أسابيع حاسمة

أقدمت الحكومة الاسرائيلية يوم الأحد 20/2/2005، على اتخاذ قرار تاريخي باعطاد الضوء الاخضر عملياً لبدء عملية اخلاء ست وعشرين مستوطنة في القطاع وشمالي الضفة في اطار ما بات يعرف بخطة الفصل. وقد جاء هذا القرار في ظل اعتراض خمسة من وزراء الليكود، في مقدمتهم وزير المالية بنيامين نتنياهو. ومن الواضح انه لم يكن بوسع شارون انجاز هذا القرار من دون كل تلك الخطوات التي سبقته في الكنيست وفي الحكومة والتي مهدت الطريق لاطلاق الضوء الاخضر هذا.

ولكن خطة الفصل لا زالت تجابه عقبات هامة ليس آخرها، احتمال سقوط حكومة شارون. اذ يبدو حتى الآن ان نجاح شارون على صعيد إقرار خطة الفصل كان باهراً على الصعيدين الشعبي والبرلماني والحكومي. ولكن ذلك زاد من حدة عداء اليمين لهذه الخطوة، وبالتالي زاد من الاضرار التي يمكن ان تصيب حكومة شارون جراء هذا العداء. فالبيئة الطبيعية للحكومة وحزبها القائد هي البيئة اليمينية التي بات المستوطنون يشكلون طليعتها. وهذا يعني ان الحكومة، وقت تنفيذ الخطة، ستضطر للتعامل ليس مع اعداء وخصوم، وانما مع الاصدقاء في المتراس المعادي.

ويصعب الحديث من الآن عن رؤية الخاتمة. فاضافة الى خطر الانشقاق في الليكود والذي يقوده من يسمون انفسهم بمتمردي الليكود من اعضاء الكنيست، هناك خطر سقوط حكومة شارون جراء ضعف الائتلاف الحكومي. ومن المعروف ان اقرار "قانون الاخلاء" في الكنيست تم بأغلبية تقل عن نصف عدد اعضاء الكنيست. وان حوالي نصف اعضاء الليكود في الكنيست لم يصوتوا الى جانب الخطة. وثمة من يعلن صراحة انه لن يقبل بحال تأييد الحكومة في قانون الميزانية من دون ربط ذلك باجراء استفتاء شعبي حول خطة الفصل.

غير ان الامور لا تتصل فقط بالليكود، وانما ايضا بقوى اليمين الاخرى التي، وبعد ان عجزت عن الحيلولة دون إقرار خطة الفصل، تحاول الآن عرقلتها في اتجاهين: الاول اسقاط الحكومة من خلال اسقاط مشروع الميزانية، والثاني عرقلة تنفيذ خطة الفصل ميدانيا ان لم تسقط الحكومة.

وهكذا فإن جميع المراقبين يعتقدون ان الاسابيع القليلة القادمة ستكون حاسمة ليس فقط لمصير حكومة شارون، وإنما كذلك لمصير خطة الفصل.

وقد حاول اريئيل شارون في الاسابيع الاخيرة ادخال حركة شاس الى حكومته بغرض توفير الارضية لاقرار الميزانية وترسيخ دعائم الائتلاف الحكومي. غير انه اصطدم بمطالب حركة شاس التي تتناقض عملياً مع بعدين هامين في سياسته: مخصصات الاولاد في الميزانية، وخطة الفصل من دون اتفاق مع الفلسطينيين. وسعي شارون الى اقناع شاس بمنحها بعض الامتيازات خارج نطاق المخصصات، وهذا يعني توفير بعض المساعدات لمؤسسات شاس من دون ان يبدو ان هذه الحركة جلبت شيئا للفئات الفقيرة. كما سعى لاقناع الزعيم الروحي لشاس، من خلال عدة وسطاء آخرهم شمعون بيريس، بأن خطة الفصل هي خطة باتفاق مع الاميركيين، ولذلك فإنها افضل حتى من خطة بالاتفاق مع العرب. لكن بدا واضحا في اليومين الاخيرين ان شاس اتخذت قرارها بعدم دخول الحكومة.

ومن الواضح ايضا ان حركة شاس عندما اتخذت هذا القرار راهنت فعليا على سقوط الحكومة وليس بقاءها. ولو كانت شاس تدرك ان حكومة شارون ستبقى في كل الاحوال لحاولت ابرام صفقة او تسوية معها. ولكن قطع المفاوضات واعلان موقف نهائي بعدم دخول حكومة شارون يشير الى ان حسابات شاس هي في الغالب حسابات انتخابية، وبالتالي ان موعد سقوط الحكومة بات قريباً.

ولكن الى ماذا استندت حركة شاس في ذلك؟ يبدو انها استندت الى حقيقة ان الوضع شبه متفجر في الليكود، وان الانشقاق وشيك. وربما ان تصويت وزير المالية بنيامين نتنياهو، يوم أول من أمس، في الحكومة، ضد خطة الفصل ينبئ بمعركة قريبة داخل الليكود لحسم أمر القيادة والوجهة. وعدا ذلك فإن العداء في الليكود لـ"الحكومة العلمانية"، التي تشكل الخيار الاخير لشارون تجعل الوضع اكثر تفجراً. وهذا يضع شارون قريباً في مأزق كبير.

فخطة الفصل في نظر حزب العمل وحركة "ياحد- ميرتس" هي مجرد خطوة على طريق تنفيذ خريطة الطريق. وقد سبق لعدد من قادة حزب العمل ان افصحوا عن موقفهم هذا. وكذا الحال مع حركة "ياحد". وربما ان جزء كبيراً من اعضاء الكنيست من حركة شينوي يؤمن بذلك. ولكن هذا ليس حال اعضاء الليكود الذين يؤمنون ان خطة الفصل تعني ابعاد خطر "التسوية الدائمة" إلى ابعد مدى زمني ممكن. وبكلمات اخرى فإن خطة الفصل، وان وفرت الآن ارضية تفاهم بين هذه القوى، فإن هذه الارضية لن تخدم لوقت طويل.

وعدا ذلك فإن حركة شينوي التي طردت من التحالف مع شارون وبثمن بخس جراء اصرار الليكود على عدم تواجد قوتي العمل وشينوي في وقت واحد، وبالتالي التحالف المؤقت والجزئي مع يهدوت هتوراه، تريد الان ثمنا كبيرا لتأييد الحكومة. ويرى زعماء شينوي ان بوسع شارون ان يحدث هزة ارضية سياسية في اسرائيل من خلال تشكيل "حكومة علمانية". فمثل هذه الحكومة تستطيع إقرار وتنفيذ ليس خطة الفصل وحسب، وانما كذلك الميزانية العامة.

ولكن ليست هناك في الليكود سوى قلة قليلة تؤمن بالحكومة العلمانية، الامر الذي لا يوفر فرصة كبيرة لتحقيق هذه الفكرة. وهذا يعني ان شارون مضطر خلال الاسابيع القليلة المتبقية على الموعد النهائي في آذار لاقرار الميزانية للبحث عن طريقة خلاقة للبقاء. واذا لم يعثر على هذه الطريقة في ظل اعلان شينوي وشاس عن رفض تأييد الميزانية، في ظل الخلاف الحاد في "ياحد" والليكود، فمن المؤكد انه لن يبقى امام شارون سوى الحل الذي يفرضه القانون: استقالة الحكومة واجراء انتخابات عامة جديدة.