محور خاص: أفكار إسرائيلية بشأن مستجدات الوضع الفلسطيني

يتضمن العدد الأخير (آب 2007) من نشرة "المستجد الإستراتيجي"، الصادرة عن "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، مجموعة من السيناريوهات للفترة المقبلة بشأن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني ومخاطر الحرب وفرص السلام مع سورية. هنا قراءة تفصيلية في هذه النشرة، فيما يتعلق بالمحور الأول (النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني)

إعداد: محرّر "المشهد الإسرائيلي" أنطوان شلحت

مقاربتان إستراتيجيتان للتعاطي مع مستجدات الوضع الفلسطيني

"عصا" لغزة و"جزرة" للضفة في مقابل محاولة "تعميق تسييس حماس"!

يتضمن العدد الأخير (آب 2007) من نشرة "المستجد الإستراتيجي"، الصادرة عن "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، مجموعة من السيناريوهات للفترة المقبلة بشأن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني ومخاطر الحرب وفرص السلام مع سورية.

هنا قراءة تفصيلية في هذه النشرة، فيما يتعلق بالمحور الأول (النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني):

فرصتان أمام إسرائيل بعد سيطرة حماس على غزة

يرى الدكتور روني بارت، الباحث في المعهد المذكور، في دراسته، أن سيطرة حركة حماس على غزة أوجدت أمام إسرائيل فرصتين، لا فرصة واحدة، هما بلغته فرصة استعمال العصا مع قطاع غزة وفرصة منح الجزرة للضفة الغربية. ويكتب قائلاً: من جهة ثمة الآن فرصة لأن يرغب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أبو مازن، تدريجيًا، بمدى ما إنّ ذلك في وسعه، في التقدّم بالعملية السياسية مع إسرائيل إلى الأمام، من خلال اتخاذ خطوات أمنية حالت خشيته من حماس ومن الفتنة دون اتخاذها إلى الآن. وفي سبيل ذلك يتعين على إسرائيل، وفق ما يقوله هذا الباحث، أن تأخذ بعض المخاطر على عاتقها وأن تعمل في مقابله بسخاء سياسي في الحدّ الأقصى. ومن جهة أخرى ثمة إمكانية أمام إسرائيل للعمل ضد حماس، حيث أنها تحررت من مجموعة قيود ذات دلالة كانت مكبلة بها إلى الآن. وفي سبيل ذلك ينبغي بإسرائيل أن تستعمل قوة عسكرية بإصرار لا يقل عن صمود الفلسطينيين.

وفي رأي هذا الكاتب فإن استعمال القوة من جانب إسرائيل، في ظل الظروف الحالية الناجمة عن حالة الانقسام الفلسطينية، سيسهم وخلافًا لما كانت عليه الحال في السابق في تعزيز مكانة العملية السياسية بدلاً من ضعضعتها. وهو يرى كذلك أنه "يتوجب على أنصار السلام بالذات تأييد استعمال القوة ذات البؤر المحددة لفترة طويلة ضد صواريخ القسام. وبدون إظهار إسرائيل لقدرتها على كبح جماح هذه التهديدات فإن الجمهور الإسرائيلي العريض لن يؤيد أية خطوات عملية على طريق التوصل إلى تسوية سياسية".

يؤكد هذا المختص أنه قبل انتصار حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني (في كانون الثاني 2006) وقبل إنشاء حكومة الوحدة الوطنية رفضت إسرائيل، بحقّ، التقدم في العملية السلمية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) بسبب "عدم رغبة الأخير أو عدم قدرته على تطبيق الخطوات الأمنية التي كان ملتزمًا بها بموجب المرحلة الأولى من خطة خريطة الطريق، وفي طليعتها حلّ المنظمات الإرهابية. وعلى ما يبدو فقد كان اعتبار أبو مازن الرئيس، من وراء ذلك، هو الحيلولة دون اندلاع فتنة، أي حرب أهلية". ويضيف: "غير أن الفتنة باتت الآن أمرًا واقعًا، وعلى ما يظهر أمسى واضحًا لأفراد فتح مبلغ صحة التحذيرات بشأن أن تعاظم قوة حماس يشكل تهديدًا لا على إسرائيل فحسب وإنما قبل أي شيء عليهم هم أنفسهم. وثمة سبب وجيه للافتراض بأن أبو مازن سيكون على استعداد لأن يطبّق الخطوات المستحقة، وإن بتأخير باهظ الثمن".

