البحث عن "المجد" الموهوم في الجيش الإسرائيلي

ذات مرة حدثني ضابط شرطة عربي خرج للتقاعد قبل سنوات عن مشاعر الاسى التي لازمته منذ ان خلع بزته الزرقاء وقال معترفا "حرصت طيلة 35 عاما على الخدمة المتفانية في الشرطة والولاء للدولة ومواجهة ضغوطات اجتماعية ثقيلة داخل قريتي لكنني اضطررت للخروج المبكر للتقاعد كالكلب".

وتعكس هذه الكلمات حالة كافة الخادمين العرب في الشرطة والجيش الذين مهما اختلفت دوافع انخراطهم (وهي جديرة بالبحث) في اجهزة الامن الاسرائيلية وتصاعدت وتيرة السباق فيما بينهم لاثبات ملكيتهم اكثر من اريئيل شارون فانهم سيظلون "متعاونين" بنظر زملائهم اليهود ومواطنين بلا مواطنة في الواقع. بالامس لقي خمسة من اؤلئك التابعين ل"الوحدة البدوية" حتفهم في عملية جريئة نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال ولا ندري ما السر وراء حقيقة كونهم جميعا من العرب الا ان هذه الحادثة تشكل فرصة اضافية لتوضيح ما هو هام وينبغي ان يكون واضحا . كما هو متوقع سارعت امس اوساط اعلامية وعسكرية وسياسية في اسرائيل الى التباكي على الاوضاع المعيشية المزرية وعلى"برك مياه الصرف الصحي" في شوارع "القرى البدوية" والعربية التي ينحدر منها الجنود العرب. وتجربتنا المرة في هذه البلاد المعذبة تساعدنا في استنشاق روائح اكثر كرها من رائحة المياه المذكورة في هذه التصريحات كونها مجرد بكائيات كاذبة تهدف تكرير الضحك على الذقون وامتصاص غضب ذوي القتلى الجنود واستمالتهم بالاقوال . ولا حاجة لزيارة "جيتوات" كسيفة او طرعان او عين ماهل او بيت زرزير للتأكد من ان المؤسسة الاسرائيلية ترحب بشبابها كجنود وتمارس العنصرية ضدهم كمواطنين فظروف خدمة "الكتيبة البدوية" في رفح تفضح التمييز ضدهم حيث يستخدم افرادها طعام مدافع بظروف خدمة غير انسانية تدفعهم الى ارتكاب الفظائع بحق ابناء جلدتهم من سكان القطاع كما اكدت "يديعوت احرونوت" في تقريرها تحت عنوان "قتلة" قبل بضعة اشهر. ومع ان استحقاقات المواطنة بالمفهوم الديموقراطي غير منوطة باداء الواجبات لا بأس من معاينة اوضاع القرى العربية الدرزية من ناحية حجم وقيمة الجهود المبذولة فيها من قبل السلطة المركزية تؤكد زيف الموقف الرسمي التقليدي الذي يشترط المساواة التامة بالخدمة العسكرية.

ولا عجب بان تحجم الاغلبية الساحقة من المواطنين العرب عن المشاركة في تشييع جنائز القتلى الذين سقطوا ضحية لعمليات احتلال الوعي وسياسات فرق تسد الاسرائيلية وللاحتلال وللجهل الذي يدفعهم واولياء امورهم للبحث عن اوهام "المجد" القاتلة وعن التطور المادي في جيش الاحتلال بثمن المشاركة في طعن شعبهم من الخلف والامام معا وبزهق ارواحهم ليخسروا الدنيا والاخرة. امثال هؤلاء لا بد سيخسرون كل شيء.. لانهم يخسرون شعبهم وسمعتهم وسيكتشفون خلال خدمتهم او عند غوص بساطيرهم في اوحال ومياه المجاري في شوارع قراهم في طريق عودتهم من الخدمة الى بيوتهم انهم بقوا "عربوشيم" عديمي القيمة بالنسبة للطرف الاخر.

في المقابل فان هذه المأساة المتعددة الاوجه ليست خارج نطاق المسؤولية الجمعية للمواطنين العرب في اسرائيل والتهرب من مواجهتها بطمر الرأس بالرمل لن يفضي الا لتفاقم الظاهرة التي تؤثر في هويتهم وما ازدياد اعداد المنضمين للشرطة الجماهيرية في المدن والقرى العربية مؤخرا سوى مؤشر ونذير بذلك. ودون ان نلتمس اي تبرير او عذر لابناء الطائفة العربية الدرزية الذين يشاركون في ممارسات الاحتلال والقمع في اطار الجيش بحكم كونهم ملزمين قانونيا بالخدمة العسكرية فإن تجند الجنود البدو او غيرهم من العرب في الجيش طوعا هو اكثر مضاضة وان كانت النتيجة واحدة، خسارة مرتين وكفى بالنهاية المذلة لعملاء لحد موعظة مجلجلة.

لذا فان التصدي بحزم ومثابرة لظاهرة المتطوعين والمتجندين العرب في الجيش هو وظيفة المجتمع برمته بواسطة الاحزاب العربية والاطر التعليمية والفعاليات الاهلية والشعبية القادرة على التصدي لمشاريع مصادرة الوعي وفصم اللحم عن العظم وذلك بالعمل المنظم والتعاون فيما بينها لفضح اكذوبة "الامتيازات" لخريجي الجيش ولتجذير الهوية الوطنية للناشئة لا بتكرير شعارات باتت مهترئة. اما التساهل في معالجة ظاهرة تنامي العدد المحدود للمتجندين العرب للاجهزة الامنية او التلعثم في مهاجمتها فيعني استعجال فرض الخدمة الالزامية او شبيهاتها على كل المواطنين العرب بعد عمليات تخدير متتابعة.

Terms used:

اريئيل