الســـؤال والصيــــرورة (2من2)

الســـؤال والصيــــرورة (2من2) حــول ســؤال هــوية الفلســطينيين في الـداخــل مــن الـمقتــرب الثقـــافي بقلـم: أنطوان شلحت إن التهديد،الذي يشير إليه الباحث هنا، يكمن مصدره في عوامل الضغط الخارجية التي أتيت على ذكرها سابقًا.

أما التأكيد على استمرارية الثقافة الفلسطينية، الذي يقول به الباحث نفسه عن حقّ، فقد انعكس برأيي في منحيين: الأول- منحى إبراز الانتاج الأدبي والفكري لأعلام الثقافة الفلسطينية قبيل نكبة 1948 ( مثل ابراهيم طوقان، عبد الكريم الكرمي - أبو سلـمى، عبد الرحيم محمود وغيرهم). الثاني- منحى التوكيد، في معرض >التنظير< لخلفيات النتاج الأدبي الفلسطيني داخل >الدولة اليهودية<، على كون هذا النتاج بعد نكبة 1948 هو استمرار (طبيعي) للنتاج الأدبي قبل النكبة. يقول محمود درويش في هذا الشأن تحديدًا: >يخطئ من يعتقد بأن شعرنا وأدبنا هنا قد نشأ من لا شيء.. فنحن الجيل الذي ترسم خطوات من جاء قبله.. وليس شعرنا إلا إمتدادًا لشعر أبي سلـمى وابراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود<. ويضيف توفيق زياد - >شعرنا الثوري هو امتداد لشعر السلف الثوري لأن معركتنا هي إمتداد لـمعركتهم: - نفس الخندق - الـمحبة للأرض والشعب. - نفس العدو - الاستعمار والضاربين بسيفه. - نفس الهدف - التحرر الوطني والإجتماعي. - نفس السلاح - الكلـمة الجريئة. ولكن.. مع اختلاف الظرف التاريخي<. كذلك كان لظهور >حركة الأرض< العربية القومية دور مباشر وهام للغاية في التوكيد على الهوية العربية الفلسطينية للـمواطنين العرب في مناطق 1948. ورغم إخراجها عن إطار >القانون الإسرائيلي< فقد بقيت هذه الحركة رمزًا وذكرى تخلق ديناميكيات وتفاعلات لا يستهان بها في تصعيد الوعي القومي والثقافي وفي الصياغة الخلاقة للهوية في أعمال الوعي الفلسطيني. وهناك باحثون فلسطينيون يعتبرون، بحقّ، >حركة الأرض< أول >مبادرة وطنية فلسطينية تعلن الهوية دون تردد، عبر جميع قطاعات الشعب الفلسطيني أينما تواجدت<. أما الأرضيات الخارجية، التي تفاعلت عليها ومعها الإبداعات الثقافية لفلسطينيي 1948 من حيث وقاية الهوية، فقد انحصرت بدايةً في العروبة وفيما بعد في حركة التحرر الفلسطينية (التي سرعان ما غدت أرضية وحيدة بعد 1967 وما نتج عن هذه السنة من تطورات ومستجدات، كان في صلبها حدوث التواصل بين أبناء الشعب الواحد). وينمذج على ذلك (تأثير العروبة في سيرورة صوغ تمثيلات وقاية الهوية) أنه في ايار 1958 هاجم البوليس الإسرائيلي مظاهرة في الناصرة بمناسبة أول أيار - عيد العمال العالـمي. واشتبك الـمتظاهرون مع رجال البوليس واندفعوا نحوهم وداسوا عليهم. ومنذ ذلك الوقت شاعت أهزوجة لا تزال تتردد أصداؤها حتى يومنا هذا يقول مطلعها: والناصرة ركن الجليل فيك ِالبوليس مدحولي ويحيي قائلها وقفة الشعب الـمصري بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر في مواجهة العدوان الثلاثي في 1956: >أرض العروبة تحررت دايان شيّل وارحل إخواننا في بور سعيد