الجيش الاسرائيلي يتوقع نجاح ايران في الحصول على قنبلة ذرية خلال عامين

التهديد النووي لم يعد مسألة نظرية: فللمرة الاولي على الاطلاق يقوم جيش الدفاع باعداد خطة عمله للسنوات الخمس القادمة في ظل خطر نووي ملموس من جانب دولة معادية هي ايران. خبراء الذرة والاستخبارات في الغرب يقدرون ان ايران ستمتلك القنبلة النووية حتي عام 2005 حسب الوتيرة الحالية.
في عام 1981 هاجم سلاح الجو المفاعل النووي العراقي قبل ايام من وصوله الي نقطة اللاعودة وتحوله الي مفاعل نشط. كل ضرر يلحق بالمفاعل في مرحلة ما بعد نقطة اللاعودة كان من شأنه ان يلحق ضررا بيئيا هائلا. بالنسبة لايران نقطة اللاعودة هي الوصول الي القدرات المستقلة في تخصيب اليورانيوم التي تسمح بانتاج قنبلة نووية بعد ذلك بعام. التقديرات هي ان ايران ستصل الي هذه النقطة حتي نهاية هذه السنة أو في منتصف 2004.


بالنسبة للقنبلة النووية ذاتها فمن المتوقع ان يصل اليها الايرانيون حتي نهاية 2005 أو بداية 2006.
الا ان المصادر التجسسية في الغرب تحذر بأن نظام آيات الله قد يبذل جهودا لتقصير الخطوات والحصول علي رأس متفجر نووي من طرف خارجي. وفي ظل هذا الوضع ستصبح الجداول الزمنية أقصر بسنة.

