عن خلفية نجاحات إسرائيل... وأميركا

تتشارك الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية في الكثير من الأهداف والآمال في كل ما يتعلق بالمنطقة العربية. وهناك العديد من الجهات ودوائر البحث في الدولتين تعمل من أجل اكتشاف وتطوير هذه الأهداف. ومن الواضح أن الشهور الأخيرة تشهد المزيد من تحقيق هاتين الحكومتين لعدد من هذه الأهداف. ومن المؤكد أن هذا يشعر الطرفين بالكثير من الراحة ويشير عليهما بمواصلة انتهاج السياسة ذاتها رغم العقبات التي تعترضها هنا وهناك.

غير أن المثير للدهشة أن النجاحات التي تحققها أميركا وبالتالي إسرائيل في المنطقة العربية ترافقت مؤخراً مع تعاظم المشكلات الداخلية التي تواجهها الحكومتان الأميركية والإسرائيلية.

ويبدو أن ما يخفف من مصاعب الحكومتين داخلياً تشابه وضعية البديل المفترض لهما. ففي الولايات المتحدة يبدو الحزب الديمقراطي عاجزاً عن إقناع الجمهور الأميركي في الانتخابات التشريعية والرئاسية أنه بديل أفضل. كما أن حزب العمل في إسرائيل يخوض حالة انتحار ذاتي بتنافسه على القيادة وافتقاره القدرة على تمييز نفسه أمام الجمهور عن الليكود.

وتواجه الإدارة الأميركية مشكلة متدحرجة يرى البعض فيها تكراراً لفضيحة "ووتر غيت" تتمثل في الشبهات التي تدور حول تسريب مسؤولين أميركيين اسم عميلة الاستخبارات المركزية. وقد قرّر المدّعي الأميركي الخاص فاليري بلايم تقديم أحد أعمدة الإدارة الحالية والمحافظين الجدد لويس "سكوتر" ليبي، الذي كان حتى يوم الجمعة الفائت يرأس مكتب نائب الرئيس الأميركي للمحاكمة. كما أن من المحتمل أن يتم تقديم لائحة اتهام لكارل روب، أحد أقرب مستشاري الرئيس الأميركي جورج بوش نفسه.

وفي إسرائيل لم يفلح رئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون في النوم طويلاً على وسائد نجاحه في تنفيذ خطة الفصل أو حتى نجاحه في هزيمة خصومه الأقوياء في مركز الليكود.

فابتداء من صباح أمس، عندما يعود الكنيست للعمل مع بدء دورته الشتوية، يجد شارون نفسه في حالة صراع عنيف مع خصومه. ورغم إقراره بالأمس في الحكومة أمر تعيين الوزراء الجدد، بعد صراع مع وزراء حزب العمل، إلا أن المشهد في الكنيست يبدو مغايراً لما كان الحال عليه في الحكومة.

فقد أعلن عدد من أعضاء الكنيست من حزب العمل وتسعة أعضاء كنيست من الليكود أنهم سيصوّتون ضد التعيينات الجديدة التي تتناول إحلال اثنين من الليكود مكان الوزيرين المستقيلين ناتان شارانسكي وبنيامين نتنياهو. ومعروف أن شارون اختار اثنين من أشد المقربين إليه، زئيف بويم وروني بار أون، لدخول الحكومة وأوكل وزارة المالية لنائبه المخلص إيهود أولمرت.

ورغم أن من السابق لأوانه الجزم بنتائج المعركة الجارية الآن في الكنيست حول استقرار حكومة الليكود إلا أن هناك ملاحظتين تجدر الإشارة إليهما: الأولى تتصل برغبة العديد من قادة حزب العمل في الانفصال عن الائتلاف الحكومي لامتلاك الفرصة لتمييز الحزب عن الليكود.

والثانية، أن فوز شارون في المعركة لمنع تقديم موعد الانتخابات التمهيدية لم يعنِ انتهاء تمرّد الليكوديين على شارون. صحيح أن قوة المتمردين تراجعت ولكن حوافز التمرّد ظلت قوية.

