هل تضرب إسرائيل المفاعل النووي الإيراني

على الرغم من تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن برنامجها النووي منذ أن وقّعت على البروتوكول الإضافي للحد من انتشار الأسلحة النووية، فإن القلق الإسرائيلي إزاء البرنامج النووي الإيراني خرج من دائرة الأجهزة الأمنية والعسكرية الى مجال الإعلام والجهود الديبلوماسية. ومن يتابع وسائل الإعلام الإسرائيلية هذه الأيام وكذلك تصريحات المسؤولين الإسرائيليين يستنتج بأن إسرائيل مستعدة لعمل كل ما هو ممكن لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، خصوصاً وأن إسرائيل ترى أن امتلاك إيران لمثل هذه الأسلحة سيقلب مفاهيمها العسكرية من نوع: التفوّق ـ القدرة على شن الحرب الوقائية ـ خوض الحرب على أرض العدو... رأساً على عقب.. لتجد نفسها أمام مفاهيم الردع النووي وتوازن الرعب وجهاً لوجه مع إيران، إذ يقول المحلل العسكري الإسرائيلي أليكس فيشمان في مقالة له تحت عنوان (جيش الدفاع يستعد للقنبلة النووية الإيرانية عام 2005): مع وصول إيران الى نقطة اللاعودة في مجال تخصيب اليورانيوم وهي التي تسمح بإنتاج قنبلة نووية بعد عام، فإن إسرائيل باتت أمام قواعد صعبة جديدة في الشرق الأوسط أدخلتها في سباق مع الزمن.


وسط الجدل الإسرائيلي الجاري حول البرنامج النووي الإيراني لعلّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف ستتعامل إسرائيل مع هذا البرنامج؟ من دون شك، تفكّر إسرائيل بكل الوسائل والأعمال والخيارات من أجل الوصول الى هدفها المتمثّل بمنع إيران من إنجاز برنامجها النووي، وهي في سبيل ذلك، يمكن القول إنها تفكر بمجموعة من الخيارات، أهمها:
1 ـ إقناع الإدارة الأميركية بالتحرك العسكري ضد إيران من خلال إبراز خطر إيران النووية على أمن العالم وتقديم المعلومات الاستخبارية للإدارة الأميركية بهذا الخصوص، ومحاولة ربط هذا الأمر بتعزيز جهودها التحريضية ضد إيران بزعم دعمها (لإرهاب المنظمات الفلسطينية واللبنانية: حماس ـ الجهاد ـ حزب الله..)، فضلاً عن محاولة إبرازها كطرف إقليمي يقوم بعرقلة الخطط الأميركية في العراق.
2 ـ تركيز الجهود الديبلوماسية تجاه واشنطن وموسكو وبرلين ولندن وباريس من أجل دفع هذه العواصم وكذلك المؤسسات الدولية/ مجلس الأمن ـ الوكالة الدولية للطاقة الذرية../ الى الضغط من أجل وقف البرنامج النووي الإيراني.
3 ـ إذ لم يكن ما سبق بالإمكان فإن الأوساط العسكرية والأمنية الإسرائيلية لا تستبعد خيار القيام بتوجيه ضربات جوية للمفاعل النووي الإيراني على غرار ضرب المفاعل النووي العراقي في تموز عام 1981 على الرغم من المحاذير الكثيرة في هذا المجال، سواء لبعد المسافة أو لإمكانية الإخفاق في تحقيق الهدف المحدد بسبب كثرة عدد المواقع والمسافات الكبيرة التي تفصل بينها، أو الخشية من رد إيراني قوي، خصوصاً في ظل امتلاك إيران لصواريخ متطورة تطال العمق الإسرائيلي.


4 ـ القيام بضرب هذا المفاعل من داخل إيران على شكل أعمال تخريبية تطال هذه المواقع.

ومهما يكن شأن هذه الخيارات، فإنها تشير الى أن إسرائيل ترى أن التهديد النووي الإيراني لم يعد مسألة نظرية، كما أن التوقعات الإسرائيلية بأنه بعد احتلال العراق سيتعرض النظام في إيران بشكل تلقائي الى التفكك تحت ضغوط الخارج وعوامل الداخل بدأت بالتلاشي مع تمسك المحافظين بزمام الأمور في البلاد، وهو الأمر الذي ضاعف القلق الإسرائيلي، وقد عكس هذا القلق الدراسة الصادرة أخيراً عن مركز "يافي" للدرسات الاستراتيجية التابع لجامعة تل أبيب، إذ أن هناك من يرى أن الهجوم الوقائي للمنشآت النووية الإيرانية عمل إشكالي قد لا يحقق النتائج المطلوبة، خصوصاً وأن الأهداف المطلوبة عديدة ومتفرّقة ومحصّنة، فضلاً عن أن مثل هذا الأمر قد يدفع بإيران الى الرد الذي قد يلحق ضربة بالعمق الأمني الإسرائيلي، وانطلاقاً من هذه الرؤية فإن هناك من يدعو الى البحث عن رادع خارجي، أي دفع الإدارة الأميركية الى القيام بعمل عسكري مباشر ضد إيران على غرار ما حصل مع العراق، في وقت يحظى مثل هذا الأمر بتأييد المحافظين الجدد وتحديداً التيار المتشدّد الذي يمثله دونالد رامسفيلد الذي يرى أنه لا جدوى من احتلال العراق من دون وضع اليد على إيران بوصفها أكبر عقبة أمنية في وجه المخططات الأميركية الرامية الى إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط.
في الواقع، مع استبعاد لجوء الإدارة الأميركية الى شن الحرب على إيران في المرحلة الحالية لأسباب أميركية بالدرجة الأولى، فإن الأوساط الإسرائيلية لا تستبعد خيار اللجوء الى قصف المواقع النووية الإيرانية، على الرغم من المخاطر ما دام يشكّل هذا الخيار الأسلوب الوحيد لمنع إيران من امتلاك الأسلحة النووية التي من شأنها قلب المفاهيم الأمنية الإسرائيلية رأساً على عقب، ووضع إسرائيل أمام قواعد جديدة لإدارة منطقة الشرق الأوسط والصراع عليها.("المستقبل")