شارون أمام خيارين: رئيس حكومة بدون "خطة" أو رئيس حكومة بدون حزب (تحليل إخباري)

سجل الليكود أمس هدفا استثنائيا في مرماه بهزيمة خطة زعيمه أريئيل شارون للفصل عن الفلسطينيين. ووجه بذلك صفعة قوية ليس فقط للخطة وإنما كذلك للرئيس الأميركي جورج بوش الذي قدم لإسرائيل "رسالة الضمانات" التي تجرد الفلسطينيين من كثير من حقوقهم. وفي انتظار الموقف الذي سيتخذه رئيس الحكومة الإسرائيلية يبدو أن شارون يواجه وضعا جديدا عليه الاختيار فيه بين أن يكون رئيس حكومة من دون برنامج أو رئيس حكومة من دون حزب. وفي كل الأحوال لم تبد الفرحة على المعارضين الذين أدركوا متأخرين المعنى الحقيقي لهزيمة شارون.


وإذا كان ثمة من معنى لنتائج الاستفتاء على صعيد شارون فإنه تبديد لهيبته ولرصيده الوحيد الذي يتلخص بصورته "كالرجل الوحيد القادر". فهو القادر على هزيمة العرب وتفكيك المستوطنات والانفصال عن الفلسطينيين وجلب إدارة بوش إلى المربع الإسرائيلي. وقد فقد شارون عمليا ذلك كله في عقر داره الأمر الذي يضع علامات استفهام كبيرة على موقف الرئيس الأميركي منه. وحسب القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي فإن بوش يشعر أن شارون خدعه وأنه انتزع منه "رسالة الضمانات" بعد إقناعه بالقدرة على تمرير الخطة في إسرائيل.

وكانت الإدارة الأميركية بين أول من علقت على نتائج الاستفتاء. ونقلت صحيفة "معاريف" عن مسؤولين أميركيين كبار غضبهم مما جرى وقولهم إن "إسرائيل ملزمة بتنفيذ خطة الفصل". وحسب هؤلاء المسؤولين فإنهم لا يفهمون كيف أن بوسع إسرائيل اتخاذ قرار على هذا القدر من الأهمية وفق قرار جمهرة محدودة من منتسبي الليكود. وقال هؤلاء إن إدارة بوش تفكر في إصدار بيان علني يؤكد وقوف الولايات المتحدة خلف خطة الفصل.


وعلق شارون على هزيمته في الاستفتاء بالقول إنه استقبل بأسف النتائج "ولكنني أحترمها". وحسب كلامه فإنه ينوي التشاور في الأيام القادمة مع وزراء الليكود ومع أعضاء الائتلاف حول طريقة العمل. وأشار شارون إلى "أنني لم أنتخب من أجل البقاء مكتوف اليدين أربع سنوات. لقد انتخبت من أجل إيجاد السبيل لجلب الهدوء والسلام والأمن إلى هذا الشعب". وأوضح "إنني أنوي مواصلة قيادة دولة إسرائيل وفق ما يمليه ضميري وخبرتي وواجبي الأخلاقي". وقال شارون إنه سيدرس "بدقة العواقب والخطوات التي أنوي اتخاذها". وقال شارون إن الإرهاب الفلسطيني عمل مرة أخرى من أجل تقويض كل خطوة سياسية. وشكر شارون الرئيس الأميركي على ما منحه لإسرائيل مقابل تنفيذ الخطة. ومن المقرر أن يقدم شارون ظهر اليوم بيانا سياسيا أمام كتلة الليكود في الكنيست.


وقد جرت عملية الاستفتاء على خطة شارون في ظل العملية في كيسوفيم التي أدت إلى مقتل خمسة مستوطنين واستشهاد منفذي العملية وهما من حركة الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية. ورأى بعض المراقبين أن العملية أثرت سلبا على نتائج الاستفتاء. وردت إسرائيل على العملية بقصف محطة إذاعية تابعة لحركة حماس في غزة واغتيال أربعة من نشطاء حركة فتح في نابلس.


ومن الواضح أن هزيمة شارون وحسب كل المعايير كانت نكراء. وهي ليست مجرد هزيمة شخصية بل هي كذلك هزيمة فكرية تفرض عليه تغيير أسلوب عمله السياسي. وحسب المعلقين لم تترك نتائج الاستفتاء أمام شارون خيارات كثيرة. وبات عليه أن يختار بين أن يكون رئيس حكومة خانعا من دون برنامج سياسي أو أن يغدو رئيس حكومة من دون حزب. وفي الحالين يقف ليختار بين أمرين أحلاهما مرّ.


وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن شارون لأكثر من سبب مضطر لاستكمال مساعيه للظهور بمظهر المتمسك بخطة الفصل على الأقل من أجل حليفه الأميركي تتزايد الضغوط عليه من "شينوي للقفز" عن نتائج الاستفتاء. وهدد زعيم حركة "شينوي"، يوسف لبيد، بأزمة سياسية وفك الشراكة مع الليكود إن لم يتم استكمال مساعي تنفيذ خطة الفصل. وقال لبيد انه لا يعقل أن يقرر الليكود وحده في مصير إسرائيل وبالتالي في خطة فك الارتباط. وأضاف أن الليكود وفق نتائج الاستفتاء وصل إلى طريق مسدود. وطلب لبيد من شارون عرض الخطة على الحكومة لبحثها واتخاذ قرار بشأنها.


