أبعد من يوم 30-3

أين يذهب الآلاف الذين شاركوا في نشاطات يوم الارض، الثلاثين من آذار الماضي، الآن؟ هذا سؤال موجه للقيادات العربية داخل إسرائيل، على اختلافها. ليس مناطحة، بل اعترافًا وإقرارًا بصلاحياتها وبمسؤوليتها.


ففي بعض الاحيان قد تتحول المظاهرة الى عكس المطلوب منها. بدلا من أن تكون تعبيرًا احتجاجيًا زخمًا يجسد ذروة لحالة تراكمية من العمل او النشاط، قد تتحول الى مجرد متنفس لا يبقي بعده دافعية للنشاط والعمل. وهنا، يتهدد المظاهرة خطر الانمساخ الى "رفع عتب" او "تتميم واجب" لا غير.
وعلى سبيل الاستطراد، يلاحظ وجود بعض المفرطين في الجعجعة المسلوخة عن الحس الجماهيري، ممن لا يملكون سوى البرطمة بكلمة "اضراب عام"، "مسيرة صدامية"، "نضال شرس"، ولكن دون الخوض في السؤال الاهم المرتبط بهذه النشاطات – ما هو مردودها العملي، وما هو الهدف من الفعل المطروح؟ أليست هذه هي السياسة، سلوك محدد بهدف تحقيق شيء!

المشكلة في النشاطات الشعبية المرتبطة بذكرى معينة (مثل يوم الارض)، ان السلوك المرتبط بالطابع الطقوسي للحدث، قد يطغى على حك الدماغ الضروري من أجل الإتيان بفعل مخطط ومحسوب ذي وقع وأثر و"قطران"! وليس الاكتفاء بالتحديد المسبق لليوم والتاريخ على التقويم السنوي، من أجل القول لاحقا بشكل استرجاعي: لقد أحيينا الذكرى وعلى الدنيا السلام.. كلا، لا سلام في هذا ولا مساواة.

إحياء الذكرى مطلوب، بل إجباري. وهذا ليس رأيي الشخصي، بل إنه قرار جماهيري. ولكن السؤال: كيف؟ كيف يمكن التخطيط لنشاط منظم بحيث لا يحول الذكرى الى يوم يتيم، بل يجعلها نقطة فاصلة بين عمليتين مترابطتين: أن تشكل من ناحية تكثيفًا لنشاط تصاعدي حول القضايا المرتبطة بالذكرى المقصودة، وأن تلعب دور الحدث الذي يؤجج النشاط نحو السنة القادمة.

السؤال الذي يُسأل هو: أين هذه القوة الجماهيرية طيلة أيام السنة، السابقة واللاحقة لتاريخ الذكرى المحدد؟ (وهو سؤال ليس موجهًا الى الناس، بل الى قيادات الناس). هل يجب أن يظل إحياء ذكرى يوم الأرض، أشبه بإحياء ذكرى لحدث سبق أن مرّ. فلو أنه هكذا – مجرد حدث ومرّ وانتهت تفاعلاته – لا بأس. ولكن – كما تؤكد كل التيارات - فلا زالت قضايا ومضامين ومعاني يوم الأرض راهنة.لا بل انها في ظل سياسة اسرائيلية تزداد دهاءً (تجاه "مواطنيها")، تزداد راهنية. فهل يجب أن تتلخص الاستفادة السياسية من إحياء الذكرى، بالخروج في يوم واحد، وإبقاء الـ 360 يوما المتبقية، وكأنها عابرة.

ليس هذا كلامًا في النظريات. ويقال هذا انطلاقا من الموافقة على التحليل القائل بأن مسألة الأرض ليست منظومة من الرموز فحسب. إنها ليست "الهوية" و "الانتماء" و "الكرامة" فقط. كلا. إنها الورطة التي يجدها الزوج الشاب الذي يبحث عن مكان يبني عليه (أو يستأجر) بيتًا. إنها الحيّز الذي يمكن ويجب أن يتطور عليه مصنع، حديقة عامة، ملعب، مكتبة أو منطقة سياحية. هذه إشياء ملموسة جدًا، مادية جدًا، ولا يحتاجها الفرد في 30 آذار فحسب.

ربما انه يجب الوقوف أمام ثلاث نقاط:

1. كيف تترجم المضامين (التي يتفق عليها الجميع) المرتبطة بيوم الأرض، لنسافر بها من مرحلة الترميز، الى مرحلة قضايا الحياة اليومية. تلك التي يملؤها الغبار والأتربة (أرض لا؟!) وليست الملفوفة بمصطلحات متورّمة تتراقص في قاعات وثيرة.
2. ما الذي يجب عمله حتى يتم الاستفادة من الطاقة الأقوى – الطاقة الشعبية – لإنجاز وتطوير قضايا، هي الصُُّلب الصلب لقضية الأرض. وليس في "المسيرة التقليدية" (على أهميتها) فحسب..
3. متى نرتاح من الكلام الانشائي الكبير الذي يتعامل مع الارض بلغة الشعر والخطابة، بدلا من اعتماد مفردات التخطيط والاقتصاد.

من 30 / 3 / 2004 وحتى 30 / 3 / 2005، لا يزال بالإمكان وضع برامج عملية، غير فوقية، من أجل تحديد قضايا محددة، وإثارة النضال حولها. ليس كرد فعل محتمل على خطوة سلطوية قادمة. بل من خلال إجراء مسح ما، يتم من خلاله تحديد عدد من الاهداف (القابلة للتحقيق وليست المرّيخية)، والعمل على انجازها، وبمشاركة شعبية أولا.

بصراحة، لا يعقل أن تتحول ذكرى يوم الارض الى مجرد حيّز آخر للمنافسات الحزبية والفئوية السمجة، واستعراض العضلات المؤلفة من قطع قماشية مختلفة الألوان مرفوعة على أخشاب وعصي بأيدي شبّان، فيهم من الطاقة بحيث تزعزع الجبال – لو عرف أصحاب المسؤولية كيف يسيرونها!