الحرب على العراق تبدأ من غزة

شارون يريد عبر رسائله الجديدة الإعلان بأن الحرب على العراق تبدأ من غزة، بحيث ستترافق تلك الحرب الأمريكية مع حملة شارونية دامية ضد قطاع غزة والمقاومة الفلسطينية المحاصرة في مدن وقرى ومناطق القطاع

بقلم : نضال حمد
تأتي عملية الاجتياح التي تعرضت لها مناطق من قطاع غزة نهاية الأسبوع الحالي لتعطي الفصائل الفلسطينية المجتمعة في القاهرة، ومعها راعي الحوار السلطات المصرية، جواب السلطات الإسرائيلية على مشروع وقف العمليات الفلسطينية ضد الاحتلال، ولتؤكد، من جهة أخرى، صحة توقعاتنا التي كنا نشرناها في مقالة سابقة بعنوان "المبادرة المصرية والمصلحة الوطنية الفلسطينية"، حيث انتهت تلك المقالة بخلاصة فيها سؤال وجواب: <<هل ستنجح المبادرة"المصرية" في أن تصبح مشروعا فلسطينيا تتبناه الفصائل الفلسطينية؟ نعتقد أن الجواب سيظهر للعلن ليس من القاهرة بل من الضفة الغربية وقطاع غزة>>. وهذا فعلا ما حصل، فقد أرسلت حكومة شارون وقبل يوم واحد من موعد الانتخابات في اسرائيل.

كانت رسائل شارون واضحة ولا تقبل الالتباس أو التأويل، فقد تحدث عنها من قبل وزير الدفاع موفاز عندما قال يوم 24 الجاري ان إسرائيل <<ستقوم بتدمير البنية التحتية للإرهاب بصورة جذرية ومسألة سقوط 40 صاروخ قسام في الأراضي الإسرائيلية لن تتكرر>>. بعد هذا التصريح بساعات اجتاحت الدبابات تساندها الطائرات الإسرائيلية بيت حانون ومن ثم أحياء أخرى من قطاع غزة، حيث سقط في العمليتين 15 شهيدا وعشرات الجرحى، بالإضافة لدمار هائل لحق بالبنى التحتية الفلسطينية.

هذه الرسالة الإسرائيلية الواضحة، التي تبعتها رسالة أخرى أكثر وضوحا، حيث كرر شارون ومعه موفاز نية إسرائيل اجتياح قطاع غزة وإعادة احتلاله لضرب المقاومة الفلسطينية الموجودة بقوة في القطاع، تؤكد لنا أن الخيار الإسرائيلي أصبح واضحا وهو خيار تصعيدي يترافق مع التطورات المتسارعة في قضية العراق. ولا يسعنا هنا إلا التذكير بأن كل تلك التحرشات والتصعيد الإسرائيلي الجديد لها عنوان إسرائيلي واضح هو إفشال أية مساع دولية أو إقليمية أو محلية قد تأتي بعد الانتخابات لترسم تصورات سلمية مقبولة نوعا ما على للفلسطينيين، وما خطة شارون الأخيرة سوى بند من هذا التوجه الإسرائيلي الجديد.

كما أن شارون يريد عبر رسائله الجديدة الإعلان بأن الحرب على العراق تبدأ من غزة، بحيث ستترافق تلك الحرب الأمريكية مع حملة شارونية دامية ضد قطاع غزة والمقاومة الفلسطينية المحاصرة في مدن وقرى ومناطق القطاع.

وبما أن الناخب الإسرائيلي اظهر تعاطفا كبيرا ومشوشا وغير مفهوم مع اليمين الإسرائيلي المتطرف بزعامة شارون، وحيث أصبح الترانسفير من الشعارات العادية في الحملات الانتخابية الإسرائيلية، ولم يعد ينظر إليه على أساس انه شعار عنصري وفاشي يتم التعامل معه وكأنه شعار سياسي عادي ومقبول ومرغوب لدى القضاء والسلطات الحاكمة، فأن هذا بحد ذاته يعتبر مؤشرا خطيرا جدا على مدى التطرف والعنصرية والاستعلاء التي وصلت إليها الحالة اليهودية في إسرائيل، وعلى مدى حالة العجز والخرف السياسي في صفوف المجتمع الإسرائيلي.