إلهم تاريخ مسجلي لو هبطت سابع سما عن أرضنا ما بنرحل< ثم لا يلبث أن يحيي أيضًا ثورة الجزائر بقيادة أحمد بن بللا: >بن بللا أكبر زعيم التحرر اعتلي يا غرب شو نابك ملعدوان غير الذل والبهدلة<.. üüüü هكذا نصل، إذا ما شئنا اختصار الـمواصفات، إلى السبعينيات والثمانينيات بعد حصول ما يلي من تطورات مفصلية: 1. سطوع الثورة الفلسطينية (حركة التحرر الفلسطينية الوطنية) وتصاعد مسيرتها في الحصول على التأييد العالـمي والعربي. 2. حرب 1967: حملت مدلولات جدلية متناقضة: من جهة احتلال أخضع قطاعات كبيرة من الشعب الفلسطيني (الضفة والقطاع) ومن جهة أخرى أعاد التحام هذه القطاعات مع الفلسطينيين داخل >الدولة اليهودية<. 3. عمليات التنشئة السياسية على الهوية القومية الفلسطينية أصبحت جارفة تقاوم كل تيار مناقض أو حتى أي تيار مختلف معها، بما فتح الـمجال لحدوث تسيس جماهيري شامل انعكس أكثر شيء في >يوم الأرض< (1976) وسائر الايام النضالية. وأصبح في مقدور جلّ الباحثين أن يقرروا ما يلي: >كانت الثورة الفلسطينية بمثابة تتويج للهوية القومية، التي سارت دائمًا في مسارها الأصيل<. وإلى ذلك يزيد أحد الباحثين: هذا التتويج لـم يكن مؤديًا إلى الركود (الإستكانة) بل كان تتويجًا مولدًا ومدفقًا لهذه الهوية، حيث أنه وهبها البعد الـمستقبلي والهدفية في إطار من وحدة الانتماء ووحدة الـمصير رغم تباين الـمواقع والظروف وتغايرها.. وتفتق الوعي الجمعي وأبدع من خلال مبادرات كثيرة لصيانة التراث وإحيائه ولإقامة الـمسرح الوطني وتشجيع الفنون التشكيلية وانتاج وبث ونشر الوعي الفلسطيني الأصيل ورعاية الطفولة والشباب وحمايتهما من الاغتصاب الحضاري والقومي.. الخ. وحسب نظرة عابرة إلى الأبحاث الـميدانية، التي حاولت الغوص على كنه الهوية لدى الفلسطينيين في إسرائيل، أن تدعم الاستنتاج العام الذي ذكرناه وتقرره بشكل لا يقبل الشك. د. مارك تيسلر (1977) وجد أن 85% من الشباب العربي (مسلـمين ومسيحيين ودروزًا) في البلاد أكدوا أن كلـمة >عربي فلسطيني< تعبر عنهم وتعرفهم دون أي تردّد. وعندما حاول الباحث الاستشفاف العكسي، على نمط البحث السيكولوجي الـمعقد والذي يطمح إلى الدقة، سأل سؤالاً مضادًا وهو: >ألا ترى أنه، نظرًا لحاجاتهم الـمختلفة، يمكن تقسيم العرب في إسرائيل إلى مسلـمين ومسيحيين ودروز؟> فأجاب الـمفحوصون بالنفي القاطع بنسبة 82%. والدكتور سامي سموحة توصل إلى نتائج مماثلة لتلك التي توصل إليها تيسلر. وأكدّ بعض الباحثين الفلسطينيين ــ الذين علقوا على بحث تيسلر هذا ــ أن نسبة ال 15% في الحالة الأولى ونسبة ال 18% في الحالة الثانية، وهم الـمترددون في الإجابة، لا يمكن تفسيرها كظاهرة مناقضة لبروز الهوية ووضوحها الناجز، بل من الـمؤكد أنها تعبر عن شكوك ومخاوف بعض الـمفحوصين من هذه الأسئلة، خاصة وأن الباحث غريب عنهم حضاريًا وقوميًا. تتويج الهوية القومية الفلسطينية للعرب في إسرائيل، حسبما أسلفت الاشارة، صحيح أنه لـم يؤد إلى ركود، لكنه حمل في الآن ذاته مدلولات جدلية متناقضة يصعب القول