سباق القضاء والسياسة الداخلية لحسم مصير خطة "فك الارتباط"


كلّما اقترب يوم الاستفتاء الذي يجري مطلع الأسبوع القادم كلما ازدادت تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون حدة. وهكذا، من دون سابق إنذار، أراد تحميل الليكوديين واليمين الإسرائيلي عامة مسؤولية عدم المساس، مستقبلا، بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إن صوتوا ضد خطة الفصل. وهو كذلك يحمّل هؤلاء، ومنذ الآن مسؤولية سقوط حكومة اليمين وتدهور العلاقات، مستقبلا، مع الولايات المتحدة برفض "الأمانة" التي أودعها لديه الرئيس الأميركي جورج بوش.


وإذا أشار ذلك الى شيء فإنما يشير الى إحساس حقيقي او مفترض لدى شارون بالقلق من نتائج الاستطلاع. وهذا ليس بالأمر الجديد على نفسية شارون الذي رغم استطلاعات الرأي المحابية له في جميع الانتخابات الداخلية في الليكود او العامة سعى دوماً لإظهار هذا القلق. ومع ذلك ليس من المستبعد أن يكون قلقه هذه المرة حقيقياً. إذ من المعلوم ان المواقف المبنية على أرضية أيديولوجية ليست قابلة للتغيير بين عشية وضحاها. ولذلك استقبل جمهور الليكود، بغير ارتياح، التغيير الحادث في موقف شارون تجاه إخلاء مستوطنات قطاع غزة وأربع مستوطنات في شمالي الضفة.


غير أن الجمهور الليكودي خصوصاً والإسرائيلي عموما افترض طوال الوقت ان التغيير في موقف شارون ينبع من ضغوط داخلية وخارجية على حد سواء، ولذلك فإن التغيير مفهوم. والواقع ان هذا الجمهور تقبّل التغيير في أفكار شارون لأنها بدت له تدرجية وأخذت وقتاً الى ان تبلورت. ولكن الجمهور الليكودي، وكما يبدو، لم يتقبّل التغيير الذي طرأ على آخرين وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو وسيلفان شالوم.


وفي نظر الليكوديين جاء تغيير موقف نتنياهو وشالوم من المعارضة الى التأييد كثمرة لمعطيات يرفض أعضاء الليكود ان يتّسم بها قادتهم. إذ لا خلاف حول الضغوط التي تعرّض لها الوزراء نتنياهو وشالوم وليمور ليفنات من شارون وخصوصا تجاه مستقبلهم السياسي في حكومته. كما ان أعضاء الليكود لا يصدّقون التبريرات التي طرحها كل منهم لتغيير موقفه. وبكلمات أخرى وبدلاً من الصورة العقائدية والمبدئية التي كان كل واحد من هؤلاء يرتسم فيها لدى جمهور الليكود صار مثالا للانتهازية وقلة الحول. ولذلك ليس صدفة ان عددا من أنصارهم السابقين اتهموهم بالخيانة والضعف والانتهازية.


ومن الجائز ان هذا الأمر هو ما دفع الكثير من الليكوديين الى إعادة النظر في موقفهم المؤيد لخطة الفصل. إذ بدأ هؤلاء يرون ان قادتهم يحددون مواقفهم ليس بناء على احساس بالمصلحة العامة وإنما وفق اعتبارات شخصية. لذلك فإن مؤيدي خطة الفصل بين الوزراء، وفي مقدّمتهم ايهود اولمرت وشاؤول موفاز، أيّدوا الخطة لأنها تسهم في بلورة صورتهم الزعامية داخل الليكود وفي إسرائيل عموماً. كما ان نتنياهو وليفنات وشالوم كانوا بشكل او بآخر، أثناء معارضتهم للخطة وحتى بتأييدهم لها ينظرون الى دورهم المستقبلي. والواقع ان الخمسة المذكورين يتنافسون على خلافة شارون وبالتالي على احتلال مكانته في زعامة الليكود وقيادة اليمين الإسرائيلي.
والواقع كذلك أن نتنياهو وليفنات وشالوم رفضوا طلب شارون الانضمام الى الحملة الدعائية الرامية لاجتذاب التأييد لخطة الفصل. وبحسب المقربين منهم فإنهم أبلغوا شارون انهم يعتبرون اعلان تأييدهم للخطة الحد الأقصى الذي يمكنهم الذهاب اليه.

وأمام هذا الحال يجد شارون لزاما عليه الاعلان مجددا عن انه يريد لخطة الفصل ان تغير وبشكل جوهري واستراتيجي مكانة إسرائيل. ولذلك يشدد أمام الليكوديين على ان الخطة تعني المزيد من الشدة في التعامل مع الفلسطينيين، والمزيد من القتل والابادة الرمزية. ولذلك تحدث في البداية عن قتل القاتل رقم واحد، في إشارة للشيخ الشهيد أحمد ياسين، وقتل القاتل رقم اثنين في إشارة للشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي. وقال ان القائمة طويلة. وبعد ذلك أشار الى أنه أبلغ الرئيس الأميركي انه في حل من الالتزام السابق بعدم المساس بالرئيس عرفات. ولكنه لم يشر البتة الى ما قاله له الرئيس بوش. وهذا ما تبدّى في مسارعة الأميركيين الى اعلان رفضهم أي تغيير لهذا الالتزام. ولذلك سارع شارون الى إعلان انه جرى خلال الأيام القليلة قتل ثلاثة عشر فلسطينيا كانوا يخططون لتنفيذ عمليات في ذكرى قيام إسرائيل، وهو يجنّد الجيش ووسائل الاعلام في خطوة منسقة لإحراج الناخب الليكودي ودفعه الى التصويت بنعم ليس لخطة الفصل وحسب، وإنما للعلاقة مع أميركا ولبقاء الليكود في الحكم.


ومن المنطقي الافتراض ان شارون سوف ينجح في الغالب في الحصول على تصديق الليكوديين على الخطة ولو بأغلبية ضئيلة. غير ان ذلك لن يعني، بحال، أن الخطة باتت جاهزة للتنفيذ. فشارون سوف ينتظر الانتخابات الأميركية وإقامة الجدار الفاصل. وبكلمات أخرى ستوضع الخطة في ثلاجة او سيتم استغلالها لتنفيذ أجزاء أخرى من مخطط شارون. ولكن لن يتمّ تنفيذ الخطة ذاتها إلا بعد معرفة الاثر الذي ستحدثه في الساحة السياسية الإسرائيلية، وهل سينجم عنها تشكيل حكومة وحدة وخروج اليمين الأقصى من الحكومة. وهل ستستقرّ الحلبة الإسرائيلية الداخلية اثر ذلك؟ إذ هل سيبقى المعارضون داخل الليكود أم سيقودون معسكرا جديدا ضد الخطة وضد شارون وفي إطار تنظيمي جديد؟ وهل ان دخول حزب العمل الى حكومة شارون سيقود الى انشقاق في صفوف هذا الحزب؟ وهناك أسئلة كثيرة. غير ان أهمها هو: متى سيُقدم المستشار القضائي للحكومة توصيته بخصوص مسودّة لائحة الاتهام المعدّة ضد شارون؟


سباق القضاء والسياسة الداخلية يتواصل لحسم مصير خطة الفصل. وما اقرار الخطة داخل الليكود، او حتى في الحكومة والكنيست، إلا مجرد فصل من مسلسل طويل قبل تنفيذ الخطة.