شارون يفضّل الانتظار

الاتصال الهاتفي من الرئيس جورج بوش مساء يوم الاثنين، بشر شارون بانتهاء "فترة الانتظار" الطويلة للحرب في العراق، وبداية فصل جديد في تاريخ الشرق الأوسط. حدثان اثنان شكَّلا دليلاً على العلاقة الوثيقة بين الأزمتين في المنطقة، في العراق وفي المناطق الفلسطينية: تعيين ابي مازن رئيسا للحكومة الفلسطينية، في ظل الانذار الأمريكي لصدام حسين؛ وتصريح بوش حول الالتزام بتطبيق "خارطة الطرق" التي يفترض ان تؤدي، بعد الحرب، الى اقامة دولة فلسطينية.من جهة شارون، فترة الانتظار بدأت في تموز الماضي، عقب خطاب بوش ودعوته الى تغيير القيادة الفلسطينية. رئيس الحكومة تبنى آنذاك توصية الجيش باعتماد سياسة "ادارة المخاطر" التي من شأنها خفض "الارهاب الفلسطيني" الى درجة معقولة، من خلال الامتناع عن التصعيد في المناطق (الفلسطينية) وفي الحدود الشمالية، وتوثيق التنسيق بين اسرائيل والولايات المتحدة. الجنرالات عرضوا امام شارون ثلاثة سيناريوهات قد تساعد اسرائيل ان هي حافظت على الانضباط: الحرب المتوقعة في العراق؛ تراجع قوة ومكانة (الرئيس ياسر) عرفات وصعود قيادة بديلة في الجانب الفلسطيني؛ وبناء الجدار الفاصل. رئيس الحكومة، من جهته، لم يقتنع تماماً بالأبعاد السياسية للجدار الفاصل واستغرب كون الموانع في الضفة الغربية اكثر اهمية من الجدران في الجليل وفي غزة. لكنه عاد في النهاية واقتنع. ولاحظ وزراء رافقوه هذا الاسبوع في جولة على طول "خط التماس" ان شارون "ذوَّت" الجدار، الذي هو المشروع المركزي في فترة رئاسته للحكومة.

سياسة الانتظار تلاءمت مع شخصية شارون، الذي يفضل الاستقرار والسيطرة الذاتية. في الاشهر الثمانية الأخيرة، حافظ رئيس الحكومة على هذا المسار وفرض هيمنته على المستويين السياسي والعسكري، حتى حين وقع في ازمة حكومية اضطرته الى خوض انتخابات جديدة تخللتها شبهات الفساد. الجيش نفذ تعهده وخفض "الارهاب"، كما ادى حصار (الرئيس الفلسطيني ياسر) عرفات الى صعود ابي مازن الذي يعتبر معتدلا. وحافظ شارون ايضا على قنوات الاتصال مع البيت الأبيض وتمتع بحرية الحركة والعمل في المناطق، وسط تقزيم التدخل الدولي في النزاع. وحين نشأ خلاف بينه وبين الولايات المتحدة حول الحصار على "المقاطعة" عرف متى يتراجع.

كان انجاز شارون الأكبر في ابعاد اسرائيل عن الحرب في العراق. فقد لجم الميل الاسرائيلي الطبيعي الى اقحام النفس في الأزمات. وحتى حين بالغت الأجهزة الأمنية هنا وهناك في تخويف الجمهور، حافظ المستوى السياسي على هدوء واضح. أجرى شارون حوارًا هادئاً مع الادارة الأمريكية. تهديداته التلميحية بالرد على أي هجوم صاروخي استغلت لتوفير مظلة دفاعية وضمان المساعدات الاقتصادية الأمريكية.

منتقدو شارون يعتبرون فترة الانتظار تعبيرًا عن عجز القيادة. الاقتصاد واصل انزلاقه نحو الهاوية. حل حكومة الوحدة قاد "الليكود" الى انتصار جديد في الانتخابات، لكنه قيَّد شارون بائتلاف يميني يُصَعّب مهمة التوصل الى تسوية سياسية. وخلال ذلك، سجل الفلسطينيون انتصارين. "خارطة الطرق" تكرست باعتبارها الوصفة للحل المفروض، الذي يقود الى اخراج اسرائيل من المناطق (الفلسطينية) في غضون ثلاث سنوات. صحيح ان ابا مازن محبب اكثر من عرفات، لكنه لا يقل عنه صلابة في مواقفه. ومع تعيينه اضاع شارون فرصة لعقد صفقة مع عرفات الضعيف، كما فقد احتمال طرده مستقبلا.

فضل شارون تأجبل المعركة السياسية حول مستقبل المناطق (الفلسطينية) الى ما بعد الحرب في العراق، حيث سيكون الوضع اكثر سهولة بالنسبة لاسرائيل. سيحتاج بوش الى اليهود والى اليمين المسيحي لضمان اعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، والأوروبيون سيعاقبون بالطرد من الحلبة الشرق اوسطية، والأمم المتحدة ستتحول الى قشرة ثوم. في مثل هذه الظروف، سيضطر الفلسطينيون المنهكون والمغلوبون الى القبول بالدولة المؤقتة التي يعرضها شارون عليهم، بين الجدران الفاصلة. وهكذا سينهي شارون حياته السياسية بينما تواصل اسرائيل السيطرة على المناطق الأمنية في غور الأردن وغرب الضفة، وبينما تواصل المستوطنات وجودها الآمن في مواقعها. السؤال ما اذا كان هذا السيناريو سوف يتحقق ام لا، مرهون الآن بنتائج الحرب وبالنظام العالمي الذي سيتأسس عليها. هذا الأسبوع تبين ان بوش هو صديق وداعم لاسرائيل، لكنه ليس كُليّ القدرة، وعليه ان يأخذ بالاعتباراحيانًا اصدقاء مثل طوني بلير الذي أخذ لنفسه الوصاية على القضية الفلسطينية.

(هآرتس، 20/3، ترجمة: "مدار")