إن نتائجها أصبحت في حكم الناجز. ولهذا سأكتفي بتوسيع دائرة الضوء حول هذه الـمدلولات. إن ما ذكرته سابقًا، في معرض تقييم حصيلة يقظة الوعي القومي لدى العرب في إسرائيل، يراه جلّ الباحثين، حسبما ذكرت ذلك أيضًا، تتويجًا لفلسطنة الوعي باعتباره جزءًا من عملية يقظة وتوقد الوعي القومي الفلسطيني عمومًا. بينما يرى باحثون آخرون أن هذه العملية أشد تعقيدًا ويمكن أن نحدد داخلها سيرورتين متقابلتين لدى العرب في إسرائيل هما: 1. سيرورة أسرلة (تأسرل). 2. سيرورة فلسطنة. ولتوضيح الـمقصود من ذلك لا بدّ عند هذا الحد من الاستعانة بنتائج الأبحاث والدراسات التي أنجزها الدكتور عزمي بشارة في هذا الشأن والتي في الإمكان إيجازها ضمن النقاط الرئيسية التالية (كل نقطة منها تحتاج، بطبيعة الحال، إلى وقفة أكثر تفصيلية): 1. الأسرلة نجمت في البداية نتيجة لإجراءات اغتصاب قسرية (عمليات إكراهية)، غير أنها في ظروف اجتماعية- سياسية معينة يمكن أن تغدو جزءًا لا ينفصل عن الثقافة السائدة خصوصًا عندما لا تصبح ظروف الـمعيشة ظروف ضائقة، وعندما يرتفع مستوى الدخل ومستوى الاستهلاك يصبح >الاغتصاب< أمرًا مرغوبًا في اللاوعي- إن لـم يكن في الوعي التام- ويبقى التمييز العنصري موضوعًا للإحصاءات الصحيحة عن الهوة بين العرب واليهود. هناك فرق بين تمييز يحمل في طياته خطر الـموت جوعًا وبين تمييز يتيح إمكانية العيش في مستوى حياة لائق مقايسة بالـماضي ومقارنة كذلك مع الفلسطينيين في غزة وسائر الـمناطق الـمحتلة. 2. لا تعني الأسرلة أن العرب في إسرائيل أصبحوا إسرائيليين أو تخلوا عن ثقافتهم القومية، بل تعني حصول تغيير في ثقافتهم بصورة تتيح لها شرعية الدخول في الإطار الإسرائيلي- أو بمعنى أدق تشويهها. 3. سيرورة الأسرلة تتواتر، بين الفلسطينيين في إسرائيل، من غير منطق يحكمها.. وعندما يتناقض واقع الـمنطق مع منطق الواقع - يؤكد بشارة - لا مناص من تغيير الـمنطق أو العمل على تغيير الواقع. 4. اختيار الهوية الفلسطينية في معرض الإجابة على استبيان سوسيولوجي، من طرف العرب في إسرائيل، هو وسيلة تسعفهم في الـمحافظة على التوازن النفسي أو الأخلاقي أو في ما يسمى بـ >التعويض الذاتي<، وربما الضميري، جراء الانخراط في حياة إسرائيلية، يجري التعبير عن ذلك من خلال الـمطالبة بالـمساواة الجزئية في دولة إسرائيل التي جرى تشييدها على أنقاض الشعب الفلسطيني. وهذه الوسيلة تتراوح بين مدٍ وجزر إرتباطًا بتطورات الواقع الفلسطيني الخارجي (في الـمناطق الـمحتلة والشتات) مثلاً: حرب لبنان - الانتفاضة. 5. على مستوى العلاقة الداخلية الفلسطينية-الفلسطينية برزت من جهة حقيقة أن مواطنية العرب في إسرائيل تمنحهم حقوقًا وامتيازات أعلى درجات من حقوق وامتيازات فلسطينيي 7691. ومن جهة أخرى هناك بوادر تشي بتبلور سياسة رسمية فلسطينية تميل إلى إضفاء الشرعية على وجهة تأسرل الـمواطن الفلسطيني في إسرائيل، والتي (الوجهة) ينظر إليها باعتبارها وعاء/أداة سياسية ضرورية لخدمة >عملية السلام< التي انطلقت في بداية التسعينيات. 