شارون الخاسر الأكبر في الليكود

أظهرت عملية غزة ضد المستوطنين يوم أمس (الأحد) أن شيئاً لم يتغير في إسرائيل، حتى عندما يعرض أريئيل شارون خطته لاستفتاء أعضاء الليكود حول الفصل. فالمعارضون للخطة، التي تقضي بتفريغ قطاع غزة من المستوطنين، اعتبروا أن العملية تبيّن ضرورة التصويت ضد الخطة. والمؤيدون لها، وفي مقدمتهم شارون نفسه، رأوا أن "المخربين" سوف يفعلون كل ما في وسعهم من أجل إحباط خطة الفصل. وبكلمات أخرى، ليس هناك من حدث يقود الى تغيير الليكوديين لموقفهم، على الأقل بمثل هذه السرعة.

وربما أن هذا كان الخطأ الأكبر لأريئيل شارون. فقد ظن أنه بصفته "أب المستوطنين" يستطيع أن يفهمهم أنه يعرف مصلحتهم أكثر من معرفتهم لها. وقد خاب ظنه أكثر من مرة عندما تحول أصدقاؤه القدامى إلى أعداء ألداء له. والشيء نفسه يمكن قوله عن علاقته بالليكود، أعضاء ومركزا. وشارون هو القوة الدافعة وراء تشكيل الائتلاف اليميني عام 1973 الذي سمي في حينه بالليكود. وهو الذي دفع كتلة "جاحال" المكونة من حزبي حيروت والأحرار للاتفاق مع أحزاب "لاعام" و"شلومتسيون" وبدعم من "غوش إيمونيم" لتشكيل الائتلاف الجديد. ولكن هذا لم يمنحه لديهم أية امتيازات. وتقريبا خسر كل الانتخابات الداخلية في الليكود عدا تلك التي أجراها كرئيس للحكومة.


والواقع أن شارون استغل كل قواه وصلاحياته لتثبيت نفسه كرئيس للحكومة وكزعيم لليكود. ولكن جميع هذه القوى والصلاحيات لم تغير كثيرا من موقف الليكوديين. فقد ظلوا يستقبلونه في مركز الحزب بالصراخ والهتافات العدائية. وحتى عندما كانوا يصفقون له لقتله الشيخ أحمد ياسين أو الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، كانوا يميلون جانبا ليقولوا إن زعيمهم هو شخص آخر. فقد ظل شارون في نظر الليكوديين "الغريب" القادم من "مباي" والطامح لتدمير الحركة الحيروتية التاريخية.


واختبار الاستفتاء هو الصفعة الأقوى الموجهة لشارون داخل حزبه. فقد رفض في البداية فكرة الاستفتاء وأصر على أنه في كل الأحوال يفضل الاستفتاء الشعبي. لكن العوائق القانونية جعلته يميل الى استفتاء منتسبي الليكود كنوع من الحل الوسط وكوسيلة لإجبار وزرائه، وخاصة نتنياهو، ليفنات وشالوم على تغيير موقفهم من الخطة. والى حد كبير نجح في ذلك، إلا أنه، على ما يبدو، لم يفلح في إدراك الأثر السلبي لانضمام هؤلاء إليه على عموم الأصوات المترددة داخل الليكود.


وهكذا وجد شارون نفسه في ورطة عميقة. فقد كان يعتقد أن بوسعه تحقيق هدفه في الحصول على مصادقة عامة على خطة الفصل من خلال استخدام نظام الدومينو. وفي البداية عمل على إقناع الأميركيين بالوقوف الى جانب خطة الفصل من أجل تسهيل مهمة إقناع وزرائه بها. واستجابت إدارة بوش لهذه المحاولة واقتربت الى حد كبير من موقفه بل ومن اشتراطات وزرائه المعارضين والمترددين. وبالفعل استجاب الوزراء لهذه الخطوة. غير أن "وعد بوش" وانتقال وزراء الليكود المترددين من موقع المعارضة الى موقع التأييد لم يغير من إصرار الليكوديين على عدم تغيير موقفهم. وربما أن العكس هو الصحيح: أراد الليكوديون تلقين شارون درساً في وجوب أن يسعى وبالتدريج الى تغيير مواقفهم هم وليس الى استدراج الآخرين للعمل من جر الليكوديين لتغيير موقفهم. ومن الجائز أنهم بذلك كانوا يدافعون ليس فقط عن "استقلالية قرارهم"، وإنما كذلك عن قناعاتهم التي أسهم شارون وأمثاله في خلقها.

وليس صدفة أن الليكوديين المعارضين لخطة شارون لم يستخدموا عملياً في حملاتهم الإعلامية المنظمة سوى تصريحات شارون ضد إخلاء المستوطنات وضد الانسحاب من طرف واحد. بل استخدموا على الدوام عبارته الشهيرة بأن هكذا تحرك لا يمكن فهمه إلا على أنه تقديم "جائزة للإرهاب".


وهكذا من الوجهة العملية لا يبدو أن شيئاً كبيراً قد حدث. وحتى إن فاز شارون بأغلبية النصف زائد واحد أو اثنين في الاستفتاء فإنه الخاسر الأكبر في هذه المواجهة. إذ أثبت أن حوالي نصف حزبه يعارض الخطة، فهل هي تنفيذ لإرادة خصومه السياسيين؟ وإذا كان هذا هو ما جرى حقاً، حيث يوفر حزب العمل له شبكة أمان برلمانية وتقوم حركة السلام الان بالدعاية للفصل، فأي مستقبل لشارون كقائد لليكود؟


ورغم أن الصورة غير واضحة كفاية فيما يخص التحركات المقبلة،إلا أن النتيجة الواضحة هي أن إسرائيل اليوم هي غير إسرائيل الأمس، وبصرف النظر عن نتائج الاستفتاء. فشارون لا يستطيع قيادة حكومة أو حزب يقف أكثر من نصفه ضد سياسته. ورغم أن معارضيه يصرون على أن معارضتهم غير موجهة لشارون شخصياً، إلا أن من الصعب الفصل في هذه الحالة بين شارون وسياسته.