سباق ضد الزمن

رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، العميد عاموس جلعاد، قام في صيف 1996 بطرح القنبلة النووية الايرانية علي جدول الاعمال الأمني الاسرائيلي. شعبة الاستخبارات حذرت من ان النظام الايراني يقوم بتطوير ذراع استراتيجي يجمع بين عائلة صواريخ ارض ـ ارض بعيدة المدي مع السلاح النووي.
في ذات الوقت، بدأت تظهر أنباء حول تطوير صاروخ ايراني ذو مدي 300 كيلومتر أطلقت عليه اسم شهاب 3 . الاوساط الاستخبارية الاسرائيلية اختلفت فيما بينها حول قدرة ايران علي الوصول الي القدرات النووية وبناء صواريخ بعيدة المدي. الافتراض الأساسي كان ان هذه العملية طويلة في كل الاحوال وان هدفها في نهاية المطاف هو الردع والدفاع عن النفس ـ ومن هنا فان حالة الهستيريا في هذا المجال مسألة لا داعي لها. شعبة الاستخبارات العسكرية برئاسة بوغي يعلون حظيت في حينه بانتقادات كثيرة من جانب النظراء في الدوائر الاستخبارية.
رئيس هيئة الاركان في حينه، امنون ليبكين شاحك، وقادة سلاح الجو والبحرية، ووزير الدفاع اسحق موردخاي، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، تبنوا وجهة نظر شعبة الاستخبارات العسكرية. الجيش بدأ يركز بصورة كبيرة أكثر من السابق علي توفير الردود لما أطلق عليه في حينه العدو في الدوائر الأبعد . وفي هذا السياق تمت زيادة الاستثمارات في مجال جمع المعلومات الاستخبارية وفي مجال التجسس الفضائي. صاروخ حيتس مثلا أعد سلفا ليكون ردا علي شهاب أكثر من كونه ردا علي سكاد العراقي المحسن. القرارات التي اتخذت في أواخر التسعينيات حول نوع الطائرات وحجمها التي سيشتريها سلاح الجو تأثرت هي ايضا من التهديد الايراني. طائرات اف 16 آي التي ستتسلمها اسرائيل في نهاية السنة الحالية اشتريت علي أساس نفس التوجه. خطة العمل متعددة السنوات الحالية أخذت بعين الاعتبار التهديد الايراني، الامر الذي يوفر عليها اتخاذ قرارات مفاجئة وصعبة في اللحظة الأخيرة.
الشعور في شعبة الاستخبارات العسكرية كان ان هناك سباقا ضد الزمن، وان اسرائيل لن تكون قادرة علي منع الخطر المحدق وحدها، خلافا لمسألة المفاعل النووي العراقي. بقي هناك حلان محتملان: إما ان يتجند العالم الحر لوقف العملية الجارية في ايران، وإما ان يختفي نظام آيات الله عن الارض. والا فان اسرائيل ستواجه قواعد لعبة جديدة في الشرق الاوسط.
الجهود السياسية الاسرائيلية نجحت جزئيا. اسرائيل ليست المعارضة الوحيدة للتسلح النووي الايراني، ولكن الشعور هو أننا قد فوتنا القطار. يبدو ان الامر الوحيد الذي يمكن له ان يحرف الايرانيين عن مشروعهم النووي هو عملية احباط ممركزة ـ عملية عسكرية تضرب احدي الحلقات المركزية في سلسلة المشـــــروع الايراني. قبل الحرب الأخيرة في العراق كان هنــــــاك تردد في اوساط الادارة الامريكية بالنسبة لأهداف الهجوم. ايران ظهرت في القائمة الا ان العراق هو الذي سقــــــط في دائرة الاستهداف. الامريكيون اعتقدوا ان الصدمة العراقية، الي جانب التغيرات الجارية في افغانستان، ستزعزع أركان النظام الايراني. في ايران تحدث امور فعلا، ولكن التغيرات المأمولة ما زالت بعيدة.
الخبراء في المسألة الايرانية يتحدثون عن أجواء تذكر بالأجواء التي سادت عشية سقوط نظام الشاه. قبل اربعة اشهر توجه الشعب الايراني الي الانتخابات البلدية. نظام آيات الله حاول اقناع الجمهور بالتوجه الي التصويت، ولكن نسبة المقترعين في طهران كانت 8 في المئة فقط، واغلبهم من أتباع النظام. الشعور السائد في الغرب هو ان الجماهير الايرانية تصوت ضد النظام بالأرجل.
في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2004 سيخوض رئيس ايران المعركة الانتخابية للولاية الثانية. في الغرب يدعون ان الحزب الذي يترأسه قد أصبح مفككا وبلا معني وان ما حدث هو انه خلق وهما بحدوث الاصلاح ولا أكثر من ذلك. ولكن الغرب ما زال يتلعثم. وزير الخارجية، سلفان شالوم، قال للكونغرس بأن الطلبة الايرانيين الذين تظاهروا في طهران لم يحظوا بدعم الغرب، ولذلك تلاشت العملية.
الانطلاقة السياسية الحقيقية حدثت فقط في شهر آب (اغسطس) 2002 نتيجة لخطوة اعلامية بدت يائسة من الناحية الخارجية. في نيويورك ظهرت مجموعة من رجال المعارضة الايرانيين وطرحت أدلة موثقة بصور فضائية تثبت ان ايران تخدع العالم في المجال النووي وتلتف علي اتفاقات حظر نشر السلاح النووي التي وقعت عليها، كما انها تستغلها لشراء العتاد. اولئك المنفيون الايرانيون، أتباع مجاهدي خلق، طرحوا في السياق موقعين مرتبطين بالتطوير النووي العسكري الذي أخفته ايران: في ماتماز وفي عرق. الادارة الامريكية أكدت لاحقا ان المعمل الموجود في ماتماز يستخدم لتخصيب اليورانيوم وان المنشأة الموجودة في عرق مخصصة للمياه الثقيلة. هذا كله يحدث في الوقت الذي يتعامل فيه الجميع مع مفاعل بوشهر علي انه مفاعل للأغراض السلمية. من الواضح ان ظهور أتباع المعارضة الايرانية في نيويورك لم يكن صدفة. من أعطاهم المواد التي استخدموها كان يائسا علي ما يبدو من محاولات اقناع العالم وأمل ان يؤدوا المهمة. الخطوة نجحت، والعالم اقتنع بالمضمون. الامريكيون أدركوا ان ايران تشكل تهديدا حقيقيا، المانيا وفرنسا وبريطانيا أعلموا الايرانيين بصورة مشتركة بأنهم سيقطعون علاقاتهم التجارية معهم، الروس بدأوا عملية استيقاظ وصحوة من وهم التطوير النووي للأغراض السلمية. في الفترة القادمة ستبحث وكالة الطاقة النووية في اتخاذ خطوات ضد النظام الايراني، وفي ايلول (سبتمبر) سيقوم مجلس الأمن بذلك بسبب رفض ايران التوقيع علي البروتوكول الاضافي الذي يعني المزيد من الرقابة والشفافية في المسألة النووية.
الايرانيون لا يريدون التوقيع خشية تأخير موعد وصولهم الي نقطة اللاعودة. هم يحاولون كسب الوقت. وزير الخارجية الايراني قال ان البروتوكول مسألة معقدة يتوجب دراستها. والرئيس خاتمي يتحدث عن الحاجة الي الحصول علي مصادقة البرلمان الايراني، وهذه مسألة تتطلب الوقت.
المحافظون في الدوائر الايرانية الحاكمة يطالبون بالخروج من معاهدة حظر نشر السلاح النووي. فهم يعتبرون ان امريكا تنوي مهاجمة ايران، ولذلك يتوجب استكمال المشروع النووي بسرعة وتجاهل الضغوط. أمام ناظريهم يمثل نموذج كوريا الشمالية حيث تتمخض القنبلة عن الردع. العراق لم يكن يملك قنبلة ولذلك تعرض للهجوم.
الرد الايراني علي الضغوط الدولية لم يتأخر، في العشرين من تموز (يوليو) وفي مراسيم مثيرة للانطباع، نقلت صواريخ شهاب 3 ذات القدرات الميدانية الأولية الي استخدام سلاح الجو في الحرس الجمهوري. الايرانيون الذين خشيوا من هجوم امريكي ـ اسرائيلي أطلقوا رسالة واضحة: اذا هاجمتمونا فنحن قادرون علي الدفاع عن أنفسنا. وزير الدفاع الايراني، الادميرال شمخاني، قال بعد اجراء تجربة ناجحة علي الصاروخ بأنه اذا كانت الولايات المتحدة عصبية من ذلك فبامكانها ان تموت من عصبيتها .
النرفزة الامريكية نابعة ليس فقط من المسألة النووية. يتبين ان الايرانيين يغيظون الولايات المتحدة في كل المجالات تقريبا. مثلا، محطة التلفزة علام التي تبث للمدنيين العراقيين برامج تحريضية يومية مناهضة للامريكيين كانت قد أقيمت في ايران من قبل الحرب ضد العراق. الايرانيون يخربون كل محاولة للتهدئة في المناطق الشيعية العراقية، مثلا من خلال تصفية رجال الدين المقبولين علي الامريكيين. القوات الايرانية دخلت في الاسبوع الماضي الي مستنقعات البصرة وأخرجت منها بضغوط امريكية.
في افغانستان أنفق الايرانيون 600 مليون دولار لترميم الشوارع، ولكنهم يدعمون في المقابل الزعماء المعادين للولايات المتحدة. ايضا في كل ما يتعلق بتوفير الحماية لأفراد تنظيم القاعدة يسود التوتر بين امريكا وايران، ذلك لان نظام آيات الله يوفر ملجأ لعدة آلاف من أفراد تنظيم القاعدة بمن فيهم عناصر من القيادة مثل نجل اسامة بن لادن والناطق باسم التنظيم وغيرهما. الايرانيون أعلنوا انهم لا ينوون تسليم أفراد تنظيم القاعدة طالما لم تقم الولايات المتحدة بتسليمهم أفراد المعارضة الايرانية الموجودين في العراق.
الجبهة الاخري التي تناهض فيها ايران علانية الولايات المتحدة هي الساحة السياسية في الشرق الاوسط. المؤامرات الايرانية ضد العملية السياسية الحالية أصبحت في الاشهر الأخيرة فظة أكثر من أي وقت مضي بما في ذلك التسلل للمناطق والتفعيل المباشر للفلسطينيين في الضفة ومحاولة تجنيد عرب اسرائيل. هذا في موازاة تحركات حزب الله في لبنان. وهذا كله يأتي من اجل إضعاف قوة اسرائيل من الداخل.