وربما ليس صدفة أن التعابير التي أطلقها المتمردون على عملية التعيينات، هي لجهة اعتبارها مكافأة لمن وقف إلى جانبه. وهم يصفون ذلك بأنه نوع من "تشريع الدعارة السياسية" التي تكافئ من يمنحون رئيس الحكومة الولاء بغض النظر عن مدى خدمة ذلك للمصلحة الحزبية أو الوطنية.

وربما أن إحساس شارون بالخطر هو ما دفعه للتهديد، وفق الصحف الإسرائيلية، بتقديم موعد الانتخابات إن أخفق في تمرير التعيينات الجديدة. ويوم أول من أمس عمد شارون إلى عقد اجتماع في ديوانه لأعضاء الكنيست من الليكود بقصد التقرّب منهم. غير أن متمردي الليكود اختاروا عقد اجتماع في الوقت نفسه في أحد الفنادق التي تضمّ بعض عائلات المستوطنين الذين تمّ إخلاؤهم من قطاع غزة. وإذا كان لذلك من معنى فإن المعركة في الليكود لم تُحسم بعد وهي تتخذ اليوم من الكنيست ميداناً لها.

ومن المعروف أن الائتلاف الحكومي الذي يقوده شارون يضمّ اسمياً 68 عضواً. ولكن المؤيدين من بين هؤلاء للتعيينات الجديدة لا يزيدون عن 53. ولذلك فإن المشهد المقبل في الكنيست سوف يكون مثيراً.

وإذا أفلح شارون في تجاوز قضية التعيينات الفورية فإنه يقترب بعد أسابيع قليلة من عرض الميزانية العامة التي من المؤكد أن الخلافات بشأنها ستكون شديدة. وحتى ذلك الحين من الواضح أن شارون وخصومه يتبادلون الاتهامات بشق الليكود. ورغم الصمت الذي أصاب الحلبة السياسية خلال الإجازة الصيفية للكنيست بشأن انشقاق الأحزاب فإن النبرة القادمة الآن حول الانشقاق تبدو أقوى من أي وقت مضى. فهل سنسمع قريباً عن "الطوفان" الصغير والكبير أم أن الأمور في الحكومة والائتلاف ستعود سريعاً وبفعل الوضع الخارجي إلى السكون من جديد.

الشيء الأقرب للمعقول هو العودة للحديث عن تقديم موعد الانتخابات العامة.

إن ما سلف يبين حقيقة لا ينبغي أن تغيب عن أحد: النجاحات التي تحققها أميركا وإسرائيل في المنطقة ليست ثمرة فيض الحكمة والقوة في هاتين الدولتين وإنما محصلة فرط الحماقة والضعف في منطقتنا.

وعن الأمل الإسرائيلي بـ"المقابل المجزي"

أوضح رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ("أمان")، الجنرال أهارون زئيفي- فركش، مؤخرًا بأن المحيط الاستراتيجي لإسرائيل بات أكثر راحة من أي وقت مضى. وبعد أن عدد جوانب التفكك القائمة في المنطقة العربية عموما وانشغال أطرافها في مشاكلهم الخاصة تحدث عن انفراط عقد التحالف السوري اللبناني. واعتبر أن ذلك قد يقود لاحقا إلى نزع سلاح حزب الله.

ورغم الخشية الإسرائيلية من أن السيناريوهات الهادئة للتغيير في المنطقة قد لا تكون الأكثر احتمالا وأن زلازل قد تحدث فإن إسرائيل تتصرف، على المدى القريب، بوصفها رابحة في كل الأحوال. فإن حدث التغيير الذي تقوده أميركا فإن ذلك لن يكون في غير مصلحتها وإن حدث العكس فإنها ستبقى القاعدة الأكثر استقرارا لحماية المصالح الأميركية. ومع ذلك فإن هناك في إسرائيل من لا يرتاحون للتقديرات المتفائلة ويصرون على وجوب أخذ التقديرات المتشائمة بالحسبان.