6. طوّر الفلسطينيون في إسرائيل، في الآونة الأخيرة، أربعة أجهزة (وسائل) أساسية للتكيّف مع تناقضات حياتهم الـمذكورة: أ-. التأييد غير الـمشروط للسلام الإسرائيلي-الفلسطيني. ب-. بعث الانتماءات الطائفية على الـمستوى القطري والحمائلية على الـمستوى الـمحلي. ت-. الانخراط في >الحوار الصهيوني< (من خلال الأحزاب الصهيونية). ث-. التبني التدريجي للـمصطلحات والثقافة والعادات الإسرائيلية، من خلال وسائل الإتصال الإسرائيلية الـمختلفة. من شأن تمعن دقيق في جوهر هذه الوسائل الأربع أن يقودنا إلى القول بوجود أزمة هوية في السنوات العشر - الخمس عشرة الأخيرة لدى الفلسطينيين في إسرائيل. وربّ سائل : ما علاقة كل ذلك بالثقافة؟ ويقودنا ذلك إلى السؤال: ما هي الثقافة؟ إذا ما انطلقنا، في معرض الإجابة عن هذا السؤال، من أن الثقافة هي، في أحد جوانبها الرئيسة والأكثر إثارة، مقاربة للواقع- لناحية الـمواجهة أو الـمفارقة- فإننا نقترب كثيرًا من نتيجة علاقة كل ما ذكرناه بالثقافة في حالة الـمجتمع الفلسطيني في مناطق 1948. وعند هذا الحدّ لا بدّ من إعادة الأذهان الى الـمفترض الذي بدأت به هذه الـمداخلة بشأن التناقض بين السياسة وبين الثقافة، لكي أقول وأشدد على أن هذا التناقض ينعكس، ببريق أخّاذ، على منطوق الثقافة السياسية للحزب الشيوعي في إسرائيل. يصعب التحرّر من الإنطباع بأن الثقافة السياسية لهذا الحزب تفارق السيرورات التي أشرت إليها. وهي لا تنفك، حتى الآن، ترفع شعار الـمساواة بشكل سلبي، أي تلك الـمساواة التي تعني تصفية التمييز فحسب ولا شيء غير ذلك. ويمكن القول كذلك إن بعض الثقافة السياسية للفلسطينيين في الخارج بخصوص الفلسطينيين في الداخل لا تزال تفارق السيرورات نفسها نتيجة لرؤية الأسرلة، من طرف عديد تلك الأوساط، أداة سياسية ضرورتها في الوقت الراهن تكمن في خدمة >عملية السلام< فحسب، ولا شيء غير ذلك. ولذا فقد تمثّل الاستنتاج الـمطلوب مما تقدّم في أنه يتعين على الثقافة السياسية للفلسطينيين في الداخل أن ترتقي درجات نحو التشخيص ونحو الاستحصال على حد سواء، فيما هو متعلّق بسؤال هوية الفلسطينيين في مناطق 1948. وفي واقع الأمر كان مثل هذا الارتقاء محايثًا لظهور حزب >التجمع الوطني الديمقراطي< وتحوله إلى تيار قومي مركزي في الحركة الوطنية، وذلك ضمن خط متصاعد ومتنام، حسبما أثبتت ذلك أيضا التطورات الأكثر جدة الـمرتبطة بالانتفاضة الثانية (انتفاضة القدس والأقصى) وبالإنتخابات الإسرائيلية البرلـمانية الأخيرة. وتأتّى هذا الأمر عن طريق أخذ >التجمع الوطني الديمقراطي< في الاعتبار، تشخيصًا واستحصالاً، الأمور التالية: 1. تسوية الـمسألة القومية الفلسطينية، في إطار حل >دولتين للشعبين<، لن تؤدي إلى حلّ مشكلة هوية العرب الفلسطينيين في إسرائيل. 2. >الأسرلة< لا تعدّ خيارًا واقعيًا بالنسبة لهؤلاء العرب. ومهما تكن الأسباب الواقفة خلف ذلك فإن سببين منها لهما وقع خاص: أ-. >الأسرلة< لا تنطوي على حلٍّ للـمشاكل الـمتعلقة بهؤلاء العرب بنتيجة الـمسألة الفلسطينية. ب-. إسرائيل ليست دولة للإسرائيليين وإنما دولة لليهود. ومن هذا الـمنظور تعني الأسرلة دفع العرب، دفعًا أبديًا، نحو هامش الـمجتمع الإسرائيلي. 