ويمضي قائلاً: "إن إسرائيل هي الجهة القوية في المواجهة مع الفلسطينيين، ولذا يتعين عليها أن تتخذ الخطوات الأولى في نطاق محاولة تحريك عجلة المحادثات من جديد. ينبغي التجاوب مع أبو مازن في كل ما يرغب فيه تقريبًا: الإفراج عن جميع أموال السلطة الفلسطينية المجمدة لدى إسرائيل، إطلاق سراح أكثر ما يمكن من الأسرى الملائمين، "تبييض" المطلوبين، تقليص عدد الحواجز العسكرية بصورة كبيرة، تطبيق حدّ أقصى من التسهيلات المدنية- الاقتصادية- الإنسانية، إخلاء البؤر الاستيطانية غير القانونية، إتاحة حرية الحركة المطلقة لقوات الأمن الفلسطينية، إتاحة تزويد هذه القوات بالسلاح والذخيرة وإدخال لواء بدر من الأردن، والبدء فورًا بمفاوضات بشأن "الأفق السياسي" تمهيدًا لمفاوضات بشأن الحل الدائم. ولا تقل أهمية عن كل ذلك الصورة أو الكيفية التي ستطبق هذه السياسة من خلالها. فلا ينبغي وضع شروط ولا ينبغي دفع أبو مازن للقيام بأمور غير معنيّ بأن يقوم بها ولا ينبغي عناقه بطريقة عناق الدببة. لا يجوز خلق أو تعزيز الانطباع بأن أبو مازن يأتمر بأوامر إسرائيل. هذا هو الوقت الملائم لبوادر حسن نية دراماتيكية على شاكلة عقد لقاء في مكتب أبو مازن في رام الله أو التوجه إلى الفلسطينيين باللغة العربية. يجب أن نظهر للفلسطينيين تقدمًا عمليًا، سواء في تحسين أوضاعهم المعيشية أو نحو الاستقلال السياسي".

ويؤكد هذا الكاتب أنه إذا ما تبين بعد بضعة أشهر أن أبو مازن "لا يؤدي المهام المطلوبة منه، عندها لا تُعدم الأسباب أو الذرائع لتغيير هذا الاتجاه".

في مقابل كل ما سلف ثمة بعض المخاطر الأمنية، على ما يلمح بارت، لكن بالإمكان مواجهتها. وهو يفصل هذه المخاطر وإمكان مواجهتها على النحو التالي:
•إذا ما حصل وتمّ توجيه السلاح والذخيرة المعززة إلى الجيش الإسرائيلي فإن ذلك لن يخرق بصورة ذات أهمية توازن القوى بين الطرفين ما دامت إسرائيل مستمرة في الحرص على منع احتمال إطلاق الصواريخ القصيرة المدى من يهودا والسامرة (الضفة الغربية).
•الخطر الأكبر هو ذلك الكامن في احتمال تصدير عمليات انتحارية إلى إسرائيل، سواء في أعقاب إزالة الحواجز العسكرية أو بسبب تحفز حركة حماس لإحباط الوضع. إن الحل لذلك يكمن في الاستكمال السريع لعائق الفصل المحكم بما في ذلك بواسطة القوة البشرية المؤقتة.

هذا فيما يتعلق بالضفة الغربية.

أما بالنسبة لقطاع غزة فإن الكاتب يرفض أية محادثات مع حركة حماس "التي تضع هدف إبادة دولة إسرائيل نصب عينيها، كخطوة على طريق إقامة دولة تندمج ضمن الخلافة الإسلامية. وإن الإستراتيجية المفضلة لدى حماس هي قتل المدنيين. وقد أثبتت في غزة إصرارها على التمسك باستعمال القوة كوسيلة لحل الخلاف حتى فيما بتعلق بأبناء شعبها".