ومع ذلك فإن المستوى السياسي والأمني الإسرائيلي يجد مساحة للاختلاف حول ما إذا كانت مصلحة إسرائيل أكبر في استقرار الوضع في سوريا ولبنان أم في ضعضعته. وقد أكثر مسؤولون عسكريون وسياسيون إسرائيليون في التسريب للصحافة معلومات حول مقدار الفائدة في كل من الاستقرار والزعزعة. وقليلون من تحدثوا باسمهم في هذا الشأن. وربما أن رئيس الطاقم السياسي الأمني في وزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد كان بين القلائل الذين تحدثوا علنا في هذه المسألة. إذ أشار في حديث لإذاعة الجيش الإسرائيلي مؤخرًا أنه إذا غيرت سوريا سياستها فسوف يكون لذلك أثر مهدئ وباعث على الاستقرار في الشرق الأوسط عموما. "فهذه هي المصلحة العليا: عدم تغيير الأنظمة، عدم تغيير الحكام وعدم التدخل في عمل المنظومات الدولية".

وكان زئيفي- فركش في مقابلته الأخيرة مع "معاريف" قد أوضح أن القرار بشأن إن كانت لإسرائيل مصلحة في الزعزعة أو الاستقرار هو قرار سياسي. وربما أن الخشية من تحمل الحكومة الإسرائيلية مسؤولية الإشارات بأنها تلح على أميركا بعدم التصعيد مع سوريا دفع أريئيل شارون للطلب من مقربيه دحض هذه الفكرة. وأشار المقربون من شارون للعديد من الصحافيين إلى أن النظام السوري نظام وحشي وأن إسرائيل لا تفكر بمنطق السيء والأسوأ.

ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة المستوى قولها إن زوال نظام الأسد سيكون بركة كبرى لأنه يبدو انه ليس من المحتمل قيام نظام شر وظلامية أكثر من النظام الحالي. وقال مصدر سياسي كبير: "النظريات وكأن من المريح لنا مع الرئيس السوري الحالي تشبه الاتهامات السخيفة في أن وجود حماس مريح لإسرائيل".

ونشرت صحيفة "هآرتس" نبأ أشارت فيه إلى أن وزارة الخارجية الإسرائيلية وجهت تعليمات إلى ممثلياتها في الخارج تقضي بعدم التعقيب على تقرير ميليس. وقالت إن إسرائيل الرسمية ترى أن التقرير ليس موضوعا إسرائيليا وأنه لا ينبغي لها أن تتدخل فيه.

والواقع أن المعلقين الإسرائيليين رغم التعليمات بعدم التطرق للوضع في لبنان وسوريا أكثروا في الأيام الأخيرة من إطلاق الأحكام القاطعة. فهناك من يرى أن لبنان مقبل على مرحلة حاسمة لا تتمثل فقط في نتائج تقرير ميليس النهائي وإنما كذلك بنتائج تقرير لارسن. وهكذا فإن الوضع يتجه إلى تشابك بين عواقب كل من قرار 1559 و1595 حيث يختلط الداخلي بالخارجي.

وفي هذا السياق ثمة أهمية لما كشف عنه زئيف شيف في "هآرتس" حول أن تقرير لارسن سوف يشير إلى استمرار التدخل الأمني والعسكري السوري في لبنان. ويبين شيف أن التقرير يتحدث عن هذا التدخل من خلال ما يسميه بامتدادات سوريا في كل من النظام والجيش والقصر الرئاسي وحزب الله والمنظمات الفلسطينية.

وفي ذلك تكتب محررة الشؤون العربية في "يديعوت" سمدار بيري أنه "قبل أن يتمكن لبنان من الانتعاش من تقرير ميليس يتعين عليه أن يواجه هزة أخرى في شكل تقرير لارسن، الذي سيدعو كل الميليشيات المسلحة في الدولة وعلى رأسها حزب الله إلى نزع أسلحتها".

وفي كل حال فإن إسرائيل التي تحاول التظاهر بأنها تلتزم بالتعليمات الأميركية بالبقاء بعيدا خلف الستارة في كل ما يتصل بالوضع في لبنان وسوريا تأمل أن تحصل، كما في الماضي، على مقابل مجز. وإذا تذكرنا الثمن الذي طالبت به إسرائيل أميركا وأوروبا جراء "ضبط النفس" إزاء العراق يمكن تخيل الثمن الذي تطالب به الآن. فإضافة إلى الأسلحة والذخائر والتنسيق الاستراتيجي حصلت إسرائيل على مليارات من المساعدات الخاصة. ومن المؤكد أنها تتطلع بشغف اليوم للحصول على كل ذلك وأكثر الآن.