3. حلّ مشكلة العرب في إسرائيل (بما في ذلك سؤال الهوية) ممكن في إطار واحد من خيارين (لا ثالث لهما): أ. دولة ثنائية القومية. ب. الاعتراف بهم كأقلية قومية في دولة تعرّف نفسها بأنها دولة لجميع الـمواطنين فيها. üüüü ثمة مقولة تذهب إلى أن عملية إكتشاف الذات تبدأ عندما يحدّق الـماضي فينا. وهي مقولة تنسحب، بقدر كبير، على حالة الـمجتمع الفلسطيني في مناطق 1948. ومن هنا تأتي أهمية الوعي القومي والذاكرة الجماعية في الـممارسة الثقافية. وهذان العنصران قائمان، في رأيي، ضمن نظام من التخزين الـمتضمّن. ويتأكد اليوم أن التهويد الجغرافي لفلسطين رغم عنفه ومنهجيته الصارمة لـم يقدر على محو الأسماء القديمة، الأصيلة. فهذه الأسماء بقيت مخزونة كنظام متضمّن في الذاكرة الجماعية البعيدة الـمدى للبقية الباقية من الفلسطينيين في إسرائيل. وعندما تبدلت الحال وتغيّر الظرف استلّت هذه الأسماء من الـمجال الـمتضمّن وأعيدت إلى الصدارة باعتبارها مخزون ذاكرة قريبة الـمدى، ويجري دمجها من جديد في الـمناخ الذهني للناس. لهذا هناك أهمية كبيرة لا تزال معوّلة على الثقافة في مواصلة تشييد الذاكرة الجماعية الوطنية الفلسطينية، شأن ما كانت عليه الحال من قبل أيضًا، في دلالة وعي الـمكان. أما أزمة الهوية، التي يعاني منها الفلسطينيون في إسرائيل، فهي أزمة تخصّهم وتخصّ الشعب الفلسطيني. ولا علاقة لها بأزمة الهوية الإسرائيلية - تلك الهوية التي شبهها كاتب إسرائيل ما بأنها >محمية هندية آخذة في التقلّص<. وأضاف هذا الكاتب (عاموس كينان): >رفعت الصهيونية شعارًا اتسم بالغباء: شعب بلا ارض إلى أرض بلا شعب، بينما كانت الحقيقة القاسية مغايرة لذلك تمامًا. والذي لا يصدق يكفيه أن يطلّ على الانتفاضة من أعالي (جبل نبو) للتاريخ الجديد: الفلسطينيون هم شعب لا أرض له. للإسرائيليين ثمة أرض ولا شعب. الشعب هو هوية. الشعب الذي لديه أرض هو شعب له هوية وله أيضًا بطاقة هوية. الفلسطينيون لديهم هوية وليست لديهم بطاقة. الإسرائيليون لديهم بطاقة وليست لديهم هوية<. ويبرز ما يقوله كينان فيما أكده مؤرخ يهودي ما، أخيرًا، بأن >مظاهر الكمد< التي لازمت الاحتفالات باليوبيل الخمسين لاستقلال إسرائيل تعكس صراعًا متوترًا بين الأجيال: بين الأجيال التي تتذكر إقامة الدولة باعتبار ذلك جزءًا من بيوغرافيتها، وبين الأجيال التي ترى في ذلك جزءًا من تاريخ انقضى... ولذلك فإنهم يستصعبون الاحتفال بصوت واحد! أما بالنسبة لنا فليست نكبة 1948 تاريخًا انقضى. والعودة الـمستمرة إليها، من جانب الثقافة، تظل مرتكز الرفض الحاضر، ومنطلق استشراف الـمستقبل، الذي لا يمكن لهذا التاريخ إلا أن يشكل آصرة عضوية في مجرى الإنطلاق نحوه. (ü) فصل من كتاب >عزمي بشارة - القضية والـمحاكمة< الصادر حديثاً عن منشورات >قدمس< (بيروت/دمشق) من إعداد د. زياد منى.

Terms used:

الصهيونية