يدعو الكاتب إلى شنّ حرب إبادة على حماس كي تثبت إسرائيل "للفلسطينيين والعالم أن ما حصل في غزة لن يمرّ مرّ الكرام. وخلافًا للجهود الحربية السابقة المحدودة زمنيًا ينبغي الآن مواصلة الحرب حتى تفقد حماس القدرة على التعرّض لإسرائيل أو حتى تغيّر جلدها أو حتى تفلح السلطة الفلسطينية في منع تصدير الإرهاب إلى إسرائيل. وفي الأحوال جميعًا ينبغي أن يدور الحديث عن مدى زمني طويل. إن سيطرة حماس على غزة هي فرصة لأنها تضعف تحفظ أبو مازن والأسرة الدولية على حد سواء إزاء عملية كهذه".

يرى الكاتب أن أهداف هذه الحملة الحربية تتمثل في ما يلي:
•تحييد قدرة سلطة حماس في غزة، بما يوضح للفلسطينيين أن انتخاب حماس وتأييدها يعنيان العزل التام واستمرار العيش من أجل البقاء فقط، لا أكثر.
•إيقاف عملية تعاظم قوة حماس العسكرية بل وإضعاف هذه القوة في سبيل منع تهديد مستقبلي لإسرائيل على شاكلة تهديد حزب الله.
•حسم "إرهاب صواريخ القسّام"، أي تقليص هذه المشكلة بحيث تصبح "محتملة" من جانب إسرائيل.
•تحديد خط أحمر إزاء خصم وإزاء مواقف غير مقبولة وتجسيد قدرة الردع الإسرائيلية وإلحاق الفشل بمحور القوى المتطرفة.

ولتحقيق هذه الأهداف يتوجب على إسرائيل، بموجب هذا الكاتب، أن تتبع الخطوات التالية:
•الامتناع عن أي اتصال مباشر أو غير مباشر مع أفراد من حماس.
•إيقاف حركة النقل والعبور من إسرائيل إلى قطاع غزة، ما عدا الأغذية والمياه والأدوية. ويمكن استعمال تزويد الكهرباء والوقود كورقة للضغط والمساومة.
•تعطيل البنية التحتية لشبكة الهواتف الداخلية في قطاع غزة لعرقلة قدرة سلطة حماس وإغلاق الاتصالات الهاتفية الدولية لعزل حماس عن مؤيديها الخارجيين.
•وقف الزيارات لأسرى حماس وعزلهم عن أي اتصال مع العالم الخارجي، حتى لو احتاج الأمر إلى سنّ قانون أساس في هذا الشأن.
•عزل البنوك في قطاع غزة عن المنظومة البنكية الدولية.
•التوجه إلى عناصر دولية (مصر، الجامعة العربية، منظمة الدول الإسلامية، الاتحاد الأوروبي، حلف شمال الأطلسي- ناتو، الأمم المتحدة) كي تتحمل هذه العناصر مسؤولية أمنية عن قطاع غزة أو عن حدود القطاع مع مصر، على الأقل. بطبيعة الحال لا توجد فرصة لنجاح هذه التوجهات ولذا فإن هدفها هو أن تشكل ذريعة تعلن إسرائيل بعدها أنها حرّة في الاهتمام بأمنها في ظل عدم وجود استعداد دولي لذلك.
•السيطرة على محيط محور فيلادلفي وتعرية أو حرث دهليز بعرض كيلومتر واحد على الأقل على طول الحدود، حتى ولو بثمن تشريد عشرات آلاف اللاجئين، وحفر قناة ضد الأنفاق. هذه العملية ستوقف مرة واحدة وأخيرة عمليات تهريب السلاح والذخيرة والأموال والوسائل الأخرى، وكذلك عمليات تهريب الإرهابيين والمرشدين من حزب الله وإيران وتنظيم القاعدة.
•إيقاف حركة التجارة عن طريق الحدود مع مصر أيضًا.

