عن شارون والعرب في الداخل

عن شارون والعرب في الداخل بقلم: أحمد أبو حسين طلب شارون، مؤخرا، من مساعديه فحص امكانية ضم مناطق عربية داخل الخط الاخضر لمناطق السلطة الفلسطينية وعرض ماهية الوضعية القانونية في هذه الحالة للمواطنين العرب داخل الدولة العبرية. وسرعان ما تحول تصريح شارون الى فقاعة اعلامية يتناولها الفلسطينيون داخل بيوتهم وفي الشارع والاعلام المحلي والعربي بالارتباط مع السؤال الذي تعوّد الباحثون الاسرائيليون أن يضعوه في استمارات البحث حول >السلوك السياسي للمواطنين العرب في اسرائيل<، وهو أين تفضل ان تسكن، في الدولة الفلسطينية العتيدة التي ستقام في المناطق التي احتلتها اسرائيل العام 1967 أم البقاء في اسرائيل؟.

أذكر ان هذا السؤال طالما وضع في استمارات الاكاديمية الاسرائيلية منذ حوالي ثلاثة عقود، وهي تتابع بقلق مسألة تعميق الهوية الوطنية والقومية في اوساط المواطنين الفلسطينيين، خاصة بعد صعود نجم منظمة التحرير الفلسطينية . وازاء هذا التصريح العنصري راح العرب يتحدثون حول مشروع >تبادل المناطق والسكان< بل ذهبوا الى ابعد من ذلك خلال >مناقشاتهم<، بالقول ان هناك اتفاقا مع السلطة الفلسطينية منذ كامب ديفيد حول هذا الموضوع وان في جعبة شارون خطة لترحيل العرب. وبدأ النقاش بين الناس العاديين حول العيش في >سلطة لا تنعم بالديمقراطية< ام البقاء تحت رحمة دولة ليست دولتهم. النقاش العادي بين الناس البسطاء حمل تخوفات من المستقبل المجهول حول مصيرهم ومصير اراضيهم المصادرة، فمنهم من قال: ارجعوا لي ارضي وليست عندي مشكلة بأن نكون داخل مناطق نفوذ السلطة الفلسطينية، ومنهم من يرفض الفكرة لتعلقه بالحداثة الاسرائيلية رغم معرفته انه يعيش على هامشها وفتاتها. ولا اخفي عليكم ان بعض القوى السياسية الفاعلة في اوساط العرب في الداخل قد استعجلت في ردها على تصريح شارون وتعاملت معه بشعارات كشفت فيها عن >المأزق السياسي< الذي تعيشه هذه القوى وتكون بذلك قد ساهمت في ردة حركة الهوية والانتماء عند العرب في الداخل والعودة الى عملية الأسرلة التي أخذت تتصاعد بعد أوسلو. لم تتعامل هذه القوى مع هذه التصريحات كأنها اختيار بين الانتماء للشعب الفلسطيني أو الولاء للدولة العبرية، وتناست ان قصد شارون في الاساس هو امتحان لفحص ولاءالعرب للدولة اليهودية. ولو افترضنا ان هذه الخطة قابلة للتنفيذ بشكل تتحول معه حدود الدولة الفلسطينية فمن المؤكد ان اهالي ام الفحم والمثلث لن يخرجوا الى الشوارع يطالبون اسرائيل بأن >تأخذهم عندها< . نحن نعرف ان شارون اصلا لن يتنازل عن مناطق 1967 ليمنح السلطة الفلسطينية اراضي احتلت في العام 1948، ونعرف في الوقت نفسه انه طالما راودت شارون فكرة كيفية التخلص من العرب، وان المجتمع الاسرائيلي بأغلبيته يفضل دولة يهودية خالصة وخالية من العرب، حتى ان المؤرخ >الجديد< بيني موريس صاحب كتاب >تصحيح خطأ< والذي كشف فيه عن مخططات الترحيل ارتد وصرح مؤخرا بأن خطأ الدولة اليهودية يكمن في عدم التخلص من العرب وانه لا يسقط الامر من الحسابات في المستقبل عندما يكون هناك تهديد عملي وفعلي . دون شك هناك هاجس حيال ما يسمى >القنبلة العربية الديمغرافية< وهناك ابحاث ودراسات تصل حد >التخريف< في الاقتراحات والسبل لمواجهتها مثل تجنيد الارحام. وقبل اكثر من سنة أجرى البروفسور سيرجيو دي بيرغولا، من الجامعة العبرية، بحثا توقع فيه اكثرية عربية بين الاردن والبحر في العام 2010، اما ارنون سوفيرمن جامعة حيفا فيتوقع أكثرية عربية في العام 2020، وصرح د. باروخ ليفي خبير