الجدار العنصري وسياسة الاغتيالات: الخروج من المأزق على الطريقة الصهيونية

جاءت جريمة اغتيال الشيخ أحمد ياسين، في فجر 22 آذار/ مارس 2004، لتقدم دليلاً جديداً على الرؤية الصهيونية العنصرية العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني وقياداته وحقوقه المشروعة. فهذه الرؤية، التي تستند إلى المقولة الصهيونية الأساسية من أن فلسطين "أرض بلا شعب"، لا يمكنها أن تتعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم شعباً له حقوق تاريخية في وطنه، ومن ثم فإن الدفاع عن هذه الحقوق هو فعل مقاومة مشروع، بل وبديهي. وهي لا ترى الفلسطيني إلا باعتباره ميتاً أو غائباً أو تابعاً ذليلاً يقبل الوجود الصهيوني على أرضه، بل وينفذ عن طيب خاطر ما يمليه عليه هذا الوجود.

ولكن جريمة الاغتيال تبين في الوقت نفسه مدى اليأس والتخبط اللذين وصلت إليهما المؤسسة الصهيونية في مواجهة المقاومة الفلسطينية المتصاعدة. فقد أخفقت حتى الآن كل أساليب البطش والقمع والتنكيل والعقاب الجماعي التي اتبعتها الدولة الصهيونية في وقف انتفاضة الأقصى أو إثناء الشعب الفلسطيني عن التمسك بحقوقه المشروعة. ومن ناحية أخرى، فليس لدى الدولة الصهيونية ما تقدمه في أية مشاريع للتسوية، لإدراكها أن تلبية الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية هي بداية النهاية بالنسبة للمشروع الصهيوني ودولته.

وفي هذا السياق نفسه يأتي استمرار الدولة الصهيونية في بناء جدار الفصل العنصري، الذي شرعت في تشييده منذ حزيران/ يونيو2002. فهو تعبير عن فشل المؤسسة الصهيونية في كسر شوكة المقاومة أو إخمادها، ومن ثم لم يعد أمامها من سبيل سوى التحصن خلف الأسوار العالية. وقد عبَّر إيفي إيتام، زعيم "الحزب الديني القومي" (المفدال") عن ذلك بقوله:"إن من يريد إثبات انتصارالحركة الوطنية الفلسطينية على الحكومة الإسرائيلية فعليه أن ينظر إلى هذا الجدار الذي يعكف الجيش الإسرائيلي على إقامته حولنا. أي إنجاز يريده الفلسطينيون أكثر مما حققوه فعلاً بإجبارنا على الانغلاق خلف الجدران الأسمنتية والأسلاك الشائكة؟" (صحيفة هآرتس، 18كانون الثاني/ يناير2003).

ويتكون جدار الفصل العنصري من سلسلة من الحواجز تمتد على طول الخط الأخضر (أي الحدود ما بين أراضي فلسطين المحتلة عام 1948 والأراضي المحتلة عام 1967)، وهي عبارة عن جدران اسمنتية يتراوح ارتفاعها ما بين مترين وثمانية أمتار، وأسلاك شائكة وسياج مكهرب ونقاط مراقبة إلكترونية مزودة بأجهزة إنذار مبكر، بالإضافة إلى منطقة عازلة على طول الخط الأخضر بعمق يتراوح ما بين 2 إلى 10 كيلومترات، وتصل في بعض المواضع إلى 20 كيلومتراً، بعد ضم مستوطنتي "آرييل" و"كدوميم" شمالي الضفة الغربية، ومستوطنة "عمانوئيل" جنوب غربي نابلس.

ووفقاً لمخطط الدولة الصهيونية، فسوف يستغرق بناء الجدار أربع سنوات، وينقسم إلى ثلاث مراحل. المرحلة الأولى: تمتد من قرية سالم في شمال الضفة الغربية حتى مستوطنة "الكنا"، ويبلغ طول الجدار في هذه المرحلة 150 كيلومتراً، وقد تم الانتهاء منها في آب/ أغسطس 2003.

المرحلة الثانية: وتمتد من قرية سالم حتى بلدة التياسير على حدود وادي الأردن، ويبلغ طول الجدار في هذه المرحلة 260 كيلومتراً. وهذه هي المرحلة التي يجري تنفيذها حالياً.

المرحلة الثالثة: وتمتد من مستوطنة "الكنا" حتى منطقة البحر الميت.

ويبلغ طول الجدار بأكمله وفقاً للخطة النهائية 728 كيلومتراً، تم تقليص 80 كيلومتراً منه، مع بدء جلسات محكمة العدل الدولية بخصوص الموضوع في شباط/ فبراير 2004، ليصبح طوله 648 كيلومتراً. وتبلغ تكلفة بناء الكيلومتر الواحد حوالي 15 مليون شيكل إسرائيلي، أي ما يعادل نحو ثلاثة ملايين دولار أميركي (صحيفة هآرتس، 23 فبراير2004). وقد صُمم مسار الجدار بحيث يضم معظم المستعمرات الصهيونية في الضفة الغربية، مما يعني ضمها إلى حدود الدولة الصهيونية.

ولعل تقسيم عملية البناء إلى ثلاث مراحل على هذا النحو هو ما يدفع البعض إلى القول إن الجدار هو في الأصل ثلاثة جدران. فعلى سبيل المثال، أشار نايف حواتمة، أمين عام "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين"، إلى أن الجدار الأول هو الجدار الغربي، وهو شديد التلوي والتعرج بهدف التوغل داخل الأراضي الفلسطينية لإحاطة كل المستعمرات الصهيونية الكبرى، وهو يستولي على 16 في المئة من الأراضي الفلسطينية. وهناك الجدار الثاني، وهو جدار العمق الذي يتوغل داخل أراضي الضفة شرقاً لإحاطة مستعمرات أخرى وربطها بطرق التفافية وجدران فاصلة. أما الجدار الثالث، فهو الجدار الشرقي المقام على امتداد نهر الأردن بعمق 20 كيلومتراً إلى جهة الغرب، أي بعمق الضفة الغربية كلها (صحيفة الأهرام، 10 مارس2004).

وتقترن خطة بناء جدار الفصل العنصري بخطة أخرى لا تقل خطورة لتقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق، وهي:

منطقة أمنية شرقية: على طول غور الأردن، وتبلغ مساحتها 1237 كيلومتراً، أي ما يعادل 21.9 في المئة من مساحة الأراضي الفلسطينية، وتضم 40 مستعمرة صهيونية.

منطقة أمنية غربية: وتبلغ مساحتها 1328 كيلومتراً، أي ما يعادل 23.4 في المئة من الأراضي الفلسطينية. وهذا يعني أن المنطقتين تضمان 45.3 في المئة من الأراضي الفلسطينية.

منطقة ثالثة: وتضم المدن الفلسطينية الكبرى، وتُقسم بدورها إلى ثماني مناطق مفتتة ومنعزلة عن بعضها بعضاً.
ولكن هل ينجح ذلك الجدار العنصري، المقترن بسياسة الاغتيالات الوحشية والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، في إخماد جذوة المقاومة الفلسطينية؟ الواقع أن انتفاضة الأقصى المستمرة منذ قرابة أربع سنوات تؤكد عكس ذلك تماماً.