ويؤكد بارت أن في وسع إسرائيل أن تكتفي بهذه الخطوات إذا لم تردّ حماس عليها. غير أنه يتوقع ردًا من حماس يتمثل في تجديد إطلاق صواريخ القسام بصورة كثيفة. عندها يتعين على إسرائيل، برأيه، أن تشن معركة عسكرية ذات كثافة منخفضة. وهو يوضح أنه يكمن في هذه المعركة "الحلّ العسكري للإرهاب وحماس باعتبارها مبعوثة محور القوى المتطرفة، لا للنزاع (الإسرائيلي- الفلسطيني). ورغم أن لا شيء مضمونًا بالنسبة للنتائج فمن الجدير خوض هذه التجربة".

أفضليات "الحوار" مع حماس

من ناحيتهما يرى الباحثان يورام شفايتسر وأمير كوليك، من "معهد دراسات الأمن القومي"، في مقالة أخرى يضمها العدد الأخير من نشرة "المستجد الإستراتيجي" المذكورة أعلاه، أنه في ضوء ميزان الفرص في مقابل المخاطر يجدر بإسرائيل أن تتفحص أيضًا طريق الاتصالات أو "الحوار" مع حركة حماس في إطار فلسطيني شامل. ويضيفان: "بحسب تقديرنا فإن إجراء اتصالات مع حماس، في إطار ائتلاف مع فتح، يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى عدة أفضليات مركزية".

وهما يذكران من مجموع هذه الأفضليات ما يلي:

تثبيت شريك فلسطيني يحوز على شرعية شعبية وقدرة على تطبيق الاتفاقات، تعزيز التيار البراغماتي في حماس في مقابل العناصر المتطرفة في الحركة، تثبيت وقف مستمر لإطلاق النار مع الفلسطينيين، إضعاف الصلة التي لحماس مع إيران ومنع التعاون مع تنظيم القاعدة وعناصر الجهاد العالمي، وعلى المدى الأبعد تغيير مقاربة حماس للتعايش الممكن مع إسرائيل باعتبارها أمرًا واقعًا واختيار الحركة بصورة عقلانية للمسار السياسي بديلاً عن المسار العسكري/ الإرهابي. وفيما إذا لم يتحقق هذا التغيير وعادت حماس إلى أصلها ففي وسع إسرائيل مواجهة هذا التحدي من خلال استغلال قوتها المتفوقة وبمعرفة واضحة مسبقة أنه ما من خيار آخر أمامها، على حدّ قولهما.

يعتقد هذان الباحثان أن القطيعة الحاصلة بين حماس وفتح هي قطيعة مؤقتة وأن حماس، كحركة سياسية، لن تختفي عن الساحة الفلسطينية وإنما ستظل تشكل عنصرًا سياسيًا ذا أهمية وأن قدرتها على إلحاق الضرر بعملية سياسية مستقبلية ستكون أكبر إذا ما تم استبعادها من هذه العملية، ولذا فإن من شأن إشراكها في العملية أن يتضح بكونه ناجعًا ومفيدًا لناحية الإسهام في الوصول إلى هدنة طويلة المدى بثمن معقول من ناحية إسرائيل.

ولدى التطرّق إلى المواقف الإسرائيلية الأخيرة في هذا الشأن يقول الباحثان: في هذه المرحلة على الأقل فإن الرأي السائد في إسرائيل هو أنه ليس في وسع حماس بأي شكل من الأشكال أن تكون شريكًا لاتفاق سياسي مع إسرائيل، بسبب مواقفها الأيديولوجية المتطرفة التي ترفض حق إسرائيل في الوجود والسيادة. في موازاة ذلك يُنظر إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، التي تقف حركة فتح على رأسها، باعتبارها شريكًا محتملاً بسبب اعترافها بإسرائيل، غير أن هذه الصيرورة (أي تحول السلطة إلى شريك فاعل) تبقى مشروطًة بقدرتها على منع القيام بأعمال إرهابية من أراضيها، وعلاوة على ذلك تبقى منوطة بقدرتها على تغيير أنماط سلوكها وبناء مؤسساتها السيادية بشكل يتيح لها أداء وظائفها بصورة سليمة. ويبدو هذان الشرطان الآن غير قابلين للتحقق في الأفق المنظور.

