هكذا يستمر النموّ رغم الحرب

تعتبر إسرائيل من البلدان القليلة في العالم التي تجتذب الاستثمار الأجنبي المباشر في كافة الظروف حتى الحربية منها. لا بل إن إسرائيل أكثر من جذابة لهذه الاستثمارات، بمعنى أن الاستثمارات تأتيها "طوعا". فهل كلمة طوعاً صحيحة اقتصادياً، طالما أن الاقتصاد يُقاس كأعمال وربح وخسارة؟

تعتبر إسرائيل من البلدان القليلة في العالم التي تجتذب الاستثمار الأجنبي المباشر في كافة الظروف حتى الحربية منها. لا بل إن إسرائيل أكثر من جذابة لهذه الاستثمارات، بمعنى أن الاستثمارات تأتيها "طوعا". فهل كلمة طوعاً صحيحة اقتصادياً، طالما أن الاقتصاد يُقاس كأعمال وربح وخسارة؟

للوهلة الأولى لا يبدو هذا الحديث علمياً، ولكن قراءةً لتاريخ خلق إسرائيل تبين أنها كاستثمار إستراتيجي يمكن أن تتوجه إليها الاستثمارات الأجنبية، وليس شرطاً أن يكون دافعها سياسيا أو أيديولوجيا، بل في الغالب دافع اقتصادي على المدى الطويل، بمعنى أن إقامة إسرائيل في المنطقة تعني في التحليل الأخير أنها مشروع إستراتيجي يرد تكاليفه سواء باحتجاز تطور المنطقة أو بدورها في إلحاق الهزائم بأية دولة عربية يمكن أن تتحول إلى مركز قومي. وقد يكون من أحدث الإثباتات على ذلك ما صرح به جون بولتون، مؤخراً، بأن أميركا كانت تريد من إسرائيل تدمير حزب الله تماماً، وما أوردته صحيفة يديعوت أحرونوت، مؤخراً، بأن الرئيس الفرنسي جاك شيراك أرسل إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت يطلب منه أن تقوم إسرائيل باحتلال سورية في حربها على لبنان وبإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وأن فرنسا جاهزة لمساعدتها.

يبين الجدول التالي تدفق الاستثمارات إلى إسرائيل، وهي في أغلبها من دول المركز الرأسمالي الغربي بالطبع.

الاستثمار الأجنبي في إسرائيل 1991-2002


السنة

مباشر ببلايين الدولارات

ضمانات المتاجرة ببلايين الدولارات

المجموع ببلايين الدولارات

1991-1993

2

4

6

1994-1996

4.1

6

10.1

1997-1999

6.5

8.8

15.3

2000-2002

8.8

6.9

15.7

المصدر: بنك إسرائيل.

لكن ما يفسر الظاهرة بشكل أفضل أن الاستثمار الأجنبي بقي متدفقاً إلى إسرائيل رغم خسارتها الحرب الأخيرة. فقد وصل الاستثمار الأجنبي المباشر في إسرائيل لعام 2006، إلى 2ر14 مليون دولار. بل كان الاستثمار الأجنبي قياسياً في ذلك العام. وربما ارتفع كثيراً نظراً لشراء شركة بركشاير هاثاوي التابعة للمستثمر العالمي (وارن بافت) حيث دفعت 4 مليارات دولار لشراء 80 بالمائة من شركات إسكار متا لويركنج. كما كان من أبرز الاستثمارات صفقة شراء أجنبية لأسهم مصفاة حيفا ب 400 مليون دولار.

ولكن حتى بعيداً عن هذه الصفقة، وتلك، فإن استثمارات أجنبية بمقدار عشرة مليارات دولار هي بكل المعايير مقدار ضخم لسنة حرب ووضع مهزوم.

