فضيحة التجسس الاسرائيلية الجديدة في أميركا تفتح ملف الريبة والولاء المزدوج

رغم كل مظاهر الاطمئنان إلى السلوك القويم للمسؤولين الإسرائيليين وأنصارهم في اللوبي الصهيوني في واشنطن، فإن قضية التجسس تبدو أعقد من أي وقت مضى. وتشير التقارير الأخيرة الواردة من العاصمة الأميركية إلى أن التحقيقات تتوسع ودائرة المشبوهين تتعاظم. وبدلا من دبلوماسي إسرائيلي واحد متورط في القضية، هو المستشار السياسي في السفارة نيئور جولان، يدور الحديث عن اثنين. كما أنه بدلا من التحقيق مع محلل المعلومات في مكتب دوغلاس فيث في وزارة الدفاع، لاري فرانكلين، يجري التحقيق مع يهود آخرين في الإدارة الأميركية (إقرأ تقريرًا مفصلا في مكان آخر من الموقع).

وأوضحت صحيفة "واشنطن بوست" أن تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي توسعت لتشمل مسؤولين في الإدارة الأميركية وخبراء في شؤون الشرق الأوسط، وأن التحقيقات تتركز حول أعضاء في جماعة "المحافظين الجدد" ممن كان لهم دور في النقاشات التي دارت حول الموقف الواجب اتخاذه من إيران. وأشارت الصحيفة إلى أن بين من تحاول التحقيقات جمع معلومات عنهم نائب وزير الدفاع الأميركي، بول ولفووفيتز ومساعد وزير الدفاع، دوغلاس فيث وعضو المجلس الاستشاري لوزارة الدفاع سابقا، ريتشارد بيرل ومستشار نائب الرئيس الأميركي، دافيد وورميسر، إضافة إلى المختص بالشأن الإيراني في الدائرة السياسية للبنتاغون، هارولد رود. والقاسم المشترك بين هؤلاء جميعا هو أنهم من اليهود.


وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن هذا التوسع في التحقيق والسؤال الأساسي حول مدى احتمال أن يخدم هؤلاء إسرائيل، وضع قضية التجسس في المربع الذي أراده أعداء المحافظين الجدد. وهو هل أن المسؤولين عن رسم السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وغالبيتهم من اليهود، يفضلون مصلحة إسرائيل على المصلحة الأميركية؟ وهل أن الولاء عندهم مزدوج؟ .
وبصرف النظر عما إذا كانت التحقيقات ستقود إلى إثبات الاتهامات الموجهة لهؤلاء أم عكس ذلك، فإن الضرر الذي لحق بإسرائيل وبأنصارها في الإدارة الأميركية كبير. فليس من الهين في هذا الوقت، الذي تبدو فيه الإدارة الجمهورية أحوج ما تكون إلى الصوت اليهودي وإلى إحداث انقلاب في التصويت اليهودي التاريخي إلى جانب الديمقراطيين، أن تتقبل فكرة التشكيك بولاء أبرز قادتها. كما ليس من الهين في هذا الوقت الحساس أن تغدو إسرائيل في مرآة الإعلام الأميركي عنوانا للخيانة ونكران الجميل بدل أن تكون النموذج الايجابي للحليف الحقيقي.

وربما لهذا السبب صدرت في إسرائيل أصوات كثيرة محذرة من أسلوب التجاهل والإنكار الذي اتبعته حكومة شارون. وأشارت بعض هذه الأصوات إلى حقيقة أن القضية تتجاوز فكرة التجسس إلى ما هو أعمق من ذلك بكثير: إلى جوهر العلاقة بين إسرائيل وأميركا والعلاقة بين إسرائيل ويهود أميركا.
وهكذا كتب عوفر شيلح في "يديعوت أحرونوت" أنه "فضلا عن النظرية التي تقول ان إسرائيل تشكل خلفية فقط لمعركة أميركية داخلية، واننا نتلقى شظايا السجالات الكبرى حول سياسة وطريق الولايات المتحدة، لعل هنا شيئا إضافيا، لعله حتى شيء فوق التلميح الأميركي لإسرائيل بسبب الاستياء من أمور أخرى... إن تاريخنا مليء بالمس بالدول الصديقة وبالنشاط الذي لم يكن السؤال فيها لماذا فشلت بل لماذا فكر أحد ما على الإطلاق بتنفيذه". وخلص إلى أنه بالإمكان تقليص الضرر "ولكن من المشكوك فيه أن تتغير السمعة المهزوزة للأجهزة السرية الإسرائيلية. فقبل كل شيء، العقلية التي أنجبت النشاطات التي أدت إلى هذه السمعة لم تتغير في شيء".

أما رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، شلومو غزيت، فكتب في "معاريف" أنه لن يندهش "إذا تبين ان ثمة نواة حقيقة في هذه القصة، سواء كان هذا موظفا عرض خدماته على من عرضها في المنظومة الإسرائيلية أو مؤيدة لإسرائيل في واشنطن، أم وجد من "جنّد" ذات الموظف (ومرة أخرى كلي أمل ألا يكون الأمر جاء مقابل المال)، فإن النتيجة هي ذات النتيجة. كان محظورا على الإطلاق فعل ذلك".
ورأى أن إسرائيل لم تستوعب حتى الآن أبعاد ومخاطر قضية بولارد، ولذلك تواصل عبر وزرائها إظهار الفخر ببولارد وعدم إظهار الندم على ذلك. فـ"الرسالة الإسرائيلية واضحة، حتى إن لم تكن هذه هي النية: نحن فخورون ببولارد وبفعلته، وليس على لساننا أي كلمة تنديد أو ندم. ومعقول فقط أن يكون هناك من استوعب الرسالة يمكن وربما أيضا مرغوب فيه العودة للتصرف بالطريقة ذاتها إذا كانت منظومات الاستخبارات ممنوعة من فعل ذلك، فللوبي اليهودي مسموح بل ومسموح جدا".

ومع ذلك يواصل الكثير من المعلقين الإسرائيليين التعامل مع قضية التجسس على أنها "فقاعة" إعلامية، وأنه سرعان ما ستعود الأمور إلى طبيعتها، ليس في الدوائر الرسمية فقط وإنما كذلك في وسائل الإعلام. وثمة من يشير إلى أن هناك من أمثال هذه القصص الكثير، وأنه بين الحين والآخر تحقق أجهزة الأمن الأميركية في مثل هذه القضايا. ولكن يمكن القول بثقة ان هذه هي المرة الأولى التي يكشف فيها النقاب عن "هوس" الريبة الأميركي، خاصة من مدير الاستخبارات المركزية السابق، جورج تينيت، من وجود عميل لإسرائيل في البنتاغون. وهذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها مسؤول أميركي سابق أن إسرائيل بين الدول الأكثر نشاطا في التجسس على أميركا.
من الجائز أن مكتب التحقيقات الفيدرالي سيفشل في إثبات أية اتهامات، ولكن دائرة المتشككين في إسرائيل تتسع في دوائر الحكم الأميركية.