صمت تساحي هنغبي: هل هو دليل الأزمات العنيفة التي يمر بها اليمين الاسرائيلي؟

عندما سُئل تساحي هنغبي (وزير الأمن الداخلي الاسرائيلي)، مؤخرًا، بنوع من السخرية، ان كان قد تبنّى تقاليد الوزراء البريطانيين الذين يحرصون على عدم الحديث سوى في قضايا وزاراتهم، لم يضحك. اللباقة البريطانية؟ ليست متوفّرة بعد. ولكن يصعب تذكّر متى تحدّث الوزير الأكثر يمينية في "الليكود"، والأكثر تطرفا وحماسة، حول خطة الفصل مثلا.

وكان بالوسع انتظار ان يكون هنغبي في مقدّمة المعارضين. وان يقيم هيئة مثل عدد من زملائه في "الليكود"، وان يحارب خطة الفصل من دون هوادة. وان يتسلق الاعمدة ويطفئ ميكروفونات.
ويقول هنغبي: "لا أعتقد انهم لم يسمعوني. لقد سمعوني ولكن ليس بذلك التدفق الذي لا يتوقف في وسائل الاعلام. ويبدو لي انه جرت ثلاث مقابلات في تلك الفترة (قبل استفتاء الليكود) كانت ذات صلة بعملي في وزارة الامن الداخلي، ولكن الصحافيين سألوني ايضاً عن خطة الفصل. وبداهة إنني قلت أنني ضد اي إخلاء من طرف واحد. وعندما طلبت مني هيئة المعارضين استخدام صورتي وكلامي لم أعارض ذلك".
صورة وكلام. هذا كان إسهامه في الجهد الهائل الذي بذله اليمين في "الليكود" وخارجه في صراعه ضد خطة الفصل. ولا يستطيع زملاءه عدم التأثر بشدة من الانقلاب الذي وقع لهنغبي في الشهور الستة عشرة الاخيرة منذ تولّيه المنصب الذي لم يكن يحلم به: وزارة الامن الداخلي. في هذه الفترة تحوّل هنغبي الى الوزير الاكثر مهنية في الحكومة. وهو ينهمك في قضايا وزارته. وعشية الاستفتاء في "الليكود"، عندما خاض رفاقه في معارضة خطة الفصل حملة إعلامية شديدة ضد الخطة، وقام بعضهم بنتف ريش الخطة، انشغل هنغبي في قضايا التعينيات في قيادة الشرطة. وصوّت ضد الخطة في الحكومة. ولكنه لم يحارب ضدها.
ولا يخفي هنغبي امتنانه لأريئيل شارون. وهو يقول: "لقد نشأت بيننا علاقات مودة في العام والنصف الاخير، سواء على ارضية العلاقات بيننا في قضايا الوزارة او على ارضية تقديري للطريقة التي يتصرف بها كرئيس حكومة ناجح: انه نموذج لأداء منضبط، متوازن ودقيق".
ولكن هنغبي يقول إن السبب الحقيقي لصمته الاعلامي بخصوص "ارض اسرائيل" هو الرضى الكبير الذي توفره له وزارته الحالية. ويضيف ان "كل قرار اتخذه هنا يؤثر بشكل او بآخر على أمن الدولة. وهذا اكثر اهمية بالنسبة لي من المشاركة في الندوات الاعلامية. وببساطة، اشعر برضى كبير من الانشغال بقضايا الوزارة وليس في السجالات التي لا تتوقف في وسائل الاعلام".
وكما سلف، فإن زملاءه في "الليكود" يلاحظون التغيير. وهم يشتبهون أنه باع نفسه لمن قام بتعيينه. وأنه مقابل هذا التعيين حكم هنغبي على نفسه بالصمت في قضايا سياسية. وعلى الدوام كان هنغبي يعتبر من رجال بنيامين نتنياهو، وعضو مخلص في معسكره. اما الآن فيصعب معرفة ذلك. فمن جهة، صوّت ضد شارون في جميع القضايا السياسية (خريطة الطريق، خطة الفصل) في الوقت الذي دأب فيه نتنياهو، منذ تعيينه في وزارة المالية، على وضع نفسه في موقع مساومة، للحصول على تسوية، والتصويت لمصلحة القرار او الامتناع عن التصويت وعبر إظهار إنجازاته. ومن جهة أخرى، فإن هنغبي عندما يسكت يرسل رسالة مزدوجة يصعب على بنيامين نتنياهو استيعابها.
ويقول هنغبي: لقد حظيت بإدارة وزارة على هذه الدرجة من الاهمية في هذه الفترة الهامة. وقد اقترح على شارون الاستقالة ان كان هذا يساعده في الحصول على اغلبية لدى التصويت على خطة الفصل، والعودة بعد ذلك الى الحكومة. وقد تبنّى لنفسه اسلوب حديث رقيقا ومسؤولا. بل انه تحدث هذا الاسبوع عن تأييده لاقامة حكومة وحدة مع حزب "العمل". ومن الجائز ان هذه ليست مفاجأة. فعندما يسجل شارون "والد المستوطنات" نفسه كرئيس الحكومة الذي يتخذ قرار الإخلاء، وعندما يصوّت وزراء "الليكود" الى جانب ذلك، وعندما يبقى حزب المستوطنين "المفدال" في الحكومة، فإن صمت هنغبي يندرج نوعاً ما في النسيج الجديد لليمين الاسرائيلي الذي يمرّ بهزات عميقة.

( يوسي فيرتر، معلق الشؤون الحزبية في "هآرتس")