إضافة إلى هذا، فقد واصلت الاستثمارات الأجنبية تدفقها إلى إسرائيل في العام الحالي على الرغم من نتائج قراءات الهزيمة، وتناقر الدِيَكة بين قياداتها وثبوت تهم الفسادين المالي والأخلاقي ضد قممها القيادية بألوانها الفكرية وتنوعاتها الحزبية. فقد وصلت إلى إسرائيل في شباط من هذا العام 415 مليون دولار كاستثمارات أجنبية مباشرة، وبلغ مجموع الاستثمار الأجنبي المباشر في إسرائيل هذا العام 1ر1 مليار دولار. (جريدة القدس، 13-3-2007)

حرب لم تؤثر على النمو الاقتصادي

كما لم تؤثر الحرب على الاستثمار الأجنبي، فإنها لم تؤثر على النمو الاقتصادي في إسرائيل. لا بل إن الأمرين مترابطان سببياً. قد تكون الحرب مع حزب الله من الحروب الطويلة نسبياً في الصراع العربي الإسرائيلي إذ دامت ثلاثة وثلاثين يوماً، وبرأي البعض ستة أسابيع. ورغم طول هذه الحرب مقارنة بغيرها وبالقرار الإسرائيلي المعروف تقليدياً، بأن أية حرب تخوضها إسرائيل يجب أن لا تكون طويلة، إلا أن من أهم وقائعها أنها دفعت قرابة ثلث السكان إلى الشوارع هرباً من الصواريخ التي كان بوسعها الذهاب إلى "ما بعد ما بعد ما بعد حيفا!". وهم السكان الذين اعتادوا "الأمان التام" في الحرب حتى لو طالت. وهو أمان نجم في الأساس عن التفوق التسليحي الإسرائيلي، ناهيك عن توفر الجاهزية الأميركية لمد جسر التعويض التسليحي لإسرائيل أثناء الحرب كما حصل في أكتوبر 1973، كما يقوم هذا الاعتقاد على تراث عدم دخول أي جندي وأية قذيفة عربيين إلى العمق.

قادت هذه الحرب إلى إغلاق كافة الصناعات في الشمال طوال فترة استمرار الحرب، واشتمل ذلك على خسائر أصحاب الأعمال والعمال والمزارعين.

لكن السؤال المفارق هنا: لماذا لم يكن لهذه الحرب تأثيرها القاسي على النمو الاقتصادي؟

طبقاً لتقديرات مكتب الإحصاء لإسرائيل، فإن الإنتاج الأهلي الإجمالي لإسرائيل نما في الربع الأخير من عام 2006 (عام الحرب) بنسبة 8 بالمائة بمعنى أن الحرب أدت إلى تباطؤ النمو في الربع الثالث من عام 2006 ليصل إلى 7ر0% أي اقل من واحد بالمائة، وهو الربع الذي دارت الحرب في جزء منه، إلا أن الربع الرابع لنفس العام شهد نمواً عالياً.

فقد بين مكتب الإحصاء المركزي لإسرائيل أن الإنتاج الأهلي الإجمالي هناك نما بنسبة هائلة قدرها 8 بالمائة بينما تدنى النمو في الربع الثالث إلى 7ر0% وكان النمو في الربع الثاني من العام نفسه 3ر6% وهو الربع السابق للحرب. وبهذا تكون نسبة النمو للعام بمجمله 1ر5% مقارنة بنسبة نمو للعام السابق عليه 2005 وهي 2ر5%. وقد يكون التفسير الأقرب لهذا النمو في العقد الرابع لعام 2006 هو تحرك الطلب المُعاق نتيجة الحرب ليحقق نفسه في الربع الأخير.

إن قراءة أخرى ضرورية لهذه الأرقام. فإذا كان النمو المعاق "مؤقتاً" للطلب قد جرى تعويضه في أعقاب الحرب، فليس شرطاً أن يكون توزيع ناتج النمو توزيعاً منصفاً، حتى لو كان الطلب اللاحق هو الذي رفع الإنتاج الأهلي الإجمالي بنسبة 8% في الربع الأخير من نفس عام الحرب. فقد كانت هناك شكاوى كثيرة من أصحاب الأعمال والمساكن المتضررة مفادها أنهم لم يحصلوا على التعويضات المناسبة عن خسائرهم.