وإزاء ذلك يقترح الباحثان مقاربة تنطوي على استعداد إسرائيل لقبول حركة حماس كشريك إلى جانب فتح في إطار ائتلاف مشترك بين الحركتين، لاعتقادهما بأن ائتلافًا كهذا لا بُدّ أن يقوم في خاتمة المطاف. عبر ذلك فقط يمكن توفير فرصة لتحقيق اتفاق لوقف إطلاق النار طويل المدى مع شريك فلسطيني وتحريك عملية سياسية فاعلة. ولا ينبغي أن يتم قبول حماس كشريك بصورة

أوتوماتيكية وإنما أن يكون هذا القبول مرهونًا بالتزام الحركة أن تمتنع عن القيام بعمليات إرهابية وأن تشارك فتح في منع مثل هذه العمليات من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة.

تستند مقاربة شفايتسر وكوليك الرامية إلى تفحص إمكان شمل حماس كشريك ضمن ائتلاف فلسطيني يجمعها مع حركة فتح إلى أربعة منطلقات أساسية هي:
•الأول- أن "الإرهاب" يشكل بالنسبة لحماس إحدى الوسائل لتحقيق غاياتها. ولذا فمن الأفضل استيعابها ضمن العملية السياسية بواسطة جذبها إليها لا من خلال رفضها ومقاطعتها، تمامًا كما حصل في أوائل التسعينيات بالنسبة لحركة فتح.
•الثاني- أن حماس معنية بأن تكون شريكة في اللعبة السياسية كطرف شرعيّ، والدليل على ذلك هو مشاركتها في انتخابات المجلس التشريعيّ الفلسطيني وموافقتها على اتفاق التهدئة وجهودها لدى العالم العربي والأسرة الدولية للحصول على شرعية لحكمها بعد تشكيل حكومتها الأولى.
•الثالث- من الواضح أن حماس لن تختفي من الساحة السياسية الفلسطينية، حتى وإن نجحت إسرائيل في تحطيم قوتها العسكرية أو في التأدية إلى عزلها في الساحتين الإقليمية والدولية.
•الرابع- سبق أن أثبتت حماس قدرتها على إلحاق الضرر بأية محاولة استهدفت إطلاق عملية سلمية ولم تكن شريكة فيها. لقد نجحت حماس في وضع العصي في دواليب عملية أوسلو بواسطة العمليات الإرهابية حتى عندما كانت قوتها العسكرية والسياسية أضعف بكثير من قوتها الحالية وعندما كان خصمها الرئيس- حركة فتح- هو القوة المهيمنة على المجتمع الفلسطيني. ولذا من الواضح أن قوتها الحالية السياسية والعسكرية تمنحها القدرة على تشويش أية محاولة لإجراء مفاوضات سياسية مع إسرائيل لا تكون متداخلة فيها.

يتوقف الباحثان أيضًا عند المطلب الإسرائيلي بأن تعترف حماس بإسرائيل بصورة رسمية ومعلنة، ويؤكدان في هذا الصدد ما يلي: رغم الشرعية الكاملة لهذا المطلب الإسرائيلي باعتباره شرطًا لازمًا للتحادث مع الفلسطينيين فإن السؤال المطروح هو ما إذا كان غياب اعتراف كهذا هو شرط ضروري لبدء الحوار بين الطرفين؟ يبدو أنه في المرحلة الحالية من الصعوبة بمكان صدور إعلان صريح يعترف بإسرائيل من جانب حماس. غير أن تجربة الماضي تدل على أن أهمية بيانات الاعتراف المتبادلة محدودة أصلاً. فإن الاعتراف بإسرائيل لم يمنع منظمة التحرير الفلسطينية وفتح على رأسها من تجديد العمليات ضد إسرائيل عندما قررت أن ذلك يخدم مصالحها أو، بحسب روايتها، عندما فرض عليها الأمر فرضًا إبان انتفاضة الأقصى مثلاً. وعلى هذه الخلفية فإن السؤال المطروح هو: هل يتعين على إسرائيل أن تشترط أي تقدم سياسي في مقابل حماس ببيان علني بشأن شرعية وجودها؟.