السياسة الاجتماعية لهآرتس (اوائل تشرين الثاني 2002) بأنه >توجد نية عندنا لمحاربة الولادة العربية ولكن ليست لدينا نية لتشجيعها<. وهذا الهاجس الديمغرافي للحفاظ على هوية الدولة العبرية ما زال يقلق اصحاب القرار السياسي واحتل مساحة كبيرة في مؤتمر هرتسليا الاخير. ونذكر في هذا الصدد ان دافيد بن غوريون، أول رئيس لحكومة اسرائيل، قال في كتابه >نحو المستقبل< اصدار >عام عوفيد< العام 1969 >ان مشكلة الولادة في اسرائيل ليست مشكلة كل مواطنيها، انما هي مشكلة الييشوف فقط. لذلك لا يمكن للحكومة ان تحل المشكلة. في دولة اسرائيل توجد مساواة في الحقوق لكافة المواطنين، لكن هذه الدولة يهودية مثلما كتب في وثيقة الاستقلال. فقط في موضوع الهجرة يميز القانون بين اليهود وغير اليهود. وإذا اهتمت الحكومة بتشجيع الولادة عن طريق مساعدة العائلات كثيرة الأولاد فستذهب المساعدة للعائلات العربية، المطلوب ان يتابع ويعالج موضوع تشجيع الولادة، ادارة الوكالة اليهودية او منظمة يهودية خاصة بهذا الأمر<. وفعلا تشكلت في حينه جمعية تشجيع الولادة في اوساط اليهود وعادت في سنة 1967 الى العمل تحت اسم >المجلس الديمغرافي< برعاية وزارة الرفاه الاجتماعي ومن وظيفتها محاربة الاجهاض وتحسين صورة العائلة كثيرة الاولاد . اذا القنبلة العربية الديمغرافية ادخلت المؤسسة الاسرائيلية الرسمية في مأزق تعدى قضية مواجهة العرب فقط، بل يجب عليها مواجهة تناقضات داخلية في بنية الدولة. وإذا عدنا الى ما قاله بن غوريون فهو يعيش تناقضا مع علمانيته من جهة ومع عنصريته من جهة اخرى . وشارون هو من مدرسة بن غوريون العمالية، والاثنان لهما صلة بموضوع الترانسفير والديموغرافية وان كان شارون لا يستطيع الآن تنفيذ مخططاته أو ما يجول في خياله بحكم المعطيات الدولية والوضعية القانونية للمواطنين العرب في دولة تعتبرهم >مواطنين متساوين<. وكي لا نقع في الفخ فإن القنبلة الديمغرافية المستقبلية والمقلقة ليست الدافع الرئيسي للتصريحات الترانسفيرية ضد الفلسطينيين في الداخل، ولا ادعاء >تبادل المناطق< ومنح مناطق عربية احتلت في العام 1948 لصالح مناطق السلطة الفلسطينية، ما يكمن وراء هذه التخوفات والتهديدات هو وضع علامة سؤال على مواطنة العرب التي قبلوا بها بعد النكبة، وفحص ولاء العرب السياسي للدولة العبرية، هذا هو الموضوع الاساس. لقد تحدث شارون في خطابه الاخير في الكنيست عن >الخدمة الوطنية< للعرب، وهي الحلول التي يمكن تنفيذها تحت وطأة التهديد بالترانسفير او الضم لمناطق السلطة الفلسطينية، وعندها ستغلق المؤسسة الاسرائيلية ملف مسؤوليتها حسب اعتقادها عن الاضطهاد القومي وسلب حقوق المواطن الاساسية. المشكلة الديمغرافية وتمسك المواطنين العرب بهويتهم القومية والوطنية وتصاعد دور التيار القومي الديمقراطي في اوساطهم تضع المؤسسة الاسرائيلية في مأزق تحاول أن تخرج منه فقط من خلال التخويف بالترانسفير وضرورة تأكيد الولاء العلني لاسرائيل وفرض >الخدمة الوطنية الاسرائيلية< عليهم، ولذلك نرى المؤسسة الاسرائيلية الرسمية والامنية ومعها الاعلام تشجع كل محاولات الاسرلة والتذيل والالحاق . فالصحف الاسرائيلية مليئة بالتحريض والحث على ملاحقة الحركة الوطنية. وتطرح الحركة الوطنية، من خلال لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل، ضرورة اعادة بناء اللجنة وصياغة برنامج عملي لتنظيم الاقلية العربية الفلسطينية لمواجهة مخططات التهميش والاسرلة. دون هذا المشروع سيتحول >أصحاب البلد الاصليين< الى عائلات وطوائف كما يريد شارون.