الاغتيالات تنتظر مغادرة باول

من مقطع الشارع الواقع شمالي مستوطنة عوفره، والذي شهد العديد من العمليات، أرسل أمس ناشطو الذراع العسكري لحركة فتح التحيّة التقليدية والمتوقعة لوزير الخارجية الامريكي، كولين باول.وكما حدث في الماضي في بداية كل الزيارات السابقة لباول والجنرال زيني، ترسل الـ "منطقة" الفلسطينية مذكّرة مؤلمة للواقع الدموي. وهذه المرّة كانت عن طريق سيارة تسيون دافيد من غفعات زئيف المثقوبة بالرصاص. ذلك رغم أنه ليس فقط الشخصية الفلسطينية الرفيعة التي التقت الضيف تبدّلت (أبو مازن بدل ياسر عرفات) أنما ايضاً مكان اللقاء (أريحا)، أختيرت هذه المرّة ايضاً منطقة رام الله كمكان للعملية. وعملياً، هذه هي العملية الثانية التي يقتل فيها اسرائيلي في المنطقة نفسها في أقل من اسبوع وبالذات في المكان الذي يعتبر أحد الاماكن الهادئة في الضفة في الاشهر الأخيرة.

قسم كبير من العمليات التفجيرية، منذ الاتصالات التي سبقت تشكيل حكومة أبو مازن، هي من تنفيذ أعضاء "التنظيم"، إذ أن عددا كبيرا منهم بعيدون عن التسليم بالتطورات الأخيرة. وفي شعبة المخابرات يعتقدون بأن تمويل نشاطات المجموعات المسلحة ما زال يتدفق من محيط عرفات. واتضح أمس أن العلاقة بين رئيس السلطة والارهاب أصبحت بارزة اكثر: وفق زعم ضباط كبار، فإن العمليتين الأخيرتين في منطقة رام الله تم توجيههما من "المقاطعة" حتى ان منفذي العملية قد انطلقوا من هناك. إن مستوى دقّة إطلاق النار في الحالات الأخيرة يعزز الاعتقاد بأن الحديث هنا يدور عن رجال الأجهزة الأمنية سابقاً، الذين تلقوا تدريبات عسكرية.

ويبدو أنه ليس بهذه السرعة ستوافق الفصائل المحلية لحركة فتح في الضفة على القاء سلاحها، وبالتأكيد عندما يجري الحديث عن عمليات ضد المستوطنين، تلك العمليات التي تحظى بتأييد واسع في صفوف الجمهور الفلسطيني. توجيه الضربات الى المستوطنين ما زال "يحصد النقاط" لصالح "فتح"، في المنافسة المتواصلة على الفوز بالشعبية إزاء "حماس". يبذل الذراع العسكري، مؤخراً، جهوداً كبيرة في سبيل أن يعيد الى صفوفه نشطاء كانوا قد انضموا الى "حماس"، خاصة وأن الدعم المادي الذي زودهم به التنظيم الاسلامي كان متواصلاً وواسعاً.

وخلافاً لما كان يمكن ان نعتقد، فليس مؤكداً بتاتاً أن تلك العملية أثرت بشكل خاص على ابو مازن، رغم توقيتها المحرج نوعاً ما. والحقيقة هي أن مقتل الاسرائيلي لم يؤدِ الى إرجاء اللقاء بين باول ورئيس الحكومة الفلسطيني، ولم يبتز استنكاراً شاذاً من الضيف وحتى انه لم يؤخّر "حسن النوايا" الاسرائيلية (في جهاز الأمن يفضلون وصفها بـ "خطوات بناء الثقة") التي تقررت بمناسبة الزيارة. وبعد وقت قصير من عملية القتل في عوفره، صباح امس، بدأت عملية إطلاق سراح عشرات المعتقلين الاداريين من معتقل كتسيعوت. وكان بإمكان ابو مازن ان يستغل العملية لكي يشرح للضيف الامريكي الصعوبات التي تواجهه من البيت، طالما ان اسرائيل لا تنفذ ما هو مطلوب (انسحاب جزئي، وقف الاغتيالات وتسهيل حركة التنقل). إن سيطرة محمد دحلان على ما يجري في منطقة الضفة تكاد تكون صفراً. وتحت ضغط ثقيل، فإن رؤساء الاجهزة الخاضعة له على استعداد ان يتمنوا للوزير الجديد النجاح في جهوده، ولكن بعضهم لن يفعل أي شيء من شأنه ان يساعده في تحقيق هدفه.

ومقابل التلكؤ الفلسطيني، تقدّم اسرائيل صورة صارمة جداً. رياح من التشكك ما زالت تهبّ في اروقة وزارة الدفاع طالما أن الأمر يتعلق بدرجة الثقة بالنوايا الحسنة للشريك الجديد من رام الله. "سلة" حسن النوايا التي أعدّت حالياً متواضعة وجزء منها على الأقل مستعاد. معظم وسائل الاعلام سارعت صباح أمس لتبشّر أن الاغلاق التام على الاراضي المحتلة قد أزيل على شرف استقبال باول. ولكن عملياً، فإن الحديث هنا عن الاغلاق الذي فرض عشية يوم الاستقلال (كما كل سنة تقريباً) وكان من المخطط له أصلاً أن ينتهي في بداية الاسبوع. وبعده ايضاً، سيتم السماح فقط لنحو 25 ألف فلسطيني من ذوي التأشيرات الخاصة بالدخول الى اسرائيل. وما زال مئات آلاف الفلسطينيين الاخرين لا يستطيعون الخروج حتى من قراهم الى المدينة المجاورة.

صحيح ان النقاش الداخلي بين الجهات الأمنية قد حسم (بتحفظ الشاباك) وأن حوالي 180 معتقلاً إدارياً سيطلق سراحهم، لكن بالنسبة لمعظمهم فإن الحديث يدور عن تقصير مدة العقاب بأسابيع عدة فقط. وزير الدفاع، شاؤول موفاز، كرّر في لقائه مع باول أربع مرات التأكيد بأن اسرائيل "لن تتنازل مليمتر واحد" بما يتعلق بمصالحها الأمنية. يمكن ان نقدّر بأن جهاز الأمن قد يوافق على طلب واحد يحد من نشاطه العسكري: "اغتيالات" النشطاء الارهابيين، مهما كانت ضرورية، سيتم إرجاؤها لمدة 24 ساعة الى أن يتكرّم الضيف من الولايات المتحدة بالسفر الى مكان آخر.

(هآرتس 12 أيار 2003)