الأهداف الاسرائيلية وراء إغتيال الرنتيسي: دعم "خطة الفصل" وإضعاف "حماس" و"تطهير غزة"!

توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي، آرييل شارون، قادة التنظيمات الفلسطينية "الإرهابية" بمصير مماثل للذي لقيه زعيم "حركة المقاومة الإسلامية" (حماس) الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي, فيما ارتفعت مجددا أصوات لـ"التخلص" من الرئيس ياسر عرفات. ورأى مسؤولون عسكريون أن اغتيال الرنتيسي يندرج في إطار الاستراتيجية الإسرائيلية التي تقوم على اضعاف "حماس" في قطاع غزة للحؤول دون سيطرتها عليه بعد الانسحاب المزمع منه أواخر العام المقبل. وربط كبار المعلقين بين الاغتيال وخطة الانسحاب الأحادي, مؤكدين أن الاغتيال يمنح شارون نقاطاً مهمة في الاستفتاء الذي سيجري في أوساط "ليكود" مطلع الشهر المقبل على خطته للانسحاب, لافتين إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تلقى ضوءاً أخضر صريحاً من واشنطن لتصفية زعيم حركة "حماس".

وبعث رئيس الوزراء الإسرائيلي، ارييل شارون، بتهانيه إلى المؤسسة الأمنية وعناصر قوى الأمن "على العملية الناجحة التي نفذتها" باغتيالها قائد "حركة المقاومة الاسلامية" (حماس) الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي. وقال في بداية جلسة الحكومة الأسبوعية، الأحد، إنه أوضح في أكثر من مناسبة أن سياسة إسرائيل تقوم على بذل كل جهد لإطلاق عملية سياسية تصب في مصلحة إسرائيل وفي الآن ذاته على محاربة الإرهاب وكل من وضع نصب عينيه المس بالمواطنين الإسرائيليين, مضيفاً انه في إطار هذه السياسة تمت عملية اغتيال الدكتور الرنتيسي. وتابع متوعداً أن هذه السياسة ستتواصل في المستقبل, وأن إسرائيل ستمس بـ"المنظمات الإرهابية ومن يقف على رأسها".

وكرر وزير الدفاع، شاؤول موفاز، تهديداته لقادة الفصائل الفلسطينية, وقال في جلسة الحكومة إن أحداً منهم لا يتمتع بحصانة و"سنواصل ضربهم في موازاة مواصلة العملية السياسية". وأضاف ان تصفية الرنتيسي أدت إلى اضعاف حركة "حماس" بشكل كبير, معتبراً التفاهمات التي أنجزها شارون مع الرئيس جورج بوش رسالة واضحة موجهة إلى الفلسطينيين تخبرهم بالثمن الذي يدفعونه "في مقابل ثلاثة أعوام من الإرهاب بقيادة (الرئيس) ياسر عرفات". وقال إن استهداف الرنتيسي جاء تنفيذاً للسياسة الإسرائيلية المعلنة والمتواصلة التي تقضي بشن حرب بلا هوادة على "حماس" وهي "عدو استراتيجي لدولة إسرائيل". ووصف الرنتيسي بـ"مصدر وحي والهام لإرهاب الانتحاريين" ومتحدثاً محرضاً ومتشدداً دعا مراراً إلى إبادة دولة إسرائيل "كما لم يتردد في تشجيع الإرهاب ضد القوات الأميركية في العراق".

وتوعد رئيس هيئة أركان الجيش، الجنرال موشيه يعالون، هو أيضاً قادة "الإرهاب" أينما كانوا, وقال إن إسرائيل ستضرب كل من يخطط للاعتداء عليها و"كل من يتخذ القرارات ويرسل الإرهابيين أو يعد عبوات ناسفة". ورداً على سؤال عن احتمال استهداف عرفات والأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله, قال يعالون إن إسرائيل تقود حالياً حرباً على الإرهاب, و"على كل من يقف وراء اعتداءات إرهابية أن يعلم أن الحرب على الإرهاب ستطوله". واعتبر الرنتيسي "من كبار المخربين", ونسب إليه إنكاره حقيقة حصول "المحرقة", ما يؤكد "كراهيته العمياء لليهود وإسرائيل".

وهدد الوزير للعلاقات مع الكنيست جدعون عزرا بقتل رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" خالد مشعل الذي يقيم في دمشق, مؤكدا ان مصيره سيكون "مماثلا" لمصير الرنتيسي, "وما ان تسنح الفرصة لضربه في دمشق ستقوم اسرائيل بذلك".

تأييد إسرائيلي واسع

ولقيت عملية الاغتيال التأييد الواسع من جميع أقطاب الأحزاب الصهيونية, سواء الشريكة في الائتلاف الحكومي أو المعارضة, وجاء أبرزها على لسان زعيم حزب "العمل" المحسوب على يسار الوسط، شمعون بيريس، الذي قال "إن من يتعامل مع الإرهاب لا بد أن يدفع الثمن". ولفت المعلقون إلى أن بيريس الذي سبق واستنكر اغتيال الشيخ أحمد ياسين, أيد تصفية الرنتيسي, ليمهد الى عودته إلى حكومة شارون. أما زعيم حركة "ياحد" اليسارية، يوسي بيلين, فأعلن معارضته الاغتيال "على رغم أن الرنتيسي يستحق الموت", لأن من شأنها اغراق المنطقة في حمام من الدم.