أخيرًا يشير شفايتسر وكوليك إلى خطرين تنطوي عليهما هذه المقاربة:

الأول- أن استعداد إسرائيل للتحادث مع حماس سيمنحها شرعية دولية وسيسهم في رفع الحصار المفروض عليها.

الثاني- في حالة حصول حماس على الشرعية الدولية يصبح في وسعها أن تعاظم قوتها وسلاحها دون وجل ودون مراقبة تمهيدًا لاستئناف المعركة العسكرية- الإرهابية، وكذلك ستتيح لعناصر خارجية متطرفة مثل إيران وتنظيم القاعدة بأن يصبح لها موطئ قدم في محاذاة الحدود مع إسرائيل.

غير أنهما يريان أن فرص هذه المقاربة تزيد عن مخاطرها.

وتتلخص هذه الفرص في ما يلي:
•إذا ما اندمجت حماس في العملية السياسية مع إسرائيل يمكن عندها تجنيد الأطراف التي لها صلات مع الحركة لممارسة الضغط عليها من أجل تعميق التزامها بالتخلي عن الإرهاب بل وحتى بمنعه. أمّا إذا ما عادت حماس إلى ممارسة الإرهاب فلن تكون هناك قيود على حرب تشنها إسرائيل ضد الحركة.
•عملية تعاظم قوة حماس تجري على قدم وساق الآن، رغم الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة. وفي حالة الوصول إلى تفاهمات بين إسرائيل والفلسطينيين يمكن ربما مراقبة هذه العملية حتى وإن لم يتم منعها.
•شمل حماس في نطاق العملية السياسية يمكن أن يضعف صلتها مع إيران وتنظيم القاعدة. فهذه الصلة ليست بديهية. إن اختيار حماس، باعتبارها حركة دينية سنية، لإيران الشيعية هو اختيار ناجم بالأساس عن غياب بديل سياسي وعسكري واقتصادي ويمكن أن يضعف في حالة توفّر بدائل أخرى. أما الصلة مع تنظيم القاعدة فهي صلة غير طبيعية ولا توجد شهادات كثيرة على وجودها في الواقع الميداني. علاوة على ذلك فإن حماس غير معنية بهذه الصلة وهي بالتأكيد غير معنية بتحويل الأراضي الخاضعة لسلطتها إلى موقع أمامي لهذا التنظيم، الذي يضر المتحالفين معه أكثر مما يعود عليهم بالنفع.

ملحق 1

السؤال المطروح: هل تنجح حماس في التقدّم نحو مراحل قتالية متقدمة؟

رغم أن صواريخ القسّام ترتبط بحركة حماس، التي كانت أول من أطلقها، فإن خطر إطلاقها مع بدء العام الدراسي الجديد يأتي من قبل المنظمات الفلسطينية الأخرى. منذ أن سيطرت حماس نهائيًا على قطاع غزة في حزيران 2007 فإنها تقلل من إطلاق صواريخ القسام وتدع المهمة للجهاد الإسلامي وفصائل صغيرة أخرى. في هذه الأثناء نجحت حماس في استكمال خط إنتاج فاعل لصواريخ بقطر 90 و100 ميليمتر. هذه الصواريخ تتيح للحركة إمكان التمحور في أهداف عسكرية في الوقت الذي تمس فيه منظمة الجهاد الإسلامي بالمدنيين. ومع مدى يبلغ أربعة كيلومترات تقريبًا، تنجح حماس في التعرّض لغالبية قواعد الجيش الإسرائيلي القريبة من السياج الحدودي الذي يحيط بقطاع غزة. إن أية قوة عسكرية إسرائيلية تبقى دون سبب وجيه بمحاذاة هذا السياج الحدودي تعرف الآن أنه سيتم تشخيصها وتكون عرضة للقصف الصاروخيّ.

