الجيش يعتبر استئناف العملية السياسية انتصارًا

"انسكو 1"، سيارة منسق أعمال الامم المتحدة في المناطق (الفلسطينية) تيري لارسن، توقفت بعد ظهر امس (10/4) بجوار مقر قيادة اركان الجيش الاسرائيلي. السائق شعر بالملل، أمّا لارسن نفسه، فلا - فقد التقى مع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الجنرال أهارون زئيفي (فركش)، لتبادل الاراء والتقييمات، كعادتهما من حين الى آخر. على مسافة غير بعيدة من هناك، وفي نفس الساعة بالضبط، التقى ضابط الاتصال الأمريكي بشأن الأزمة في العراق تشارلز سيمبسون، مع عدد من كبار الضباط في الجيش الاسرائيلي. خمود الحرب في العراق تزامن مع استئناف العملية السياسية.في الايام القريبة يفترض أن يبلّغ سيمبسون بموعد انتهاء مهمته في اسرائيل واخلاء طاقمه، سوية مع صواريخ "الباتريوت" وسفينة حربية امريكية راسية قبالة الشواطىء الاسرائيلية. النشاط العسكري يوشك على الانتهاء، فيما يوشك النشاط السياسي على تغيير وضعية التراكم: انتهاء الجمود.

هاتان الحقيقتان ستشكلان صلب التقييمات التي سيقدمها الجنرالات فركش، وغيورا آيلند رئيس قسم التخطيط، ودان هرئيل رئيس قسم العمليات، في اجتماع القيادة العامة الذي سيعقد الأحد (12/4) في قاعدة لسلاح الجو في مركز البلاد، باشتراك المئات من الضباط برتبة عقيد وما فوق. القيادة العليا ستستمع ايضًا الى تقارير من المستشار المالي لرئيس الأركان ومن رئيس قسم القوى البشرية، حول قضايا الميزانية الأمنية والخطة المتعددة السنوات. التجسيد الفوري لهذه القضايا هو: فصل العديد من الضباط، وخاصة من الدرجات والأجيال المتوسطة.

هذا الاجتماع سيختتم بتلخيصات يقدمها رئيس الاركان موشي يعلون، ووزير الدفاع شاؤول موفاز. في الايام الأخيرة دار نقاش جدي في قيادة الأجهزة الامنية في محاولة لاقناع الرجلين (يعلون وموفاز) - وبواسطتهما ايضًا رئيس الحكومة ارئيل شارون والقيادة السياسية والجمهور عامة - بأن لا مبرر للمزاج المتكدر الذي بدأ ينتشر في القدس وتل أبيب طالما يتأكد ان الجيش الأمريكي يقوم بالتيقن من قتل نظام صدام حسين. هذا المزاج لم يكن وليد رؤية مهنية (جنرالات الجيش الاسرائيلي عبروا عن انبهارهم بأداء زملائهم)، وانما كان ردًا غريزيًا: الويل لنا، الامريكيون ينهون مهمتهم في العراق، وسيتفرغون الآن لنا ليفرضوا علينا "خارطة الطريق".

ممثلو "التيار المعتدل" في الجيش قالوا في المناقشات الداخلية: صحيح ان "خارطة الطريق" على وشك االتدشين الرسمي، لكن هذه ليست هزيمة مقلقة، بل انتصار كبير. فقد حارب الجيش من اجل هذا بالضبط، من اجل استئناف العملية السياسية مع قيادة فلسطينية جديدة تتنصل من الارهاب وتحاربه. لقد ارادت اسرائيل تعيين ابي مازن رئيسًا لحكومة السلطة الفلسطينية وكان لها ذلك. انتظرت الحرب الأمريكية على العراق ومن حقها ان تبدو راضية لتطورات هذه الحرب ونتائجها حتى الآن. انها بدايات نشوء نظام اقليمي جديد. في مثل هذه الظروف، تبدو العملية السياسية عند استئنافها هي هي الانتصار المطلوب، وجزءًا من التحول والانطلاق، وليس بقايا من العالم المنهار لصدام حسين وياسر عرفات ، ولذا فانه انتصار كبير وهام لاسرائيل.

وبما ان الاطار سيؤثر على المضمون، تقترح القيادة الأمنية العمل من اجل اقناع الادارة الأمريكية بوضع لجنة التوجيه لخارطة الطريق في امتحان العراق: كل من عارض الحرب هناك لا يمكنه المشاركة في قطف ثمارها السياسية. "المجموعة الرباعية" فشلت في هذا الامتحان: ثلاثة ارباعها على الأقل (اذا ما تجاهلنا الربع الرابع، وزير الخارجية كولن باول) محظور عليهم الآن التدخل في شؤون الشرق الأوسط: الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، وروسيا. الغطاء الدولي لا يزال ضروريًا للعملية، ولكن بتركيبة مغايرة، تضم اولئك الجَسورين الذين تجرأوا وانتصروا في العراق، الى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا: استراليا واسبانيا وايطاليا وبولندا وهولندا.

الفرضية الخفية لدى اصحاب هذا التوجه تقول ان شارون معني بتحقيق تقدم سياسي وانه مستعد لقطع شوط طويل مع جورج بوش، الى حد اقامة "الدولة المؤقتة"، المشروطة، فلسطين المحدودة الضمان - بين غور الاردن والجدار الفاصل - من غير حدود نهائية ثابتة ومن غير حل لمسألتي القدس واللاجئين، ولكن مع تواصل مُواصلاتي وعيّنة من اخلاء المستوطنات (تلك التي في قطاع غزة وست اخرى من الضفة الغربية)؛ تسوية مرحلية يريد الأمريكيون تحديد مدتها بسنتين بينما سيسعى شارون الى جعلها 20 سنة. مثل هذا المسار سيقذف الى خارج الحكومة افيغدور ليبرمان، وربما ايفي ايتام ايضاً، ليضم اليها عمرام متسناع وابراهام شوحط وزملاءهما.

المهمة الفورية للذراع السياسية في قيادة أركان الجيش هي تجنيد موفاز الى جانبها. وزير الأمن، رئيس الأركان السابق، لم يرتق حتى الآن من القيادة العسكرية الى السياسية. مثله مثل فتى ترفع من المدرسة الابتدائية الى الاعدادية، لكنه يصر على العودة الى ساحة اللعب في المدرسة الابتدائية لمنافسة طلاب الصفوف الأدنى.

ولكن في حقبة ما بعد صدام، ومع ابي مازن كندٍّ لعرفات، تبدو ظروف البدء بتجنيد موفاز لدعم موقف معتدل ظروفاً مريحة: لن يعزز موقعه في حزبه وبين الجمهور عامة من خلال مواقف متطرفة، وهزال قدراته الابداعية سيكون ميزة كبرى اذا ما اقتنع. ان قوته تكمن في استيعاب وهضم المعطيات التي تقدم اليه جاهزة، ومن ثم معالجتها واشتقاق قرارات تنفيذية منها. في بعض المجالات الاخرى قد يعتبر هذا انتحالا، ولكن في التنظيمات الكبيرة حيث القائد مشغول جدًا يسمون ذلك "الادارة العليا" و"التوزيع الصحيح لوقت القادة". الرئيس بوش، مثلا، لا وقت لديه لكتابة خطاباته، وعندما حصل عليه، قام بخلع صدام حسين.

(هآرتس، 11/4، ترجمة: "مـدار")