هل هي عودة أخرى إلى دائرة مفرغة؟

يعيش أريئيل شارون سياسيا، حسب كل التعليقات الإسرائيلية، على زمن مستقطع. وقد شعر، هو وأنصاره بالراحة، لفشل مشروع قانون لتقديم موعد الانتخابات. ومن الوجهة العملية يعني ذلك حصوله على فترة ستة أشهر راحة من أية مشاريع كهذه. ورغم أن هذا لا يحول دون إسقاط الحكومة على أسس أخرى، فإن من الواضح أن هذه المهلة تركت لدى شارون وأنصاره ارتياحا في التعاطي مع القضية الأخرى الأكثر إلحاحاً: حكومة الوحدة الوطنية مع حزب "العمل".


وقد بات واضحا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن خطوات شارون كانت منسقة بشكل يربط كل جانب بآخر من أجل خدمة غرض ثالث. وهكذا، فإن رئيس الحكومة وجد نفسه محاصرا بالقضايا الجنائية المثارة ضده حول الفساد، أدرك أن رفاقه وآل بيته في الليكود لن يكونوا نصيره الحقيقي. فعمل على إحداث تغيير يجتذب إليه أناسا أكثر مما يبعد عنه أنصارا. وهكذا تبنى، بشكل أو بآخر، خطة حزب العمل للفصل عن غزة. وفورا حظي بتأييد أميركي ودولي، والأهم حظي بدعم اليسار الإسرائيلي أو على الأقل بعض أجزائه.
وكان يأمل أن تثير هذه الخطوة تعاطفا شعبيا يشكل حوله نوعا من الحصانة في مواجهة القضاء، ونوعا من الحماية في مواجهة رفاق الطريق في الليكود. ويمكن القول إنه حقق نصرا كبيرا على هذا الصعيد. فقد وقفت أغلبية كبيرة من الإسرائيليين الى جانبه. وسارع حزب "العمل" الى تشجيع الفكرة من خلال إقناع نفسه بأن شارون ينفذ فعلا سياسة حزب "العمل"، وأن هناك فرصة لأن يقدم زعيم اليمين على تفكيك مستوطنات.

وبدا، حتى في نظر العديد من زعماء حزب "العمل"، أن شمعون بيريس ومعه كثير من القادة "يزحفون" لدخول حكومة شارون لاعتبارات كثيرة. وللوهلة الأولى أشاع بعض قادة حزب "العمل" بأن هناك نوعا من الاتفاق حول طبيعة حكومة الوحدة المقبلة. غير أن معطيات الواقع أشارت الى خلاف ذلك. فثمة صراع كبير داخل كل من "الليكود" و"العمل" حول هذه الحكومة.
وإذا كان المبرر الأساس لدى كل من شارون وبيريس لتشكيل حكومة الوحدة هو تنفيذ خطة الفصل، فإن المبررات لدى المعارضين لا تقف عند هذا الحد. فالمعارضون الإيديولوجيون من الطرفين يرفضون حكومة الوحدة لأنها ستقود الى شلل الحكم ولن تجلب لإسرائيل شيئاً يزيد عما جلبته الحكومة السابقة. ولكن المعارضين السياسيين يحملون من المبررات الكثير الذي يجمع الإيديولوجي بالسياسي بالشخصي. وبين أبرز مبررات هؤلاء، ما يرفضون الإفصاح عنه، وهو الجانب الشخصي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحقائب الوزارية المطلوب إشغالها من جانب حزب "العمل" والتي يرفض بعض قادة "الليكود" التخلي عنها، مثل وزارتي الخارجية والمالية وربما وزارة الدفاع.
ومن الجائز أن جملة هذه المبررات في الحزبين دفعت كلاً من شارون وبيريس الى التريث. وهكذا صار الخبز اليومي للصحافة الإسرائيلية الحديث المتواصل عن العقبات التي تعترض طريق حكومة الوحدة. فأريئيل شارون يتريث في البدء بمفاوضات مع "العمل" حتى يهدأ غبار معركة إقرار خطة الفصل في الحكومة، والى أن تستقر أوضاع "المفدال". وهو لا يريد البدء بمفاوضات مع حزب "العمل" من دون أن يعلم النتيجة، ليس فقط في موقف حزب "العمل" وإنما كذلك في مقدار تقبل "الليكود" و"المفدال" لحكومة الوحدة.
وكما هو معروف، فإن هناك اليوم ما لا يقل عن ثلث أعضاء الكنيست من الليكود يعارضون علنا حكومة الوحدة. وهناك أيضا النسبة ذاتها من أعضاء الكنيست من حزب العمل ممن يرفضون حكومة الوحدة. وهذا يعني أن حكومة الوحدة، إن اقتصرت على أغلبية أعضاء الليكود والعمل وكل أعضاء شينوي، لن تستطيع الحصول على أغلبية في الكنيست. ومن الوجهة العملية يعني ذلك الشروع بخطوة تقود الى إسقاط الحكومة من دون أن توفر لها أية بدائل.
وربما أن التحذيرات التي أطلقها مؤخرا كل من وزيري المالية والخارجية بنيامين نتنياهو وسيلفان شالوم ضد حكومة الوحدة، سواء لأسباب سياسية أو اقتصادية أو شخصية، جاءت لتوضح لشارون حدود حركته على هذا الصعيد. كما أن التحذيرات التي صدرت عن كل من أبراهام بورغ ويولي تمير وأوفير بينيس وآخرين من حزب العمل جاءت لتقيد شمعون بيريس.
ولا ريب بأن هذه التحذيرات صارت تترك أثرها. وهكذا أقدم شمعون بيريس مؤخرا ليس فقط على إنكار وجود مفاوضات لدخول حكومة الوحدة أو "الزحف" نحوها، وإنما الى عرض شروط تزيد الأمر تعقيدا بالنسبة لشارون. فقد طالب في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" بوضع جدول زمني للانسحاب في إطار خطة مشتركة للسلام الذي لن يتم إلا في إطار التضامن مع الفلسطينيين. وتنسف هذه الشروط جميع الأسس التي استندت إليها خطة شارون التي تتجنب الجداول الزمنية وترفض الشمولية أو التفاوض مع الفلسطينيين. وأوحى بيريس أن حزبه يعتبر "السياسة قبل الحقائب".
ويركز قادة حزب العمل المعارضون الانضمام الى حكومة الوحدة على السياسة الاقتصادية التي ينتهجها بنيامين نتنياهو والرامية الى تحطيم النقابات العمالية. ولكن نتنياهو اتفق مع شارون على أن حزب العمل الذي ضم مؤخرا الى صفوفه قادة الهستدروت المؤطرين في حزب "شعب واحد" ينبغي له أن يوافق أولاً وقبل كل شيء على سياسة الحكومة الاقتصادية.
وهكذا، إن أفلح شارون في التوفيق بين مواقف حزبه تجاه خطة الفصل وبرنامج حزب العمل، فإن من الصعب أن يفلح في تجسيد توافق اقتصادي. وهكذا تعود الحلبة السياسية الإسرائيلية قريبا الى دائرة مفرغة لن يكون المخرج منها سوى تقديم موعد الانتخابات. فحكومة الوحدة الوطنية كانت سوطاً وفزاعة في الليكود وورقة إغراء في حزب العمل. ولكن لا يبدو أن في الأفق شيئاً من هذا القبيل. فكل شيء، بما في ذلك الفصل وحكومة الوحدة، ليس أكثر من عتبة لتمضية الوقت بالنسبة لشارون، سواء في مواجهة القضايا الجنائية أو مواجهة الإدارة الأميركية.