سوف تكشف انتخابات الثلاثاء في اسرائيل زيف التوجهات السلمية لدى حكومة شارون، الذي سيعاد انتخاب من جديد، وكذلك مدى هشاشة المسالمين وقلة حيلتهم وعددهم في معسكر السلام الإسرائيلي الضعيف والفاقد للأساس العقائدي والقاعدة الجماهيرية التي تحمي منطلقاته السلمية (هذا إن كان هناك فعلا منطلقات سلمية لأكثرية هذا التيار، لأنه أيضا تيار منقسم على نفسه ومتباعد في نظرته للسلام، إذ لا يمكن القول بأن بن اليعازر وبيريس وباراك من معسكر السلام، ففي عهدهم تمت المذابح والتعامل الفاشي والسادي مع انتفاضة الشعب الفلسطيني، وباستثناء باراك وبدايات الانتفاضة وتعامل حكومته الدموي مع هبة عرب الداخل في أكتوبر 2000، فقد عمل بيريس وبن اليعازر مع شارون في حكومة واحدة نفذت مذابح مخيم جنين وكافة الأعمال الأخرى التي تمت وحصلت في فلسطين خلال سنتي الانتفاضة الحالية).

لا يمكن القول بأن يوسي ساريد وحزب ميريتس مسالمان، وهم لازالوا ينكرون الحقوق الفلسطينية المشروعة ولا يعترفون بالسلام الحقيقي بل بالسلام الترقيعي الذي يخدم الدولة الصهيونية فقط. أما باقي إطراف معسكر السلام الإسرائيلي فهي ضعيفة وليست ذات قوة تؤهلها للعب أدور هامة وعملية ومؤثرة في المعادلة الموجودة في الخريطة السياسية الإسرائيلية. هذا هو المجتمع الإسرائيلي، وهذه هي الأحزاب الصهيونية التي لا تستطيع الخروج من تعاليم اللاهوت الاستعماري الصهيوني، لأنها وجدت على هذا الأساس العرقي والعنصري والاستعماري الذي لا يعترف بالآخر ولا يريده ألا عبدا مطيعا ومملوكا خادما يعمل لدى السيد الصهيوني الذي يرى في نفسه الامتداد المنطقي والطبيعي للغرب ولحضارة وثقافة الاستعمار الغربي.

يوم الثلاثاء ينتخب الإسرائيليون ممثليهم للكنيست وفيه يتضح من سيحكم إسرائيل في الفترة القريبة. كل التوقعات تؤكد تقدم اليمين المتطرف، وهذا طبيعي وعادي جدا، مادام هذا اليمين يقوم بالمهمة على "أكمل وجه"، ومادام العالم يصمت على جرائمه ويستقبل زعماءه على أساس أنهم رجال سلام، كما أن العالم العربي الصامت وبعض الحكومات العربية التي تقيم علاقات مع إسرائيل لم تقطع أو تجمد أو تسحب تلك العلاقات ولا حتى توقفت عن الاتصالات معها.

وفي وضع سياسي ودبلوماسي كهذا يأتي متسناع لينادي بالسلام، على الأقل كما يراه هو وحزب العمل، مع العرب والفلسطينيين، بينما زعماء العرب يحافظون على علاقات عادية مع حكومة شارون ويلتقون بأعضاء تلك الحكومة، وعلى الطرف الآخر تزداد أعمال تلك الحكومة وحشية وإجراما ضد الفلسطينيين، ويروج شارون لتلك الأعمال بأنها الوحيدة القادرة على "ضرب الإرهاب" ولجم العرب وتخويفهم .

