ايهود باراك عائد الى حزب "العمل"... أم الى خيبة الأمل

*يتوقع المراقبون ان يحسم باراك أمره في منتصف الشهر القادم، او ابعد بقليل، للتنافس على زعامة "العمل" *لن يجد حصانا ابيض يحمله، بل سدا منيعا من قادة الحزب *العقبة الاساسية امام باراك هو شمعون بيريس، وإذا اصر الأخير على المضي قدمًا فقد يكون مصير باراك كمصير بنيامين نتنياهو*

حين أعلن رئيس الحكومة الاسرائيلي السابق ايهود باراك اعتزاله الحياة السياسية، كان واضحا ان اعتزاله هو لفترة محدودة وعودته قريبة، ولم يكن بالامكان تحديد الموعد، ولكن يمكن اعتبار فترة ثلاث سنوات ونصف السنة فترة قليلة في الحياة السياسية.

ولقد المح ايهود باراك في الاسابيع الأخيرة إلى أنه سيقرر بعد الاعياد اليهودية، اي في منتصف الشهر القادم، في مسألة تنافسه على زعامة حزب "العمل"، ولكنه قد يتأخر قليلا، لأنه سيحتاج الى فحص عدة عوامل، وأهمها بالنسبة له، من سيواجه في المنافسة على زعامة الحزب، وايضا ما إذا سيحاول حزب "العمل" من جديد الدخول الى حكومة أريئيل شارون، وحسب اعتبارات موازين القوى فإن انضمام "العمل" لحكومة شارون سيكون سببا في تأخير خطوته، لأن المنافسة على زعامة الحزب قد تتأخر. ولهذا فإن باراك هاجم قادة "العمل" لمفاوضتهم حكومة شارون حول الانضمام اليها، ومما قاله في هذا الشأن "إن العمل يزحف على بطنه الى حكومة شارون"، ثم قال فيما بعد ان على حزب "العمل" ان يدعم حكومة شارون فقط في مسألة الانسحاب من قطاع غزة، وإذا كان لا بد من الانضمام الى الحكومة فليكن ذلك لمدة ثلاثة اشهر الى حين انهاء الانسحاب، ومن ثم التوجه مباشرة الى انتخابات برلمانية جديدة. وهنا يجب التأكيد على ان موقف باراك من مسألة "حكومة الوحدة" ليس مبدئيا وانما مرتبط بحسابات عودته الى قيادة الحزب.

وبالنسبة لمن سيواجه، فإن ايهود باراك يعتبر، وهذه حقيقة، ان أخطر منافسة بالنسبة له إذا كان امامه شمعون بيريس، وكما أعلن سابقا فإن بيريس عازم على هذه الخطوة.

هناك تشابه كبير بين مسيرة باراك، وسلفه في رئاسة الحكومة بنيامين نتنياهو، فكلاهما ظهر فجأة في الصف الأول للمستوى السياسي للدولة، وكلاهما اضطر لمغادرة الحلبة بهزيمة نكراء، وسط غضب شعبي واسع عليهما، وكلاهما هرب الى خارج البلاد بحثا عن مستقبل جديد، وبشكل خاص في مجال القاء المحاضرات، وايضا الاستشارات الاقتصادية والاستراتيجية، وكلاهما اعتبر ان الرئيس ياسر عرفات هو السبب في سقوطهما، وحتى على الصعيد الاجتماعي فقد اغلق باراك حلقة التشابه باعلان طلاقه من شريكة حياته بعد 30 عاما، وعاد الى "الحبيب الاول" منذ المقاعد الدراسية.

سد منيع في وجه باراك

كما ذكرنا في العدد الماضي من "المشهد الاسرائيلي" فإن الأزمة التي يواجهها حزب "العمل" هي أزمة قيادة، وفقدان الحزب لشخصية جذابة من قبل الجمهور لتقوده في المعارك الانتخابية، وهذا ما يضع شمعون بيريس في مقدمة المتنافسين على زعامة الحزب على الرغم من تقدمه في العمر (81 عاما).

وللتذكير ايضا، فإن جميع المتنافسين على زعامة الحزب، مثل متان فلنائي وبنيامين بن اليعيزر وإفرايم سنيه وابراهام شوحط وغيرهم اتفقوا في ما بينهم على مواجهة بيريس، وقرروا العمل بشكل مشترك لمنعه من التنافس، وقد لا ينجحون.