وكان الموقف الأقوى الشبيه قد جاء كذلك من زعيم حزب "العمل"، شمعون بيريس، الذي طالب شارون بإهمال نتائج استفتاء الليكود وعرض الخطة على الحكومة والكنيست. وقال إنه لا ينبغي القبول بأن تقرر أقلية صغيرة مصير شعب.


ومن الواضح أن أول ما فعله شارون هو الاتصال بعيدا عن الأضواء بالرئيس الأميركي وحلفائه في الساحة الداخلية. ومن المنطقي الافتراض أنه أبلغهم بعزمه على الوفاء بتعهداته بشأن الفصل، وأنه سيجد الطريقة المناسبة لتمرير الخطة.

وهناك في إسرائيل من يعتقدون أن شارون سيسعى لالتزام الصمت في البداية للتدقيق في خطواته اللاحقة وسوف يستفيد إلى حد كبير من الصدمة التي أصابت معارضي الفصل جراء نجاحهم في الاستفتاء. وعلى حد كبير ينتظر شارون أن تحدث هذه النتائج صدمة جماهيرية واسعة خاصة في ضوء التناقض المطلق بين نسبة تأييد الخطة في الليكود وفي أوساط الجمهور الإسرائيلي عامة. إذ تظهر الاستطلاعات التي نشرت أمس أن أغلبية تصل إلى 69 من الإسرائيليين تؤيد خطة الفصل. وهذا ما دعا بعض قادة حزب العمل إلى القول بأن الليكود قرر الانفصال عن الشعب الإسرائيلي.
ومع ذلك يتوجه شارون ومعارضوه اليوم للكنيست التي ستبحث مساء اليوم مشروعا لحجب الثقة عن حكومته. وقدمت هذا المشروع كتل ميرتس والأحزاب العربية. ومن غير المنتظر أن يحدث شيء مثير رغم أن العشرات من أعضاء الكنيست دعوا شارون إلى الاستقالة وإجراء انتخابات جديدة.
ولكن شارون الذي انشغل مع طاقمه في تحليل أسباب الهزيمة واختيار الخطوات القادمة يجد نفسه أمام الخيارات التالية:
(*) عدم فعل شيء وقبول قرار الناخب الليكودي والتصادم مع الإدارة الأميركية وشينوي وحزب العمل. وهذا أمر يصعب تصوره.

(*) تجاهل نتائج الاستفتاء وتقديم الخطة للحكومة. ومن الصعب تخيل كيف سيوفر الأغلبية لذلك.
(*) العمل من أجل إجراء استفتاء شعبي. وهذا يحتاج إلى تعديلات دستورية يصعب الآن تصور قدرته على إحداثها في وقت قصير. ولذلك ثمة من يرون أن الاستفتاء الشعبي إشكالي ويحتاج إلى حركة شعبية وحزبية واسعة لفرضه.
والخيار الأخير هو الاستقالة. وحسب المقربين منه فإنه ليس خيارا وهو لا يفكر في ذلك.

وهكذا فإن الأمور تتجه نحو واحد من اثنين: إما إسراع المستشار القضائي للحكومة ميني مزوز بتقديم لائحة اتهام بحقه تحل المشكلة بإجباره على الاستقالة، أو عثوره وطاقم مساعديه على "حل خلاق" لا يخطر الآن ببال أحد. ويبقى هذا الحل في نطاق المجهول إلى أن يتم الإعلان عنه.

وعموما فإن شارون اليوم يجد أمامه ليكودا لا يعرفه. وربما أن الليكود الذي أقيم ونشأ على أنه حزب وحركة علمانية قومية يتحول بسرعة إلى حركة قومية دينية بفعل دور المستوطنين فيه. وهذا ما دفع بعض المعلقين الإسرائيليين إلى الشروع في الحديث عن ليكود أشد تطرفا. وربما لهذا السبب قالت الوزيرة المقربة من شارون تسيفي ليفني إن الليكود وقع "بين أياد معادية".

ويرى معلقون أن المستوطنين داخل الليكود وخصوصا أنصار موشيه فايغلين سوف يغدون القوة التي تحدد نبرة هذا الحزب، ويرى المعلقون أن هناك الآن تيارين رئيسيين في الليكود وهما: التيار البرجوازي الذي يسعى لتكييف مبادئه مع متطلبات الحياة الأفضل. وتيار الشباب المتدين الذي يرتكز إلى أيديولوجيا إلى الحرس القديم.
وهكذا ثمة معنى لما قاله عوزي لانداو، أبرز المعارضين للخطة في حكومة شارون: "لقد بقي الليكود وفيا لمبادئه. وانتهت عملية ديموقراطية أثبتنا فيها أننا لسنا أقلية بل معسكر كبير من أناس لهم مبادئ وأيديولوجيا".