"والآن جاء دَور سورية.."

"بعد ان استوعبت سورية لاجئين من العراق وساعدته خلال الحرب، سيضطر الامريكيون للتفكير الان بالخطوات الواجب تنفيذها". هذا ما قاله (الخميس 10/4) "المرشد القومي" الجنرال عاموس غلعاد، في خطاب له امام المركز الاسرائيلي للادارة في تل ابيب. "الان يدرك الاميركان ما ادركناه نحن منذ امد بعيد. سورية تدعم تنظيمات الارهاب، وتوفر لهم الملاذ وتهتم بتزويد حزب الله بالسلاح"، اضاف غلعاد.

ويرى "المفسر القومي" الاسرائيلي خلال فترة العدوان على العراق ام انهيار نظام الرئيس العراقي صدام حسين له اهمية كبيرة بالنسبة لاسرائيل. "هزيمته تؤدي الى شطب الجبهة الخلفية الاستراتيجية لاعداء اسرائيل، وبرأسها سورية، المعزولة الان من كل الاتجاهات"، مؤكداً على ضرورة "حدوث تغيير الان في سورية".

وتطرق غلعاد الى "التهديد الايراني" فقال: "محظور على اسرائيل ان توافق على ان تمتلك دولة معادية كايران سلاحا نووياً"، مضيفاً ان ايران "تبذل الكثير في مأسسة الارهاب ضد اسرائيل"، معطياً مثلا على ذلك في "دورها في العملية الانتحارية في نفيه شأنان بحيفا قبل شهر، والذي راح ضحيته 23 اسرائيلياً".

وتأتي تصريحات غلعاد في اطار حملة اسرائيلة تعود الى ما قبل العدوان الامريكي – البريطاني على العراق، وترمي الى الضغط على الادارة الامريكية لتصنيف سورية ضمن "محور الشر"، سوية مع ايران وكورية الشمالية.

وسبق لعدد من كبار المسؤولين الامريكيين ان اتهموا دمشق بنقل اسلحة ومعدات قتالية للعراق خلال الحرب، والأن يقول بعضهم ان سورية وفرت الملاذ لأركان النظام العراقي في اراضيها.

وفي هذا السياق جاءت أقوال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون مراقبة الأسلحة والأمن الدوليين، جون بولطون، والتي بحسبها على دول العالم التي تملك أسلحة الدمار الشامل "أن تتعلم الدرس" من الهجوم الأمريكي على العراق، وهي ترمز ربما لآمال قياديي التيار المحافظ في النظام الأمريكي، ولكنها لا ترمز بالضرورة للوجهة التي ستسير فيها الولايات المتحدة الآن.

وعندما تنتهي القوات الأمريكية نهائيًا من إحتلال العراق وتبديد اركان الحكم فيها، سيضطر الرئيس الامريكي جورج بوش ورؤساء نظامه لأن يقرروا وجهتهم- إذا كانت المعركة ضد العراق الفاتحة فقط تهيئةً لاستعراض عسكري ضد الدول الأخرى التي تملك بأسلحة الدمار الشامل، كما رمز بولطون، أو أن الولايات المتحدة ستتفرغ الآن لاستعراض قدراتها لحل هذه الأزمات بطرق دبلوماسية أيضًا.

وقد بقيت الآن في "محور الشر"، الذي أعلن عنه الرئيس بوش قبل أكثر من سنة، دولتان فقط – إيران وكوريا الشمالية - والاثنتان ترفضان في هذه المرحلة، الخروج من القائمة طواعيةً.

ومسألة كوريا الشمالية هي أكثر بساطة، من عدة نواحٍ. وعلى الرغم من أن الحديث يدور عن دولة خطيرة جدًا على الورق – لديها سلاح ذري، وقدرات إطلاق متقدمة وجيش قوي - إلا أن التقدير الأمريكي الشائع بين كل قطاعات النظام، هو أن كوريا الشمالية تفتقر لعنصر واحد مركزي: الرغبة في الهجوم. ولم يتغير تقدير الرئيس بوش ومستشاريه، على الرغم من التحرشات الكثيرة من جانب حكومة فيونغيانغ. واضطرت الولايات المتحدة، (الخميس 10/4)، للتوضيح عن طريق سفيرها إلى الأمم المتحدة، أنها لا تنوي الهجوم على كوريا الشمالية وأنها ملزمة بتحقيق اتفاق بالطرق السلمية. وتخشى الولايات المتحدة من أن ترى فيها كوريا الشمالية خطرًا أكبر مما هي عليه، ولذلك فإن المجهود الآن هو في سبيل تهدئة فيونغيانغ، لئلا تظن أن الهجوم الأمريكي عليها هو حتميّ.

ويُنظر إلى أيران اليوم على أنها تهديد يتنامى بسرعة أكبر بكثير، نتيجة المعلومات الجديدة عن تقدم خطتها النووية. وإذا كانت الولايات المتحدة تؤمن بالحل السياسي في قضية كوريا الشمالية، فإنها تؤمن بالتغيير الداخلي في قضية أيران. والحل الأمريكي للمشكلة النووية الأيرانية هو الإستمرار في تطوير المعارضة داخل الدولة، إنطلاقًا من فرضية أن أيام حكم "آيات الله" معدودة، وأن نهايته ستأتي من الداخل. والسؤال الذي سيضطر بوش لمواجهته هو ماذا سيسبق ماذا - تغيير النظام طواعيةً أو إستكمال الخطة النووية. في كل الحالات، لا ترى الولايات المتحدة في طهرانَ الأن هدفًا محتملا لنشاط عسكري.

الدولة الثالثة التي تقلق الولايات المتحدة هي سورية، الخارجة صوريًا من قائمة "محور الشر"، ولكن الولايات المتحدة تتهمها بامتلاك أسلحة كيماوية. والعلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا هي في مفترق طرق، كما أن الرد الأمريكي على أعمال دمشق أثناء الحرب، منوط بخطوات بشار الأسد القادمة. وللولايات المتحدة قائمة طويلة من الادعاءات ضد سوريا – من دعم "حزب الله"، مرورًا بمنح حرية العمل لتنظيمات "إرهابية" وحتى منح الحماية لكبار النظام العراقي- لكنها ما زالت تأمل بأن تكون التهديدات كافية لتغيير الاتجاه. وفي أعقاب أقوال جون بولطون، (10/4)، يبدو أن سوريا هي الدولة الوحيدة من ضمن قائمة الأهداف الأمريكية، التي يجب أن تخشى من إستعراض القوة الأمريكي في العراق.