وعليه، فإن للحرب آثارها الاقتصادية على قطاع المنتجين وملاك الصناعات من جهة، وآثارها الاجتماعية التي تشير إلى تزايد عدم المساواة من جهة ثانية.

لا توجد بعد تقديرات فيما إذا أدت الحرب إلى توقف الشحن إلى الخارج، أي إعاقة صفقات كان يجب أن تخرج وأن تصل إلى مستورديها في تاريخ معين، وبالتالي أعاقت الحرب تسليمها أو استلام صفقات مستوردة. ولا نعرف بعد كذلك كيف تعاطى المستوردون وخاصة من الإتحاد الأوروبي مع إعاقة التسليم، أي هل حصل تعاطٍ سياسي وليس محض اقتصادي مع هذه الأمور الطارئة؟

كما دارت أقاويل بأن التعويض للعرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر كان أقل مما هو لليهود المتضررين من الحرب.

وباختصار، لأن الحساب العام للنمو شأنه شأن تقدير متوسط دخل الفرد فإنه يبقى بالمتوسط ولا يعني بالقطع تساوي المداخيل. وهنا أهمية هذا الأمر في إسرائيل التي تعتبر نفسها وتهتم بأن تكون " دولة" ترضي مختلف المواطنين كي يبقى تمسك وتماسك هؤلاء بالدولة وأيديولوجيتها وعدواناتها في درجة عالية.

حتى الآن، نتحدث عن إسرائيل الدولة والإنتاج المحلي هنا "إسرائيل الأولى"، فماذا عن إسرائيل الثانية "إسرائيل المخزون المالي" أي يهود العالم ولا سيما في الولايات المتحدة. هل حُسبت تبرعاتهم الهائلة دوماً لا سيما في أعقاب الحرب؟ ولا نتحدث هنا عن إسرائيل الثالثة "المخزون البشري ليهود العالم"

وهناك جانب آخر في حسابات كلف الحرب لا يظهر في حساب معدل النمو الاقتصادي وهو النفقات غير المنظورة للحرب. فهل يُعقل أن لا تكون كلف الحرب قد أثرت على الاقتصاد الإسرائيلي؟ وهي كلف كبيرة سواء من حيث تحريك عشرات آلاف الجنود بناقلاتهم ودباباتهم، والمقدار الهائل من القذائف التي ألقيت على لبنان وخاصة الجنوب، وكلفة واستهلاك وإهلاك تحريك سلاح الطيران في ذلك العدوان، وحتى سلاح البحرية.

قيل في إسرائيل العام 1973 إن حرب أكتوبر كلفت إسرائيل بمقدار الإنتاج الأهلي الإجمالي لها في ذلك العام. فمن الذي عوض ذلك. وحتى الآن لا توجد تقديرات لكلف هذه الحرب، أو على الأقل، إعادة تعبئة مخازن الذخيرة وقطع الغيار والدبابات والمركبات المحترقة ونسبة إهلاكها، والوقود...الخ أم أن هذه تندرج في نظرية "التدمير الخلاق" التي كررتها السيدة رايس، والتي يكمن أساسها في نظرية الاقتصادي الأميركي المعروف من أصل ألماني، جوزيف شومبيتر؟ وهنا تكون الحرب محرك نموٍ، بل المحرك الأساسي للنمو. وفي حالة إسرائيل يكون الإنفاق خارجياً. وإذا صح تقديرنا هذا، فهو يتساوق مع التفسير السياسي لحروب إسرائيل ولا سيما هذه الحرب التي خاضتها إسرائيل بالنيابة، وقد تخوض غيرها في الصيف القادم، أي الوظيفة الحربية كجزء من الدور الوظيفي لإسرائيل في المنطقة.

وعليه، يمكن القول إن إسرائيل لا تبين هذه الخسائر في حسابات الإنتاج الأهلي الإجمالي لأن تعويضها يتم كعائدات غير منظورة. وإذا صح هذا، تكون ميزانية الجيش والحرب في إسرائيل منقسمة إلى قسمين: قسم مُدرج وآخر غير مدرج إلى جانب المساعدات العسكرية الممنوحة بالطبع. وبالتالي يمكن لها أن تظهر في الحسابات الأميركية وليس الإسرائيلية وتكون على حساب دافع الضريبة الأميركي، وهذا يفتح على بعد آخر هو: أن إسرائيل تخوض حقاً حرباً وتلعب دوراً وظيفياً في المنطقة. وهذا ليس موضوعنا.