فقدان التفوق الاسرائيلي

عندما ستحصل ايران علي السلاح النووي ستستكمل الصورة من وجهة نظرها. اسرائيل ستفقد أحد عناصر قوتها الردعية الأساسية. العالم العربي يعتقد اليوم ان لدي اسرائيل 400 قنبلة نووية يمكنها من خلالها ان تدمر الشرق الاوسط مئات المرات. وظهور قوة ردعية نووية ايرانية يمكنه ان يزيل هذا التفوق.
في مثل هذا الوضع سيتسبب ذلك في ازدياد إقدام الجهات الاصولية للمس باسرائيل لان قدراتها علي الرد ستصبح محدودة. رئيس ايران السابق، هاشمي رفسنجاني، قال قبل عدة اشهر نحن مع قنبلة واحدة سنزيل اسرائيل. وهم مع قنابلهم غير قادرين علي إبادتنا . رفسنجاني أشار في الواقع الي عدم فعالية الرد الاسرائيلي ضد دولة كبيرة مثل ايران يمكنها ان تجتاز ردود الفعل العقابية الاسرائيلية.
التقدير هو ان الايرانيين سيخضعون بصورة سطحية ويقومون بالتوقيع علي البند المطلوب في الدقيقة التسعين، فيتنفس العالم الصعداء. الاوروبيون سيتمكنون في هذه الحالة من مواصلة تجارتهم مع ايران والضغط سيزول. عندئذ ستبدأ مناورات التسويف في تطبيق التعهد والالتزام به. ايران تحتاج فقط الي سنة اخري حتي تصل الي الاستقلالية في التطوير النووي، والاحتمال الأقوي انها ستنجح في المماطلة بالوقت وخداع العالم.

اليكس فيشمان
(يديعوت احرونوت) 8/8/2003