قرار الإغتيال

ونقلت وسائل الإعلام العبرية عن أوساط قريبة من رئيس الحكومة نفيه أن يكون نسّق اغتيال الرنتيسي مع المسؤولين الأميركيين اثناء زيارته الأخيرة لواشنطن. وأفادت ان قرار الاغتيال اتخذته الحكومة الإسرائيلية المصغرة للشؤون الأمنية غداة العملية الاستشهادية المزدوجة التي استهدفت ميناء أسدود منتصف الشهر الماضي, وأن التنفيذ ارجئ أكثر من مرة تفادياً لإصابة مدنيين كانوا بجواره, فيما أفادت صحيفة "هآرتس" ان إسرائيل خططت لاغتيال الرنتيسي مطلع الشهر الجاري, لكنها عدلت عنه نظراً لتزامن ذلك مع اجتماع الرنتيسي مع العقيد محمد دحلان "وذلك لتجنب تعريض دحلان إلى الخطر أو اتهامه بالتعاون في عملية التصفية". وقال قريبون من شارون إن ثمة علامة واضحة بين الاغتيال وخطة الانفصال الأحادي الجانب عن الفلسطينيين لجهة إصرار إسرائيل على تبديد الانطباع بان انسحابها من غزة ناجم عن المقاومة الفلسطينية لجيشها أو أن يتم تصويره كهروب من القطاع. وأضافوا ان إسرائيل ستواصل ضرب "حماس" و"الجهاد الإسلامي" للحيلولة دون تعزيز نفوذهما في القطاع, ومن أجل تمكين جهات معتدلة في السلطة الفلسطينية من بسط سيطرتها لتقوم هي بدور "محاربة الإرهاب".

وأوضح السفير الإسرائيلي لدى تل أبيب داني ايالون أن إسرائيل لم تستأذن واشنطن قبل تنفيذ عملية اغتيال الرنتيسي "كونها تندرج في إطار حقها في الدفاع عن نفسها, وهو حق أكده الرئيس الأميركي في الرسالة التي سلمها لشارون الأسبوع الماضي". وزاد ان اضعاف "حماس" ومواصلة استهداف قادتها يعتبران مصلحة إسرائيلية عليا, خصوصاً على خلفية "خطة الفصل", لافتاً إلى حقيقة أن الرد الأميركي على الاغتيال لم يتضمن ولا حتى انتقاداً. وكانت صحيفة "معاريف" نقلت عن مسؤول أميركي تساءل على مسمع نظيره الإسرائيلي, غداة اغتيال الشيخ ياسين, ماذا عن الرنتيسي؟

"شطب ألكتروني"- إسم عملية الاغتيال

وتحدثت الإذاعة العبرية عن ارتياح كبير في أوساط قادة الجيش لنجاح عملية اغتيال الرنتيسي التي حملت اسم "شطب الكتروني", ونقلت عنها زعمها أن قائد "حماس" خطط لعمليات انتحارية عدة تنفذ في وقت واحد, عشية "الاحتفال باستقلال إسرائيل" الأسبوع المقبل. كما خطط لخطف جنود إسرائيليين لغرض المساومة. وأضافت هذه الأوساط ان الاغتيال لا يشكل ضربة مميتة لحركة "حماس", لكنها ستؤثر على المدى البعيد على مخططاتها لتنفيذ عمليات عدائية.

"التخلص من عرفات"

إلى ذلك, عاود مسؤولون إسرائيليون الحديث عن "وجوب التخلص من عرفات", كما قال رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، يوفال شطاينتس، الذي اضاف انه يفضل ترحيل الرئيس الفلسطيني وشلته إلى تونس "ليكف عن دعم الإرهاب في المناطق (الفلسطينية)". لكن الوزير جدعون عزرا استبعد أن يتم استهداف عرفات قريباً, ورأى أهمية مواصلة ضرب قادة "حماس" و"الجهاد الإسلامي", ووجوب أن تنشط السلطة الفلسطينية بجدية لتتسلم المسؤولية عن القطاع بعد الانفصال عنه.

الإعلام الاسرائيلي يصفق للإغتيال

وصفقت عناوين الصحف العبرية وتحليلات كبار المعلقين فيها لعملية الاغتيال, ووصفها المعلق العسكري في "يديعوت أحرونوت" اليكس فيشمان بـ"التصفية الايجابية", متوقعاً أن تحدث انعطافة أكبر وأهم من تلك التي أحدثتها تصفية الشيخ أحمد ياسين: "كان على الرنتيسي أن يختفي بعدما قرر أن يفتح أبواب قطاع غزة على مصراعيها أمام إيران وحزب الله ليكونا أوصياء على حماس, بعكس الشيخ أحمد ياسين الذي فرمل مثل هذا التوجه".

وزاد ان إسرائيل وضعت نصب عينيها هدفاً مركزياً وهو قضم قوة "حماس" في القطاع للحيلولة دون أن تكون الخيار المركزي لتولي الحكم فيه بعد الانسحاب, أو كما تكتب الصحيفة في افتتاحيتها "تطهير" القطاع من قادة "حماس" قبل اخلائه.

وكتب المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس" ألوف بن ان شارون جاء إلى جلسة الحكومة مكللاً بالانجازات اذ "أرفق رسالة التفاهمات التي تلقاها من الرئيس الأميركي اغتيالاً ناجحاً للرنتيسي, ما يمنحه نقاطاً كثيرة تعزز مكانته في ليكود بعد أن وعد بانزال ضربات قوية بالإرهاب وأوفى", وذلك عشية الاستفتاء في الحزب على خطته. وأضاف ان الإدارة الأميركية منحت شارون ضوءاً أخضر لمواصلة ضرب حركة "حماس", مذكراً بقيام الرئيس الأميركي بالربط بين "حماس" و"حزب الله" و"العدو الجديد والفتاك للأميركيين مقتدى الصدر".