ولكن، وكما يظهر من الصورة المعروضة في الحزب حتى الآن، فإن معارضي بيريس يتحدون معه من أجل منع عودة ايهود باراك، وهم يدعون ان ايهود باراك اساء بنهجه للحزب، خلال ولايته في زعامة الحزب ورئاسة الحكومة، ويتهمونه بضعضعة الحزب وهزيمته النكراء في معركتي الانتخابات الأخيرتين، في العام 2001 لرئاسة الحكومة، وفي العام 2003 للكنيست.

ولكن سبب هزيمة الحزب في انتخابات 2003 لم يكن باراك بل قادة الحزب الحاليين الذي اصروا على الانضمام لحكومة اريئيل شارون الأولى، وتطبيق سياسته خاصة في مجال العسكرة والاحتلال وذبح الشعب الفلسطيني.

والسبب الرئيسي لهذه الوحدة بين المتصارعين ضد باراك، هو ان باراك يشكل خطرا جديا على جميع المتنافسين باستثناء شمعون بيريس، اما بيريس فإنه يعارض باراك لانه كعادته لا يحبذ وجود شخصية قوية الى جانبه في الحزب قد تهدد موقعه.

يكثر ايهود باراك من مشاوراته مع شخصيات بارزة في حزب "العمل"، وحتى هناك من بينهم من انضموا لمعارضيه، ومشاورات باراك تشمل شخصيات في الحزب، وايضا عددا من كبار اصحاب رؤوس الاموال، الذين يحتاجهم في اية منافسة قد يدخلها.

"مواعظ" باراك السياسية

عرف عن ايهود خلال توليه مناصبه السياسية والحزبية على مدى خمس سنوات انه سريع التقلبات في مواقفه، فمثلا مسألة تأييده لاقامة دولة فلسطينية في برنامج حزب "العمل" حسمها في اللحظة الأخيرة نسبيا، وبعد ان تبين له ان معسكر الحمائم يربط دعمه له في هذه الناحية.

وفي العامين الاخيرين، وبعد صمت طويل فرضه على نفسه، حين نطق لأول مرة نطق بما هو أكثر يمينية من اريئيل شارون نفسه، وانضم كسلفه الى الهجوم على الرئيس عرفات والمطالبة "بابعاده" عن الواجهة السياسية. وفي الآونة الأخيرة يبدي باراك تراجعا عن هذه المواقف بأنه لم يعد يكررها، وحسب المقربين منه فإنه عاد ليقول انه في حال عودته الى زعامة الحزب، ومن ثم الى رئاسة الحكومة فسيكون مستعدا للعودة الى مسار كامب ديفيد وخطة كلينتون. وإذا ما قرر باراك حقا العودة فقد نسمع منه الكثير، ولكن ايضا الكثير من التناقضات.

من الخطأ القول ان عودة باراك مستحيلة، ولكنها صعبة، فهو لن جد حصانا ابيض في الحزب، ولكن بامكان الاعلام الاسرائيلي ان يخلق له هذا الحصان في الشارع ليدفع به الى قيادة الحزب، وفي ظل العواصف التي تشهدها الخارطة الحزبية في اسرائيل فإن كل شيء وارد.

حتى الآن نتائج الاستطلاعات في حزب "العمل" لا تحمل بشائر لباراك، ولكن الصورة قد تتغير حين يعلن ذلك بوضوح، ويبدأ في الظهور على المنابر الحزبية والسياسية، وليس فقط القواعد قد تتغير، بل ان باراك قد ينجح في إحداث تصدعات في السد المنيع الذي يواجهه في الحزب، ويجذب اليه شخصيات بارزة تساعده على تجاوز الصعاب.

وفي المحصلة يعرف ايهود باراك انه قد يكون عليه القبول الوصول الى سدة الزعامة على مرحلتين، أولا التنافس بقوة والحصول على المرتبة الثانية بعد شمعون بيريس، وهذا ما سيضمن له منصبا رفيعا باعتباره الشخص الثاني في الحزب، ومن ثم استعادة قوته للتنافس على رئاسة الحزب، تماما كما جرى ويجري مع نتنياهو حتى الآن.