لا يزال جلّ القلق الذي يساور إسرائيل هو من صواريخ القسام بالإضافة إلى صواريخ كاتيوشا القليلة التي تم تهريبها إلى القطاع. وقد لوحظ أن هناك تطويرًا معينًا أدخل على الصواريخ في الأشهر القليلة الفائتة، بحيث أصبحت أكثر دقة وفتكًا. ومن الجائز أن يكون الجهاد الإسلامي يستعمل الآن أجهزة توجيه من خلال الأقمار الاصطناعية (جي. بي. سي) من أجل تحسين نتائج القصف. كما أن المسّ بمنصات إطلاق الصواريخ والذين يفعلونها أصبح أكثر صعوبة. في تشرين الثاني 2006 نجح الجيش الإسرائيلي في المسّ بإحدى عشرة خلية من خلايا إطلاق الصواريخ. منذ ذلك الوقت تغيرت طريقة عمل هذه الخلايا بشكل يعيد التذكير بجهوزية حزب الله في جنوب لبنان. ويمكن الافتراض بأن هذا التغيير تمّ على أثر استشارات أسداها إلى الفلسطينيين خبراء أتوا إلى قطاع غزة من الخارج.

إن السؤال المطروح بالنسبة لإسرائيل هو: متى تنجح حماس في التقدّم نحو المراحل المقبلة؟ لم تتجاوز حماس بعد خطين أحمرين- القدرة على تخزين الصواريخ لفترة طويلة والقدرة على إطالة مداها. هذه الحقيقة تحدّ من مخزون الصواريخ الموجود في حوزة حماس. يصل مدى الصواريخ الآن إلى أحد عشر كيلومترًا بعد أن كان ثلاثة كيلومترات قبل خمسة أعوام. إذا بلغت حماس مدى خمسة عشر كيلومترًا فستصبح أشكلون عرضة لخطر القصف الدائم.

يبدو حاليًا أن حماس معنية أساسًا بالحفاظ على نار هادئة أو متوسطة. وينجم ذلك بصورة رئيسة عن خشية الحركة من ضعف التأييد الشعبي لها في القطاع. وترتبط الإشارات إلى هذا الضعف بتفاقم الأوضاع الاقتصادية نتيجة الحصار الإسرائيلي المستمر على القطاع وبالنجاح الجزئي لقيادة السلطة الفلسطينية في رام الله في دفع المفاوضات مع إسرائيل قدمًا. وتقف في صلب حملة النقد المتجددة لحماس التصرفات العنيفة لأفراد القوة التنفيذية. كما أن العدد المتزايد للمشتركين في الاجتماعات الاحتجاجية يثير الشك في انطلاق غليان شعبي ضد حماس. ومن الجائز أن يكون لدى حماس من يعتقدون بأن المخرج الأبسط من هذه الورطة يكمن في جرّ إسرائيل تدريجيًا إلى قتال متجدّد في قطاع غزة.

[عاموس هرئيل وآفي سسخاروف- صحيفة "هآرتس"، 2 أيلول 2007]

ملحق 2

تسلح "حماس"- السيناريو الإسرائيلي

"أصدرت قيادة حماس في الخارج تعليمات واضحة إلى نشطاء الحركة داخل الأراضي الفلسطينية بارتكاب عملية إرهابية كبيرة الحجم في إسرائيل، ونحن نتابع هذا الموضوع عن كثب"- هذا ما قاله نائب رئيس جهاز الأمن العام (شاباك) خلال إيجاز قدمه إلى جلسة الحكومة الإسرائيلية الأسبوعية يوم الأحد 26/8/2007.

