روايتنا وروايتهم

انه لأمر ايجابي بحد ذاته ان تنطلق مبادرات مجتمعية في مواضيع تخص الصالح العام، ومن الملفت للنظر هو جدية الشخصيات التي بادرت الى بلورة مشروع "نذكر الالام من اجل السلام" والتحضير لزيارة وفد فلسطيني الى معسكر الابادة في اوشفيتش . ويبقى النقاش مع جوهر المبادرة.
باعتقادي انه من المهم التمييز بين اليهود كيهود وبين دولة اسرائيل والاحتلال. كما من الضروري التمييز بين اليهود كيهود وبين الصهيونية كحركة ومشروع عنصري استعماري، ولد في اوروبا تماما مثلما ان اللاسامية ولدت ايضا في اوروبا.

جاء في البيان التاسيسي للمشروع ما يلي: "اننا نريد ان نفهم هذه المعاناة وما تركته من اثار على الشعب اليهودي تجعله يعيش هذا الخوف الدائم من الغير، خصوصا العرب والمسلمين في الفترات الاخيرة ويفرض على نفسه العزلة والاطواق ويطل على شعبنا الفلسطيني من خلال فوهة المدفع والدبابة".

اعتقد ان في هذا القول مغالطة كبرى، وفيه تكريس للمقولة الصهيونية فيما يتعلق بمفهوم الضحية واستخدامه اسرائيليا لتبرير سياسات اسرائيل العدوانية.

ان شعور اليهود بالخوف، هو نتاج الطابع العنصري والاستعماري لاسرائيل ونتيجة للاحتلال والاستيطان والقمع والاهانة اللاحقة بالشعب الفلسطيني، وتاريخيا - نتيجة قيام دولة اسرائيل كواقع استعماري على انقاض الشعب الفلسطيني بعد تشريده واقتلاعه من وطنه وتدمير ممتلكاته وبلداته. قامت اسرائيل بمصادرة الوطن ومنحته بموجب قانون العودة والمواطنة وانظمتها العنصرية الى اليهود سواء كانوا مواطنيها ام لديهم النية ان يصبحوا مواطنيها. ولم يعترفوا جماعيا لغاية الان حتى بمجرد المسؤولية عن نكبة الشعب الفلسطيني وحقوقه بالذات حقه بالعودة مقابل قانون العودة الاسرائيلي العنصري.

ان طرح روايتنا، اي رواية الشعب الفلسطيني، مقابل رواية اليهود التاريخية فيها اجحاف لمعاناة الشعب الفلسطيني، لان روايتنا هي النقيض للمشروع الصهيوني ذاته وللرواية الصهيونية. والصهيونية في نهاية المطاف هي جزء من الحركات الاستعمارية الاوروبية.

ان المشروع الصهيوني وروايته هو مصدر الخطر الاول على تشويه رواية اليهود في اوروبا التي شكلت رواية للمعاناة الانسانية مقابل جرائم ضد الانسانية، بينما يستخدمها المشروع الصهيوني بغية تبرير جرائم اسرائيل اليوم ضد الشعب الفلسطيني منذ النكبة وبتداعياتها لغاية اليوم، كما انه يشكل وجها اخر للاسامية.

الحملة الاسرائيلية المدارة في اوروبا هذه الايام تهدف الى تطوير مفهوم اللاسمية بحيث يشمل اي نقد تجاه سياسة اسرائيل والاحتلال كونها "دولة اليهود"، وانتقادها او موقف العداء من الدول بموجب هذا المفهوم هو عداء لليهود وللسامية. وبهذا الشكل فانهم يسخّرون مفهوم الضحية واللاسامية من اجل مخططات الدولة العدوانية.

ان الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ليس مجرد سوء تفاهم او سوء نية، ولا يمكن اصلاح الغبن التاريخي بهذه السهولة، فقد فرضت اسرائيل علينا فردا فردا وجماعيا ان نتعلم الرواية الصهيونية بكل تفاصيلها وان نذوّت رموزها، وعملت كل ما في وسعها من اجل ان ننسى روايتنا وذلك من خلال مناهج التعليم ووسائل الاعلام وحتى من خلال مسح اثار النكبة وتغيير معالم الوطن كلها. وباعتقادي ان اسرائيل لا زالت تملك القدرات كي تستخدم مثل هذه المبادرة من اجل تثبيت نفسية الضحية لدى المجتمع الاسرائيلي اكثر بكثير مما نملك من قدرات لاحداث انفتاح في المجتمع الاسرائيلي او تحول فيه.

من الضروري الفصل بين الصهيونية وبين اليهود، والسؤال هو حول الطريق الى ذلك!!