خطاب شارون سخر من الساخرين

لم يزحزح ارئيل شارون ابصاره عن الخطاب المكتوب، وكأنه لم يرغب برؤية ما يحدث امامه ومن حوله من عرض للزعرنة والجموح من جانب نحو 300 مستوطن ومتدين متزمت نجحوا في التسلل بطريقة ديمقراطية الى مؤسسات حزب الليكود.

بطريقته سخر شارون من الساخرين و "المصفرين"، حيث تحدث بعزيمة ورباطة جأش عن المسؤولية العليا التي يتحملها كرئيس للحكومة، وعن خارطة الطريق ومحمود عباس (ابو مازن) وهو ما لم يجرؤ عليه احد من المتحدثين الذين سبقوه. لكنه لم يذكر الدولة الفلسطينية، وعلى ما يبدو فان ذلك لا يعدو كونه، من ناحيته، مجرد اصطلاح.

خطاب شارون لم يسمع تقريبا في قاعة المؤتمر. فدوي الصفارات التي جرى تهريبها الى القاعة من جانب اتباع موشيه فايغلين غطى على خطابه. لكن كلامه سمع جيدا في البيوت من خلال التلفزيون ومحطات الاذاعة في اسرائيل والعالم.

لم يلحق بشارون اي ضرر يذكر من النواحي السياسية والحزبية والجماهيرية، ولن يتغير اليوم او غدا شيء فيه او في سلوكه او سلوك حكومته. الى ذلك فان الامر لم يكن مخيفا مثلما بدا ذلك على شاشات التلفزيون: فمن بين 3000 عضو في مؤتمر الليكود، حضر ما بين 700 الى 800 عضو، ثلثهم فقط (200 – 300 شخص) اطلقوا صيحات السخرية والاستنكار ضده، وهو شيء اعتاد عليه شارون، وان كان كأي زعيم ورئيس لحزب، يفضل ان يقابل باجواء مختلفة، اجواء اكثر حضارية وانضباطا.

شارون لا يرى في ما حدث في مؤتمر الليكود معيارا لشيء محدد. وهو يستخف بهذه المجموعة التي قامت بالاحتجاج ضده.. وقد سارع الجميع بعد انتهاء شارون من القاء خطابه - بما في ذلك الذين اتهموه في بداية المؤتمر بـ " الرضوخ للارهاب" وبضمنهم الوزير عوزي لاندوا، الذي كان من الجدير به تقديم استقالته بعد مثل هذا الخطاب - سارعوا الى مصافحته.

وعلى غير المتوقع، فإن شارون لم يكن حتى الشخصية المركزية التي استقطبت الاضواء في مؤتمر الليكود يوم 8/6.. فقد جرت على المنصة ديناميكية سياسية مثيرة. فنصف الوزراء، ومن ضمنهم غالبية الممتنعين عن التصويت على خارطة الطريق، آثروا عدم التحدث في جلسة المؤتمر. الممتنع الابرز، بنيامين نتنياهو، نجح بمهارة محسوبة بالافلات من صيحات السخرية من جانب ممثلي اليمين المتطرف، وبدلا من ممارسة التحريض ضد شارون، وهو ما لم يتورع عنه في مناسبات سابقة، فقد تلفع نتنياهو في هذه المرة بعباءة الداعي للوحدة ورص الصفوف. وعلى ما يبدو فانه ليس هناك من سبب يدعو نتنياهو لتحويل شارون الى خصم وعدو له، وقد ادرك ذلك منذ فترة طويلة، وعلى هذا الاساس تصرف في المؤتمر.

سيلفان شالوم وشاؤول موفاز، اللذان صوتا في الحكومة الى جانب خارطة الطريق، اختارا من جهتهما التودد لجمهور الحضور، وشددا في كلمتيهما على ما بدا مريحا لهما، وبالتالي خرجا دون خسائر. مئير شطريت، الذي يعد من المعتدلين في زعامة الليكود، تعرض لإنتقادات شديدة، لكنه، مثل شارون، معتاد على ذلك. ولابد من القول ان "شطريت"، وهذه شهادة لصالحه، لم يضمر اي ضغينة لشارون بعدما نحي عن منصبه الوزاري وعين في منصب نائب وزير بالوكالة في وزارة المالية، و "شطريت" لم يتوان عن الدفاع عن شارون عندما دعت الحاجة الى ذلك.

لكن الذي اخذ على عاتقه و ببهجة غير خفية القيام بدور "متلقي الضربات" نيابة عن شارون، كان الوزير ايهود اولمرت، الذي لم يأل جهدا في الدفاع عن رئيس الوزراء، لدرجة انه تحرش بالحضور وسخر من اسلوب جوقة المحتجين وقلة عددهم، كما انه قام بتصفية حساب بسيط مع احد زملائه في الحكومة (المقصود نتنياهو) عندما ذكر اولمرت المستمعين بمن كان اول زعيم لليكود قاد حزبه نحو تأييد اتفاقيات اوسلو عشية انتخابات العام 1996، ومن هو اول رئيس حكومة ليكودي يعيد للفلسطينيين اجزاء من مناطق "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية).

(هآرتس 9/6)