وأضاف نائب رئيس جهاز الأمن العام أن حركة حماس في قطاع غزة تواجه "معضلة إستراتيجية خطيرة". فهي لا تستطيع إدارة شؤون الحكومة أو كسب الشرعية لنشاطاتها أو حل مشكلة المعابر. ولا يتمكن رؤساء الحركة من تحقيق إنجازات قد تؤثر على الحياة اليومية. وتزيد كل هذه العوامل من احتمالات تغيير سياسة حماس بشأن ارتكاب اعتداءات إرهابية- في قطاع غزة وفي الضفة الغربية وربّما خارج إسرائيل أيضًا.

بلغت ظاهرة تهريب الأسلحة أوجها منذ سيطرة حماس الجزئية على القطاع في العام 2006، فقد تم تهريب 31 طنًا من المتفجرات التقليدية إلى القطاع وطرأ ارتفاع ملموس على كميات الوسائل القتالية المهرّبة إلى القطاع. وهذه الوسائل لا تشمل المتفجرات التقليدية فحسب وإنّما 14 ألف بندقية وحوالي 5 ملايين قطعة من الأسلحة الخفيفة و40 قذيفة صاروخية و150 قذيفة أر. بي. جي و65 منصّة لإطلاق صواريخ و20 صاروخاً محسّنا مضادًا للدروع و10 صواريخ مضادة للطيران.

وتشير آخر المعطيات إلى أنه منذ حزيران 2007 (سيطرة حماس المطلقة على قطاع غزة) تم تهريب 40 طنًا من المتفجّرات من مصر إلى قطاع غزة. وتساوي هذه الكمية كمية المتفجرات التي تم تهريبها إلى القطاع خلال العامين الماضيين بأسرهما. كما سُجّل ارتفاع في عدد الاعتداءات بقذائف القسام.

منذ مطلع آب 2007 حصلت خمسة حوادث تهريب من مصر إلى القطاع حيث تم إدخال أكثر من 13 طنًا من المتفجّرات و150 منصّة لإطلاق قذائف أر. بي. جي، وفي الوقت نفسه طرأ انخفاض ملحوظ على نشاطات القوات المصرية الهادفة إلى إحباط عمليات التهريب. ويعني تهريب هذه الكمية الكبيرة من الوسائل القتالية التقليدية تكثيف عمليات المنظمات الإرهابية وتحسين العبوات الناسفة والأحزمة الناسفة من ناحية قوتها. كما يعني الأمر تحسين قدرة المنظمات الإرهابية على تنفيذ اعتداءات مثل اعتداءات بأنفاق مفخخة وزيادة قدرة القذائف الصاروخية على إصابة أهداف على مسافات أبعد وقدرة هذه القذائف على البقاء صالحة للاستعمال لفترات أطول. وبالإضافة إلى ذلك ترسل حركة حماس المئات من عناصرها للتدرّب في دورات قتالية في إيران.

شملت نشاطات قوات الأمن الإسرائيلية الهادفة إلى إحباط عمليات التهريب هدم حوالي 20 فتحة نفق (بعد توجيه الإنذار المسبق لأصحاب الشقق السكنية حيث تواجدت فتحات الأنفاق) وهدم 8 فتحات نفق بغارات سلاح الجو.

أبلغ نائب رئيس جهاز الأمن العام الوزراء بأن ارتفاعًا طرأ خلال الأسبوع الماضي (من موعد جلسة الحكومة) على عدد الاعتداءات التخريبية حيث سُجّل 56 اعتداء مقابل 43 في الأسبوع الذي سبقه و20 حادث إطلاق قذائف صاروخية باتجاه أراضي الخط الأخضر.

يُشكل ارتفاع عدد حوادث إطلاق القذائف الصاروخية باتجاه أراضي الخط الأخضر أبرز ظاهرة، إذ يبلغ المعدّل الشهري لهذه الحوادث 70 حادثًا.

[المصدر: موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية على شبكة الانترنت]