان في الهيئة العامة أم في اللجان البرلمانية المختلفة. وبعض أعضاء الكنيست على استعداد لإثارة عاصفة إعلامية حول لون القهوة، مثلا، من باب الاستخفاف، ولكن مقياس درجة السخونة وأهميتها يجب أن ينعكس على ثبات الحكومة، وحتى الآن لا يوجد على جدول أعمال الكنيست أي مشروع يهدد ثبات الحكومة واستمرار عملها، خاصة وهي تقترب من تنفيذ خطة إخلاء المستوطنات في منتصف شهر آب/ اغسطس القادم.

ولربما أن السيناريو الأكثر جدية، الذي من الممكن أخذه بالحسبان، هو أن مجموعة المتمردين على رئيس الحكومة اريئيل شارون في كتلة "الليكود" البرلمانية تقرر نهائيا الانشقاق الفعلي لتشكل كتلة منفصلة، من 13 عضوا على أقل تقدير وقد يرتفع الرقم، ولكن ليس بإمكانه أن يكون أقل من ذلك، لأن القانون يسمح لثلث كتلة برلمانية على الأقل بالانشقاق.

ولكن حتى في هذه الحالة فإن حكومة شارون لن تسقط في اقتراحات حجب الثقة عنها، لأن للحكومة في هذه الحالة أغلبية مدعومة من صفوف المعارضة على شكلين، التأييد المباشر أو الامتناع، والنواة الصلبة المعنية بإسقاط حكومة أريئيل شارون على خلفية خطة الفصل هي في حدود 36 نائبا من أصل 120 نائبا في الكنيست، وقد يرتفع هذا العدد بعضوين او ثلاثة على أكثر تقدير من صفوف الليكود، أما الأعضاء الـ 84 فإنهم إما أن يؤيدوا الحكومة أو يمتنعوا من باب عدم اسقاطها وهي في طريقها لخطة الفصل، أو عدم المشاركة في الجلسة لكي لا يتم تجيير تصويتهم لموقف أحد المعسكرات الذي لا يتماثلون معه.

وللتوضيح أكثر، فإن كافة القوانين الحساسة التي كان إقرارها أو عدمه يهدد الحكومة قد تم البت بها نهائيا، ولا شك في أننا سنشهد بعض المحاولات لإقرار قوانين عنصرية، أو تلك التي تعارضها الحكومة وغيرها، ولكنها ليست مصيرية.

الانشقاقات حسمت ولا جديد في الأفق

في هذه الدورة لا يمكننا توقع المزيد من الانشقاقات المؤثرة على الحياة البرلمانية، سوى احتمال انشقاق فعلي في الليكود، ولكن هذا ليس مؤكدًا ويحتاج إلى معالجة منفصلة حول دوافع الانشقاق وعدمه بين المعسكرات المختلفة في الليكود.

ونذكر هنا أن الانشقاقات قد تمت في الدورة الشتوية في كتل "المفدال" و"يهدوت هتوراة" و"هئيحود هليئومي"، عدا عن انسلاخ اعضاء كنيست على صعيد شخصي من كتل "شينوي" و"عام إيحاد" و"يسرائيل بيتينو" اليمينية، فمن كل كتلة من هذه الكتل خرج عضو كنيست واحد، وتدور ثلاثيتهم، غير المترابطة، في فلك حكومة شارون وتصوت الى جانبها في غالب الأحيان.

وباتت جميع الاحزاب تدرك أن هذه الحكومة لا يمكنها الاستمرار لأبعد بكثير من تنفيذ خطة الفصل. وكنا قد عالجنا في العدد السابق من "المشهد الإسرائيلي" دوافع شارون لتأجيل خطة الفصل بثلاثة اسابيع، ومن بينها تأجيل موعد الانتهاء من تنفيذ الخطة، ففي حين يدعي شارون أنه سينهي التنفيذ حتى أواسط شهر أيلول/ سبتمبر، أي قبل بدء الاعياد اليهودية، التي تستمر ثلاثة اسابيع، إلا أن واقع الحال، وما يبيته اليمين والمستوطنون من أشكال احتجاج يؤكد أن انتهاء التنفيذ لا يمكن أن يكون قبل نهاية شهر تشرين الأول/ اكتوبر.

وعمليا فإن شارون يدرك أيضا أنه بعد الانتهاء من التنفيذ عليه الاستعداد لانتخابات برلمانية مبكرة، وهو يريد سحب الحبل الى آخره، والاستفادة من الوقت قدر الإمكان من باب كسب الوقت.

أمام واقع كهذا فإن الغالبية الساحقة من النواب سيبدأون بفحص وضعيتهم في داخل أحزابهم، وسيسعون إلى ترتيب الأوراق، لئلا يفقدون مقاعدهم في أي انتخابات جديدة. في الدورات الأخيرة كان عدد النواب الجدد بعد كل انتخابات يتراوح ما بين 40 إلى خمسين نائبا، وليس من الواضح حتى الآن وجود نواب يريدون اعتزال الحياة السياسية بشكل اختياري، وخلافا للسنوات الماضية فإن معدل الأعمار في الكنيست لا يصل إلى خمسين عاما، والغالبية الساحقة من النواب تتراوح أعمارهم بين ثلاثين عاما وحتى خمسين عاما، وقسم كبير منهم هذه هي دورته الأولى، ولا شك في أنهم سيكونون معنيين بالاستمرار في مواقعهم، ولكن الرغبات شيء والواقع شيء آخر.

ومنذ الآن بإمكاننا أن نحدد أنه حتى لو حافظ الليكود على قوته، وهو أمر صعب، بمعنى 40 نائبا، فإن 16 نائبا على أقل تعديل سيفقدون مقاعدهم، بموجب نظام جديد في الليكود. وسنشهد تقلبات كبيرة في كتلتي "العمل" و"شينوي"، بالإضافة إلى الكتل الصغيرة.

وهذه المعطيات ليست هامشية، لا بل إنها تشكل دافعا قويا لمواقف النواب، وقد يكون هذا عاملا مؤثرا لمواقف نواب في كتل الليكود، الذين لن يكونوا على قناعة أن بإمكانهم الحفاظ على مقاعدهم في حالة الانشقاق.

وفي الخلاصة بالإمكان القول إن من اعتاد على الصخب في العمل البرلماني الاسرائيلي، فإنه في الشهرين ونصف الشهر القادمة سيشعر بنوع من "الملل"، وسنشهد نوعا من الركود السياسي مقارنة مع الدورة السابقة، فالصراعات ستنتقل الى داخل الأحزاب بعيدا عن الحلبة البرلمانية، ذاك سيسرع إلى معسكره الحزبي الذي هجره، وآخر سيبحث عن كتلة او حزب يؤويه بعد أن يئس من إمكانية أن يحافظ على مكانته في الحزب او الكتلة التي أوصلته إلى الكنيست في الانتخابات الأخيرة، ولكن ليس أكثر من ذلك على ما يبدو.