مفاوضات الوحدة لن تقود إلا إلى حكومة يمينية جديدة

بدأت يوم أمس، الأحد 18/7، المباحثات الرسمية بين الليكود والعمل لتشكيل حكومة وحدة. وفي الوقت نفسه شرع رئيس الحكومة الاسرائيلية اريئيل شارون بمحاولة توسيع حكومته من خلال السعي لضم يهدوت هتوراه أو تغيير بنية هذه الحكومة من خلال إبعاد شينوي وضم شاس بدلا منها. وثمة حديث هنا وهناك يدور حول "مؤامرة" بين شارون وشمعون بيريس لتشكيل حكومة تضم، إضافة الى الليكود والعمل، كلاً من شاس ويهدوت هتوراه.


والواقع ان التقديرات الشائعة في اسرائيل تتحدث عن انه، بقدر ما يمكن القول ان كل الاحتمالات مفتوحة، يمكن ايضا القول ان جميع الابواب موصدة. وهكذا، بمعنى ما، يمكن الجزم بأن كل ما سوف ينتج عن المفاوضات سيشكل مفاجأة. ولن تكون هذه المفاجأة في جوهرها إلا قدرة أريئيل شارون على البقاء. فالمعطيات التي دفعته للبحث في تشكيل حكومة وحدة أو توسيع حكومته الراهنة، هي ذاتها المعطيات التي تدفع نحو سقوطه.
فمشكلة شارون لا تكمن في أي شيء سوى في قيادته لليكود. وان نجح شارون في التصالح مع نفسه وحزبه، فإنه في الحقيقة لا يستطيع السيطرة سوى على نصف قوة هذا الحزب. ومن الوجهة العملية ظل شارون زعيما لليكود لان النصف الآخر لم يحسم بعد أمر إسقاطه. وعندما لا يتصالح شارون مع حزبه، فإنه لا يجد ان جميع أعضاء الكنيست من النصف الآخر يقفون الى جانبه.
وهكذا يمكن القول ان مشكلة شارون مع الحكومة وتوسيعها هي ذاتها مشكلته مع خطة الفصل وتنفيذها، فالشارع الاسرائيلي يؤيد تشكيل حكومة علمانية تضم الليكود والعمل وشينوي. والشارع الاسرائيلي يؤيد ايضا خطة الفصل. ولكن الليكود الذي يملك ثلث مقاعد الكنيست يرفض رسميا خطة الفصل، ويرفض عمليا الحكومة العلمانية. وأريئيل شارون، رغم ذلك، يبني سياسته على أساس تنفيذ خطة الفصل. ولكن شارون نفسه الذي يدرك ان الساعة الحزبية تختلف عن الساعة السياسية، اضطر للاعلان ان أي ائتلاف جديد سوف يشمل ضم حزب حريدي على الاقل للحكومة. وهو حتى الآن، لأسباب تتعلق بالموقف الاميركي، لم يعلن تراجعه عن خطة الفصل أو جدولها الزمني، رغم إقرار العديد من الجهات الاسرائيلية بعدم قابلية الامر للتحقيق في المواعيد المحددة.
وأيا يكن الحال، فإن كثيرين بنوا سياستهم على أساس قدرة شارون على تنفيذ خطة الفصل. وكثيرون يبنون الآن سياستهم على أساس قدرة شارون على إقامة حكومة وحدة مع حزب العمل. غير ان المعطيات على الارض تناقض كل ذلك. وليس في اسرائيل من هو على استعداد للمجازفة والرهان على حكومة الوحدة. واذا كان شارون سيبقى في الحكم، فإن الخيار الاكثر عملية بالنسبة اليه هو محاولة الاقتراب من المزاج العام في الليكود وتشكيل حكومة مع الحريديم واليمين، وليس مع العمل أو شينوي.
وحينها سيبدو ان الأجندة الحزبية غلبت الاجندة السياسية، وان الحديث عن خطة الفصل، هو في أفضل الاحوال حديث عن الحد الادنى: ليس انسحابا من قطاع غزة، وإنما إخلاء للمستوطنات المعزولة. وثمة في الليكود من يعتقد ان خطوة كهذه ستكون بالغة الصعوبة وربما تحتاج الى تشكيلة حكومية اخرى.
وبنظرة الى ما يحدث اليوم في الساحة الاسرائيلية، نجد ان حوالي نصف أعضاء الكنيست من الليكود تعاهدوا على منع تشكيل حكومة مع حزب العمل بهدف الحيلولة دون تنفيذ خطة الفصل. وهؤلاء سيعارضون تنفيذ هذه الخطة ايضا ان لم يكن العمل في الحكومة. وحركة شينوي أعلنت انه لا ينبغي لشارون ان يركن الى انها ستؤيد خطة الفصل ان كانت خارج الحكومة. ورغم الاشارات الصادرة عن شاس ويهدوت هتوراه بإمكانية تأييد خطة الفصل في حال إخراج شينوي من الحكومة، إلا ان أحدا لا يستطيع ضمان ذلك.
ومن جهة اخرى، وبعيدا عن الحقائب الوزارية، هناك إصرار من جانب قادة الليكود على عدم إحداث أي تغيير في البرنامج السياسي للحكومة. ولكن شمعون بيريس يصر من جانبه على ان دخول حزب العمل الى حكومة شارون يستدعي تغيير الخطوط الاساسية لها.
ومن الوجهة العملية، هناك رغبة عارمة لدى شارون للائتلاف مع حزب العمل. فمن شأن ذلك تعزيز مكانته الداخلية في الليكود. ولكن ليس كل ما يرغب فيه شارون ممكن التحقيق، بل ان عدم قدرة شارون على تحقيق ما يريد في الليكود دفعت عددا من المعقلين للكتابة عن "الكرة التي تلعب بشارون", وعموما كتبت حنه كيم في "هآرتس" ان فرصة إقامة حكومة وحدة ليست كبيرة وانه "ليس شارون من يلعب بأربع كرات (شينوي، العمل، شاس ويهدوت هتوراه) وليس من يقرر الامساك بأي منها، وانما الكرات الاربع هي التي تلعب به. بل ان الكرة التي يبدو ان شارون شديد الحماسة لها (حزب العمل) ليست بين يديه: اذ سيتعذر على أعضاء مركز حزب العمل التصويت للجلوس في حكومة مع شاس ويهدوت هتوراه من دون شينوي".

ولذلك أعلن حزب العمل في ظل خلافات متزايدة مع الليكود انه "ليس في جيب أحد". وقد جاء ذلك بعد ان رفض شارون البحث في تغيير الخطوط الاساسية للحكومة.
وفي ظل هذه الحال، هناك في اسرائيل من يعتقد ان الوضع السياسي في إسرائيل ليس أكثر وضوحا من الوضع الامني في قطاع غزة.