نعم. اسرائيل تخيف الأنظمة العربية العاجزة لكن اساليبها لا تجدي نفعا مع الفلسطينيين ولن تزيدهم سوى إصرارا وتحالفا وطنيا وعمليا على مواجهة إرهاب الدولة، مع معرفتهم المسبقة بفداحة الثمن المطلوب ونوعية الحكومة المرتقبة بعد الانتخابات، لأنها ستكون حكومة الطلقة الأخيرة التي تأتي بالرحمة أو بالنهاية المرتقبة لزمن الاحتلال الإسرائيلي. نحن نعتقد أنها ستكون الطلقة الأخيرة في مسدس الصهيونية.

أما الشعب الفلسطيني فلا يوجد أمامه أي خيار آخر في المدى المنظور سوى خيار التمسك بالحقوق الوطنية العادلة وبنهج المقاومة الذي لا بد أن ينتصر كما انتصرت الشعوب التي تمسكت بنهج المقاومة وقاتلت على أساسه جنبا إلى جنب مع التوجه السياسي السليم والصحيح الذي كان استثمارا صحيحا وسليما لنهج المقاومة والتضحيات التي قدمتها تلك الشعوب على طريق الاستقلال والحرية.

وما دامت القيادة الفلسطينية ممثلة بالسلطة والمعارضة حريصة على الوحدة الوطنية الحقيقية، فهناك حاجة لإعادة تجديد كل شيء ورسم برنامج عمل وطني فلسطيني، سياسي وميداني وحدوي، يكون الحامي والجامع الذي يجمع كافة القوى الفلسطينية في قطار واحد وعلى سكة واحدة، معروفة الاتجاه ومأمونة القيادة. ولا يمكن وضع ما فات على الرف والبدء من جديد بدون إبعاد الذين ساهموا في الخراب والدمار والفساد عن مواقع الفعل والقرار، لكي يجلس مكانهم من هو أمين ووفي ووطني ونظيف وشريف. والوحدة الوطنية يجب أن تكون شاملة فعلا وهادفة قولا وفعلا، لا مجرد مطلب عابر لقضاء حاجة عابرة تحتاجها المرحلة الحالية. فالتجارب الوحدوية الفلسطينية السابقة في هذا المجال لم تكن مشجعة ولا مثالية. لذا يجب اخذ العبرة من الماضي والاستفادة من التجربة السابقة لما فيه خير المحاولة الجارية حاليا.

يبقى أن نؤكد للمجتمعين في القاهرة أن وراءهم شعب يريد وحدتهم لكن ليس بأي ثمن. الشعب الفلسطيني يريد وحدة قواه الفلسطينية على أساس برنامج الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، ومن تلك الحقوق الأساسية حق المقاومة الذي لا يمكن التلاعب به والتخلي عنه لأي سبب، ومن يريد وقف العمليات لمدة سنة كاملة عليه ضمان أمن الشعب الفلسطيني خلال تلك الفترة، وعليه تحمل مسؤولية منع أي فلسطيني من القيام بأي عمل قد تعتبره إسرائيل خرقا للهدنة، وهذا مستحيل من الناحية العملية.

ثم أن وقف العمليات أمر غير مرغوب جماهيريا وسوف يصبح مكروها أكثر بعد مذبحة غزة الجديدة. نحن نرى في وقف العمليات ولو لمدة شهر واحد فقط مضيعة للوقت ولن يجلب هذا الوقف للشعب الفلسطيني سوى المزيد من الويلات والدماء والدمار والضحايا، لأن شارون ومعسكره بكل بساطة غير معنيين بالوقف ولا بما سيصل إليه حوار الفصائل الفلسطينية، فكيف الحال مع سنة وقف كاملة لا يوجد من يضمن خلالها أي شيء؟

لشارون خطة سياسية عملية منظمة يواصل تنفيذها وتطبيقها حسب مزاجه وقناعته، أما الفلسطيني فلا مزاجه هادئ ولا خياره واضح، لذا نتمنى منه أن يحدد خياراته بشكل واضح جدا وعلني ورسمي وبالأساس وطني.

26-1-2003

(اوسلو – خاص)