حكومة وحدة: المفتاح في يد "الليكود"

يظهر أن الأمور سائرة في وجهة تشكيل حكومة "وحدة وطنية" جديدة في إسرائيل، ترتكز إلى تحالف أحزاب "الليكود" و"العمل" و"شينوي". وعلى رغم أن الانشغال بتحركات المعارضة لحكومة من هذا القبيل، سواء داخل "الليكود" أو داخل "العمل"، يطغى حاليًا على إهتمام وسائل الإعلام والمعلقين في إسرائيل، أزيد من متابعة ما يعدّ له زعيما هذين الحزبين في العلن والخفاء، فان هناك، حتى الآن، شبه إجماع في أوساط هؤلاء كافتهم على عدم تحميل هذه المعارضة أكثر مما تحتمل، إلى ناحية التعويل على قوتها ومقدرتها في الحؤول دون قيام حكومة كهذه في القريب العاجل.

ومن التفاصيل، التي أصبحت في حكم الناجزة، يتبين أن ما يزكّي احتمال تركيب "حكومة وحدة" هو، بالأساس، قرار المحكمة الاسرائيلية العليا أن تجري الانتخابات البرلمانية المقبلة، في حالة استقرار الحكم حتى موعدها القانوني، في 2006 وليس سنة بعد ذلك، نتيجة إشكال دستوري محض، ما يعني استحالة نجاح جهود تشكيل "حكومة وحدة" في أية فترة لاحقة ستكون أكثر قربًا من تلك الإنتخابات وتتميز، على وجه الخصوص، بالتجاذبات بين الأحزاب في المواقف المختلفة، بما في ذلك الموقف حيال الحكومة. زد على ذلك أن النجاح في إقامة "حكومة وحدة" في المدى المنظور يعني، من الباب الواسع، تكريس زعامة اريئيل شارون وشمعون بيريس لحزبيهما، استعدادًا للإنتخابات- جرت في موعدها الذي قررته المحكمة العليا أو مبكرة عنه، لا يهم.

الأمر الواضح، منذ الآن، أن "حكومة وحدة"، في حالة تأليفها، ستكون منهمكة، أكثر شيء، في تهيئة الظروف لتطبيق خطة "فك الارتباط" الشارونية، لاعتبارات عدة. مهما تكن هذه الاعتبارات فإن ما يلفت النظر إعتبارها (الخطة) "المشروع السياسي الملموس الوحيد المطروح على الأجندة (الاسرائيلية) والذي في مقدرته أن يغيّر الواقع الاسرائيلي في صيرورته الناتجة عن حرب الأيام الستة"، على ما تكتب صحيفة "هآرتس"، أمس الاثنين، في مقالها الإفتتاحي، مبدية حماسًا منقطع النظير لأن يقول "العمل" في المفاوضات شبه الرسمية التي انطلقت أمس مع لقاء شارون- بيريس "نعم" مطلقة لشارون، الذي سبق له أن جاهر للمرة الأولى، في نهاية الأسبوع المنصرم، بنيته ضم "العمل" إلى حكومته، التي تمشي منذ الاستفتاء العام في "الليكود" فوق رمال متحركة.

ومع أن كاتب هذا المقال الإفتتاحي يرى أن التطورات المتسلسلة الأخيرة، التي تواترت منذ طرح الخطة الشارونية إياها، وبالذات على صعيد ما أحاق بالليكود نفسه وبسائر الأحزاب التي تقف على يمينه، ترجّح إعتبار "فك الإرتباط" لا أكثر ولا أقل من "إعادة إنتاج لبرنامج حزب "العمل" برئاسة عمرام متسناع، الذي برسمه خاض انتخابات الكنيست الأخيرة في كانون الثاني/ يناير 2003 وفشل"، إلا أنه في العمق يؤكد إنتفاء أي "دور متوقع" لحزب "العمل" في الظروف السائدة، وتحديدًا إذا ما بقي متنائيًا عن سدّة الحكم.

بدهي أنه لا يمكن إسقاط القصدية الشخصية الفاقعة من خلف هذه المقولة، بيد أن الواقع الموضوعي في هذا الحزب لا يحيل، بدوره، إلى استنتاج آخر مغاير بشأن أدائه السياسي العام.

يومًا بعد آخر يتأكد أن هذا الحزب، وأكثر فأكثر في ظل زعامة بيريس، قد ربط نفسه سياسيًا بعجلة "خطة شارون". وتبعًا لذلك فإن الاعتقاد السائد في صفوف غالبية المراقبين، وكذلك في أوساط سائر الأطراف في طيف "اليسار الصهيوني"، هو أن يتمثل أقصى ما يتغيّاه "العمل" البيريسي بعد إنضمامه إلى "حكومة وحدة" في نزع الأحادية عن تلك الخطة، أو على وجه الدقَّة أن يجعل تطبيقها منوطًا ب"فاعلية" شريك فلسطيني، إذا ما أخذنا في الحسبان أن الخطة المذكورة كفّت منذ مدة عن أن تكون أحادية الجانب، بموجب قراءة شارون، عقب إسناد دور فيها لكل من مصر والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مع إستمرار إصرار صاحبها على التجاهل التام للجانب الفلسطيني. وبمقدار ما إن هذا الربط يشي، في إطلاقيته، بفقدان الهوية السياسية لحزب "العمل"، في كيفية ما، فانه كذلك يشي بتخلي هذا الحزب عن الدور المتوخى منه في صفوف المعارضة الاسرائيلية، لا على الصعيد السياسي فقط، وهو ما سبق أن ركزنا عليه باسهاب في أكثر من مناسبة.

والحال راهنًا أنه بعد إعتزال ابراهام بورغ معترك العمل السياسي وبعد مغادرة النائب عمرام متسناع صفوف "جبهة المعارضة" الداخلية للانضمام الى "حكومة وحدة" فان هذه المعارضة باتت منحصرة في ثلاثة- أربعة نواب، فيما الباقون يعدون العدّة لإشغال وظائف وزارية.

في ضوء ذلك، وعلى خلفية ما يحصل من تحركات في المعسكر اليميني الاسرائيلي، فان ما يجدر الالتفات إليه، لدى رصد الاحتمالات المرتبطة بسيرورة "حكومة الوحدة"، هو آفاق تحركات المعارضة لمثل هذه الحكومة في حزب "الليكود"، الذي برهن على أن في مقدوره أن يقول لا لزعيمه، حتى لو كان رئيس حكومة على شاكلة أريئيل شارون.