من جهة ثانية، حققت إسرائيل فائضاً في كانون الثاني من العام الجاري بمقدار 3ر4 بليون شيكل حسبما صدر عن المراقب العام لوزارة المالية الإسرائيلية. ويعتقد المحللون الإسرائيليون أن شهر كانون الثاني طالما حقق فوائض، وذلك راجع إلى كون نفقات الحكومة تُحسب على أساس موسمي وتميل إلى الانخفاض، في حين يكون دخل الضرائب عالياً. فقد وصل الفائض في كانون الثاني من العام 2005 إلى 9ر4 بليون شيكل وفي العام 2006 إلى 6ر5 بليون شيكل.

فقد أنفقت الدولة 1ر14 بليون شيكل في كانون الثاني أي بأقل من ما كان مخططاً له. وكانت مداخيل الضرائب هي 4ر17 بليون شيكل (وهذا رقم عال مقارنة مع أي شهر)، وأعلى ب 7ر6 بالمائة من كانون الثاني الماضي (لهذا العام). كما وصلت مداخيل الضرائب في آب 2006 إلى 1ر17 بليون شيكل، لكن هذه تتضمن مدفوعات ضرائب لمرة واحدة بمقدار 7ر3 بليون شيكل وهي متأتية من بيع شركة إسكار لشركة وارن بافت Warren Buffett لكن مصادر الخزينة تقول إن نتائج شهر كانون الثاني لا تمثل أي مؤشر ينسحب على الإنفاق في المستقبل.

نمو الإنتاج الأهلي الإجمالي لسنوات مختارة

لا شك أن النمو الاقتصادي لسنة الحرب هو نمو متميز بما هي سنة حرب من جهة، وبما أن النمو فيها ظل في أعلى نسب النمو في العقود الأخيرة للاقتصاد الإسرائيلي، من جهة ثانية.

Economic Growthالنمو الاقتصادي

الإنتاج المحلي الإجمالي لعدة سنوات

1990

6.2%

1991

5.9%

1992

6.7%

1993

3.3%

1994

7%

1995

6.8%

1996

5%

1997

3.3%

1998

2.4%

1999

2.3%

2000

5.9%

2001

-0.9%

2002

-0.7%

2003

1.3%

2004

4.2%

المصدر: وزارة الخارجية الإسرائيلية، وزارة المالية الإسرائيلية

يتناول الجدول أعلاه خمس عشرة سنة، بنمو متوسط لهذه الفترة يصل إلى 3ر4% سنوياً، وهذه نسبة عالية مقارنة بالنمو في بلدان المركز الرأسمالي الغربي، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مجتمعين ومنفردين. فحينما يصل النمو في المركز إلى ما فوق5ر2- 8ر2 بالمائة يكون الوضع جيداً!.

يُظهر النمو السالب لعامي 2001 و 2002 والنمو الضعيف لعام 2003 تأثير الانتفاضة الثانية على الاقتصاد الإسرائيلي. وقد يكون هذا التأثير الملموس، مقارنة مع تأثير الحرب على لبنان، ناجما عن الامتداد لهذه الحرب وليس عن الشَدّة كما هي حال الحرب على لبنان. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن لتراجع الاستهلاك الفلسطيني من المنتجات الإسرائيلية دوره في هذا المستوى مما يعني توقف نسبة عالية من القطاع الإنتاجي الكلاسيكي وخاصة الغذائي الذي يُسوق منتجاته بنسبة عالية بالاعتماد على أسواق الضفة والقطاع.

كما نلاحظ من الجدول أن الحرب على العراق في 1991 لم تؤثر على النمو الاقتصادي في إسرائيل، رغم إعلان حالة الطوارئ، حيث ظلت من أعلى نسب النمو في الفترة المعطاة.

(رام الله)